السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه رسالة اطلعت عليها في أحد المواقع فأحببت أن أضعها في هذا المنتدى
رسالة في آلام الأطفال وتشوهاتهم الخلقية
تأليف: د. وسيم فتح الله
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد؛
فهذه رسالة مختصرة حول ما يصيب بعض الأطفال من أمراض وآلام وتشوهات خلقية، دفعني إلى الكتابة فيها شدة معاناة الأهل وهم يعاينون مصاب أولادهم بهذه الأدواء، وغفلة الكثير منا عن التدبر في هذه الأحوال لاسيما مع الاندفاع المادي الذي يشهده عالم الإنسان اليوم بحيث قلَّ الانضباط بثوابت الشريعة الغراء ناهيك عن الصدور عنها.
ولقد تحريت في لغة الكتابة قدراً مشتركاً بين فهم عموم الناس وفهم أهل الخبرة والاختصاص، دون الغوص في متاهاتٍ اصطلاحية وبعيداً عن الاستطراد في الأمور التفصيلية، إذ ليست الغاية هنا الخوض في كل شاردة وواردة، وإنما الغرض تقرير إطار عام نتحرك من خلاله للتعامل مع هذه الأحوال.
ولقد اشتملت الرسالة على تمهيد وخمسة فصول والخاتمة. فأما الفصلين الأولين فتناولت فيهما صورة المسألة المعروضة وتحرير كون الأطفال محلاً للابتلاء، ثم جاء الفصل الثالث باستعراض لأبرز الحكم الإلهية في مشاهد آلام الأطفال وابتلاءاتهم، ثم فصل عن موت الأطفال وآخر عن مرض الموت وسكراته ولقد اعتنيت في هذا الأخير بعرض بعض الأمور المشكلة التي تطرأ على الأهل في سياق اتخاذ القرارات العلاجية لأطفالهم في حالات المرض المزمن والمستعصي، وقد عرضتها بصيغة سؤال وجواب لتكون أيسر للمطالعة وأسرع للحصول على جواب مسألة السائل، وهي مسائل استوحيتها من واقع مشاهداتي في مجال عملي كطبيب متخصص في أمراض الأعصاب عند الأطفال، ولا أدعي استيعابها كل ما يطرأ، ولكنها بداية على الطريق إن شاء الله، وأنبه هاهنا إلى أن بعضاً من هذه المسائل تدور في فلك الاجتهاد ألا إني اقتصرت على ذكر ما ظهر راجحاً معتمداً على الدليل الشرعي مبتعداً عن التسويغ العقلي ، فأسأل الله التوفيق في ذلك.
وإني لأرجو الله تعالى أن يكون هذا العمل المتواضع لبنةً في بناء صرحٍ علمي إسلامي يناسب خيرية هذه الأمة ويناسب حجم التحديات الحضارية التي تواجه كيانها العقدي والفكري والعلمي بل كيانها الكلي وجوداً وعدماً.
تمهيد:
فلقد خلق الله تعالى الإنسان لعبادته، وابتلاه بالخير والشر لفتنته، حيث قال تعالى:"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"[1]،وقال تعالى:" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"[2]. وإن من الأصول الثابتة في الشريعة الإسلامية أن محل التكليف عند العبد هو العقل، وأن الثواب والعقاب والعبادة والاحتساب لا بد من أن تقوم على أساس التكليف، بحيث قد يستشكل البعض منا ما يقع لغير المكلفين أحياناً من آلام أو ابتلاءات ظاهرها الشر، إذ أن غير المكلف لا يكون محلاً للاحتساب فيؤجر، ولا يكون محلاً للتذمر والتبرم فيزجر ويؤزر، وقد يجد إبليس وجنده في هذا مدخلاً يدخل به على العبد فيثير فيه الهواجس والشكوك متسائلاً عن ذنب هؤلاء حتى يُبتلوا، وعن وجه تقصيرهم حتى يُحرموا، وغير ذلك من الوساوس والأوهام التي يعكّر بها إبليس على العبد صفاء عقيدته وسكون قلبه.
