:::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

ام فطوم

Well-known member
TkRoNi_SkNegdhHO.gif



مجالس شهر رمضان المبارك
تأليف: محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله




المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.

أما بعد:

فهذه مجالس لشهر رمضان المبارك، تستوعب كثيراً من أحكام الصيام والقيام والزكاة وما يناسب المقام في هذا الشهر الفاضل، رتبتها على مجالس يومية أو ليلية، انتخبت كثيراً من خطبها من كتاب: " قرة العيون المبصرة بتلخيص كتاب التبصرة "، مع تعديل ما يحتاج إلى تعديله، وأكثرت فيها من ذكر الأحكام والآداب لحاجة الناس إلى ذلك، وسميته : "مجالس شهر رمضان"
أسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصاً لله، وأن ينفع بها، إنه جواد كريم.
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

المجلس الأول: في فضل شهر رمضان


الحمد لله الذي أنشأ وبرأ، وخلق الماء والثرى، وأبدع كل شيء وذرأ، لا يغيب عن بصره صغير النمل في الليل إذا سرى، ولا يعزب عن عمله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}


خلق آدم فابتلاه ثم اجتباه فتاب عليه وهدى، وبعث نوحاً فصنع الفلك بأمر الله وجرى، ونجى الخليل من النار فصار حرها برداً وسلاماً عليه فاعتبروا بما جرى، وآتى موسى تسع آياتٍ فما ادكر فرعون وما ارعوى، وأيد عيسى بآيات تبهر الورى، وأنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم فيه البينات والهدى. أحمده على نعمه التي لا تزال تترى. وأصلي وأسلم على نبيه محمد المبعوث في أم القرى صلى الله عليه وعلى صاحبه في الغار أبي بكر بلا مرا، وعلى عمر الملهم في رأيه فهو بنور الله يرى، وعلى عثمان زوج ابنتيه ما كان حديثاً يفترى، وعلى ابن عمه عليّ؛ بحر العلوم وأسد الثرى، وعلى بقية آله وأصحابه الذين انتشر فضلهم في الورى، وسلم تسليماً:

إخواني: لقد أظلنا شهر كريم، وموسم عظيم. يعظم الله فيه الأجر ويجزل المواهب، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهبات، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان}، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، اشتهرت بفضله الأخبار، وتواترت فيه الآثار.
ففي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين". وإنما تفتح أبواب الجنة في هذا الشهر؛ لكثرة الأعمال الصالحة وترغيباً للعاملين، وتغلق أبوابالنار؛ لقلة المعاصي من أهل الإيمان، وتصفد الشياطين فتغل فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك. وتُصَفَّد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره. ويغفر لهم في آخر ليلة" قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر ؟. قال: "لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله".
أخواني هذه الخصال الخمس ادّخرها الله لكم، وخصكم بها من بين سائر الأمم، ومَنَّ بها عليكم ليتمم بها عليكم النعم، وكم لله عليكم من نعم وفضائل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
الخصلة الأولى: أن خَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.والخلُوف بضم الخاء أو فتحها: تغير رائحة الفم عند خلو المعدة من الطعام وهي رائحة مستكرهة عند الناس، لكنها عند الله أطيب من رائحة المسك؛ لأنها ناشئة عن عبادة الله وطاعته، وكل ما نشأ عن عبادته وطاعته فهو محبوب عنده سبحانه، يعوِّض عنه صاحبه ما هو خير وأفضل وأطيب، ألا ترون إلى الشهيد الذي قتل في سبيل الله يريد أن تكون كلمة الله هي العليا، يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، لونه لون الدم وريحه ريح المسك، وفي الحج يباهي الله الملائكة بأهل الموقف فيقول سبحانه: "انظروا إلى عبادي هؤلاء، جاؤوني شعثاً غبراً" رواه أحمد وابن حبان في صحيحة. وإنما كان الشّعث محبوباً إلى الله في هذا الموطن؛ لأنه ناشئ عن طاعة الله باجتناب محظورات الإحرام وترك الترفه.
الخصلة الثانية: إن الملائكة تستغفر لهم حتى يُفطروا. والملائكة عباد مكرمون عند الله، {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، فهم جديرون بأن يستجيب الله دعاءهم للصائمين، حيث أذن لهم به، وإنما أذن الله لهم بالاستغفار للصائمين من هذه الأمة تنويها بشأنهم ورفعة لذكرهم وبياناً لفضيلة صومهم. والاستغفار: طلب المغفرة وهي ستر الذنوب في الدنيا والآخرة والتجاوز عنها، وهي من أعلى المطالب وأسمى الغايات، فكل بني آدم خطّاؤُن مسرفون على أنفسهم، مضطرون إلى مغفرة الله عز وجل.
الخصلة الثالثة: أن الله يزين كل يوم جنته ويقول: "يُوشِكُ عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك".فيزين تعالى جنته كل يوم تهيئة لعباده الصالحين، وترغيباً لهم في الوصول إليها، ويقول سبحانه: "يوشك عبادي الصالحون أن يُلقوا عنهم المؤونة والأذى" يعني: مؤونة الدنيا وتعبها وأذاها، ويشمروا إلى الأعمال الصالحة التي فيها سعادتهم في الدنيا والآخرة والوصول إلى دار السلام والكرامة.
الخصلة الرابعة: أن مردة الشياطين يُصفّدون بالسلاسل والأغلال، فلا يصلون إلى ما يريدون من عباد الله الصالحين من الإضلال عن الحق والتثبيط عن الخير.وهذا من معونة الله لهم أن حبس عنهم عدوهم الذي {يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، ولذلك تجد عند الصالحين من الرغبة في الخير والعزوف عن الشر في هذا الشهر أكثر من غيره.
الخصلة الخامسة: أن الله يغفر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في آخر ليلة من هذا الشهر إذا قاموا بما ينبغي أن يقوموا به في هذا الشهر المبارك،من الصيام والقيام تفضلاً منه سبحانه بتوفية أجورهم عند انتهاء أعمالهم، فإن العامل يوفى أجره عند انتهاء عمله. وقد تفضل سبحانه على عباده بهذا الأجر من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه شرع لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سبباً لمغفرة ذنوبهم، ورفعة درجاتهم، ولولا أنه شرع ذلك ما كان لهم أن يتعبدوا لله بها، إذ العبادة لا تؤخذ إلا من وحي الله إلى رسله، ولذلك أنكر الله على من يَشْرَعُون من دونه، وجعل ذلك نوعاً من الشرك، فقال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
الوجه الثاني: أنه وفقهم للعمل الصالح، وقد تركه كثير من الناس، ولولا معونة الله لهم وتوفيقه ما قاموا به، فلله الفضل والمنة بذلك {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
الوجه الثالث: أنه تفضل بالأجر الكثير: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، فالفضل من الله بالعمل والثواب عليه، والحمد لله رب العالمين.
إخواني: بلوغ رمضان نعمة كبيرة على من بلغه وقام بحقه، بالرجوع إلى ربه من معصيته إلى طاعته، ومن الغفلة عنه إلى ذكره، ومن البعد عنه إلى الإنابة إليه:

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبِ ******** حتى عصى ربه في شهر شعبان

لقد أظلك شهر الصوم بعدهما ********* فلا تُصَيره أيضاً شهر عصيان
واتل القران وسبح فيه مجتهداً************ فإنه شهر تسبيح وقرْآنِ
كم كنت تعرف ممن صام في سلف ********** من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهمُ حيا********** فما أقرب القاصي من الداني



اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، ووفّقنا للتزّود من التقوى قبل النّقلة، وارزقنا اغتنام الأوقات في ذي المهلة، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
التعديل الأخير:
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

المجلس الثاني: في فضل الصيام

الحمد لله اللطيف الرؤوف المنان، الغني القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، الأول فلا شيء قبله، الآخر فلا شيء بعده، الظاهر فلا شيء فوقه، الباطن فلا شيء دونه، المحيط علماً بما يكون وما كان، يعز ويذل، ويفقر ويغني، ويفعل ما يشاء بحكمته {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، أرسى الأرض بالجبال في نواحيها، وأرسل السحاب الثقال بماء يحيها، وقضى بالفناء على جميع ساكنيها ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي المحسنين بالإحسان. أحمده على الصفات الكاملة الحسان، وأشكره على نعمه السابغة وبالشكر يزيد العطاء والامتنان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الإنس والجان. صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم ما توالت الأزمان، وسلّم تسليماً.

إخواني: اعلموا أن الصوم من أفضل العبادات وأجل الطاعات، جاءت بفضله الآثار، ونقلت فيه بين الناس الأخبار.
فمن فضائل الصوم: أن الله كتبه على جميع الأمم، وفرضه عليهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ولولا أنه عبادة عظيمة لا غنى للخلق عن التعبد بها لله وعما يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله على جميع الأمم.
ومن فضائل الصوم في رمضان: أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
ففي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" يعني: إيماناً بالله ورضاً بفرضية الصوم عليه. واحتساباً لثوابه وأجره، لم يكنكارهاً لفرضه ولا شاكاً في ثوابه وأجره؛ فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجُمعة إلى الجُمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
ومن فضائل الصوم: أن ثوابه لا يتقيد بعدد معين، بل يعطي الصائم أجره بغير حساب.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يَصْخَب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" وفي رواية لمسلم: "كل عمل ابن آدم له يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي".
وهذا الحديث الجليل يدل على فضيلة الصوم من وجوه عديدة:
الأول: أن الله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال، وذلك لشرفه عنده ومحبته له، وظهور الإخلاص له سبحانه فيه، لأنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله، فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس متمكناً من تناول ما حرم الله عليه بالصيام فلا يتناوله، لأنه يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه ذلك فيتركه لله خوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر الله له هذا الإخلاص، واختص صيامه لنفسه من بين سائر أعماله، ولهذا قال: "يدع شهوته وطعامه من أجلي". وتظهر فائدة هذا الاختصاص يوم القيامة، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى إذا لم يبق إلا الصوم يتحمل الله عنه ما بقي من المظالم ويدخله الجنة بالصوم".
الثاني: أن الله قال في الصوم: "وأنا أجزي به" فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة، لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليهإلى نفسه من غير اعتبار عدد، وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، والعطية بقدر معطيها، فيكون أجر الصائم عظيما كثيراً بلا حساب.
والصيام: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس. فقد اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
الثالث: أن "الصوم جنة" أي: وقاية وستر، يقي الصائم من اللغو والرفث، ولذلك قال: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب".
ويقيه أيضاً من النار، ولذلك روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جُنّة، يستجن بها العبد من النار".
الرابع: أن "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"؛ لأنها من آثار الصيام، فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له. وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله، حتى إن الشيء المكروه المستخبث عند الناس يكون محبوباً عند الله وطيباً لكونه نشأ عن طاعته بالصيام.
الخامس: أن للصائم فرحتين: فرحةً عند فطره، وفرحةً عند لقاء ربه.
أما فرحه عند فطره: فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال الصالحة، وكم أناس حرموه فلم يصوموا. ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرماً عليه حال الصوم.
وأما فرحه عند لقاء ربه: فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله تعالى موفراً كاملاً في وقت هو أحوج ما يكون إليه، حين يقال: أين الصائمون ؟ ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله أحد غيرهم.
وفي هذا الحديث: إرشاد للصائم إذا سابه أحد أو قاتله أن لا يقابله بالمثل لئلا يزداد السباب والقتال، وأن لا يضعف أمامه بالسكوت، بل يخبره بأنه صائم؛ إشارة إلى أنه لن يقابله بالمثل احتراماً للصوم، لا عجزاً عن الأخذ بالثأر، وحينئذ ينقطع السباب والقتال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
ومن فضائل الصوم: أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشَفَّعَان" رواه أحمد.

إخواني: فضائل الصوم لا تدرك حتى يقوم الصائم بآدابه، فاجتهدوا في إتقان صيامكم وحفظ حدوده، وتوبوا إلى ربكم من تقصيركم في ذلك.
اللهم أحفظ صيامنا، واجعله شافعاً لنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
 
التعديل الأخير:
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

المجلس الثالث: في حكم صيام رمضان

الحمد لله الذي لا مانع لما وهب، ولا معطي لما سلب، طاعته للعاملين أفضل مكتسب، وتقواه للمتقين أعلى نسب، هيأ قلوب أوليائه للإيمان وكتب، وسهل لهم في جانب طاعته كل نصب، فلم يجدوا في سبيل خدمته أدنى تعب، وقدر الشقاء على الأشقياء حين زاغوا فوقعوا في العطب، أعرضوا عنه وكفروا به فأصلاهم ناراً ذات لهب. أحمده على ما منحنا من فضله ووهب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هزم الأحزاب وغلب. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه الله وانتخب، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الفائق في الفضائل والرتب، وعلى عمر الذي فر الشيطان منه وهرب، وعلى عثمان ذي النورين التقيّ النقيّ الحسب، وعلى علي صهره وابن عمه في النسب، وعلى بقية أصحابه الذين اكتسبوا في الدين أعلى فخر ومكتسب، وعلى التابعين لهم بإحسان ما أشرق النجم وغرب، وسلم تسليماً.

