التصفح للزوار محدود

خالي ..

فارس عمر

مشرف منتدى القصص والرواياترياضات وإبداعـات متحدي ا
خالي

في بداية القرن العشرين الماضي , وقبيل انتهاء الحكم العثماني من بلاد الشام وبقية الوطن العربي .
استقدمت أسرة أجدادي عالم دين من منطقة عكار شمال طرابلس الشام .
ليتولى إمامة الجامع في بلدتنا الواقعة ضمن حدود ولاية طرابلس تلك الأيام .
كان ذلك الرجل التركماني الجذور , وخريج المدرسة الحميدية في منطقة طرابلس , كان جدي والد والدتي ,
رحمهما الله .
حينها كانت سوريا ولبنان بلداً واحداً .

عاش ومات في بلدتنا وخلف أبناء وبنات , منهم خالي : عبد الوهاب , عنوان هذه القصة .

الزمان : اليوم الثاني من رمضان عام 2008 م

بعد تناول إفطاري أنا وأسرتي , وبعد تأدية صلاة المغرب , ارتديت لباسي الرياضي وتوجهت سيراً لزيارة خالي , المقيم وزوجته في نفس الحي الذي أسكنه , وغالباً ما أسلك هذا الطريق بشكل يومي , لممارسة برنامج المشي الذي اعتدت عليه منذ سنوات , طريق مستقيم تحفه من جهة اليسار غابة أشجار الكينا , وتتوضع داخل الغابة المصطنعة تلك , مقاعد للمتنزهين .

باركت لخالي وزوجته بحلول شهر رمضان المبارك .
أسرع خالي بقوله : لقد طبعوا لي كتابي : ( رحلة العمر ) , وهذه نسختك .
وكتب عليها إهداء جميل لي .


خالي : سأعرفكم عليه قليلاً , يا أحبائي .
عمره ( 89 ) عاماً , ومن يراه لا يظن إلا أن عمره حوالي الخمسين فقط , أو أكثر قليلاً .
كان وما زال المثل الأعلى بالنسبة إلي في أمور الحياة .

حكم عليه بالإعدام مرتين من قبل الحكومات اللبنانية في مرحلة الستينات من القرن الماضي .
ومن الحكومات السورية في تلك الفترة .
حيث كان من الأعضاء الفاعلين بأحد الأحزاب المحظورة حينها في سوريا ولبنان .
طبعاً اختلف الأمر تماماً الآن , فحزبه المنتمي إليه الآن من الأحزاب المرخص لها في البلدين .
وكان في فترة الستينات من القرن الماضي , المسؤول العسكري , بأهم انقلاب قام به حزبه في لبنان , ولكن لم يكتب له النجاح .
فلوحق أعضا أعضاء الحزب , وحكم على خالي بالإعدام حينها , لكنه استطاع الفرار سيراً على الأقدام إلى الأراضي السورية وصولاً إلى قرى منطقة الكفرون السياحية حيث كنا نقيم هناك كل صيف .
كنت حينها فتى يافعاً .
جلست أستمع إلى التفاصيل التي كان يرويها لوالدتي رحمها الله , ولما علمت بأن الإعدام مصيره .
بكت بحرقة , وارتعبت , لكنه ضحك وقال لها : لن أسمح لهم بأن يلقوا القبض عليّ , حتى السلطات السورية سأدوخها , ولن أسمح لهم بتسليمي للسلطات اللبنانية .
سأغادر الأراضي السورية وصولاً للأردن , دون المرور على نقاط العبور , وعندما أصل الأردن , ينتهي الخطر , ومن هناك سأخبركم وانطلق إلى إحدى الدول الأفريقية إلى أن تهدأ الأمور .

فعل ما قصّه علينا بالضبط , وعلمنا أنه استقر في غانا وعمل بها .

