الدماء الباردة

متى كان الموت طريقا للحياة ؟! هكذا سالت نفسى حينما حملت كميرا قناة النيل للأخبار .... كل هؤلاء الذين يرتدون أقنعة وبدون أقنعة يبحثون عن الموت ... أن الحياة ثمينة فبما تقدر؟! وأنا من أتوارى أحيانا خلف الكاميرا ارصد الموقف وأحيانا خلف الجدران أو منبطحا على وجهى فى السيارة نظرت وجهه المقنع ذات مرة فأجابنى من خلال عينيه دون سؤال منى ( إن الحياة لا تعنى شئ للسجناء فى نفوسهم وسجن كبير هو الوطن المحتل ماذا يفعل طائر تعود الطيران سجنوه فى عشه والأرض كلها ذات يوم ملكا لأجنحته؟! أجبنى أنت )
انطلقت رغما عنى تأوهات يملؤها العذاب والحزن انقطعت بوصول الرصاص إلى مكانى فاحتميت بمنزل قريب لأستطيع اتقاء الرصاصات وأصور من حيث لا يدرى احد مشاهد مؤلمة لكن تملكنى شئ من الخوف لعل هذه الطائرة العسكرية التى تحلق فى سماء المدينة تقصف المنزل أو يتصيدنى جندى من الجنود الذين لا رحمة فى قلوبهم فأموت موتا باردا كما أرى كل يوم واسمع ... تملكنى الحذر فالموت يحيط بى من كل جانب ... سماء ... أرض تسلقت درجات السلم فى حذر عميق إلى الدور الثانى أو الثالث فلقد كان يتملكنى الخوف فلم أدرك فى أى دور أنا وفى أثناء صعودى ضربت الكلمات العبرية أذني فما ظنى إلا أنى هالك لا محالة كلمات تعرفت إلى معناها من قاموس التعامل اليومى مع اللجان فى هذا الوطن ( قف عندك .. وجهك إلى الحائط ... ارفع يديك ... ) ثم يقوموا بتفتيشى ويكادون نزع ملابسى عنى .... لم أتمالك نفسى ... فوقفت دون حراك ... يدور بخلدى كيف سأموت موتا باردا مثلما أرى من خلال عدساتى الخاصة لكن هذه الكلمات تختلف عن الكلمات التى سمعتها من قبل وتأتينى من مكان ليس ببعيد جالت عينى المكان فوجدت النافذة التى يصدر منها الصوت واتتنى الشجاعة والحيطة ونظرت من النافذة ... رجل مكبل اليدين ذو لحية كثة سمراء داكنة ولم يسكن الشاب تحت الأنف وعينان تلمعان ببريق خاص لم أرى مثله فى البشر قط ... رفعت كميرتى من حيث لا يدرون لأرصد ما يفعلون ويشهد العالم على أن لا مقام للاحتلال فى وطننا وكن هل سيظل العالم منافقا كعادته ينصر الظالم على المظلوم أننى سأفعل ما يجب على فعله وساترك العالم لضميره .
************
يحوم الجندى حوله كالذئب خائفا من فريسته ينتظر غفلتها وتنضم إليه أربعة ذئاب أخرى متعطشة لدم الفريسة ... حدثه الحائم بلغة عربية لزيادة التعذيب بالكلمات قبل البنادق والرشاشات .
هل رأيت أيها العربى من قبل عربى آخر يبحث عن عينيه هه؟
لم يعره اهتمام لحديثه ليظل مستمرا .
بالطبع لا ... ولكن سأعطيك فرصة البحث ... وأتمن أن تكون شيقة لك مثلما ستكون شيقة لنا لم يبدى الرجل سوى ابتسامة ساخرة ... التى يجيبه عليها جندى آخر .
أحيانا يبتسم العربى عند الموت .. أليس كذلك يا جو ؟
يقهقه جميع الجنود فى نشوة ... ويقف الرجل منتظرا الموت بدماء باردة بشجاعة ... وانبثقت من شفتاه بعد صمت .
ان الموت من اجل الأوطان فخر وشهادة أما الموت من اجل السرقة فلا شرف فيه ؟
ولكنك ستموت موتا باردا .
اعلم .. لكن سيأتى من خلفى جنود مثقلة الهموم حريصة على استعادة حقها .
ارتفع الأذان فوق المآذن ودقة أجراس الكنائس ... دب الروع فى صدورهم .. أرادوا صم آذانهم ولكنهم لم يستطيعوا وصرخ فيهم بقوة .
ستزول إسرائيل ... ستزول مادام العنف ... وانتم تعضوا عليها بالنواجز مع علمكم بزوالها
حك الجندى ارمه غيظا .
لقد صبرنا عليك قادرين .
أى قدرة ؟ السلاح لكن لا قدرة لكم أمام إيماننا بالحق .
رفع الجندى رشاشه ليقترب به إلى عينيه .
هيا أرنا الآن كيف تبحث عن عينيك .
وضرب سنبك رشاشه فى عينيه ثم اخذ يضحك ضحكات هستيرية .
حان الوقت للبحث أيها الغبى .
فك وثاقه ليتركه ينزف ويتألم حتى الموت .
انزلقت دموعى رغما عنى آسفة على ما حدث وما يحدث لنا ... أمازالوا ينادون فى العالم بحقوق الإنسان والحيوان والبيئة وهنا يبحث البعض عن عينيه وماذا افعل ؟ لا املك سوى هذه الكاميرا وهى وما بها سلاحى الأول تقهقرت إلى الخلف بعد التصوير لأتوارى خارج المنزل فى احد الجدران لأرقبهم يخرجون فى هستريتهم وقد تركوا خلفهم صراخا وعوي
 

عودة
أعلى