جاء الإسلام وبعض الناس ينكرون إنسانية المرأة , وآخرون يرتابون فيها . وغيرهم يعترف بإنسانيتها , ولكنه يعتبرها مخلوقاً خلق لخدمة الرجل .
فكان من فضل الإسلام أنه كرم المرأة , وأكد إنسانيتها , وأهليتها للتكليف والمسئولية والجزاء ودخول الجنة , واعتبرها إنساناً كريماً , له كل ما للرجل من حقوق إنسانية . لأنهما فرعان من شجرة واحدة , وأخوان ولدهما أب واحد هو آدم , وأم واحدة هي حواء .
فهما متساويان في أصل النشأة , متساويان في الخصائص الإنسانية العامة , متساويان في التكاليف والمسئولية , متساويان في الجزاء والمصير .
وفي ذلك يقول القرآن : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام , إن الله كان عليكم رقيباً ) .
وإذا كان الناس - كل الناس - رجالا ونساء , خلقهم ربهم من نفس واحدة , وجعل من هذه النفس زوجا تكملها وتكتمل بها كما قال في آية أخرى : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) وبث من هذه الأسرة الواحدة رجالاً كثيراً ونساءً , كلهم عباد لرب واحد , وأولاد لأب واحد وأم واحدة , فالأخوة تجمعهم .
ولهذا أمرت الآية الناس بتقوى الله - ربهم - ورعاية الرحم الواشجة بينهم : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) .
فالرجل - بهذا النص - أخ المرأة , والمرأة شقيقة الرجل . وفي هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « إنما النساء شقائق الرجال » .
وفى مساواة المرأة للرجل في التكليف والتدين والعبادة , يقول القرآن : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً ) .
وفي التكاليف الدينية والاجتماعية الأساسية يسوي القرآن بين الجنسين بقوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض , يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله , أولئك سيرحمهم الله )
وفي قصة آدم توجه التكليف الإلهي إليه والى زوجه سواء : ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) .
ولكن الجديد في هذه القصة - كما ذكرها القرآن - أنها نسبت الإغواء إلى الشيطان لا إلى حواء - كما فعلت التوراة - ( فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ) .
ولم تنفرد حواء بالأكل من الشجرة ولا كانت البادئة , بل كان الخطأ منهما معاً , كما كان الندم والتوبة منهما جميعا : ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ).
بل في بعض الآيات نسبة الخطأ إلى آدم بالذات وبالأصالة : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً) … ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) … ( وعصى آدم ربه فغوى ) . كما نسب إليه التوبة وحده أيضا : ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) مما يفيد أنه الأصل في المعصية , والمرأة له تبع .
ومهما يكن الأمر فإن خطيئة حواء لا يحمل تبعتها إلا هي , وبناتها براء من إثمها , ولا تزر وازرة وزر أخرى : ( تلك أمه قد خلت , لها ما كسبت ولكم ما كسبتم , ولا تسئلون عما كانوا يعملون ) .
وفى مساواة المرأة للرجل في الجزاء ودخول الجنة يقول الله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى , بعضكم من بعض ) , فنص القرآن في صراحة على أن الأعمال لا تضيع عند الله , سواء أكان العامل ذكراً أم أنثى , فالجميع بعضهم من بعض , من طينة واحدة , وطبيعة واحدة . ويقول : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة , ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) , ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) .
وفى الحقوق المالية للمرأة , أبطل الإسلام ما كان عليه كثير من الأمم - عرباً وعجماً - من حرمان النساء , من التملك والميراث , أو التضييق عليهن في التصرف فيما يملكن , واستبداد الأزواج بأموال المتزوجات منهن , فأثبت لهن حق الملك بأنواعه وفروعه , وحق التصرف بأنواعه المشروعة . فشرع الوصية والإرث لهن كالرجال , وأعطاهن حق البيع والشراء , والإجارة والهبة والإعارة والوقف والصدقة والكفالة والحوالة والرهن . . . . وغير ذلك من العقود والأعمال .