ثلاثون عاماً متواصلة , لم يستطع خلالها زيارة أسرته في لبنان أو أخواته في سوريا , لكنه صار رجل أعمال ناجح في غانا .
في منتصف التسعينات من القرن الماضي , صدر عنه وعن رفاقه عفواً من السلطات اللبنانية .
فقرر أن يقيم بقية عمره في سوريا , فقد تزوج كل أولاده وانتقلوا للعيش قي الولايات المتحدة مع أمهم . ثم توفت زوجته أم أولاده هناك .
في سوريا استقر في مدينة حمص وبالحي ذاته الذي أقطن به وتزوج من سيدة سورية من عائلة عريقة .
تابع نشاطه السياسي متنقلاً أحياناً بشكل يومي بين سوريا ولبنان جاهداً لتقوية حزبه السياسي وخاصة بعد أن رخص لحزبه في سوريا .
وتابع نشاطه التجاري بين سوريا ولبنان .
لقد كان جوهر المبدأ في حزبه الوحدة السورية اللبنانية , من هذا المنطلق المبدأي كان يسعى لتوطيد الوحدة الاقتصادية بين البلدين .
وكان العدو الأول لحزبه هم اليهود والكيان الصهيوني , ويسعون بكل الطرق لمحاربته .

طلبت منه قيادته الحزبية منذ سنوات أن يكتب مذكراته , لتكون أرشيفاً لتاريخ الحزب .
و كنت أشجعه دائماً أن لا يتوقف عن الكتابة كلما انشغل بإعماله .
وقيادته تتصل به دائماً تسأله : ألم تنتهي من كتابة مذكراتك ؟؟؟

رحلة العمر
هو اسم ذلك الكتاب الذي قدم لي نسخة منه في اليوم الثاني من رمضان
.
في اليوم السادس من رمضان كنت في مدينة حلب أزور أبني المقيم فيها . تلقيت في أول يوم وصلت لحلب هاتفاً من زوجة خالي , تعلمني فيه أن خالي أصيب بجلطة دماغية مفاجئة , سببت له شلل نصفي بالجهة اليمنى ..
تناولت إفطاري وعدت مسرعاً لحمص , لأرى خالي .
كان منزله يغصّ بالزوار من سوريا ولبنان , رجالاً ونساءً .
كان يشاركهم الحديث عن أوضاع الحزب وصوته يعلو ولكن لسانه وفمه ملتويان .
وعندما شاهدني ,و كأنه جبل و هوى .
وأجهش بالبكاء قائلاً :
سامحني يا بن أختي , أدركت الآن , أنك أقوى مني , أشعر يا خالي أنني انهرت تماماً .
أنا لست إلا نمراً من ورق يا ابن أختي .. قالها ودموعه تنهمر من عينيه .
كنت أراك وأنت تمارس حياتك كالناس العاديين وكنت أظن أن أمر إعاقتك بسيط جداً .
لكنني الآن أشعر أنني رجل منتهي , كيف استطعت يا بن أختي أن تعبر هذا الشعور ؟؟

تمالكت نفسي أمام دموع هذا الطود الذي لم يعرف الدموع يوماً , ولم يخاف الموت سابقاً .

لم أخرج من عنده , إلا والضحكات العالية تصدر منه ومن الجميع , لدرجة أنهم مسحوا الدموع من شدة الضحك .
حدثته عن عدد المرات التي وقعت بها أرضاً وأنا أرغم نفسي على السير وعلى صعود السلالم , وكيف ذهبت أخيراً إلى تركيا وقضيت هناك شهراً كاملاً دون مرافق .

أنا أعرف مشاعر الصدمة التي تحيط بمن يصبح معاقاً دون إنذار .
صرت أذهب إليه يومياً بعد الإفطار وأرغمه على السير على قدميه وأطلب منه أن يأكل بيمينه وأن لم يستطع فبيساره , كما أحضرت له عدة الحلاقة وطلبت منه أن يحلق ذقنه بيديه , بعد أن كانت زوجته تسنده بمشيته , وتلبسه وتطعمه بيديها .
فبدأت معنوياته بالتحسن , وصار يمشي يومياً على شرفة منزله الطويلة بمفرده , أثناء النهار , وقبل حضوري , وصار يتحاشى الكلام اليائس الذي سمعته منه في اليوم الأول , كما بدأ يخطو عندما يراني ويقول لي : هل سأشفى وأعود مثل قبل ؟ وهو ينظر إلى يدي اليسرى التي لا أستطع استخدامها , وكأن عينيه تقول : ستصبح يدي اليمنى كيد ابن أختي اليسرى دون حركة .
لكنني أجيبه : أنت يا خالي إصابتك أخف من إصابتي , فاستعن بالله وتدرب دائماً على الحركة ولا تخف .
لست أدري فعلاً يا أحبائي , فكلما أعود للمنزل ينتابني حزن عميق على حال خالي , وأدعو الله له أن يشفيه ويعيد له صحته .
وكل ما أتمناه من قلبي أن لا يؤثر ذلك على معنوياته التي كانت معنويات الشباب .
وأكثر ما أخشاه أن ينهار هذا الرجل الذي كان مثلاً أعلى بالنسبة إليّ بما يمتاز من شجاعة وإقدام وكفاح وإخلاص لمبادئه الخاصة .
وحبه للناس وللوطن .
لكنني عاهدت نفسي أن أبقى قربه حتى يجتاز هذه المحنة الصعبة