إخواني: إن صيام رمضان أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" متفق عليه. ولمسلم: "وصوم رمضان، وحج البيت".
وأجمع المسلمون على فرضية صوم رمضان إجماعاً قطعياً معلوماً بالضرورة من دين الإسلام، فمن أنكر وجوبه فقد كفر، فيستتاب، فإن تاب وأقَرَّ بوجوبه، وإلا قُتل كافراً مرتداً عن الإسلام، لا يغسل ولا يكفن ولا يصلي عليه، ولا يدعي له بالرحمة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يحفر له بعيداً في مكان ويدفن لئلا يؤذي الناس برائحته ويتأذى أهله بمشاهدته.
فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وكان فرض الصيام على مرحلتين:
المرحلة الأولى: التخيير بين الصيام والإطعام مع تفضيل الصيام عليه.
المرحلة الثانية: تعيين الصيام بدون تخيير، ففي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما نزلت {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي "يعني: فعل"، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها، يعني بها قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، فأوجب الله الصيام عيناً بدون تخيير. ولا يجب الصوم حتى يثبت دخول الشهر، فلا يصوم قبل دخول الشهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم" رواه البخاري.
ويحكم بدخول شهر رمضان بواحد من أمرين:
الأول: رؤية هلاله، لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا" متفق عليه.
ولا يشترط أن يراه كل واحد بنفسه، بل إذا رآه من يثبت بشهادته دخول الشهر وجب الصوم على الجميع.
ويشترط لقبول الشهادة بالرؤية: أن يكون الشاهد بالغاً عاقلاً مسلماً موثوقاً بخبره؛ لأمانته وبصره.
فأما الصغير فلا يثبت الشهر بشهادته لأنه لا يوثق به، وأولى منه المجنون، والكافر لا يثبت الشهر بشهادته أيضاً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: إني رأيت الهلال، يعني: رمضان. فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله ؟" قال: نعم، قال: "أتشهد أن محمداً رسول الله ؟" قال: نعم، قال: "يا بلال، أذن في الناس فليصوموا غداً" أخرجه الخمسة إلا أحمد.
TkRoNi_vaEe08sJC3.gif



ومن لا يوثق بخبره بكونه معروفاً بالكذب أو بالتسرع، أو كان ضعيف البصر بحيث لا يمكن أن يراه فلا يثبت الشهر بشهادته للشك في صدقه أو رجحان كذبه.
ويثبت دخول شهر رمضان خاصة بشهادة رجل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: "تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه وأمر الناس بصيامه" رواه أبو داود والحاكم وقال: على شرط مسلم.
ومن رآه متيقناً رؤيته وجب عليه إخبار ولاة الأمور بذلك، وكذلك من رأى هلال شوال وذي الحجة، لأنه يترتب على ذلك واجب الصوم والفطر والحج "وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وإن رآه وحده في مكان بعيد لا يمكنه إخبار ولاة الأمور فإنه يصوم ويسعى في إيصال الخبر إلى ولاة الأمور بقدر ما يستطيع.
TkRoNi_vaEe08sJC3.gif


وإذا أُعْلِنَ ثبوت الشهر من قبل الحكومة بالراديو أو غيره وجب العمل بذلك في دخول الشهر وخروجه في رمضان أو غيره، لأن إعلانه من قبل الحكومة حجة شرعية يجب العمل بها، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن في الناس معلناً ثبوت الشهر ليصوموا حين ثبت عنده صلى الله عليه وسلم دخوله، وجعل ذلك الإعلام ملزماً لهم بالصيام.
وإذا ثبت دخول الشهر ثبوتاً شرعيا فلا عبرة بمنازل القمر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم برؤية الهلال لا بمنازله، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا" متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا" رواه أحمد.
الأمر الثاني مما يحكم فيه بدخول الشهر: إكمال الشهر السابق قبله ثلاثين يوماً، لأن الشهر القمريّ لا يمكن أن يزيد على ثلاثين يوماً ولا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، وربما يتوالى شهران أو ثلاثة إلى أربعة: ثلاثين يوماً، أو شهران أو ثلاثة إلى أربعة: تسعة وعشرين يوماً، لكن الغالب شهر أو شهران كاملة والثالث ناقص والثالث ناقص. فمتى تم الشهر السابق ثلاثين يوماً حكم شرعاً بدخول الشهر الذي يليه وإن لم ير الهلال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمى عليكم الشهر فعدوا ثلاثين" رواه مسلم، ورواه البخاري بلفظ: "فإن غُبِىَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين". وفي صحيح ابن خزيمة من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غُمَّ عليه عَدَّ ثلاثين يوماً ثم صام". وأخرجه أيضاً أبو داود والدار قطني وصححه
TkRoNi_vaEe08sJC3.gif

وبهذه الأحاديث تبين أنه لا يصام رمضان قبل رؤية هلاله، فإن لم ير الهلال أكمل شعبان ثلاثين يوماً.
ولا يصام يوم الثلاثين منه سواء كانت الليلة صحواً أم غيماً، لقول عمار بن ياسر رضي الله عنه: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وذكره البخاري تعليقاً.



اللهم وفقنا لإتباع الهدى، وجنبنا أسباب الهلاك والشقاء، واجعل شهرنا هذا لنا شهر خير وبركة، وأعنا فيه على طاعتك، وجنبنا طرق معصيتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

المجلس الرابع : في حكم قيام رمضان
الحمد لله الذي أعان بفضله الأقدام السالكة، وأنقذ برحمته النفوس الهالكة، ويسر من شاء لليسرى فرغب في الآخرة. أحمده على الأمور اللذيذة والشائكة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العزة والقهر، فكل النفوس ذليلة عانية. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، القائم بأمر ربه سراً وعلانية، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي تحرض عليه الفرقة الآفكة، وعلى عمر الذي كانت نفسه لنفسه مالكة، وعلى عثمان منفق الأموال المتكاثرة، وعلى علي مفرق الأبطال في الجموع المتكاثفة، وعلى بقية الصحابة والتابعين لهم بإحسان ما قرعت الأقدام السالكة، وسلم تسليماً.


إخواني : لقد شرع الله لعباده العبادات، ونوعها لهم ليأخذوا من كل نوع منها بنصيب، ولئلا يملوا من النوع الواحد فيتركوا العمل، فيشقى الواحد منهم ويخيب، وجعل منها فرائض لا يجوز النقص فيها ولا الإخلال، ومنها نوافل يحصل بها زيادة التقرب إلى الله والإكمال.
فمن ذلك: الصلاة، فرض الله منها على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، خمساً في الفعل وخمسين في الميزان، وندب الله إلى زيادة التطوع من الصلوات تكميلاً لهذه الفرائض وزيادة في القربى إليه.
فمن هذه النوافل: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة، ركعتان قبل صلاة الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
ومنها: صلاة الليل التي امتدح الله في كتابه القائمين فيها، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً}، وقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقال النبي صلى الله عليهوسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه الحاكم.
ومن صلاة الليل: الوتر، أقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، فيوتر بركعة مفردة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" رواه أبو داود والنسائي.
ويوتر بثلاث لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل" رواه أبو داود والنسائي.
TkRoNi_vaEe08sJC3.gif



فإن أحب سردها بسلام واحد لما روى الطحاوي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أوتر بثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن" وإن أحب صلى ركعتين وسلم، ثم صلى الثالثة، لما روى البخاري عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يسلِّم بين الركعتين والركعة في الوتر، حتى كان يأمر ببعض حاجته.
ويوتر بخمس فيسردها جميعاً لا يجلس ولا يسلم إلا في آخرهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بخمس فليفعل" رواه أبو داود والنسائي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن" متفق عليه.
ويوتر بسبع فيسردها كالخمس، لقول أم سلمة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
ويوتر بتسع فيسردها لا يجلس إلا في الثامنة، فيقرأ التشهد ويدعو ثم يقوم ولا يسلم، فيصلي التاسعة ويتشهد ويدعو ويسلم، لحديث عائشة رضي الله عنها في وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا" الحديث، رواه أحمد ومسلم.
ويصلي إحدى عشرة ركعة، فإن أحب سلم من كل ركعتين وأوتر بواحدة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة" الحديث، رواه الجماعة إلا الترمذي.
وإن أحب صلى أربعاً ثم أربعاً ثم ثلاثاً، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" متفق عليه.

TkRoNi_vaEe08sJC3.gif



وقال الفقهاء من الحنابلة والشافعية: "يجوز في الوتر بإحدى عشرة أن يسردها بتشهد واحد أو بتشهدين في الأخيرة والتي قبلها".
وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
ومعنى قوله: "إيماناً" بالله وبما أعده من الثواب للقائمين، ومعنى قوله: "احتساباً" أي: طلباً لثواب الله، لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعة ولا طلب مال ولا جاه.
وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها واحتساب الأجر والثواب من الله عليها، وما هي إلا ليال معدودة، ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها. وإنما سميت "تراويح" لأن الناس كانوا يطيلونها جداً، فكلما صلوا أربع ركعات استراحوا قليلاً.
TkRoNi_vaEe08sJC3.gif


وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خوفاً من أن تفرض على أمته، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" قال: وذلك في رمضان". وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، ثم قام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، أي: نصفه. فقلنا: يا رسول الله، لو نفلتنابقية ليلتنا هذه ؟. فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" الحديث، رواه أهل السنن بسند صحيح.

TkRoNi_vaEe08sJC3.gif


واختلف السلف الصالح في عدد الركعات في صلاة التراويح والوتر معها:
فقيل: إحدى وأربعون ركعة.
وقيل: تسع وثلاثون.
وقيل: تسع وعشرون.
وقيل: ثلاث وعشرون.
وقيل: تسع عشرة.
وقيل: ثلاث عشرة.
وقيل: إحدى عشرة.
وقيل: غير ذلك.
وأرجح هذه الأقوال: أنها إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة" يعني: من الليل، رواه البخاري، وفي الموطأ عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة".
وكان السلف الصالح يطيلونها جداً، فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كان القاري يقرأ بالمئين يعني: بمئات الآيات حتى كنا نعتمد على العصيّ من طول القيام".
وهذا خلاف ما كان عليه كثير من الناس اليوم، حيث يصلون التراويح بسرعة عظيمة، لا يأتون فيها بواجب الهدوء والطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها، فيخلون بهذا الركن، ويتعبون من خلفهم من الضعفاء والمرضى وكبار السن، يجنون على أنفسهم ويجنون على غيرهم.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله: أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يُسَنّ. فكيف بسرعة تمنعهم فعل ما يجب ؟. نسأل الله السلامة.
ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح، لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله.
TkRoNi_vaEe08sJC3.gif



ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، ولأن هذا من عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، لكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة غير متبرجة ولا متطيبة ولا رافعة صوتاً ولا مبدية زينة، لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي: لكن ما ظهر منها فلا يمكن إخفاؤه، وهي الجلباب والعباءة ونحوهما، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء بالخروج إلى الصلاة يوم العيد قالت أم عطية: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب ؟. قال: "لِتُلْبِسْهَا أختها من جلبابها" متفق عليه.
والسنة للنساء: أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم، ويبدأن بالصف المؤخر فالمؤخر عكس الرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" رواه مسلم. وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام، ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت: نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال" رواه البخاري.


اللهم وفقنا لما وفقت القوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

بسم الله الرحمن الرحيم

المجلس الخامس: في فضل تلاوة القرآن وأنواعه
الحمد لله الداعي إلى بابه، الموفق من شاء لصوابه، أنعم بإنزال كتابه، يشتمل على محكم ومتشابه، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، وأما الراسخون في العلم فيقولون آمنا به. أحمده على الهدى وتيسير أسبابه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة من عقابه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أكمل الناس عملاً في ذهابه وإيابه، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أفضل أصحابه، وعلى عمر الذي أعز الله به الدين واستقامت الدنيا به، وعلى عثمان شهيد داره ومحرابه، وعلى علي المشهور بحل المشكل من العلوم وكشف نقابه، وعلى آله وأصحابه ومن كان أولى به، وسلم تسليماً.

إخواني: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}.
تلاوة كتاب الله على نوعين:
تلاوة حكمية، وهي: تصديق أخباره وتنفيذ أحكامه، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وسيأتي الكلام عليها في مجلس آخر إن شاء الله.
والنوع الثاني: تلاوة لفظية، وهي قراءته.
وقد جاءت النصوص الكثيرة في فضلها، إما في جميع القرآن وإما في سور أو آيات معينة منه: ففي الصحيحين عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خيركم من تعلم القرآن وعلمه". وفيهما عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" والأجران أحدهما على التلاوة والثاني على مشقتها على القارئ. وفي الصحيحين أيضاً عنأبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة، ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو". وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه". وفي صحيح مسلم أيضاً عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل". وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده". وقال صلى الله عليه وسلم: "تعاهدوا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عُقُلِها" متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم نسيت آية كَيْتَ وكَيْتَ وَكَيْتَ، بل هو نُسِّيَ" رواه مسلم. وذلك أن قوله: "نسيت" قد يشعر بعدم المبالاة بما حفظ من القرآن حتى نسيه، وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {أَلم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" رواه الترمذي. وعنه رضي الله عنه أيضاً أنه قال: "إن هذا القرآن مأدبة الله، فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الترداد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول {أَلم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" رواه الحاكم.



TkRoNi_hwVn80Gg48.gif

إخواني: هذه فضائل قراءة القرآن، وهذا أجره لمن احتسب الأجر من الله والرضوان، أجور كبيرة لأعمال يسيرة، فالمغبون من فرط فيه، والخاسر منفاته الربح حين لا يمكن تلافيه. وهذه الفضائل شاملة لجميع القرآن وقد وردت السنة بفضائل سور معينة مخصصة:
من تلك السور:سورة الفاتحة. ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لأعلّمنّك أعظم سورة في القرآن: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته". ومن أجل فضيلتها كانت قراءتها ركنا في الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خَداج" يقولها ثلاثاً. فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك. الحديث، رواه مسلم.

ومن السور المعينة:سورة البقرة، وآل عمران. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما. اقرؤا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة" يعني: السحرة. رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان" رواه مسلم. وذلك لأن فيها آية الكرسي، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبريل قال وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته" رواه مسلم.

ومن السور المعينة في الفضيلة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: "والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن". وليس معنى كونها تعدله في الفضيلة أنهاتجزئ عنه، ولذلك لو قرأها في الصلاة ثلاث مرات لم تجزئه عن الفاتحة، ولا يلزم من كون الشئ معادلاً لغيره في الفضيلة أن يجزئ عنه، ففي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل" وفي رواية للطبراني: "كن له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل" ومع ذلك فلو كان عليه أربع رقاب كفارة فقال هذا الذكر لم يجزئه عن هذه الرقاب وإن كان يعادلها في الفضيلة.

ومن السور المعينة في الفضيلة: سورتا المعوذتين: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}" رواه مسلم. وللنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عقبة أن يقرأ بهما، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما سأل سائل بمثلها، ولا استعاذ مستعيذ بمثلها".

TkRoNi_hwVn80Gg48.gif



فاجتهدوا إخواني في كثرة قراءة القرآن المبارك، لا سيما في هذا الشهر الذي أنزل فيه، فإن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة: كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان كل سنة مرة، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين تأكيداً وتثبيتاً.وكان السلف الصالح رضي الله عنهم يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها، كان الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول: "إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام".
وكان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالس العلم، وأقبل على قراءة القرآن من المصحف. وكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليال دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة. وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال، وفي العشر الأواخر في كل ليلتين.وكان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر.



فاقتدوا رحمكم الله بهؤلاء الأخيار، واتبعوا طريقهم تلحقوا بالبررة الأطهار، واغتنموا ساعات الليل والنهار بما يقربكم إلى العزيز الغفار، فإن الأعمارتطوى سريعاً، والأوقات تمضي جميعاً، وكأنها ساعة من نهار

اللهم ارزقنا تلاوة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا، واهدنا به سبل السلام، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، واجعله حجه لنا لا علينا يا رب العالمين. اللهم ارفع لنا به الدرجات، وأنقذنا به من الدركات، وكفر عنا به السيئات، واغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

بسم الله الرحمن الرحيم

المجلس السادس: في أقسام الناس في الصيام

الحمد لله الذي أتقن بحكمته ما فطر وبنى، وشرع الشرائع رحمة وحكمة طريقاً وسننا، وأمرنا بطاعته لا لحاجته بل لنا، يغفر الذنوب لكل من تاب إلى ربه ودنا، ويجزل العطايا لمن كان محسناً، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، أحمده على فضائله سرًا وعلنا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها الفوز بدار النعيم والهنا. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي رفعه فوق السموات فدنا، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر القائم بالعبادة راضياً بالعنا، الذي شرفه الله بقوله {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وعلى عمر المجدّ في ظهور الإسلام فما ضعف ولا ونى، وعلى عثمان الذي رضي بالقدر وقد حل في الفناء الفنا، وعلى علي القريب في النسب وقد نال المنى، وعلى سائر آله وأصحابه الكرام الأمناء، وسلم تسليماً.