ويتبع ذلك حقوق الدفاع عن مالها - كالدفاع عن نفسها - بالتقاضي وغيره من الأعمال المشروعة
شبهات مردودة
وهنا تعرض لبعض الناس شبهات , وتدور في خواطرهم أسئلة :
إذا كان الإسلام قد اعتبر إنسانية المرأة مساوية لإنسانية الرجل , فما باله فضل الرجل عليها في بعض المواقف والأحوال . كما في الشهادة , والميراث , والدية , وقوامة المنزل , ورياسة الدولة , وبعض الأحكام الجزئية الأخرى ؟
والواقع أن تمييز الرجل عن المرأة في هذه الأحكام , ليس لأن جنس الرجل أكرم عند الله وأقرب إليه من جنس المرأة . فإن أكرم الناس عند الله أتقاهم - رجلا كان أو امرأة - ولكن هذا التمييز اقتضته الوظيفة التي خصصتها الفطرة السليمة لكل من الرجل والمرأة . كما سنوضح ذلك فيما يلي :
الشهادة :
جاء في القرآن في آية المدينة التي أمر الله فيها بكتابة الدين والاحتياط له : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم , فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى , ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) .
وبهذا جعل القرآن شهادة الرجل تساوى شهادة امرأتين . كما قرر الفقهاء أن شهادة النساء لا تقبل في الحدود والقصاص .
والحمد لله أن هذا التفاوت ليس لنقص إنسانية المرأة أو كرامتها . بل لأنها - بفطرتها واختصاصها - لا تشتغل عادة بالأمور المالية والمعاملات المدنية . إنما يشغلها ما يشغل النساء - عادة - من شئون البيت إن كانت زوجة , والأولاد إن كانت أما , والتفكير في الزواج إن كانت أيماً . ومن ثم تكون ذاكرتها أضعف في شئون المعاملات . لهذا أمر الله تعالى أصحاب الدين إذا أرادوا الاستيثاق لديونهم أن يشهدوا عليها رجلين أو رجلاً وامرأتين . وعلل القرآن ذلك بقوله : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) .
ومثل ذلك ما ذهب إليه كثير من الفقهاء , الذين لم يعتبروا شهادة النساء , في الحدود والقصاص . . بعداً بالمرأة عن مجالات الاحتكاك , ومواطن الجرائم . والعدوان على الأنفس والأعراض والأموال . فهي إن شهدت هذه الجرائم كثيرا ما تغمض عينها , وتهرب صائحة مولولة , ويصعب عليها أن تصف هذه الجرائم بدقة ووضوح , لأن أعصابها لا تحتمل التدقيق في مثل هذه الحال .
ولهذا يرى هؤلاء الفقهاء أنفسهم الأخذ بشهادة المرأة - ولو منفردة - فيما هو من شأنها واختصاصها , كشهادتها في الرضاع والبكارة والثيوبة والحيض والولادة , ونحو ذلك مما كان يختص بمعرفته النساء , في العصور السابقة .
على أن هذا الحكم غير مجمع عليه, فمذهب عطاء - من أئمة التابعين - الأخذ بشهادة النساء.
ومن الفقهاء من يرى الأخذ بشهادة النساء , في الجنايات في المجتمعات التي لا يكون فيها الرجال عادة مثل حمامات النساء , والأعراس , وغير ذلك مما اعتاد الناس أن يجعلوا فيه للنساء أماكن خاصة , فإذا اعتدت إحداهن على أخرى بقتل أو جرح أو كسر , وشهد عليها شهود منهن , فهل تهدر شهادتهن لمجرد أنهن إناث ؟ أو تطلب شهادة الرجال في مجتمع لا يحضرون فيه عادة ؟
الصحيح أن تعتبر شهادتهن ما دمن عادلات ضابطات واعيات .
الميراث :
أما التفاوت في الميراث بين الرجل والمرأة , فالواضح أنه نتيجة للتفاوت بينهما في الأعباء, والتكاليف المالية المفروضة على كل منهما شرعا .
فلو افترضنا أبا مات , وترك وراءه ابنا وبنتا , فالابن يتزوج فيدفع مهراً , ويدخل بالزوجة فيدفع نفقتها , على حين تتزوج البنت فتأخذ مهراً , ثم يدخل بها زوجها , فيلتزم بنفقتها , ولا يكلفها فلساً , وان كانت من أغنى الناس .
فإذا كان قد ترك لهما مائة وخمسين ألفا مثلاً , أخذ الابن منها مائة وأخته خمسين . فعندما يتزوج الابن قد يدفع مهراً وهدايا نقدرها مثلا بخمسة وعشرين ألفا . فينقص نصيبه ليصبح ( 75000 ) خمسة وسبعين ألفاً . في حين تتزوج أخته فتقبض مهراً وهدايا نقدرها بما قدرنا به ما دفع أخوها لمثلها . فهنا يزيد نصيبها فيصبح ( 75000 ) خمسة وسبعين ألفا . فتساويا .
