أبطال من تاريخنا العربيّ والإسلامي

ميسون قصاص

Well-known member
ساحة تتحدّث عن نماذج رائعة من ذوي التّحدّيّات الخاصّة الذّين تفوّقوا ميادين شتّى من ميادين الحياة عبر التّاريخ العربيّ الإسلاميّ .. من الصّحابة الكرام والتّابعين الأجلّاء ، وأعلام العلماء والمفسّرين والمحدّثين والقادة والفاتحين والقضاة والنّحاة والأدباء ...

أناس أحبّوا الله وبذلوا في سبيله الغالي والرّخيص ليعلّموا الأصحّاء عبر تاريخ الإنسانية كلّها أبلغ الدّروس .

أناس يعلّموننا أنّ قدرة الإنسان لا يحدّها شيء وأنّ الإنسان بإيمانه وإرادته أكبر من كلّ العقبات مهما كانت كؤودة وعظيمة ...

أناس رغم ضعفهم الظّاهر استطاعوا أن يقدّموا للبشريّة وللإسلام ما لم يقدّمه كثير من الأصحّاء على مرّ الزّمان ، ولم نرهم انتظروا المقابل من أحد بل كانوا هم على الدوام اليد العليا الّتي تبذل وتعطي .. وخير الصّدقات ما كان من مقلٍّ معسر .

أناس جعلتهم التجارب المريرة التي خبروها ، والامتحانات الصّعبة التي عاشوها كما الماس ، لا يزيده الضّغط إلا إشراقاً ، وكما الذّهب لا يزيده الصّهر إلّا نقاء ؛ حتّى بدوا في في سماء الدّنيا وجبين التاريخ نجوماً نيّرة هادية ..

أناس يروون لنا عبر مسيرة حياتهم سموّ النّفس ، وصبر الجسد ، ورقيّ الفكر ، ليكونوا قدوة إيمانيّة تشرق في سماء الحياة بالأمل والتّفاؤل لجميع البشر ... ومنهم بشر أوتوا من نعم الخالق ما يكفي ليعيشوا حياة راضية سعيدة ملؤها الخير والحبّ والعطاء ... وكلّنا بالإيمان والإرادة منهم أصحّاء ومرضى ... فماذا ترانا سنقدّم للإنسانية ؟
 
التعديل الأخير:
الصّحابيّ الجليل : ابن أمّ مكتوم

الصّحابيّ الجليل : ابن أمّ مكتوم

ابن أمّ مكتوم


هو الصحابي الجليل المعروف باسم (ابـن أم مكتـوم) عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة الأعمـى ...
أمه أم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله ، وهو ابن خال السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، فأم خديجة هي فاطمة بنت زائدة الأصم وهي أخت قيس...