كتبت هذه القصة في العام الماضي بشهر رمضان .

قبل أن يمضي عام , وقبيل رمضان هذا العام .
كنت في الريف أتابع أمراً يتعلق بمنزلي هناك .
توفي خالي قبل رمضان بأسبوع . رحمه الله .
وكان قد أوصى أن يدفن قرب قبر والده في مسقط رأسه .

 
رد: خالي ..

مسااااحه محجووووووووزه
لي عوووده بمشيئة الله
شكرآ لك عمووووو
 
رد: خالي ..

الله يااخ فارس قصة عن شخصين ذوي ارادةعجيبة انت وخالك
الله يرحمه صراحة قصةاثرت فيني لا ادري صراع لا يخوضه الا الانسان القوي
الله يجعل مثواه الجنة ويعطيك الف مليون عافية فارس على هذه القصة العظيمة
 
رد: خالي ..

رحمه الله عليه الاخ فارس

هكذا هى الحياة

ولكن يكفى ان يشهد له التاريخ

شكراً لك
الشكر الجزيل لك, أختنا الفاضلة : تاتي

كلماتك تركت أثراً طيباً .
 
رد: خالي ..

حفظتها لاقرائها على مهل


شكرا لك عمو فارس

والله يرحم خالك وكل مواتانا وموتى المسلمين
 
رد: خالي ..

الله يااخ فارس قصة عن شخصين ذوي ارادةعجيبة انت وخالك
الله يرحمه صراحة قصةاثرت فيني لا ادري صراع لا يخوضه الا الانسان القوي
الله يجعل مثواه الجنة ويعطيك الف مليون عافية فارس على هذه القصة العظيمة

الأخت الفاضلة : عين حالمة
شكراً لردّك الطيب .
بارك الله بك
 
رد: خالي ..

مسااااااحه ثانيه للتعليق
هههههههههههههه

والله العظيم قصه محزنه للغايه
الله يرحمه ويرحم والدي وسائر اموات المسلمين

ماكل شخص يتمتع بقوة الاراده
ارى ذلك الشئ عند اصابة زوجي
وشبه الاعاقه التي المت به ؟؟

فيبدو ان كل عسكري جبل بضم الجيم على قوة الاراده والصبر والتحدي
فهاهي عدة نماذج تتسطر حولي انت وخالك خير مثاااال

الله يعطيك العافيه
وتسلم يمينك
 
رد: خالي ..

الايمان بالله
روح التحدى
المحبة والعطاء
الانسانية الرائعة
كل هذا توفر
فى عناصر المنظومة الرائعة
شكرا لك عمو فارس ......................afaf

 
رد: خالي ..

أرجو أن تكون قد نالت إعجابكَِ تلك الأحداث , أختنا الغالية : ام حسام
الرحمة على كل المسلمين
شكراً لكِ
 
رد: خالي ..

التفائل والامل ورفع الروح المعنويه بالنسبه للشخص المصاب من أسباب العلاج بعد الله سبحانه وتعالي !!
بالفعل عمو انت وخالك غفر الله ذنبه ورحمه واسكنه فسيح جناته ووالدي وجميع موتى المسلمين
تعتبران نموذجا للصبر على البلاء ...
بارك الله في عمرك عمو واطاله على العمل الصالح فيما يحبه الله ويرضاه!!

الدانه
 
رد: خالي ..

عمو فارس
متعه قراءتك لاحدود لها بالامانه


فاكتب واعلم انني بالقرب



لاننا نتتبع الجمال ونستشعره..
ندى الايام تحييك
 

عودة
أعلى