الدية :
وأما الدية فليس فيها حديث متفق على صحته , ولا إجماع مستيقن بل ذهب ابن علية والأصم - من فقهاء السلف - إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الدية , وهو الذي يتفق مع عموم النصوص القرآنية والنبوية الصحيحة وإطلاقها . ولو ذهب إلى ذلك ذاهب اليوم , ما كان عليه من حرج , فالفتوى تغير بتغير الزمان والمكان . إذا كانت تتمشى مع النصوص الجزئية والمقاصد الكلية ؟
القوامة :
وأما القوامة , فإنما جعلها الله للرجل بنص القرآن لأمرين :
1. ما فضله الله به من التبصر في العواقب , والنظر في الأمور بعقلانية أكثر من المرأة التي جهزها بجهاز عاطفي دفاق من أجل الأمومة .
2. أن الرجل هو الذي ينفق الكثير على تأسيس الأسرة . فلو انهدمت ستنهدم على أم رأسه . لهذا سيفكر ألف مرة قبل أن يتخذ قرار تفكيكها .
المناصب القضائية والسياسية :
وأما مناصب القضاء , والسياسة , فقد أجاز أبو حنيفة أن تتولى القضاء , فيما تجوز شهادتها فيه , أي في غير الأمور الجنائية , وأجاز الطبري وابن حزم أن تتولى القضاء , في الأموال وفي الجنايات وغيرها .
وجواز ذلك لا يعنى وجوبه ولزومه , بل ينظر للأمر في ضوء مصلحة المرأة , ومصلحة الأسرة , ومصلحة المجتمع , ومصلحة الإسلام , وقد يؤدي ذلك إلى اختيار بعض النساء المتميزات في سن معينة , للقضاء في أمور معينة , وفي ظروف معينة .
وأما منعها من رئاسة الدولة وما في حكمها , فلأن طاقة المرأة - غالبا - لا تحتمل الصراع الذي تقتضيه تلك المسؤولية الجسيمة . وإنما قلنا : « غالبا » , لأنه قد يوجد من النساء من يكن أقدر من بعض الرجال , مثل ملكة سبأ , التي قص الله علينا قصتها في القرآن , ولكن الأحكام لا تبنى على النادر , بل على الأعم الأغلب , ولهذا قال علماؤنا : النادر لا حكم له .
وأما أن تكون مديرة أو عميدة , أو رئيسة مؤسسة , أو عضواً في مجلس نيابي . أو نحو ذلك, فلا حرج إذا اقتضته المصلحة العامة
فكان من فضل الإسلام أنه كرم المرأة , وأكد إنسانيتها , وأهليتها للتكليف والمسئولية والجزاء ودخول الجنة , واعتبرها إنساناً كريماً , له كل ما للرجل من حقوق إنسانية . لأنهما فرعان من شجرة واحدة , وأخوان ولدهما أب واحد هو آدم , وأم واحدة هي حواء .
فهما متساويان في أصل النشأة , متساويان في الخصائص الإنسانية العامة , متساويان في التكاليف والمسئولية , متساويان في الجزاء والمصير .
وفي ذلك يقول القرآن : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام , إن الله كان عليكم رقيباً ) .
وإذا كان الناس - كل الناس - رجالا ونساء , خلقهم ربهم من نفس واحدة , وجعل من هذه النفس زوجا تكملها وتكتمل بها كما قال في آية أخرى : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) وبث من هذه الأسرة الواحدة رجالاً كثيراً ونساءً , كلهم عباد لرب واحد , وأولاد لأب واحد وأم واحدة , فالأخوة تجمعهم .
ولهذا أمرت الآية الناس بتقوى الله - ربهم - ورعاية الرحم الواشجة بينهم : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) .
فالرجل - بهذا النص - أخ المرأة , والمرأة شقيقة الرجل . وفي هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « إنما النساء شقائق الرجال » .
وفى مساواة المرأة للرجل في التكليف والتدين والعبادة , يقول القرآن : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً ) .
وفي التكاليف الدينية والاجتماعية الأساسية يسوي القرآن بين الجنسين بقوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض , يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله , أولئك سيرحمهم الله )
وفي قصة آدم توجه التكليف الإلهي إليه والى زوجه سواء : ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) .
ولكن الجديد في هذه القصة - كما ذكرها القرآن - أنها نسبت الإغواء إلى الشيطان لا إلى حواء - كما فعلت التوراة - ( فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ) .
ولم تنفرد حواء بالأكل من الشجرة ولا كانت البادئة , بل كان الخطأ منهما معاً , كما كان الندم والتوبة منهما جميعا : ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ).