إخواني: سبق في المجلس الثالث أن فرض الصيام كان في أول الأمر على مرحلتين، ثم استقرت أحكام الصيام، فكان الناس فيها أقساماً عشرة:
القسم الأول: المسلم البالغ العاقل المقيم القادر السالم من الموانع.
فيجب عليه صوم رمضان أداء في وقته، لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا" متفق عليه.
وأجمع المسلمون على وجوب الصيام أداءً على من وضحنا
فأما الكافر: فلا يجب عليه الصيام ولا يصح منه؛ لأنه ليس أهلاً للعبادة، فإذا أسلم في أثناء شهر رمضان لم يلزمه قضاء الأيام الماضية، لقوله تعالى: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف}.
وإن أسلم في أثناء يوم منه لزمه إمساك بقية اليوم لأنه صار من أهل الوجوب حين وقت وجوب الإمساك.

******************
القسم الثاني:الصغير.
فلا يجب عليه الصيام حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق"رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الحاكم. لكن يأمره وليه بالصوم إذا أطاقه تمريناً له على الطاعة ليألفها بعد بلوغه، اقتداء بالسلف الصالح رضي الله عنهم، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصومون أولادهم وهم صغار، ويذهبون إلى المسجد فيجعلون لهم اللعبة من العهن يعني : الصوف أو نحوه. فإذا بكوا من فقد الطعام أعطوهم اللعبة يتلهون بها.
وكثير من الأولياء اليوم يغفلون عن هذا الأمر، ولا يأمرون أولادهم بالصيام، بل إن بعضهم يمنع أولاده من الصيام مع رغبتهم فيه، يزعم أن ذلك رحمة بهم. والحقيقة أن رحمتهم هي القيام بواجب تربيتهم على شعائر الإسلام وتعاليمه القيمة، فمن منعهم من ذلك أو فرط فيه كان ظالماً لهم ولنفسه أيضاً. نعم، إن صاموا فرأى عليهم ضرراً بالصيام فلا حرج عليه في منعهم منه حينئذ.
ويحصل بلوغ الذكر بواحد من أمور ثلاثة:
أحدها: إنزال المنى باحتلام أو غيره، لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" متفق عليه.

الثاني: نبات شعر العانة، وهو الشعر الخشن ينبت حول القبل، لقول عطية القرظي رضي الله عنه: "عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فمن كان محتلماً أو أنبت عانته قتل، ومن لا ترك" رواه أحمد والنسائي وهو صحيح.

الثالث: بلوغ تمام خمسَ عشرةَ سنة، لقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرةسنة فلم يجزني يعني: للقتال " زاد البيهقي وابن حبان في صحيحه بسند صحيح: "ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجزاني" زاد البيهقي وابن حبان في صحيحه بسند صحيح: "ورآني بلغت" رواه الجماعة. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته الحديث، فقال: "إن هذا الحد بين الصغير والكبير" وكتب لعماله أن يفرضوا "يعني: من العطاء" لمن بلغ خمس عشرة سنة. رواه البخاري.

ويحصل بلوغ الأنثى بما يحصل به بلوغ الذكر، وزيادة أمر رابع وهو الحيض، فمتى حاضت الأنثى فقد بلغت، فيجري عليها قلم التكليف وإن لم تبلغ عشر سنين. وإذا حصل البلوغ أثناء نهار رمضان فإن كان من بلغ صائماً أتم صومه ولا شيء عليه، وإن كان مفطراً لزمه إمساك بقية يومه؛ لأنه صار من أهل الوجوب، ولا يلزمه قضاؤه لأنه لم يكن من أهل الوجوب حين وجوب الإمساك.


******************

القسم الثالث:المجنون، وهو فاقد العقل.
فلا يجب عليه الصيام، لما سبق من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة" الحديث. ولا يصح منه الصيام لأنه ليس له عقل يعقل به العبادة وينويها، والعبادة لا تصح إلا بنية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى". فإن كان يجن أحياناً ويفيق أحياناً لزمه الصيام في حال إفاقته دون حال جنونه، وإن جُنَّ في أثناء النهار لم يبطل صومه كما لو أغمى عليه بمرض أو غيره، لأنه نوى الصوم وهو عاقل بنية صحيحة ولا دليل على البطلان، خصوصاً إذا كان معلوماً أن الجنون ينتابه في ساعات معينة. وعلى هذا فلا يلزم قضاء اليوم الذي حصل فيه الجنون. وإذا أفاق المجنون أثناء نهار رمضان لزمه إمساك بقية يومه، لأنه صار من أهل الوجوب، ولا يلزمه قضاؤه كالصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم.



******************

القسم الرابع:الهرم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه.
فلا يجب عليه الصيام ولا الإطعام عنه لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه، فأشبه الصبي قبل التمييز، فإن كان يميز أحياناً ويهذي أحياناً وجب عليه الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه، والصلاة كالصوم لا تلزمه حال هذيانه وتلزمه حال تمييزه.

******************


القسم الخامس:العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً لا يرجى زواله،
كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كصاحب السرطان ونحوه.
فلا يجب عليه الصيام لأنه لا يستطيعه، وقد قال الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا}، لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكيناً، لأن الله سبحانه جعل الإطعام معادلاً للصيام حين كان التخيير بينهما أول ما فرض الصيام، فتعين أن يكون بدلاً عن الصيام عند العجز عنه لأنه معادله.

ويخير في الإطعام بين أن يفرقه حباً على المساكين، لكل واحد مد من البر ربع الصاع النبوي، ووزنه أي: المد نصف كيلو وعشرة غرامات بالبر الرزين الجيد. وبين أن يصلح طعاماً فيدعو إليه مساكين بقدر الأيام التي عليه، قال البخاري رحمه الله: "وأما الشيخ الكبير إذا لم يطلق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاماً أوعامين كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً وأفطر". وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان: أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً. رواه البخاري.



******************

إخواني: الشرع حكمة من الله تعالى، ورحمة رحم الله به عباده، لأنه شرع مبني على التسهيل والرحمة، وعلى الإتقان والحكمة، أوجب الله به على كل واحد من المكلفين ما يناسب حاله ليقوم كل أحد بما عليه، منشرحاً به صدره، ومطمئنة به نفسه، يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً.
فاحمدوا الله أيها المؤمنون على هذا الدين القيم، وعلى ما أنعم به عليكم من هدايتكم له، وقد ضل عنه كثير من الناس، واسألوه أن يثبتكم عليه إلى الممات.


اللهم إنا نسالك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ياذا الجلال والإكرام، يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا حي يا قيوم، نسألك أن توفقنا لما تحب وترضى، وأن تجعلنا ممن رضى بك رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، ونسألك أن تثبتنا على ذلك إلى الممات، وأن تغفر لنا الخطايا والسيئات، وأن تهب لنا منك رحمة إنك أنت الوهاب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأهله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.


TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

المجلس السابع: في طائفة من أقسام الناس في الصيام



الحمد لله المتعالي عن الأنداد، المقدس عن النقائص والأضداد، المنتزه عن الصاحبة والأولاد، رافع السبع الشداد، عالية بغير عماد، واضع الأرض للمهاد، مثبتة بالراسيات الأطواد، المطلع على سر القلوب ومكنون الفؤاد، مقدر ما كان وما يكون من الضلال والرشاد، في بحار لطفه تجرى مراكب العباد، وفي ميدان حبه تجول خيل الزهاد، وعنده مبتغى الطالبين ومنتهى القصاد، وبعينه ما يتحمل المتحملون من أجله في الاجتهاد، يرى دبيب النمل الأسود في السواد، ويعلم ما توسوس به النفس في باطن الاعتقاد، جاد على السائلين فزادهم من الزاد، وأعطى الكثير للعاملين المخلصين في المراد. أحمده حمداً يفوق على الأعداد، وأشكره على نعمه وكلما شكر زاد.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الرحيم بالعباد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى جميع الخلق في كل البلاد. صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي بذل من نفسه وماله وجاد، وعلى عمر الذي بالغ في نصر الإسلام وأجاد، وعلى عثمان الذي جهز جيش العسرة فيا فخره يوم يقوم الأشهاد، وعلى علي المعروف بالشجاعة والجلاد، وعلى جميع الآل والأصحاب والتابعين لهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليماً.

******************



إخواني: قدمنا الكلام عن خمسة أقسام من الناس في أحكام الصيام، ونتكلم في هذا المجلس عن طائفة أخرى من تلك الأقسام:

فالقسم السادس:المسافر إذا لم يقصد بسفره التحيل على الفطر
فإن قصد ذلك فالفطر عليه حرام والصيام واجب عليه حينئذ. فإذا لم يقصد التحيل فهو مخير بين الصيام والفطر، سواء طالت مدة سفره أم قصرت، وسواء كان سفره طارئاً لغرض أم مستمراً، كسائقي الطائرات وسيارات الأجرة، لعموم قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم". وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن". وفي سنن أبي داود عن حمزة ابن عمرو الأسلمي أنه قال: "يا رسول الله، إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني: رمضان وأنا أجد القوة وأنا شاب، فأجد بأن الصوم يا رسول الله أهون على من أن أؤخره فيكون ديناً على، أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجرى أم أفطر ؟ قال: "أي ذلك شئت يا حمزة".
فإذا كان صاحب سيارة الأجرة يشق عليه الصوم في رمضان في السفر من أجل الحر مثلاً، فإنه يؤخره إلى وقت يبرد فيه الجو ويتيسر فيه الصيام عليه.
والأفضل للمسافر فعل الأسهل عليه من الصيام والفطر، فإن تساويا فالصوم أفضل لأنه أسرع في إبراء ذمته وأنشط له إذا صام مع الناس، ولأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة". وأفطر صلى الله عليه وسلم مراعاة لأصحابه حين بلغه أنهم شق عليهم الصيام، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنهم ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه" رواه مسلم.
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على نهر من السماء والناس صيام في يوم صائف مشاة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، فقال: "اشربوا أيها الناس" فأبوا، فقال: "إني لست مثلكم، إني أيسركم، إني راكب" فأبوا، فثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذهفنزل فشرب، وشرب الناس، وما كان يريد أن يشرب صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد.


وإذا كان المسافر يشق عليه الصوم فإنه يفطر ولا يصوم في السفر، ففي حديث جابر السابق: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أفطر حين شق الصوم على الناس قيل له: إن بعض الناس قد صام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أولئك العصاة، أولئك العصاة" رواه مسلم.
وفي الصحيحين، عن جابر أيضاً: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: "ما هذا ؟" قالوا: صائم، فقال: "ليس من البر الصيام في السفر".
وإذا سافر الصائم في أثناء اليوم وشق عليه إكمال صومه جاز له الفطر إذا خرج من بلده، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام وصام الناس معه حتى بلغ كُرَاع الغميم، فلما بلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام أفطر وأفطر الناس معه. وكُرَاع الغميم: جبل أسود في طرف الحرة يمتد إلى الوادي المسمى بالغميم بين عسفان ومر الظهران.
وإذا قدم المسافر إلى بلده في نهار رمضان مفطراً لم يصح صومه ذلك اليوم، لأنه كان مفطراً في أول النهار، والصوم الواجب لا يصح إلا من طلوع الفجر، ولكن هل يلزمه الإمساك بقية اليوم ؟.
اختلف العلماء في ذلك. فقال بعضهم: "يجب عليه أن يمسك بقية اليوم احتراماً للزمن، ويجب عليه القضاء أيضاً لعدم صحة صوم ذلك اليوم". وهذا المشهور من مذهب أحمد رحمه الله.
وقال بعض العلماء: "لا يجب عليه أن يمسك بقية ذلك اليوم، لأنه لا يستفيد من هذا الإمساك شيئاً لوجوب القضاء عليه، وحرمة الزمن قد زالت بفطره المباح له أول النهار ظاهراً وباطناً" قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ومن أكل أول النهار فليأكل آخره" أي: من حل له الأكل أول النهار بعذر حل له الأكل آخره. وهذا مذهبمالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد. ولكن لا يعلن أكله ولا شربه لخفاء سبب الفطر فيساء به الظن، أو يقتدى به.



******************
القسم السابع:المريض الذي يرجى برؤ مرضه، وله ثلاث حالات:
أحدها: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره. فيجب عليه الصوم، لأنه ليس له عذر يبيح الفطر.
الثانية: أن يشق عليه الصوم ولا يضره. فيفطر، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ويكره له الصوم مع المشقة، لأنه خروج عن رخصة الله تعالى وتعذيب لنفسه، وفي الحديث: "إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته" رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما.
الحالة الثالثة: أن يضره الصوم. فيجب عليه الفطر ولا يجوز له الصوم لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما}، وقوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لنفسك عليك حقاً" رواه البخاري. ومن حقها: أن لا تضرها مع وجود رخصة الله سبحانه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه ابن ماجه والحاكم، قال النووي: "وله طرق يقوّي بعضها بعضاً".
وإذا حدث له المرض في أثناء رمضان وهو صائم وشق عليه إتمامه جاز له الفطر لوجود المبيح للفطر. وإذا برئ في نهار رمضان وهو مفطر لم يصح أن يصوم ذلك اليوم لأنه كان مفطراً في أول النهار، والصوم لا يصح إلا من طلوع الفجر، ولكن هل يلزمه أن يمسك بقية يومه ؟ فيه خلاف بين العلماء سبق ذكره في المسافر إذا قدم مفطراً.
وإذا ثبت بالطب أن الصوم يجلب المرض أو يؤخر برءه جاز له الفطر محافظة على صحته واتقاءً للمرض، فإن كان يرجى زوال هذا الخطر انتظرحتى يزول، ثم يقضي ما أفطر، وإن كان لا يرجى زواله فحكمه حكم القسم الخامس: يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.