كانت له قصّة مع النبـي -صلى الله عليه وسلم- قبل إسلامه يعرفها ويحفظها الصّغار قبل الكبار لكنّنا قلّما نقلناها لهم بأسلوب يجعل من السّامعين يفهمونها بعمق يجعلهم يغيرون سلوكاتهم تجاه من اختلفوا عنه سواء حواسياً أو جسديّاًأو على مستوى الأفكارفقد كان النّبيّ الكريم جالساً مع رجال من قريش فيهم عُتبة بن ربيعة وناس من وجوه قريش وهو يقول لهم:
(أليس حسناً أن جئتُ بكذا وكذا؟)... فيقولون: (بلى والدماء!!)... ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه وقد طمع في إسلامه فبينا هو في ذلك إذ مرّ بهابن أمِّ مكتوم الأعمى، فكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن بإلحاح ويقول : استدنني يا محمّد فشقَّ ذلك منه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أضجره وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما رغب فيه من إسلامه فلما أكثر عليه انصرف عنه عابساً وتركه... هنا شعر ابن أم مكتوم بإعراض الرسول عنه من سكوته فجعل يقول له : هل في ما قلت من بأس ؟!!!
وهنا ملمح رائع في شخصية ابن أمّ مكتوم ولعلّه كان ـ والله أعلم ـ من أسباب إسلامه المبكّر نحتاج أن نستفيد منه ضعفاء وأقوياء ، أصحاء ومرضى وهو أنّه رضي الله عنه لم يسء الظّنّ برسول الله لإعراضه عنه مع أنّه لم يكن مؤمناً به بعد ، ولم يلق بالتَّبعات على قدره وظرفه وهذا وارد لمن لديه اختلاف لم يعتد قبوله في مجتمعه أو لم يعتد التّعامل معه بإيجابيّة كما ينبغي .. لكنّنا هنا نرى أنّ غايته الّتي جاء لأجلها جعلته لا يرى مشكلته في كونه أعمى أساساً فهمّه مستجمَع كلَّه في طلب الحقّ وبالتّالي لم يجل في خياله أن يعرَض عنه لمثل هذا الأمر ... وأصحاب الهموم الراقية نراهم يتجاوزون ما دونها من هموم ، وأصحاب الأهداف السَّامية والغايات النبيلة لا يطلبون ما دونها .. وأصحاب الهمم العالية لا يجدون بأساً في ما يبذلون من تضحيات في سبيل ما يسعون إليه ... ونراه حين سكت عنه رسول الله يلقي بالّلائمة على نفسه في طرح مقالته :
( هل فيما قلت بأس ؟!!!) وما ذلك إلا لتواضع فيه وتجرُّد وهو أكثر ما يحتاجه من يريد أن يتعلّم ويتعرّف إلى الحقّ... ونرى من النّاس أصحّاء ومرضى .. أقوياء وضعفاء إذا تعرضوا لموقف كهذا أو أقلّ يكيلون بالتُّهم على من يرون أنَّه تجاهلهم أو لم يهتمَّ لأمرهم وقد يكون له أسبابه الخاصَّة وقد يكون بسببهم هم أنفسهم لكنّهم لم يعتادوا أن يعذروا النّاس لسوء ظنّ فيهم أو لم يعتادوا أن يلقوا باللّوم على أنفسهم لكبر فيهم والنُّفوس المتكبّرة الظّنونة التَّبريرية لا يمكن أن تتطوَّر أبداً ، بينما نجد أصحاب النّفس المتواضعة اللّوّامة الرّجّاعة قادرون على التّطوّر وحرق المراحل في مسيرتهم كما حصل في حياة ابن أمّ مكتوم ... وسنجد ذلك فيما هو آتٍ بإذن الله ومع ذلك نجد القرآن ينـزل في هذا الموقف معاتباً للرّسول : عبس وتولى أن جاءه الأعمى إلى قوله تعالى: في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة أي :إنما بعثتك بشيرا ونذير، لم أخصَّ بك أحداً دون أحد، فلا تمنعه ممن ابتغاه ولا تتصدَّينَّ به لمن لا يريده.
(( أن جاءه الأعمى )) فذكر المجيء مع العمى بواقعيَّة القرآن التي تعامل فيها مع كلّ شيء لينبئ عن تجشُّم كلفة ( وهذا واقع ) ومن تجشَّم القصد إليك على ضعفه فحقُّك ( كأسوة كاملة ) الإقبال عليه لا الإعراض عنه لما هو عليه حاله من الحرص .. فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتوباً على تولِّيه عن الأعمى الّذي لم يعتب عليه ولم ير عبوسه أصلاً ، فغيره أحق بالعتب مع أنّ ابن مكتوم لم يكن آمن بعد .. ونعلم ذلك من قوله : (( وما يدريك لعله يزكى )) الآية ولو كان قد صح إيمانه وعلم ذلك منه لم يعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أعرض