بل في بعض الآيات نسبة الخطأ إلى آدم بالذات وبالأصالة : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً) … ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) … ( وعصى آدم ربه فغوى ) . كما نسب إليه التوبة وحده أيضا : ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) مما يفيد أنه الأصل في المعصية , والمرأة له تبع .
ومهما يكن الأمر فإن خطيئة حواء لا يحمل تبعتها إلا هي , وبناتها براء من إثمها , ولا تزر وازرة وزر أخرى : ( تلك أمه قد خلت , لها ما كسبت ولكم ما كسبتم , ولا تسئلون عما كانوا يعملون ) .
وفى مساواة المرأة للرجل في الجزاء ودخول الجنة يقول الله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى , بعضكم من بعض ) , فنص القرآن في صراحة على أن الأعمال لا تضيع عند الله , سواء أكان العامل ذكراً أم أنثى , فالجميع بعضهم من بعض , من طينة واحدة , وطبيعة واحدة . ويقول : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة , ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) , ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) .
وفى الحقوق المالية للمرأة , أبطل الإسلام ما كان عليه كثير من الأمم - عرباً وعجماً - من حرمان النساء , من التملك والميراث , أو التضييق عليهن في التصرف فيما يملكن , واستبداد الأزواج بأموال المتزوجات منهن , فأثبت لهن حق الملك بأنواعه وفروعه , وحق التصرف بأنواعه المشروعة . فشرع الوصية والإرث لهن كالرجال , وأعطاهن حق البيع والشراء , والإجارة والهبة والإعارة والوقف والصدقة والكفالة والحوالة والرهن . . . . وغير ذلك من العقود والأعمال .
ويتبع ذلك حقوق الدفاع عن مالها - كالدفاع عن نفسها - بالتقاضي وغيره من الأعمال المشروعة
شبهات مردودة
وهنا تعرض لبعض الناس شبهات , وتدور في خواطرهم أسئلة :
إذا كان الإسلام قد اعتبر إنسانية المرأة مساوية لإنسانية الرجل , فما باله فضل الرجل عليها في بعض المواقف والأحوال . كما في الشهادة , والميراث , والدية , وقوامة المنزل , ورياسة الدولة , وبعض الأحكام الجزئية الأخرى ؟
والواقع أن تمييز الرجل عن المرأة في هذه الأحكام , ليس لأن جنس الرجل أكرم عند الله وأقرب إليه من جنس المرأة . فإن أكرم الناس عند الله أتقاهم - رجلا كان أو امرأة - ولكن هذا التمييز اقتضته الوظيفة التي خصصتها الفطرة السليمة لكل من الرجل والمرأة . كما سنوضح ذلك فيما يلي :
الشهادة :
جاء في القرآن في آية المدينة التي أمر الله فيها بكتابة الدين والاحتياط له : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم , فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى , ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) .
وبهذا جعل القرآن شهادة الرجل تساوى شهادة امرأتين . كما قرر الفقهاء أن شهادة النساء لا تقبل في الحدود والقصاص .
والحمد لله أن هذا التفاوت ليس لنقص إنسانية المرأة أو كرامتها . بل لأنها - بفطرتها واختصاصها - لا تشتغل عادة بالأمور المالية والمعاملات المدنية . إنما يشغلها ما يشغل النساء - عادة - من شئون البيت إن كانت زوجة , والأولاد إن كانت أما , والتفكير في الزواج إن كانت أيماً . ومن ثم تكون ذاكرتها أضعف في شئون المعاملات . لهذا أمر الله تعالى أصحاب الدين إذا أرادوا الاستيثاق لديونهم أن يشهدوا عليها رجلين أو رجلاً وامرأتين . وعلل القرآن ذلك بقوله : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) .
ومثل ذلك ما ذهب إليه كثير من الفقهاء , الذين لم يعتبروا شهادة النساء , في الحدود والقصاص . . بعداً بالمرأة عن مجالات الاحتكاك , ومواطن الجرائم . والعدوان على الأنفس والأعراض والأموال . فهي إن شهدت هذه الجرائم كثيرا ما تغمض عينها , وتهرب صائحة مولولة , ويصعب عليها أن تصف هذه الجرائم بدقة ووضوح , لأن أعصابها لا تحتمل التدقيق في مثل هذه الحال .
ولهذا يرى هؤلاء الفقهاء أنفسهم الأخذ بشهادة المرأة - ولو منفردة - فيما هو من شأنها واختصاصها , كشهادتها في الرضاع والبكارة والثيوبة والحيض والولادة , ونحو ذلك مما كان يختص بمعرفته النساء , في العصور السابقة .