اللهم وفقنا للعمل بما يرضيك، وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

بسم الله الرحمن الرحيم


المجلس الثامن: في بقية أقسام الناس في الصيام وأحكام القضاء

الحمد لله الواحد العظيم الجبار، القدير القوي القهار، المتعالي عن أن تدركه الخواطر والأبصار، وَسَمَ كل مخلوق بسمة الافتقار، وأظهر آثار قدرته بتصريف الليل والنهار، يسمع أنين المدْنِف يشكو ما به من الأضرار، ويبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الغار، ويعلم خفي الضمائر ومكنون الأسرار، صفاته كذاته والمشبّهة كفار، نُقِرُّ بما وصف به نفسه على ما جاء في القرآن والأخبار، أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمَّن أسس بنيانه على شفا جرف هار. أحمده سبحانه على المسارّ والمضار.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالخلق والتدبير، وربك يخلق ما يشاء ويختار.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء الأطهار. صلى الله عليه وعلى أبي بكر رفيقه في الغار، وعلى عمر قامع الكفار، وعلى عثمان شهيد الدار، وعلى علي القائم بالأسحار، وعلى آله وأصحابه خصوصاً المهاجرين والأنصار، وسلّم تسليماً.



إخواني: قدمنا الكلام عن سبعة أقسام من أقسام الناس في الصيام، وهذه بقية الأقسام:
فالقسم الثامن: الحائض.
فيحرم عليها الصيام ولا يصح منها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟" قلن: بلى، قال: "فذلك نقصان عقلها" أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟" قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها" متفق عليه.
والحيض دم طبيعي يعتاد المرأة في أيام معلومة.وإذا ظهر الحيض منها وهي صائمة ولو قبل الغروب بلحظة بطل صوم يومها ولزمها قضاؤه، إلا أن يكون صومها تطوعاً فقضاؤه تطوع لا واجب.
وإذا طهرت من الحيض في أثناء نهار رمضان لم يصح صومها بقية اليوم لوجود ما ينافي الصيام في حقها في أول النهار، وهل يلزمها الإمساك بقية اليوم ؟، فيه خلاف بين العلماء، سبق ذكره في المسافر إذا قدم مفطراً.
وإذا طهرت في الليل في رمضان ولو قبل الفجر بلحظة وجب عليها الصوم، لأنها من أهل الصيام وليس فيها ما يمنعه فوجب عليها الصيام، ويصح صومها حينئذ وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، كالجنب إذا صام ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإنه يصح صومه، لقول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان" متفق عليه.
والنفساء كالحائض في جميع ما تقدم.
ويجب عليهما القضاء بعدد الأيام التي فاتتهما، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر}. وسئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟. قالت: "كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" متفق عليه.



******************

القسم التاسع:المرأة إذا كانت مرضعاً أو حاملاً وخافت على نفسها أو على الولد من الصوم، فإنها تفطر.
لحديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، والصوم عن المسافر وعن المرضع والحبلى" رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.
ويلزمها القضاء بعدد الأيام التي أفطرت حين يتيسر لها ذلك ويزول عنها الخوف كالمريض إذا برأ.


******************
القسم العاشر:من احتاج للفطر لدفع ضرورة غيره .
كإنقاذ معصوم من غرق أو حريق أو هدم أو نحو ذلك. فإذا كان لا يمكنه إنقاذه إلا بالتقوّي عليه بالأكل والشرب جاز له الفطر، بل وجب الفطر حينئذ لأن إنقاذ المعصوممن الهلكة واجب، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويلزمه قضاء ما أفطره.
ومثل ذلك: من احتاج إلى الفطر للتقوى به على الجهاد في سبيل الله في قتاله العدو، فإنه يفطر ويقضي ما أفطر، سواء كان ذلك في السفر أو في بلده إذا حضره العدو، لأن في ذلك دفاعاً عن المسلمين وإعلاء لكلمة الله عز وجل، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم" فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم مصبِّحو عدوِّكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" وكانت عزمة فأفطرنا".
ففي هذا الحديث إيماءٌ إلى أن القوة على القتال سبب مستقل غير السفر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل علة الأمر بالفطر القوة على قتال العدو دون السفر، ولذلك لم يأمرهم بالفطر في المنزل الأول.
وكل من جاز له الفطر بسبب مما تقدم فإنه لا ينكر عليه إعلان فطره إذا كان سببه ظاهراً كالمريض والكبير الذي لا يستطيع الصوم، وأما إن كان سبب فطره خفياً كالحائض ومن أنقذ معصوماً من هلكة فإنه يفطر سراً ولا يعلن فطره لئلا يجر التهمة إلى نفسه، ولئلا يغتر به الجاهل فيظن أن الفطر جائز بدون عذر.
وكل من لزمه القضاء من الأقسام السابقة فإنه يقضي بعدد الأيام التي أفطرها، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، فإن أفطر جميع الشهر لزمه جميع أيامه، فإن كان الشهر ثلاثين يوماً لزمه ثلاثون يوماً، وإن كان تسعة وعشرين يوماً لزمه تسعة وعشرون يوماً فقط. والأولى المبادرة بالقضاء من حين زوال العذر، لأنه أسبق إلى الخير، وأسرع في إبراء الذمة.

ويجوز تأخيره إلى أن يكون بينه وبين رمضان الثاني بعدد الأيام التي عليه، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.ومن تمام اليسر جواز تأخير قضائها، فإذا كان عليه عشرة أيام من رمضان جاز تأخيرها إلى أن يكون بينه وبين رمضان الثاني عشرة أيام.
ولا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان الثاني بدون عذر، لقول عائشة رضي الله عنها: "كان يكون على الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان" رواه البخاري. ولأن تأخيره إلى رمضان الثاني يوجب أن يتراكم عليه الصوم وربما يعجز عنه أو يموت. ولأن الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخير الأولى إلى وقت الثانية كالصلاة.
فإن استمر به العذر حتى مات فلا شيء عليه، لأن الله سبحانه أوجب عليه عدة من أيام أخر، ولم يتمكن منها فسقطت عنه، كمن مات قبل دخول شهر رمضان لا يلزمه صومه. فإن تمكن من القضاء ففرط فيه حتى مات صام وليه عنه جميع الأيام التي تمكن من قضائها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق عليه. ووليه: وارثه أو قريبه، ويجوز أن يصوم عنه جماعة بعدد الأيام التي عليه في يوم واحد، قال البخاري: قال الحسن: "إن صام عنه ثلاثون رجلاً يوماً واحداً جاز". فإن لم يكن له ولي أو كان له ولي لا يريد الصوم عنه أطعم من تركته عن كل يوم مسكين، بعدد الأيام التي تمكن من قضائها، لكل مسكين مد بر بالبر الجيد: نصف كيلو وعشرة غرامات.

إخواني: هذه أقسام الناس في أحكام الصيام، شرع الله فيها لكل قسم ما يناسب الحال والمقام، فاعرفوا حكمة ربكم في هذه الشريعة، واشكروا نعمته عليكم في تسهيله وتيسيره، واسألوه الثبات على هذا الدين إلى الممات.



اللهم اغفر لنا ذنوباً حالت بيننا وبين ذكرك، واعف عن تقصيرنا في طاعتك وشكرك، وأدم علينا لزوم الطريق إليك، وهب لنا نوراً نهتدي به إليك، اللهم أذقنا حلاوة مناجاتك، واسلك بنا سبيل أهل مرضاتك، اللهم أنقذنا من دركاتنا، وأيقظنا من غفلاتنا، وألهمنا رشدنا، وأحسن بكرمك قصدنا، اللهم احشرنا في زمرة المتقين، وألحقنا بعبادك الصالحين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

بسم الله الرحمن الرحيم
المجلس التاسع: في حكم الصيام

الحمد لله مدبر الليالي والأيام، ومصرف الشهور والأعوام، الملك القدوس السلام، المتفرد بالعظمة والبقاء والدوام، المتنزه عن النقائص ومشابهة الأنام، يرى ما في داخل العروق وبواطن العظام، ويسمع خفي الصوت ولطيف الكلام إله رحيم كثير الإنعام، ورب قدير شديد الانتقام، قدّر الأمور فأجراها على أحسن نظام، وشرع الشرائع فأحكمها أيما إحكام، بقدرته تهب الرياح ويسير الغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالي والأيام. أحمده على جليل الصفات وجميل الإنعام، وأشكره شكر من طلب المزيد ورام. وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا تحيط به العقول والأوهام. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الأنام، صلى الله عليه وسلّم، وعلى صاحبه أبي بكر السابق إلى الإسلام، وعلى عمر الذي إذا رآه الشيطان هام، وعلى عثمان الذي جهز بماله جيش العسرة وأقام، وعلى عليٍّ البحر الخضم والأسد الضرغام، وعلى سائر آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على الدوام، وسلم تسليماً.

عباد الله: اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه له الحكم التام والحكمة فيما خلقه وفيما شرعه، فهو الحكيم في خلقه وفي شرعه، لم يخلق عباده لعباً، ولم يتركهم سدى، ولم يشرع لهم الشرائع عبثاً، بل خلقهم لأمر عظيم، وهيأهم لخطب جسيم، وبين لهم الصراط المستقيم، وشرع لهم الشرائع يزداد بها إيمانهم، وتكمل بها عبادتهم، فما من عبادة شرعها الله لعباده إلا لحكمة بالغة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وليس جهلنا بحكمة شيء من العبادات دليلاً على أنه لا حكمة لها، بل هو دليل على عجزنا وقصورنا عن إدراك حكمة الله سبحانه {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً}.
وقد شرع الله العبادات ونظم المعاملات ابتلاءً وامتحاناً لعباده، ليتبين بذلك من كان عابداً لمولاه ممن كان عابداً لهواه:فمن تقبل هذه الشرائع وتلك النظم بصدر منشرح ونفس مطمئنة فهو عابد لمولاه، راض بشريعته، مقدم لطاعة ربه على هوى نفسه.
ومن كان لا يقبل من العبادات، ولا يتبع من النظم إلا ما ناسب رغبته، ووافق مراده؛ فهو عابد لهواه، ساخط لشريعة الله، معرض عن طاعة ربه، جعل هواه متبوعاً لا تابعا، وأراد أن يكون شرع الله تابعاً لرغبته، مع قصور علمه وقلة حكمته: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}.
******************
ومن حكمة الله سبحانه أن جعل العبادات متنوعة ليتمحص القَبُول والرضى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، فإن من الناس من قد يرضى بنوع من العبادات ويلتزم به، ويسخط نوعاً آخر ويفرط فيه، فجعل الله من العبادات ما يتعلق بعمل البدن كالصلاة، ومنها ما يتعلق ببذل المال المحبوب إلى النفس كالزكاة، ومنها ما يتعلق بعمل البدن وبذل المال جميعاً كالحج والجهاد، ومنها ما يتعلق بكف النفس عن محبوباتها ومشتهياتها كالصيام، فإذا قام العبد بهذه العبادات المتنوعة وأكملها على الوجه المطلوب منه دون سخط أو تفريط، فتعب وعمل وبذل مما كان محبوباً إليه، وكف عما تشتهيه نفسه طاعة لربه وامتثالاً لأمره ورضاً بشرعه كان ذلك دليلاً على كمال عبوديته، وتمام انقياده ومحبته لربه وتعظيمه له، فتحقق فيه وصف العبودية لله رب العالمين. إذا تبين ذلك فإن للصيام حِكَماً كثيرة استوجبت أن يكون فريضة من فرائض الإسلام، وركناً من أركانه.
******************
فمن حِكَم الصيام: أنه عبادة لله تعالى، يتقرب العبد فيها إلى ربه بترك محبوباته ومشتهياته من طعام وشراب ونكاح، فيظهر بذلك صدق إيمانه وكمال عبوديته لله، وقوة محبته له ورجائه ما عنده، فإن الإنسان لا يترك محبوباً له إلا لما هو أعظم عنده منه، ولَمَّا علم المؤمن أن رضا الله في الصيام بترك شهواته المجبول على محبتها قدم رضا مولاه على هواه، فتركها أشد ما يكون شوقاً إليه، لأن لذته وراحة نفسه في ترك ذلك لله عز وجل، ولذلك كان كثير من المؤمنين لو ضرب أو حبس على أن يفطر يوماً من رمضان بدون عذر لم يفطر، وهذه الحكمة من أبلغ حكم الصيام وأعظمها
******************
ومن حكم الصيام: أنه سبب للتقوى، كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فإن الصائم مأمور بفعل الطاعات واجتناب المعاصي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري. وإذا كان الصائم متلبساً بالصيام فإنه كلما هم بمعصية تذكر أنه صائم فامتنع عنها، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم أن يقول لمن سابه أو شاتمه: "إني امرؤ صائم" تنبيهاً له على أن الصائم مأمور بالإمساك عن السب والشتم، وتذكيراً لنفسه بأنه متلبس بالصيام فيمتنع عن المقابلة بالسب والشتم.

******************
ومن حكم الصيام: أن القلب يتخلى للفكر والذكر، لأن تناول الشهوات يستوجب الغفلة، وربما يُقَسِّى القلب ويُعمى عن الحق، ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى التخفيف من الطعام والشراب، فقال صلى الله عليه وسلم:"ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" رواه أحمد والنسائي وابن ماجة. وفي صحيح مسلم أن حنظلة الأُسيديّ وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: نافق حنظلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك ؟" قال: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً" الحديث "ص: 94 95، ج 8". وقال أبو سليمان الدراني: "إن النفس إذا جاعت وعطشت صفا القلب ورق، وإذا شبعت عمي القلب".


******************
ومن حكم الصيام: أن الغَنِيَّ يعرف به قدر نعمة الله عليه بالغنى، حيث أنعم الله تعالى عليه بالطعام والشراب والنكاح وقد حرمها كثيراً من الخلق، فيحمد الله على هذه النعمة، ويشكره على هذا التيسير، ويذكر بذلك أخاه الفقير الذي ربما يبيت طاوياً جائعاً فيجود عليه بالصدقة، يكسو بها عورته،ويسد بها جوعته، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.

******************
ومن حكم الصيام: التمرن على ضبط النفس، والسيطرة عليها، والقوة على الإمساك بزمامها حتى يتمكن من التحكم فيها، ويقودها إلى ما فيه خيرها وسعادتها، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فإذا أطلق المرء لنفسه عنانها أوقعته في المهالك، وإذا ملك أمرها وسيطر عليها تمكن من قيادتها إلى أعلى المراتب، وأسنى المطالب.




******************

ومن حكم الصيام: كسر النفس والحد من كبريائها حتى تخضع للحق وتلين للخلق، فإن الشبع والري ومباشرة النساء يحمل كل منها على الأشر والبطر والعلو والتكبر على الخلق وعن الحق، وذلك أن النفس عند احتياجها لهذه الأمور تشتغل بتحصيلها، فإذا تمكنت منها رأت أنها ظفرت بمطلوبها، فيحصل لها من الفرح المذموم والبطر ما يكون سبباً لهلاكها، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
******************
ومن حكم الصيام: أن مجاري الدم تضيق بسبب الجوع والعطش فتضيق مجاري الشيطان من البدن، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر سورة الشهوة والغضب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" متفق عليه.
******************

ومن حكم الصيام: ما يترتب عليه من الفوائد الصحية التي تحصل بتقليل الطعام، وإراحة جهاز الهضم لمدة معينة، وترسب بعض الرطوبات والفضلات الضارة بالجسم، وغير ذلك.فما أعظم حكمة الله وأبلغها، وما أنفع شرائعه للخلق وأصلحها !.