ولما كان محل الرأفة والرحمة والشفقة في قلب الأبوين أرضاً خصبة لبذور إبليس ووساوسه هذه، ولما اقتضت حكمة الله تعالى أن يُصاب بعض الأطفال بشيء من الآلام والأمراض والتشوهات الخلقية، ولشدة الأمر على كثير من الآباء والأمهات حين يبذلون قصارى جهدهم ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل التخفيف عن أطفالهم مع تباينٍ وتفاوتٍ في مدى فهم وقبول هذا الأمر والابتلاء حسبما عاينت ورأيت من خلال مهنتي كطبيب أتعامل مع الأطفال، بل مع فئة خاصة من الأطفال المصابين بأمراض عصبية وخلقية كثيراً ما تكون وخيمة الأثر على صحة الطفل وتطوره الروحي الحركي، وجدت لزاماً عليَّ أن أساهم في تخفيف وطأة الأمر على الأبوين من جهة، والتنبيه على مَواطن الخير والاحتساب أو مواضع الزلل التي قد يغفلان عنها أحياناً في خضم سعيهما إلى تطبيب طفلهما وتدبير أمره. كما أنبه من شاء الله تعالى أن يَسلم أولاده من داءٍ أو مرض إلى عظيم فضل الله تعالى ونعمته عليه من جهة، وإلى أنه مبتلى من وجه آخر ومن جهة أخرى هي جهة السلامة والابتلاء بالخير، وعقدت العزم متوكلاً على الله تعالى على تصوير المسألة وتقعيدها من المنظور الإسلامي على قدر استطاعتي راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد، فما كان في هذه الرسالة من صواب فمن الله، وما كان غير ذلك فمني، وأرجو ألا يضن عليَّ أحد بتصويبه أو توجيهه.
فصل: تصوير المسألة:
إن صورة المسألة من المنظور الإسلامي تنطلق من جملةٍ من النصوص التي تجعل العقل مناط التكليف وتجعل الابتلاء بالشر وسيلة عقاب أو رفع درجة أو حط خطيئة عن المكلف؛ فأما دليل الأصل الأول فقوله صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتىيحتلم، وعن المجنون حتى يعقل"[3]، وأما دليل الأصل الثاني فقوله تعالى:" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"[4]، وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :" ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"[5]. فإذا كان الأمر كذلك – وهو كذلك – فما وجه تنزُّل الآلام والأمراض والتشوهات بالأطفال وهم لم يجرِ عليهم القلم ولم يكتمل عندهم نصاب العقل الذي هو محل التكليف؟ إن كونهم غير مكلفين يخرج بهم عن ترتب آثار الابتلاءات عليهم؛ فلا ذنب عليهم يُكفره الابتلاء ، ولا معصية عندهم يعاقَبون عليها بالمصيبة، وليسوا أهل عملٍ ليرفع لهم الألم درجة أو منزلة، وعند هذا المشهد يفترق الخلق إلى فريقين؛ فريق الضلالة وفريق الهدى. فأما فريق الضلالة فلا يكلف نفسه عناء رفع غشاوة الجهل وخرق حجب الشبهات عن قلبه، وأما فريق الهدى فلا يعدم في أي مشهدٍ يشهده رؤية أثرٍ من آثار الله عز وجل وأسمائه وصفاته القدسية، إما على سبيل الإجمال إن تعذر عليه الفهم، وإما على سبيل التفصيل إذا وفقه الله تعالى لإدراك حكمة المشهد، فتأمل.