على أن هذا الحكم غير مجمع عليه, فمذهب عطاء - من أئمة التابعين - الأخذ بشهادة النساء.
ومن الفقهاء من يرى الأخذ بشهادة النساء , في الجنايات في المجتمعات التي لا يكون فيها الرجال عادة مثل حمامات النساء , والأعراس , وغير ذلك مما اعتاد الناس أن يجعلوا فيه للنساء أماكن خاصة , فإذا اعتدت إحداهن على أخرى بقتل أو جرح أو كسر , وشهد عليها شهود منهن , فهل تهدر شهادتهن لمجرد أنهن إناث ؟ أو تطلب شهادة الرجال في مجتمع لا يحضرون فيه عادة ؟
الصحيح أن تعتبر شهادتهن ما دمن عادلات ضابطات واعيات .
الميراث :
أما التفاوت في الميراث بين الرجل والمرأة , فالواضح أنه نتيجة للتفاوت بينهما في الأعباء, والتكاليف المالية المفروضة على كل منهما شرعا .
فلو افترضنا أبا مات , وترك وراءه ابنا وبنتا , فالابن يتزوج فيدفع مهراً , ويدخل بالزوجة فيدفع نفقتها , على حين تتزوج البنت فتأخذ مهراً , ثم يدخل بها زوجها , فيلتزم بنفقتها , ولا يكلفها فلساً , وان كانت من أغنى الناس .
فإذا كان قد ترك لهما مائة وخمسين ألفا مثلاً , أخذ الابن منها مائة وأخته خمسين . فعندما يتزوج الابن قد يدفع مهراً وهدايا نقدرها مثلا بخمسة وعشرين ألفا . فينقص نصيبه ليصبح ( 75000 ) خمسة وسبعين ألفاً . في حين تتزوج أخته فتقبض مهراً وهدايا نقدرها بما قدرنا به ما دفع أخوها لمثلها . فهنا يزيد نصيبها فيصبح ( 75000 ) خمسة وسبعين ألفا . فتساويا .
الدية :
وأما الدية فليس فيها حديث متفق على صحته , ولا إجماع مستيقن بل ذهب ابن علية والأصم - من فقهاء السلف - إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الدية , وهو الذي يتفق مع عموم النصوص القرآنية والنبوية الصحيحة وإطلاقها . ولو ذهب إلى ذلك ذاهب اليوم , ما كان عليه من حرج , فالفتوى تغير بتغير الزمان والمكان . إذا كانت تتمشى مع النصوص الجزئية والمقاصد الكلية ؟
القوامة :
وأما القوامة , فإنما جعلها الله للرجل بنص القرآن لأمرين :
1. ما فضله الله به من التبصر في العواقب , والنظر في الأمور بعقلانية أكثر من المرأة التي جهزها بجهاز عاطفي دفاق من أجل الأمومة .
2. أن الرجل هو الذي ينفق الكثير على تأسيس الأسرة . فلو انهدمت ستنهدم على أم رأسه . لهذا سيفكر ألف مرة قبل أن يتخذ قرار تفكيكها .
المناصب القضائية والسياسية :
وأما مناصب القضاء , والسياسة , فقد أجاز أبو حنيفة أن تتولى القضاء , فيما تجوز شهادتها فيه , أي في غير الأمور الجنائية , وأجاز الطبري وابن حزم أن تتولى القضاء , في الأموال وفي الجنايات وغيرها .
وجواز ذلك لا يعنى وجوبه ولزومه , بل ينظر للأمر في ضوء مصلحة المرأة , ومصلحة الأسرة , ومصلحة المجتمع , ومصلحة الإسلام , وقد يؤدي ذلك إلى اختيار بعض النساء المتميزات في سن معينة , للقضاء في أمور معينة , وفي ظروف معينة .
وأما منعها من رئاسة الدولة وما في حكمها , فلأن طاقة المرأة - غالبا - لا تحتمل الصراع الذي تقتضيه تلك المسؤولية الجسيمة . وإنما قلنا : « غالبا » , لأنه قد يوجد من النساء من يكن أقدر من بعض الرجال , مثل ملكة سبأ , التي قص الله علينا قصتها في القرآن , ولكن الأحكام لا تبنى على النادر , بل على الأعم الأغلب , ولهذا قال علماؤنا : النادر لا حكم له .
وأما أن تكون مديرة أو عميدة , أو رئيسة مؤسسة , أو عضواً في مجلس نيابي . أو نحو ذلك, فلا حرج إذا اقتضته المصلحة العامة
تعليق