******************


اللهم فقهنا في دينك، وألهمنا معرفة أسرار شريعتك، وأصلح لنا شؤون ديننا ودنيانا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



يتبع
 
التعديل الأخير:
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

بسم الله الرحمن الرحيم


المجلس العاشر: في آداب الصيام الواجبة

الحمد لله الذي أرشد الخلق إلى أكمل الآداب، وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب، أنار بصائر المؤمنين فأدركوا الحقائق وطلبوا الثواب، وأعمى بصائر المعرضين عن طاعته فصار بينهم وبين نوره حجاب، هدى أولئك بفضله ورحمته وأضل الآخرين بعدله وحكمته، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ}.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العزيز الوهاب. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بأجل العبادات، وأكمل الآداب. صلى الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليماً
******************
إخواني : اعلموا أن للصيام آداباً كثيرة لا يتم إلا بها، ولا يكمل إلا بالقيام بها، وهي على قسمين:
آداب واجبة، لا بد للصائم من مراعاتها والمحافظة عليها. وآداب مستحبة، ينبغي أن يراعيها ويحافظ عليها.
فمن الآداب الواجبة: أن يقوم الصائم بما أوجب الله عليه من العبادات القولية والفعلية، ومن أهمها الصلاة المفروضة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، فتجب مراعاتها بالمحافظة عليها والقيام بأركانها وواجباتها وشروطها، فيؤديها في وقتها مع الجماعة في المساجد، فإن ذلك من التقوى التي من أجلها شرع الصيام وفرض على الأمة. وإضاعة الصلاة مناف للتقوى، وموجب للعقوبة، قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}.
ومن الصائمين من يتهاون بصلاة الجماعة مع وجوبها عليه، وقد أمر الله بها في كتابه فقال: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا} يعني: أتموا صلاتهم {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} فأمر الله بالصلاة مع الجماعة في حال القتال والخوف، ففي حال الطمأنينة والأمن أولى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فرخّص له. فلما ولّى، دعاه وقال: "هل تسمع النداء بالصلاة" قال: نعم، قال: "فأجب" رواه مسلم. فلم يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة مع أنه رجل أعمى وليس له قائد، وتارك الجماعة مع إضاعته الواجب قد حرم نفسه خيراً كثيراً بمضاعفة الحسنات، فإن صلاة الجماعة مضاعفة، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، وفوت المصالح الاجتماعية التي تحصل للمسلمين باجتماعهم على الصلاة، من غرس المحبة والألفة، وتعليم الجاهل، ومساعدة المحتاج، وغير ذلك.
وبترك الجماعة يعرض نفسه للعقوبة ومشابهة المنافقين، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".

*****************
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقي الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنا إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".
ومن الصائمين من يتجاوز بالأمر فينام عن الصلاة في وقتها، وهذا من أعظم المنكرات، وأشد الإضاعة للصلوات، حتى قال كثير من العلماء: "إن من أخر الصلاة عن وقتها بدون عذر شرعي لم تقبل وإن صلى مئة مرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عمله أمرنا فهو رد" رواه مسلم. والصلاة بعد وقتها ليس عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم فتكون مردودة غير مقبولة".
******************
ومن الآداب الواجبة: أن يجتنبا لصائم جميع ماحرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال، فيجتنب الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع، وأعظمه الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كأن ينسب إلى الله أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلم تحليل حرام أو تحريم حلال، قال الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب فقال: "إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" متفق عليه.
******************
ويجتنب الغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، سواء ذكرته بما يكره في خلقته كالأعرج والأعور والأعمى على سبيل العيب والذم، أو بما يكره في خلقه كالأحمق والسفيه والفاسق ونحوه، وسواء كان فيه ما تقول أم لم يكن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الغيبة فقال: "هي ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟، قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" رواه مسلم.
ولقد نهى الله عن الغيبة في القرآن، وشبهها بأبشع صورة؛ شبهها بالرجل يأكل لحم أخيه ميتاً، فقال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مر ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: "من هؤلاء يا جبريل ؟" قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم". رواه أبو داود.
******************
ويجتنب النميمة، وهي نقل كلام شخص في شخص إليه ليفسد بينهما، وهي من كبائر الذنوب، قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نَمَّام" متفق عليه. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان ومايعذبان في كبير "أي: في أمر شاق عليهما"، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة".
والنميمة فساد للفرد والمجتمع، وتفريق بين المسلمين، وإلقاء للعداوة بينهم: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}، فمن نَمَّ إليك نَمَّ فيك، فاحذره.

******************
ويجتنب الغش في جميع المعاملات، من بيع وإجارة وصناعة ورهن وغيرها، وفي جميع المناصحات والمشورات، فإن الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله فقال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" وفي لفظ: "من غش فليس مني" رواه مسلم.
والغش:خديعة وخيانة وضياع للأمانة وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام لا يزيد صاحبه إلا بعداً من الله.
ويجتنب المعازف، وهي آلات اللهو بجميع أنواعها، كالعود والربابة والقانون والكمنجة والبيانو والكمان وغيرها، فإن هذه حرام، وتزداد تحريماً وإثماً إذا اقترنت بالغناء بأصوات جميلة، وأغاني مثيرة، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}. صح عن ابن مسعود: أنه سئل عن هذه الآية فقال: "والله الذي لا إله غيره هو الغناء". وصح أيضاً عن ابن عباس وابن عمر، وذكره ابن كثير عن جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد. وقال الحسن: "نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير". وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المعازف وقرنها بالزنا فقال صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" رواه البخاري. فالحِرَ: الفرج، والمراد به: الزنا. ومعنى "يستحلون" أي: يفعلونها فعل المستحل لها بدون مبالاة.وقد وقع هذا في زمننا، فكان من الناس من يستعمل هذه المعازف أو يستمعها كأنها شيء حلال.
وهذا مما نجح فيه أعداء الإسلام بكيدهم للمسلمين حتى صدوهم عن ذكر الله ومهام دينهم ودنياهم، وأصبح كثير منهم يستمعون إلى ذلك أكثر مما يستمعون إلى قراءة القرآن، والأحاديث، وكلام أهل العلم المتضمن لبيان أحكام الشريعة وحكمها.
فاحذروا أيها المسلمون نواقض الصوم ونواقصه، وصونوه عن قول الزور والعمل به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وقال جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء".





اللهم احفظ علينا ديننا، وكف جوارحنا عما يغضبك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
التعديل الأخير:
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

بسم الله الرحمن الرحيم


المجلس الحادي عشر: في آداب الصيام المستحبة


الحمد لله مبلغ الراجي فوق مأموله، ومعطي السائل زيادة على مسؤوله، أحمده على نيل الهدى وحصوله، وأقر بوحدانيته إقرار عارف بالدليل وأصوله.وأصلي وأسلم على نبينا محمد عبده ورسوله، وعلى صاحبه أبي بكر الملازم له في ترحاله وحلوله، وعلى عمر حامي الإسلام بعزم، لا يخاف من فلوله، وعلى عثمان الصابر على البلاء حين نزوله، وعلى علي بن أبي طالب الذي أرهب الأعداء بشجاعته قبل نصوله، وعلى جميع آله وأصحابه الذين حازوا قصب السبق في فروع الدين وأصوله، ما تردد النسيم بين جنوبه وشماله وغربه وقبوله.



******************

إخواني: هذا المجلس في بيان القسم الثاني من آداب الصوم وهي الآداب المستحبة.
فمنها: السحور، وهو الأكل في آخر الليل، سمى بذلك لأنه يقع في السحر، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: "تسحروا، فإن في السحور بركة" متفق عليه. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر".
وأثني صلى الله عليه وسلم على سحور التمر فقال: "نعم سحور المؤمن التمر" رواه أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم: "السحور كله بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" رواه أحمد، وقال المنذري: "إسناده قوي".
وينبغي للمتسحر أن ينوي بسحوره امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بفعله، ليكون سحوره عبادة، وأن ينوي به التقوّي على الصيام ليكون له به أجر.

******************
والسنة تأخير السحور ما لم يخش طلوع الفجر، لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد ابن ثابت تسحّرا، فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلى. قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟، قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية" رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها: أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" رواه البخاري.

******************
وتأخير السحور أرفق بالصائم، وأسلم من النوم عن صلاة الفجر، وللصائم أن يأكل ويشرب ولو بعد السحور بنية الصيام حتى يتيقن طلوع الفجر، لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، ويحكم بطلوع الفجر إما بمشاهدته في الأفق، أو بخبر موثوق به بأذان أو غيره. فإذا طلع الفجر أمسك وينوي بقلبه ولا يتلفظ بالنية، لأن التلفظ بها بدعة.

******************

ومن آداب الصيام المستحبة: تعجيل الفطور إذا تحقق غروب الشمس بمشاهدتها، أو غلب على ظنه الغروب بخبر موثوق به بأذان أو غيره، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل:
"إن أحب عبادي إلى أعجلهم فطراً" رواه أحمد والترمذي.
******************
والسنة: أن يفطر على رطب، فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء، لقول أنس رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. فإن لم يجد رطباً ولا تمراً ولا ماءً أفطر على ما تيسر من طعام أو شراب حلال، فإن لم يجد شيئاً نوى الإفطار بقلبه.


******************
ولا يمص إصبعه أو يجمع ريقه ويبلعه كما يفعل بعض العوام.
وينبغي أن يدعو عند فطره بما أحب، ففي سنن ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" قال في الزوائد: "إسناده صحيح". وروى أبو داود عن معاذ بن زهرة مرسلاً مرفوعاً: "كان إذا أفطر يقول: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت". وله من حديثابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر يقول: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله".

******************
ومن آداب الصيام المستحبة: كثرة القراءة، والذكر، والدعاء، والصلاة، والصدقة، وفي الحديث:"ذاكر الله في رمضان مغفور له". وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" ورواه أحمد والترمذي.


وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".

******************
وكان جوده صلى الله عليه وسلم يجمع أنواع الجود كلها من بذل العلم والنفس والمال لله عز وجل: في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من تعليم جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وإطعام جائعهم. وكان جوده يتضاعف في رمضان لشرف وقته، ومضاعفة أجره، وإعانة العابدين فيه على عبادتهم، والجمع بين الصيام وإطعام الطعام وهما من أسباب دخول الجنة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أصبح منكم اليوم صائماً ؟" فقال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟" قال أبو بكر: أنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في أمرئ إلا دخل الجنة".

******************
ومن آداب الصيام المستحبة: أن يستحضر الصائم قدر نعمة الله عليه بالصيام، حيث وفقه له، ويسره عليه، حتى أتم يومه وأكمل شهره، فإن كثيراً من الناس حرموا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه، أو بعجزهم عنه، أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به. فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام التي هيسبب لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات في دار النعيم بجوار الرب الكريم.

******************
إخواني: تأدبوا بآداب الصيام، وتخلوا عن أسباب الغضب والانتقام، وتحلوا بأوصاف السلف الكرام، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها من الطاعة واجتناب الآثام.
قال ابن رجب رحمه الله: "الصائمون على طبقتين:
إحداهما: من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، يرجو عنده عوض ذلك في الجنة. فهذا قد تاجر مع الله وعامله، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يخيب معه من عامله، بل يربح أعظم الربح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا آتاك الله خيراً منه" خرجه الإمام أحمد. فهذا الصائم يعطي في الجنة ما شاء الله من طعام وشراب ونساء، قال الله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} قال مجاهد وغيره: "نزلت في الصائمين". وفي حديث عبد الرحمن ابن سمرة الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه قال: "ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاءه صيام رمضان فسقاه وأرواه" خرجه الطبراني وغيره.
يا قوم، ألا خاطب في هذا الشهر إلى الرحمن ؟. ألا راغب فيما أعد الله للطائعين في الجنان ؟.
من يرد ملك الجنان ***** فليدع عنه التواني
وليقم في ظلمة الليل **** إلى نور القرآن
وليصل صوماً بصوم **** إن هذا العيش فان
إنما العيش جوار الله ***** في دار الأمان
الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عما سوى الله، فيحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا، فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه، وفرحه برؤيته
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب
والعارفون وأهل الأنس صومهم صون القلوب عن الأغيار والحجب
العارفون لا يسليهم عن رؤية مولاهم قصر، ولا يرويهم دون مشاهدته نهر، همهم أجل من ذلك، من صام بأمر الله عن شهواته في الدنيا أدركها غداً في الجنة، ومن صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.يا معشر التائبين: صوموا ليوم عن شهوات الهوى لتدركوا عيد الفطر يوم اللقاء.



******************

اللهم جمل بواطننا بالإخلاص لك، وحسن أعمالنا باتباع رسولك والتأدب بآدابه، اللهم أيقظنا من الغفلات، ونجنا من الدركات، وكفر عنا الذنوب والسيئات، واغفر لنا ولواليدنا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين


TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
التعديل الأخير:
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::


بسم الله الرحمن الرحيم


المجلس الحادي عشر: في آداب الصيام المستحبة

الحمد لله مبلغ الراجي فوق مأموله، ومعطي السائل زيادة على مسؤوله، أحمده على نيل الهدى وحصوله، وأقر بوحدانيته إقرار عارف بالدليل وأصوله.وأصلي وأسلم على نبينا محمد عبده ورسوله، وعلى صاحبه أبي بكر الملازم له في ترحاله وحلوله، وعلى عمر حامي الإسلام بعزم، لا يخاف من فلوله، وعلى عثمان الصابر على البلاء حين نزوله، وعلى علي بن أبي طالب الذي أرهب الأعداء بشجاعته قبل نصوله، وعلى جميع آله وأصحابه الذين حازوا قصب السبق في فروع الدين وأصوله، ما تردد النسيم بين جنوبه وشماله وغربه وقبوله.





أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب
والعارفون وأهل الأنس صومهم صون القلوب عن الأغيار والحجب
العارفون لا يسليهم عن رؤية مولاهم قصر، ولا يرويهم دون مشاهدته نهر، همهم أجل من ذلك، من صام بأمر الله عن شهواته في الدنيا أدركها غداً في الجنة، ومن صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
.
يا معشر التائبين: صوموا ليوم عن شهوات الهوى لتدركوا عيد الفطر يوم اللقاء.