ولما كان خطابي في هذه الرسالة المختصرة موجهاً إلى أهل القبلة ممن رسخت لا إله إلا الله محمد رسول الله في قلوبهم وتجذرت عقيدة التوحيد وحب الخالق فيها، فإني لن ألوث روعة المشهد بشبهات الضالين، وإنما أحاول أن أتدرج في مشهد أهل الهدى عسى أن نكون ممن قال فيهم سبحانه وتعالى:" فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه"[6]
هذه رسالة اطلعت عليها في أحد المواقع فأحببت أن أضعها في هذا المنتدى
رسالة في آلام الأطفال وتشوهاتهم الخلقية
نظرة إسلامية
تأليف: د. وسيم فتح الله
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد؛
فهذه رسالة مختصرة حول ما يصيب بعض الأطفال من أمراض وآلام وتشوهات خلقية، دفعني إلى الكتابة فيها شدة معاناة الأهل وهم يعاينون مصاب أولادهم بهذه الأدواء، وغفلة الكثير منا عن التدبر في هذه الأحوال لاسيما مع الاندفاع المادي الذي يشهده عالم الإنسان اليوم بحيث قلَّ الانضباط بثوابت الشريعة الغراء ناهيك عن الصدور عنها.
ولقد تحريت في لغة الكتابة قدراً مشتركاً بين فهم عموم الناس وفهم أهل الخبرة والاختصاص، دون الغوص في متاهاتٍ اصطلاحية وبعيداً عن الاستطراد في الأمور التفصيلية، إذ ليست الغاية هنا الخوض في كل شاردة وواردة، وإنما الغرض تقرير إطار عام نتحرك من خلاله للتعامل مع هذه الأحوال.
ولقد اشتملت الرسالة على تمهيد وخمسة فصول والخاتمة. فأما الفصلين الأولين فتناولت فيهما صورة المسألة المعروضة وتحرير كون الأطفال محلاً للابتلاء، ثم جاء الفصل الثالث باستعراض لأبرز الحكم الإلهية في مشاهد آلام الأطفال وابتلاءاتهم، ثم فصل عن موت الأطفال وآخر عن مرض الموت وسكراته ولقد اعتنيت في هذا الأخير بعرض بعض الأمور المشكلة التي تطرأ على الأهل في سياق اتخاذ القرارات العلاجية لأطفالهم في حالات المرض المزمن والمستعصي، وقد عرضتها بصيغة سؤال وجواب لتكون أيسر للمطالعة وأسرع للحصول على جواب مسألة السائل، وهي مسائل استوحيتها من واقع مشاهداتي في مجال عملي كطبيب متخصص في أمراض الأعصاب عند الأطفال، ولا أدعي استيعابها كل ما يطرأ، ولكنها بداية على الطريق إن شاء الله، وأنبه هاهنا إلى أن بعضاً من هذه المسائل تدور في فلك الاجتهاد ألا إني اقتصرت على ذكر ما ظهر راجحاً معتمداً على الدليل الشرعي مبتعداً عن التسويغ العقلي ، فأسأل الله التوفيق في ذلك.
وإني لأرجو الله تعالى أن يكون هذا العمل المتواضع لبنةً في بناء صرحٍ علمي إسلامي يناسب خيرية هذه الأمة ويناسب حجم التحديات الحضارية التي تواجه كيانها العقدي والفكري والعلمي بل كيانها الكلي وجوداً وعدماً.
تمهيد:
فلقد خلق الله تعالى الإنسان لعبادته، وابتلاه بالخير والشر لفتنته، حيث قال تعالى:"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"[1]،وقال تعالى:" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"[2]. وإن من الأصول الثابتة في الشريعة الإسلامية أن محل التكليف عند العبد هو العقل، وأن الثواب والعقاب والعبادة والاحتساب لا بد من أن تقوم على أساس التكليف، بحيث قد يستشكل البعض منا ما يقع لغير المكلفين أحياناً من آلام أو ابتلاءات ظاهرها الشر، إذ أن غير المكلف لا يكون محلاً للاحتساب فيؤجر، ولا يكون محلاً للتذمر والتبرم فيزجر ويؤزر، وقد يجد إبليس وجنده في هذا مدخلاً يدخل به على العبد فيثير فيه الهواجس والشكوك متسائلاً عن ذنب هؤلاء حتى يُبتلوا، وعن وجه تقصيرهم حتى يُحرموا، وغير ذلك من الوساوس والأوهام التي يعكّر بها إبليس على العبد صفاء عقيدته وسكون قلبه.