******************



اللهم جمل بواطننا بالإخلاص لك، وحسن أعمالنا باتباع رسولك والتأدب بآدابه، اللهم أيقظنا من الغفلات، ونجنا من الدركات، وكفر عنا الذنوب والسيئات، واغفر لنا ولواليدنا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين


tkroni_hwvn80gg48.gif
شكرا جزيلا لك ... وبارك الله فيكي.رمضان مبارك يارب ,, احترآآآمي.
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

بسم الله الرحمن الرحيم



المجلس الثاني عشر: في النوع الثاني من تلاوة القرآن


الحمد لله معطي الجزيل لمن أطاعه ورجاه، وشديد العقاب لمن أعرض عن ذكره وعصاه، اجتبى من شاء بفضله فقربه وأدناه، وأبعد من شاء بعدله فولاه ما تولاه، أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومناراً للسالكين؛ فمن تمسك به نال مناه، ومن تعدى حدوده وأضاع حقوقه خسر دينه ودنياه. أحمده على ما تفضل به من الإحسان وأعطاه، وأشكره على نعمه الدينية والدنيوية، وما أجدر الشاكر بالمزيد وأولاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكامل في صفاته العالي عن النظراء والأشباه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي اختاره على الخلق واصطفاه، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما انشق الصبح وأشرق ضياه، وسلم تسليماً.


إخواني: سبق في المجلس الخامس أن تلاوة القرآن على نوعين:
تلاوة لفظه وهي قراءته، وتقدم الكلام عليها هناك.
والنوع الثاني: تلاوة حكمه، بتصديق أخباره واتباع أحكامه، فعلاً للمأمورات، وتركاً للمنهيات.
وهذا النوع هو الغاية الكبرى من إنزال القرآن، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}.
ولهذا درج السلف الصالح رضي الله عنهم على ذلك، يتعلمون القرآن، ويصدقون به، ويطبقون أحكامه تطبيقاً إيجابياً عن عقيدة راسخة.
قال أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله: "حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن، عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود، وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً". وهذا النوع منالتلاوة هو الذي عليه مدار السعادة والشقاوة، قال الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}.
فبين الله في هذه الآيات الكريمة ثواب المتبعين لهداه الذي أوحاه إلى رسله، وأعظمه هذا القرآن العظيم، وبين عقاب المعرضين عنه.
******************
أما ثواب المتبعين له: فلا يضلون ولا يشقون، ونفي الضلال والشقاء عنهم يتضمن كمال الهداية والسعادة في الدنيا والآخرة.
وأما عقاب المعرضين عنه المتكبرين عن العمل به فهو الشقاء والضلال في الدنيا والآخرة، فإن له معيشة ضنكاً، فهو في دنياه في هم وقلق نفس، ليس له عقيدة صحيحة، ولا عمل صالح: {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}، وهو في قبره في ضيق وضنك، قد ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وهو في حشره أعمى لا يبصر: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً}، فهم لما عموا في الدنيا عن رؤية الحق وصموا عن سماعه وأمسكوا عن النطق به {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} جازاهم الله في الآخرة بمثل ما كانوا عليه في الدنيا، وأضاعهم كما أضاعوا شريعته {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}، {جزاءً وفاقاً}، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وفي صحيح البخاري: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى صلاة وفي لفظ: صلاة الغداة أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا ؟" قال: فإن رأى أحد قصها، فيقول: "ما شاء الله" فسألنا يوماً فقال: "هل رأى أحد منكم رؤيا ؟" قلنا: لا، قال: "لكني رأيت الليلة رجلين أتياني" فساق الحديث، وفيه: فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ههنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إلى الرجل حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعد عليه فيفعل به مثل ما فعل بهالمرة الأولى. فقلت: سبحان الله ! ما هذا ؟ فقالا لي: انطلق فذكر الحديث، وفيه: أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فهو الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة".
******************
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمثل القرآن يوم القيامة رجلاً، فيؤتي بالرجل قد حمله فخالف أمره، فيمثل له خصماً، فيقول: يا رب، حملته إياي فبئس الحامل، تعدى حدودي، وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي، فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذه بيده، فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار".
وفي صحيح مسلم: عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القرآن حجة لك أو عليك".
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "القرآن شافع مشفع، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار".
فيا من كان القرآن خصمه، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟. ويل لمن شفعاؤه خصماؤه يوم تربح البضاعة.
******************
عباد الله: هذا كتاب الله يتلى بين أيديكم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً يتصدع، ومع هذا فلا أذن تسمع، ولا عين تدمع، ولا قلب يخشع، ولا امتثال للقرآن فيرجى به أن يشفع، قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينتهي عن القبيح فيلحق بأهل الصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آياته وجلت قلوبهم وجلتها جلوة، أولئك قوم أنعم الله عليهم فعرفوا حقه فاختاروا الصفوة.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون".
يا نفس فاز الصالحون بالتقى ***** وأبصروا الحق وقلبي قد عمى
يا حسنهم والليل قد أجنهم ***** ونورهم يفوق نور الأنجم
ترنموا بالذكر في ليلهمو ****** فعيشهم قد طاب بالترنم
قلوبهم للذكر قد تفرغت ****** دموعهم كلؤلؤ منتظم
أسحارهم بنورهم قد أشرقت ***** وخلع الغفران خير القسم
قد حفظوا صيامهم من لغوهم ***** وخشعوا في الليل في ذكرهم
ويحك يا نفس ألا تيقظي ***** للنفع قبل أن تزل قدمي
مضى الزمان في ثوان وهوى ****** فاستدركي ما قد بقى واغتنمي
******************
إخواني: احفظوا القرآن قبل فوات الإمكان، وحافظوا على حدوده من التفريط والعصيان، واعلموا أنه شاهد لكم أو عليكم عند الملك الديان، ليس من شكر نعمة الله بإنزاله أن تتخذه وراءنا ظهرياً، وليس من تعظيم
حرمات الله أن تتخذ أحكامه سخرياً: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}.


اللهم ارزقنا تلاوة كتابك حق التلاوة، واجعلنا ممن نال به الفلاح والسعادة، اللهم ارزقنا إقامة لفظه ومعناه، وحفظ حدوده ورعاية حرمته، اللهم اجعلنا من الراسخين في العلم، المؤمنين بمحكمه ومتشابهه، تصديقاً بأخباره وتنفيذاً لأحكامه، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين





TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

المجلس الثالث عشر: في آداب قراءة القرآن

الحمد لله الذي لقدرته يخضع من يعبد، ولعظمته يخشع من يركع ويسجد، ولطيب مناجاته يسهر المتهجد ولا يرقد، ولطلب ثوابه يبذل المجاهد نفسه ويجهد، يتكلم سبحانه بكلام يجل أن يشابه كلام المخلوقين ويبعد، ومن كلامه كتابه المنزل على نبيه أحمد نقرؤه ليلاً ونهاراً ونردد، فلا يخلق عن كثرة الترداد ولا يمل ولا يفند.أحمده حمد من يرجو الوقوف على بابه غير مشرَّد.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أخلص لله وتعبد.وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قام بواجب العبادة وتزود، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الصديق الذي ملأ قلوب مبغضيه قرحات تنفد، وعلى عمر الذي لم يزل يقوي الإسلام ويعضد، وعلى عثمان الذي جاءته الشهادة فلم يتردد، وعلى عليّ الذي ينسف زرع الكفر بسيفه ويحصد، وعلى سائر آله وأصحابه، صلاة مستمرة على الزمان المؤبد، ووسلم تسليماً
******************
إخواني: إن هذا القرآن الذي بين أيديكم تتلونه وتسمعونه وتحفظونه وتكتبونه، هو كلام ربكم رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، وهو الذكر المبارك والنور المبين. تكلم الله به حقيقةً على الوصف الذي يليق بجلاله وعظمته، وألقاه على جبريل الأمين أحد الملائكة الكرام المقربين، فنزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين.
وصفه الله بأوصاف عظيمة لتعظموه وتحترموه، فقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان} {ذَلِكَ نَتْلُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاّ خَسَاراً} {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ} {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} {إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد} {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ~ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. وقال تعالى عن الجن {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}، وقال تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}.فهذه الأوصاف العظيمة الكثيرة التي نقلناها وغيرها مما لم ننقله تدل كلها على عظمة هذا القرآن، ووجوب تعظيمه، والتأدب عند تلاوته، والبعد حال قراءته عن الهزء واللعب.
فمن آداب التلاوة: إخلاص النية لله تعالى فيها، لأن تلاوة القرآن من العبادات الجليلة كما سبق بيان فضلها، وقد قال الله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرؤا القرآن وابتغوا به وجه الله عز وجل، من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه" رواه أحمد.ومعنى "يتعجلونه": يطلبون به أجر الدنيا.
******************
ومن آدابها: أن يقرأ بقلب حاضر، يتدبر ما يقرأ، ويتفهم معانيه، ويخشع عند ذلك قلبه، ويستحضر بأن الله يخاطبه في هذا القرآن، لأن القرآن كلام الله عز وجل.
******************
ومن آدابها: أن يقرأ على طهارة، لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل، ولا يقرأ القرآن وهو جنب حتى يغتسل إن قدر على الماء، أو يتيمم إن كان عاجزاً عن استعمال الماء لمرض أو عدمٍ، وللجنب أن يذكر الله ويدعوه بما يوافق القرآن إذا لم يقصد القرآن، مثل أن يقول: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، أو يقول: "ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب".
******************
ومن آدابها: أن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة، أو في مجمع لا ينصت فيه لقراءته، لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له، ولا يجوز أن يقرأ القرآن الكريم في بيت الخلاء ونحوه مما أعد للتبوّل أو التغوّط، لأنه لا يليق بالقرآن الكريم.
*****************
ومن آدابها: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة القراءة،لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، ولئلا يصده الشيطان عن القراءة أو كمالها. وأما البسملة فإن كان ابتداء قراءته من أثناء السورة فلا يبسمل، وإن كان من أول السورة فليبسمل، إلا في سورة التوبة فإنه ليس في أولها بسملة، لأن الصحابة رضي الله عنهم أشكل عليهم حين كتابة المصحف، هل هي سورة مستقلة، أو بقية الأنفال ؟ ففصلوا بينهما بدون بسمله.
******************
ومن آدابها: أن يحسن صوته بالقرآن ويترنم به، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أذن الله لشيء" أي: ما استمع لشيء، "كما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن بجهر به". وفيهما عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه صلى الله عليه وسلم". لكن إن كان حول القارئ أحد يتأذّى بجهره في قراءته، كالنائم والمصلي ونحوهما، فإنه لا يجهر جهراً يشوش عليه أو يؤذيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن" رواه مالك في الموطأ، قال ابن عبد البر: وهو حديث صحيح.
******************
ومن آدابها: أن يرتل القرآن ترتيلاً، لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}، فيقرأه بتمهّل بدون سرعة، لأن ذلك أعون على تدبر معانيه، وتقويم حروفه وألفاظه.
وفي صحيح البخاري: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كانت مداً. ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم". وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان يقطع قراءته آية آية، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين" رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة". ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ، بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه، فإن كان فيها إخلال باللفظ فهي حرام.لأنها تغيير للقرآن.
******************
ومن آدابها: أن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء في أي وقت كان من ليل أو نهار، فيكبر للسجود ويقول: سبحان ربي الأعلى، ويدعو، ثم يرفع من السجود بدون تكبير ولا سلام لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن يكون السجود في أثناء الصلاة، فإنه يكبر إذا سجد وإذا أقام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع، ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك" رواه مسلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود" رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه. وهذا يعم سجود الصلاة، وسجود التلاوة في الصلاة.هذه بعض آداب القراءة، فتأدبوا بها، واحرصوا عليها، وابتغوا بها من فضل الله.


اللهم اجعلنا من المعظمين لحرماتك، الفائزين بهباتك، الوارثين لجناتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
التعديل الأخير:
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

المجلس الرابع عشر: في مفطرات الصوم



الحمد لله المطّلع على ظاهر الأمر ومكنونه، العالم بسر العبد وجهره وظنونه، المتفرّد بإنشاء العالم وإبداع فنونه، المدبر لكل منهم في حركته وسكونه، أحسن كل شيء خلق، وفتق الأسماع وشق الحدق، وأحصى عدد مافي الشجر من ورق، في أعواده وغصونه، مد الأرض ووضعها وأوسع السماء ورفعها، وسير النجوم وأطلعها، في حندس الليل ودجونه، أنزل القطر وبلاً رذاذًا، فأنقذ به البذر من اليبس إنقاذًا {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِه}. أحمده على جوده وإحسانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وسلطانه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد ببرهانه. صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر في جميع شانه، وعلى عمر مقلق كسرى في إيوانه، وعلى عثمان ساهر ليله في قرآنه، وعلى علي قالع باب خيبر ومزلزل حصونه، وعلى آله وأصحابه المجتهد كل منهم في طاعة ربه في حركته وسكونه، وسلم تسليماً

******************
إخواني: قال الله تعالى: { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }.ذكر الله في هذه الآية الكريمة أصول مُفَطِّرات الصوم.وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في السنّة تمام ذلك.


والمفطرات سبعة أنواع:

الأول: الجماع. وهو إيلاج الذكر في الفرج، وهو أعظمها وأكبرها إثماً. فمتى جامع الصائم بطل صومه فرضاً كان أو نفلاً.ثم إن كان في نهار رمضان والصوم واجب عليه لزمه مع القضاء الكفارة المغلظة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي،كأيام العيدين والتشريق، أو لعذر حسي كالمرض والسفر لغير قصد الفطر، فإن أفطر لغير عذر ولو يوماً واحداً لزمه استئناف الصيام من جديد ليحصل التتابع. فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف كيلو وعشرة غرامات من البر الجيد.
وفي صحيح مسلم: أن رجلاً وقع بامرأته في رمضان، فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "هل تجد رقبة ؟"قال: لا، قال:"هل تستطيع صيام شهرين" يعني: متتابعين كما في الروايات الأخرى قال: لا، قال: "فأطعم ستين مسكيناً" وهو في الصحيحن مطولاً.
******************
الثاني: إنزال المني باختياره بتقبيل أو لمس أو استمناء أو غير ذلك. لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلا باجتنابها، كما جاء في الحديث القدسي: " يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" رواه البخاري.

فأما التقبيل واللمس بدون إنزال فلا يفطر، لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه". وفي صحيح مسلم: أن عمر بن أبي سلمة سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم ؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سل هذه" يعني: أم سلمة، فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له". لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه من الإنزال بالتقبيل ونحوه، أو من التدرج بذلك إلى الجماع لعدم قوته على كبح شهوته، فإن التقبيل ونحوه يحرم حينئذ، سداً للذريعة، وصوناً لصيامه عن الفساد. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم عن المبالغة في الاستنشاق خوفاً من تسرب الماء إلى جوفه فيفسد صومه.
وأما الإنزال بالاحتلام أو بالتفكير المجرد عن العمل فلا يفطر، لأن الاحتلام بغير اختيار الصائم، وأما التفكير فمعفو عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" متفق عليه.
******************
الثالث: الأكل والشرب، وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف من طريق الفم أو الأنف، أياً كان نوع المأكول أو المشروب، لقوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }. والسعوط في الأنف كالأكل والشرب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط ابن صبرة: "وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً" رواه الخمسة وصححه الترمذي.
فأما شم الروائح فلا يفطر، لأنه ليس للرائحة جرم يدخل إلى الجوف.
******************
الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو شيئان:


أحدهما: حقن الدم في الصائم، مثل أن يصاب بنزيف فيحقن به دم فيفطر بذلك، لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب، وقد حصل ذلك بحقن الدم فيه.
الشئ الثاني: الإبر المغذية التي يكتفي بها عن الأكل والشرب، فإذا تناولها أفطر، لأنها وإن لم تكن أكلاً وشرباً حقيقة فإنها بمعناهما، فثبت لها حكمهما. فأما الإبر غير المغذية فإنها غير مفطرة، سواء تناولها عن طريق العضلات أو عن طريق العروق، حتى ولو وجد حرارتها في حلقه فإنها لا تفطر، لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما، فلا يثبت لها حكمهما، ولا عبرة بوجود الطعم في الحلق في غير الأكل والشرب، ولذا قال فقهاؤنا: "لو لطخ باطن قدمه بحنظل، فوجد طعمه في حلقه لم يفطر".


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة "حقيقة الصيام": "ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطراً هو ما كان واصلاً إلى دماغ أو بدن، أو ماكان داخلاً من منفذ، أو واصلاً إلى جوف، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله" قال: "وإذا لم يكن دليل على تعليق الله ورسوله الحكم على هذا الوصف، كان قول القائل: إن الله ورسوله إنما جعل هذا مفطرًا لهذا قولاً بلا علم" انتهى كلامه رحمه الله.

******************
النوع الخامس: إخراج الدم بالحجامة، لقول النبي صلى الله عليهوسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه أحمد وأبو داود من حديث شداد بن أوس، قال البخاري: "ليس في الباب أصح منه".

وهذا مذهب الإمام أحمد وأكثر فقهاء الحديث.
وفي معنى إخراج الدم بالحجامة: إخراجه بالفصد ونحوه مما يؤثر على البدن كتأثير الحجامة.
وعلى هذا: فلا يجوز للصائم صوماً واجبا أن يتبرع بإخراج دمه، إلا أن يوجد مضطر له لا تندفع ضرورته إلا به، ولا ضرر على الصائم بسحب الدم منه، فيجوز للضرورة، ويفطر ذلك اليوم ويقضي.
وأما خروج الدم بالرعاف أو السعال، أو الباسور، أو قلع السن، أو شق الجرح، أو غرز الإبرة ونحوها، فلا يفطر، لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها، إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجامة.
******************
السادس: التقيؤ عمداً، وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض" رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الحاكم. ومعنى "ذرعه": غلبه.

ويفطر إذا تعمد القئ إما بالفعل، كعصر بطنه، أو غمز حلقه، أو بالشم مثل أن يشم شيئاً ليقئ به، أو بالنظر، كأن يتعمد النظر إلى شيء ليقئ به فيفطر بذلك كله. أما إذا حصل القئ بدون سبب منه فإنه لا يضر.وإذا راجت معدته لم يلزمه منع القئ لأن ذلك يضره، ولكن يتركه فلا يحاول القئ ولا منعه.
******************
السابع: خروج دم الحيض والنفاس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟". فمتى رأت دم الحيض أو النفاس فسد صومها، سواء في أول النهار أم في آخره، ولو قبل الغروب بلحظة، وإن أحست بانتقال الدم ولم يبرز إلا بعد الغروب فصومها صحيح.

*****************
ويحرم على الصائم تناول هذه المفطرات إن كان صومه واجباً، كصوم رمضان والكفارة والنذر، إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر، لأن من تلبس بواجب لزمه إتمامه إلا لعذر صحيح. ثم إن كان في نهار رمضان وجب عليه الإمساك بقية اليوم والقضاء، وإلا لزمه القضاء دون الإمساك. أما إن كان صومه تطوعاً فإنه يجوز له الفطر ولو بدون عذر، لكن الأولى الإتمام.

******************
إخواني : حافظوا على الطاعات، وجانبوا المعاصيَ والمحرمات، وابتهلوا إلى فاطر الأرض والسموات، وتعرضوا لنفحات جوده فإنه جزيل الهبات، واعلموا أنه ليس لكم من دنياكم إلا ما أمضيتموه في طاعة مولاكم، فالغنيمةَ الغنيمةَ قبل فوات الأوان، والمرابحةَ المرابحةَ قبل حلول الخسران.



اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات، وشغلها بالأعمال الصالحات، اللهم جد علينا بالفضل والإحسان، وعاملنا بالعفو والغفران، اللهم يسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى، اللهم ارزقنا شفاعة نبينا وأوردنا حوضه، وأسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً يارب العالمين.اللهم صَلِّ وسلّم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.



TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

بسم الله الرحمن الرحيم



المجلس الخامس عشر: في شروط الفطر بالمفطرات وما لا يفطر وما يجوز للصائم




الحمد لله الحكيم الخالق، العظيم الحليم الصادق، الرحيم الكريم الرازق، رفع السبع الطرائق بدون عمد ولا علائق، وثبت الأرض بالجبال الشواهق، تعرف إلى خلقه بالبراهين والحقائق، وتكفل بأرزاق جميع الخلائق، خلق الإنسان من ماء دافق، وألزمه بالشرائع لوصل العلائق، وسامحه عن الخطأ والنسيان فيما لا يوافق.
أحمده ما سكت ساكت ونطق ناطق. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص لا منافق.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي عمت دعوته الحضيض والشاهق، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر القائم يوم الردة بالحزم اللائق، وعلى عمر مدوخ الكفار وفاتح المغالق، وعلى عثمان الذي ما استحل حرمته إلا مارق، وعلى عليّ الذي كان لشجاعته يسلك المضايق، وعلى آله وأصحابه الذين كل منهم على من سواهم فائق، وسلم تسليماً.



******************




إخواني: إن المفطرات السابقة ما عدا الحيض والنفاس، وهي: الجماع، والإنزال بالمباشرة، والأكل والشرب وما بمعناهما، والحجامة، والقيء، لا يفطر الصائم شيء منها إلا إذا تناولها عالماً ذاكراً مختاراً، فهذه ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون عالماً، فإن كان جاهلاً لم يفطر، لقوله تعالى في سورة البقرة: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }، فقال الله: "قد فعلت"، وقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.
وسواءً كان جاهلاً بالحكم الشرعي، مثل أن يظن أن هذا الشئ غير مفطر فيفعله، أو جاهلاً بالحال أي: بالوقت، مثل أن يظن أن الفجر لم يطلع فيأكل وهو طالع، أو يظن أن الشمس قد غربت فيأكل وهي لم تغرب، فلا يفطر في ذلك كله، لما في الصحيحين عن عدي بنحاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَد } عمدت إلى عقالين: أحدهما أسود والآخر أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، وجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعتُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن وسادك إذن لعريض؛ إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل"فقد أكل عدي بعد طلوع الفجر ولم يمسك حتى تبين له الخيطان، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولأنه كان جاهلاً بالحكم.

وفي صحيح البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس" ولم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء لأنهم كانوا جاهلين بالوقت، ولو أمرهم بالقضاء لنقل، لأنه مما توفر الدواعي على نقله لأهميته، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "حقيقة الصيام": "إنه نقل هشام بن عروة أحد رواة الحديث عن أبيه عروة: أنهم لم يؤمروا بالقضاء"، لكن متى علم ببقاء النهار وأن الشمس لم تغب أمسك حتى تغيب.
ومثل ذلك: لو أكل بعد طلوع الفجر يظن أن الفجر لم يطلع، فتبين له بعد ذلك أنه قد طلع، فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه، لأنه كان جاهلاً بالوقت، وقد أباح الله له الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر، والمباح المأذون فيه لا يؤمر فاعله بالقضاء.



******************



الشرط الثاني: أن يكون ذاكراً، فإن كان ناسياً فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، لما سبق في آية البقرة، ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" متفق عليه واللفظ لمسلم. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمامه دليل على صحته، ونسبة إطعام الناسي وسقيه إلى الله دليل على عدم المؤاخذة عليه، لكن متى ذَكَرَ أو ذُكِّر أمسك ولَفَظَ ما في فمه إن كان فيه شيء لزوال عذره حينئذ.
ويجب على من رأى صائماً يأكل أويشرب أن ينبهه، لقوله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى }.



******************



الشرط الثالث: أن يكون مختاراً، أي: متناولاً للمفطر باختياره وإرادته، فإن كان مكرهاً فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، لأن الله سبحانه رفع الحكم عمن كفر مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان، فقال تعالى: { َنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }، فإذا رفع الله حكم الكفر عمن أكره عليه فما دونه أولى، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجه والبيهقي وحسنه النووي.

فلو أكره الرجل زوجته على الوطء وهي صائمة فصيامها صحيح ولا قضاء عليها، ولا يحل له إكراهها على الوطء وهي صائمة، إلا أن صامت تطوعاً بغير إذنه وهو حاضر.

ولو طار إلى جوف الصائم غبار، أو دخل فيه شيء بغير اختياره، أو تمضمض أو استنشق فنزل إلى جوفه شيء من الماء بغير اختياره فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه.


******************



ولا يفطر الصائم بالكحل والدواء في عينه ولو وجد طعمه في حلقه، لأن ذلك ليس بأكل ولا شرب ولا بمعناهما.


ولا يفطر بتقطير دواء في أذنه أيضاً، ولا بوضع دواء في جرح ولو وجد طعم الدواء في حلقه، لأن ذلك ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "حقيقة الصيام": "ونحن نعلم أنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على الإفطار بهذه الأشياء، فعلمنا أنها ليست مفطرة" قال: "فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمه الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك، والحديث المروي في الكحل، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال:

"ليتقه الصائم" ضعيف، رواه أبو داود في السنن، ولم يروه غيره،
قال أبو داود: "قال لييحي بن معين: هذا حديث منكر" قال شيخ الإسلام: "والأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً، ولابد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى هذا علم أن هذا ليس من دينه" انتهى كلامه رحمه الله، وهو كلام رصين، مبني على براهين واضحة، وقواعد ثابتة.

******************


ولا يفطر بذوق الطعام إذا لم يبلعه، ولا بشم الطيب والبخور، لكن لا يستنشق دخان البخور لأن له أجزاء تصعد، فربما وصل إلى المعدة شيء منه.
ولا يفطر بالمضمضة والاستنشاق، لكن لا يبالغ في ذلك، لأنه ربما تسرب شيء من الماء إلى جوفه، وعن لقيط بن صيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:


"أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة.

ولا يفطر بالتسوك، بل هو سنة له في أول النهار وآخره كالمفطرين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" رواه الجماعة. وهذا عام في الصائمين وغيرهم في جميع الأوقات.
وقال عامر بن ربيعة رضي الله عنه : "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصى يتسوك وهو صائم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

******************


ولا ينبغي للصائم تطهير أسنانه بالمعجون لأن له نفوذاً قوياً، ويخشى أن يتسرب مع ريقه إلى جوفه، وفي السواك غنية عنه.

ويجوز للصائم أن يفعل ما يخفف عنه شدة الحر والعطش، كالتبرد بالماء ونحوه، لما روى مالك وأبو داود عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعرج [اسم موضع] يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر". وَبَلَّ ابن عمر رضي الله عنهما ثوباً فألقاه على نفسه وهو صائم.
وكان لأنس بن مالك رضي الله عنه حجر منقور يشبه الحوض، إذا وجد الحر وهو صائم نزل فيه، وكأنه والله أعلم مملوء ماء، وقال الحسن: "لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم"، ذكر هذه الآثار البخاري في صحيحه تعليقاً.


******************



إخواني: تفقهوا في دين الله لتعبدوا الله على بصيرة، فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.


اللهم فقهنا في ديننا، وارزقنا العمل به، وثبتنا عليه، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

TkRoNi_SkNegdhHO.gif






المجلس السادس عشر: في الزكاة




الحمد لله الذي يمحو الزلل ويصفح، ويغفر الخطأ ويسمح، كل من لاذ به أفلح، وكل من عامله يربح، رفع السماء بغير عمد فتأمل وألمح، وأنزل القطر فإذا الزرع في الماء يسبح، والمواشي بعد الجدب في الخصب تسرح، وأقام الورق على الورق تسبح، أغنى وأفقر وربما كان الفقر أصلح، فكم من غني طرحه الأشر والبطر أقبح مطرح، هذا قارون ملك الكثير لكنه بالقليل لم يسمح، نبه فلم يستيقظ، وليم فلم ينفعه اللوم، إذ قال له قومه لا تفرح. أحمده ما أمسى النهار وما أصبح.


وأشهد أن لا إله إلا الله الغني الجواد من بالعطاء الواسع وأفسح.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جاد لله بنفسه وماله وأبان الحق وأوضح، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي لازمه حضراً وسفراً ولم يبرح، وعلى عمر الذي لم يزل في إعزاز الدين يكدح، وعلى عثمان الذي أنفق الكثير في سبيل الله وأصلح، وعلى عليّ ابن عمه وأبرأ ممن يغلو فيه أو يقدح، وعلى بقية الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً.







******************



إخواني: قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً}، وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُون}.
والآيات في وجوب الزكاة وفرضيتها كثيرة. وأما الأحاديث، فمنها:
ما في صحيح مسلم عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بنى الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج" فقال رجل: الحج وصيام رمضان، قال: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعتهمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" الحديث بمعناه.
فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهي قرينة الصلاة في مواضيع كثيرة من كتاب الله عز وجل.
قد أجمع المسلمون على فرضيتها إجماعاً قطعياً، فمن أنكر وجوبها مع علمه به فهو كافر خارج عن الإسلام، ومن بخل بها أو انتقص منها شيئاً فهو من الظالمين المتعرضين للعقوبة والنكال.