ولما كان محل الرأفة والرحمة والشفقة في قلب الأبوين أرضاً خصبة لبذور إبليس ووساوسه هذه، ولما اقتضت حكمة الله تعالى أن يُصاب بعض الأطفال بشيء من الآلام والأمراض والتشوهات الخلقية، ولشدة الأمر على كثير من الآباء والأمهات حين يبذلون قصارى جهدهم ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل التخفيف عن أطفالهم مع تباينٍ وتفاوتٍ في مدى فهم وقبول هذا الأمر والابتلاء حسبما عاينت ورأيت من خلال مهنتي كطبيب أتعامل مع الأطفال، بل مع فئة خاصة من الأطفال المصابين بأمراض عصبية وخلقية كثيراً ما تكون وخيمة الأثر على صحة الطفل وتطوره الروحي الحركي، وجدت لزاماً عليَّ أن أساهم في تخفيف وطأة الأمر على الأبوين من جهة، والتنبيه على مَواطن الخير والاحتساب أو مواضع الزلل التي قد يغفلان عنها أحياناً في خضم سعيهما إلى تطبيب طفلهما وتدبير أمره. كما أنبه من شاء الله تعالى أن يَسلم أولاده من داءٍ أو مرض إلى عظيم فضل الله تعالى ونعمته عليه من جهة، وإلى أنه مبتلى من وجه آخر ومن جهة أخرى هي جهة السلامة والابتلاء بالخير، وعقدت العزم متوكلاً على الله تعالى على تصوير المسألة وتقعيدها من المنظور الإسلامي على قدر استطاعتي راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد، فما كان في هذه الرسالة من صواب فمن الله، وما كان غير ذلك فمني، وأرجو ألا يضن عليَّ أحد بتصويبه أو توجيهه.
فصل: تصوير المسألة:
إن صورة المسألة من المنظور الإسلامي تنطلق من جملةٍ من النصوص التي تجعل العقل مناط التكليف وتجعل الابتلاء بالشر وسيلة عقاب أو رفع درجة أو حط خطيئة عن المكلف؛ فأما دليل الأصل الأول فقوله صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتىيحتلم، وعن المجنون حتى يعقل"[3]، وأما دليل الأصل الثاني فقوله تعالى:" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"[4]، وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :" ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"[5]. فإذا كان الأمر كذلك – وهو كذلك – فما وجه تنزُّل الآلام والأمراض والتشوهات بالأطفال وهم لم يجرِ عليهم القلم ولم يكتمل عندهم نصاب العقل الذي هو محل التكليف؟ إن كونهم غير مكلفين يخرج بهم عن ترتب آثار الابتلاءات عليهم؛ فلا ذنب عليهم يُكفره الابتلاء ، ولا معصية عندهم يعاقَبون عليها بالمصيبة، وليسوا أهل عملٍ ليرفع لهم الألم درجة أو منزلة، وعند هذا المشهد يفترق الخلق إلى فريقين؛ فريق الضلالة وفريق الهدى. فأما فريق الضلالة فلا يكلف نفسه عناء رفع غشاوة الجهل وخرق حجب الشبهات عن قلبه، وأما فريق الهدى فلا يعدم في أي مشهدٍ يشهده رؤية أثرٍ من آثار الله عز وجل وأسمائه وصفاته القدسية، إما على سبيل الإجمال إن تعذر عليه الفهم، وإما على سبيل التفصيل إذا وفقه الله تعالى لإدراك حكمة المشهد، فتأمل.
ولما كان خطابي في هذه الرسالة المختصرة موجهاً إلى أهل القبلة ممن رسخت لا إله إلا الله محمد رسول الله في قلوبهم وتجذرت عقيدة التوحيد وحب الخالق فيها، فإني لن ألوث روعة المشهد بشبهات الضالين، وإنما أحاول أن أتدرج في مشهد أهل الهدى عسى أن نكون ممن قال فيهم سبحانه وتعالى:" فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه"[6]
[1] سورة الذاريات – آية 56
تعليق