******************


وتجب الزكاة في أربعة أشياء:
الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ}، وقوله سبحانه: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، وأعظم حقوق المال الزكاة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر" رواه البخاري. ولا تجب الزكاة فيه حتى يبلغ نصاباً وهو خمسة أوسق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق" رواه مسلم. والوسق: ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فيبلغ النصاب ثلثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، الذي تبلغ زنته بالبر الجيد ألفين وأربعين جراماً، أي: كيلوين وخمس عشر الكيلو. فتكون زنة النصاب بالبر الجيد: ستمائة واثنى عشر كيلو. ولا زكاة فيما دونها.
ومقدار الزكاة فيها: العشر كاملاً فيما سقي بدون كلفة، ونصفه فيما سقي بكلفة.
ولا تجب الزكاة في الفواكه والخضروات والبطيخ ونحوها، لقول عمر: "ليس في الخضروات صدقة". وقول علي: "ليس في التفاح وما أشبه صدقة". ولأنها ليست بحب ولا ثمر، لكن إذا باعها بدراهم وحال الحول على ثمنها ففيه الزكاة.



******************


الثاني: بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ضأناً كانت أم معزاً، إذا كانت سائمة، وأعدت للدّرِّ والنسل، وبلغت نصاباً.
وأقل النصاب في الإبل: خمس. وفي البقر: ثلاثون، وفي الغنم: أربعون.
والسائمة هي: التي ترعى الكلأ النابت بدون بذر آدمي كل السنة أو أكثرها، فإن لم تكن سائمة فلا زكاة فيها، إلا أن تكون للتجارة، وإن أعدت للتكسب بالبيع والشراءوالمناقلة فيها فهي عروض تجارة، تزكى زكاة تجارة، سواءً كانت سائمة أو معلفة، إذا بلغت نصاب التجارة بنفسها أو يضمها إلى تجارته.



******************


الثالث: الذهب والفضة على أي حال كانت، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} والمراد بكنزها: عدم إنفاقها في سبيل الله. وأعظم الإنفاق في سبيل الله: إنفاقها في الزكاة.
وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد".
والمراد بحقها: زكاتها، كما تفسره الرواية الثانية: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته" الحديث.


******************



وتجبالزكاة في الذهب والفضة سواء كانت نقوداً أو تبراً أو حلياً يلبس أو يعار، أو غير ذلك، لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة فيهما بدون تفصيل.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب "أي: سواران غليظان" فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتعطين زكاة هذا ؟" قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟" قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله ورسوله" رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي. قال في بلوغ المرام: "وإسناده قوي".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورِق "تعني: من فضة" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هذا ؟ " فقلت: صنعتهن أتزين لك يارسول الله، قال:"أتؤدين زكاتهن ؟" قالت: لا، أو ما شاء الله، قال: " هو حسبك من النار" أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه، وقال: "على شرطالشيخين"، وقال ابن حجر في "التلخيص": "على شرط الصحيح"،وقال ابن دقيق: "على شرط مسلم".


******************



ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ نصاباً، وهو عشرون ديناراً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب: "ليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً" رواه أبو داود. والمراد: الدينار الإسلامي الذي يبلغ وزنه مثقالاً، وزنة المثقال: أربعة غرامات وربع، فيكون نصاب الذهب: خمسة وثمانين غراماً، يعادل: أحد عشر جنيهاً سعودياً وثلاثة أسباع جنيه.



******************


ولا تجب الزكاة في الفضة حتى تبلغ نصاباً، وهو خمس أواقي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة" متفق عليه.
والأوقية: أربعون درهماً إسلامياً، فيكون النصاب: مائتي درهم إسلامي، والدرهم: سبعة أعشار مثقال، فيبلغ: مائة وأربعين مثقالاً، وهي خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً، تعادل: ستة وخمسين ريالاً عربياً من الفضة.



******************


ومقدار الزكاة في الذهب والفضة: ربع العشر فقط.
وتجب الزكاة في الأوراق النقدية لأنها بدل عن الفضة فتقوم مقامها، فإذا بلغت نصاب الفضة وجبت فيها الزكاة.
وتجب الزكاة في الذهب والفضة والأوراق النقدية سواء كانت حاضرة عنده أم في ذمم الناس، وعلى هذا: فتجبالزكاة في الدين الثابت، سواء كان قرضاً أم ثمن مبيع أم أجرة أم غير ذلك، إذا كان علي ملئ باذل فيزكيه مع ماله كل سنة، أو يؤخر زكاته حتى يقبضه ثم يزكيه لكل ما مضى من السنين، فإذا كان على معسر أو مماطل يصعب استخراجه منه فلا زكاة فيه حتى يقبضه، فيزكّيه سنة واحدة، سنة قبضه، ولا زكاة عليه فيما قبلها من السنين.
ولا تجب الزكاة فيما سوى الذهب والفضة من المعادن وإن كان أغلى منهما، إلا أن يكون للتجارة فيزكي زكاة تجارة.




******************


الرابع مما تجب فيه الزكاة: عروض التجارة، وهي: كل ما أعده للتكسب والتجارة، من عقار وحيوان وطعام وشراب وسيارات، وغيرها من جميع أصناف المال، فيقوّمها كل سنة بما تساوي عند رأس الحول، ويخرج ربععشر قيمتها، سواء كانت قيمتها بقدر ثمنها الذي اشتراها به أم أقل أم أكثر، ويجب على أهل البقالات والآلات وقطع الغيارات وغيرها أن يحصوها إحصاءً دقيقاً شاملاً للصغير والكبير، ويخرجوا زكاتها، فإن شق عليهم ذلك احتاطوا وأخرجوا ما يكون به براءة ذممهم.


ولا زكاة فيما أعده الإنسان لحاجته من طعام وشراب، وفرش ومسكن، وحيوانات وسيارة، ولباس، سوى حلي الذهب والفضة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " متفق عليه.


ولا تجب الزكاة فيما أعد للأجرة من عقارات وسيارات ونحوها، وإنما تجب في أجرتها إذا كانت نقوداً، وحال عليها الحول، وبلغت نصاباً بنفسها، أو بضمها لما عنده من جنسها.




******************




إخواني: أدوا زكاة أموالكم، وطيبوا بها نفسا، فإنها غنم لا غرم، وربح لا خسارة، وأحصوا جميع ما يلزمكم زكاته، واسألوا الله القبول لما أنفقتم، والبركة فيما أبقيتم.


والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين







TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 
رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::



TkRoNi_SkNegdhHO.gif





المجلس السابع عشر: في أهل الزكاة
الحمد لله الذي لا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا قاطع لما وصل، ولا واصل لما قطع، فسبحانه من مدبر عظيم، وإله حكيم رحيم، فبحكمته وقع الضرر، وبرحمته نفع. أحمده على جميع أفعاله، وأشكره على واسع إفضاله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحكم ما شرع، وأبدع ما صنع.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله والكفر قد علا وارتفع، صال واجتمع فأهبطه من عليائه وقمع، وفرق من شره ما اجتمع. صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي نَجَمَ نَجْمُ شجاعته يوم الردة وطلع، وعلى عمر الذي عز به الإسلام وامتنع، وعلى عثمان المقتول ظلماً وما ابتدع، وعلى علي الذي دحض الكفر بجهاده وقمع وعلى جميع آله وأصحابه ما سجد مصل وركع، وسلّم تسليماً.




******************

إخواني: قال الله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.
في هذه الآية الكريمة بين الله تعالى مصارف الزكاة وأهلها المستحقين لها، بمقتضى علمه وحكمته، وعدله ورحمته، وحصرها في هؤلاء الأصناف الثمانية، وبين أن صرفها فيهم فريضة لازمة، وأن هذه القسمة صادرة عن علم الله وحكمته، فلا يجوز تعديها وصرف الزكاة في غيرها، لأن الله تعالى أعلم بمصالح خلقه، وأحكم في وضع الشئ في موضعه { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }.

فالصنف الأول والثاني: الفقراء والمساكين، وهم الذين لا يجدون كفايتهم وكفاية عائلتهم، لا من نقود حاضرة، ولا من رواتب ثابتة، ولا من صناعة قائمة، ولا من غلة كافية، ولا من نفقات على غيرهم واجبة. فهم فيحاجة إلى مواساة ومعونة، قال العلماء: "فيعطون من الزكاة ما يكفيهم وعائلتهم لمدة سنة كاملة، حتى يأتي حول الزكاة مرة ثانية، ويعطي الفقير لزواج يحتاج إليه ما يكفي لزواجه، وطالب العلم الفقير لشراء كتب يحتاجها، ويعطى من له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يكمل كفايتهم، لأنه ذو حاجة، وأما من كان له كفاية فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة وإن سألها، بل الواجب نصحه وتحذيره من سؤال مالا يحل له، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله عز وجل وليس في وجهه مزعة لحم" رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر" رواه مسلم. وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى" رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر" رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح". وإن سأل الزكاة شخص وعليه علامة الغنى عنها وهو مجهول الحال، جاز إعطاؤه منها بعد إعلامه أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجلان يسألانه، فقلب فيهما البصر، فرآهما جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" رواه أحمد وأبو داود والنسائي.



******************



الصنف الثالث من أهل الزكاة: العاملون عليها، وهم الذين ينصبهم ولاة الأمور لجباية الزكاة من أهلها، وحفظها وتصريفها. فيعطون منها بقدر عملهم وإن كانوا أغنياء. وأما الوكلاء لفرد من الناس في توزيع زكاته فليسوا من العاملين عليها، فلا يستحقون منها شيئا من أجل وكالتهم فيها، لكن إن تبرعوا في تفريقها على أهلها بأمانة واجتهاد كانوا شركاء في أجرها لما، روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ أو قال: يعطي ما أمر به كاملاًموفراً] طيباً به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر به أحد المتصدقين". وإن لم يتبرعوا بتفريقها، أعطاهم صاحب المال من ماله لا من الزكاة.


******************

الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم ضعفاء الإيمان، أو من يخشى شرهم، فيعطون من الزكاة ما يكون به تقوية إيمانهم، أو دفع شرهم إذا لم يندفع إلا بإعطائهم.


******************


الصنف الخامس:الرقاب، وهم الأرقاء المكاتبون الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم، فيعطون من الزكاة ما يوفون به أسيادهم ليحرروا بذلك أنفسهم. ويجوز أن يشترى عبد فيعتق، وأن يفك بها مسلم من الأسر، لأن هذا داخل في عموم الرقاب.


******************

الصنف السادس:الغارمون الذين يتحملون غرامة، وهم نوعان:
أحدهما: من تحمّل حمالة لإصلاح ذات البين وإطفاء الفتنة، فيُعطي من الزكاة بقدر حمالته، تشجيعاً له على هذا العمل النبيل، الذي به تأليف المسلمين، وإصلاح ذات بينهم، وإطفاء الفتنة، وإزالة الأحقاد والتنافر، وعن قبيصة الهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها"، ثم قال: "يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك.." وذكر تمام الحديث، رواه مسلم.
الثاني: من تحمل حمالة في ذمته لنفسه، وليس عنده وفاء، فيعطي من الزكاة ما يوفى به دينه وإن كثر، أو يوفي طالبه وإن لم يسلم للمطلوب، لأن تسليمه للطالب يحصل به المقصود من تبرئة ذمة المطلوب.

******************
الصنف السابع: في سبيل الله، وهو الجهاد في سبيل الله، الذي يقصد به أن تكون كلمة الله هي العليا، لا لحمية ولا لعصبية، فيعطى المجاهد بهذه النية ما يكفيه لجهاده من الزكاة، أو يشتري بها سلاح وعتاد للمجاهدين في سبيل الله، لحماية الإسلام والذود عنه، وإعلاء كلمة الله سبحانه.


******************

الصنف الثامن: ابن السبيل، وهو المسافر الذي انقطع به السفر، ونفد ما في يده، فيعطي من الزكاة ما يوصله إلى بلده وإن كان غنياً فيها ووجد من يقرضه، لكن لا يجوز أن يستصحب معه نفقة قليلة لأجل ما لا يستحق.

ولا تدفع الزكاة لكافر إلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم.
ولا تدفع لغني عنها بما يكفيه من تجارة أو صناعة أو حرفة أو راتب أو مغل أو نفقة واجبة، إلا أن يكون من العاملين عليها، أو المجاهدين في سبيل الله، أو الغارمين لإصلاح ذات البين.
ولا تدفع الزكاة في إسقاط واجب سواها، فلا تدفع للضيف بدلاً عن ضيافته، ولا لمن تجب نفقته من زوجة أو قريب بدلاً عن نفقتهما. ويجوز دفعها للزوجة والقريب فيما سوى النفقة الواجبة، فيجوز أن يقضي بها ديناً عن زوجته لا تستطيع وفاءه، وأن يقضي بها عن والديه، أو أحد من أقاربه دينا لا يستطيع وفاءه. ويجوز أن يدفع الزكاة لأقاربه في سداد نفقتهم إذا لم تكن واجبة عليه، لكون ماله لا يتحمل الإنفاق عليهم، أو نحو ذلك.



******************
ويجوز دفع الزوجة زكاتها لزوجها في قضاء دين عليه ونحوه، وذلك لأن الله سبحانه علق استحقاق الزكاة بأوصاف عامة تشمل من ذكرنا وغيرهم، فلا يخرج أحد منها إلا بنص أو إجماع.
وفي الصحيحين من حديث زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بالصدقة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنك أمرت بالصدقة، وكان عندي حلي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم".

وعن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصدقة على الفقير صدقة، وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة" رواه النسائي والترمذي وابن خزيمة والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد".وذوو الرحم هم: القرابة، قربوا أم بعدوا.



******************
ولا يجوز أن يسقط الدين عن الفقير وينويه عن الزكاة، لأن الزكاة أخذ وإعطاء، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"، وإسقاط الدين عن الفقير ليس أخذاً ولا رداً، ولأن مافي ذمة الفقيردين غائب لا يتصرف فيه، فلا يجزئ عن مال حاضر يتصرف فيه، ولأن الدين أقل في النفس من الحاضر وأدنى، فأداؤه عنه كأداء الردئ عن الجيد.


******************


وإذا اجتهد صاحب الزكاة فدفعها لمن يظن أنه من أهلها فتبين بخلافه
فإنها تجزئه، لأنه اتقى الله ما استطاع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل: والله لأتصدقن.." فذكر الحديث، وفيه: "فوضع صدقته في يد غني، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على غني. فقال: الحمد لله على غني، فأتى فقيل: أما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله" وفي رواية لمسلم: "أما صدقتك فقد تقبلت".
وعن معن بن يزيد رضي الله عنه قال: كان أبي يخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن" رواه البخاري.


******************


إخواني: إن الزكاة لا تجزئ ولا تقبل حتى توضع في المحل الذي وضعها الله فيه، فاجتهدوا رحمكم الله فيها، واحرصوا على أن تقع موقعها وتحل محلها، لتبرئوا ذممكم، وتطهروا أموالكم، وتنفذوا أمر ربكم، وتقبل صدقاتكم، والله الموفق.
والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين




TkRoNi_hwVn80Gg48.gif
 

عودة
أعلى