لكان العتب أشدّ والله أعلم وكذلك لم يكن ليخبر عنه ويسميه بالاسم المشتق من العمى ، دون الاسم المشتق من الإيمان والإسلام لو كان دخل في الإيمان قبل ذلك والله أعلم وإنمّا دخل فيه بعد نزول الآية ويدل على ذلك قوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - استدنني يا محمد ولم يقل استدنني يا رسول الله وظاهر الكلام يدلّ على أن الهاء في لعلَّه يزكَّى عائدة على الأعمى ، ولعلّ تعطي الترجي والانتظار ولو كان إيمانه قد تقدَّم قبل هذا لخرج عن حد الترجي والانتظار للتزكي ، والله أعلم .قال تعإلى: {عَبَـسَ وَتَولّـى ** أَن جآءَه الأَعْمَـى ** وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّـى ** أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْـرى ** أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ** فأنْتَ لَهُ تَصَـدَّى ** وَمَا عَلَيْكَ ألا يَزَّكّـَى ** وَأمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ** وَهُوَ يَخْشَـى ** فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّـَى}... سورة عبس (آيات 1-10)... فلمّا نزلت الآية دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم فاستقبله مرحّباً : أهلاً بمن عاتبني فيه ربّي ... وأكرمه ... فأسلم ...
وأن ينـزل وحيٌ بقرآن يتلى ويتعبّد بتلاوته في هذا الموقف ليعاتب حبيب الله وخير إنسان على وجه الأرض ثمّ يأتي المعاتَب فيبلّغه لمن عوتب به ويضاف بهذا البلاغ دليلٌ جديدٌ على أمانة رسول الله في تبليغ الوحي ـ كما ذكرت السّيّدة عائشة ـ فهذا كاف لأن يسلم ابن أمّ مكتوم وما سيأتي من تكريم الله ورسول الله له لن يجعله يقف عند حدود الإسلام ولكنّه سيجعله يعشق المرسِل والرّسالة والرّسول ويبذل في سبيلها الغالي والرّخيص كما سيأتي ...
ومرّة وبينما كان ابن أم مكتوم عند رسول الله أتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (متى ذهب بصرُك؟)... قال: (وأنا غلام)... فقال: (إنّ الله تبارك وتعالى يقول : ( إذا ما أخذتُ كريمة عبدي لم أجِدْ له بها جزاءً إلا الجنة))...
ولا ريب أنّ نزول الوحي بوجود ابن مكتوم على رسول الله ليواسيه ويثبّته لمكرمة عظيمة من الله لابن أم مكتوم وهي بمثابة رسالة ربّانيّة لكلّ المؤمنين من الضُّعفاء وأصحاب البلاء وغيرهم من بعده عليهم أن يفقهوها وهي أنّ أهل البلاء قريبون من الله ومذكورون عنده ومؤيّدون منه ومحاطون بعنايته . وإن غفل البشر عنهم لأيِّ سبب فإنّ الله ناظر إليهم ومقبل عليهم وهو القائل في حديث قدسي عن رسول الله : ابغوني في الضّعفاء ...
وبات معلوماً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين صحابته أنّه كان كلَّما لقي ابن أمّ مكتوم بادره بقوله : (أهلاً بمن عاتبني فيه ربّي) ... ولم يكن ابن أمّ مكتوم راوي هذا الحديث ولم يُسمع عنه أنّ الله أنزل في شأنه قرآناً يُتلى فهو في نفسه أحقر (إيمانيّاً) من أن يذكر في كتاب الله ويعاتب لأجله رسوله وإنّما روى الحديث بعض أصحابه .... وربما نظر ابن أمّ مكتوم لعتاب الله لرسوله ببصيرة المحبّ لمن قيل فيه : ( فإنّك بأعيننا ) وأنّ من عناية الله ما قاله الرّسول عن نفسه : (أدّبني ربّي فأحسن تأديبي) ليقول فيه ربُّه بعد ذلك : (( وإنّك لعلى خلق عظيم )) ومن هنا يمكننا أن نتوسّع في مفهوم كيفية نظرنا إلى ما يأتينا ويأتي غيرنا من رسائل ربّانيّة ... فالمؤمن لا ينبغي أن يرى لنفسه قدْراً عظيماً عند الله بحيث يتصور أنّ كلّ رسالة ربّانية من ابتلاءات الدنيا قد تنـزل على من خالفوه أو اختلفوا عنه أو معه إنمَّا تنـزل نصرة له ليشعر بالرّضا والفخر فهذا تصور مرضيٌّ نرجسيّ ... وإن بدا له ذلك واضحاً جليّاً في رسالة ما لغيره فلينظر إليها بعين رحيمة تستدعي قلبه قبل لسانه أن يقول : من أحبّه ربّه عاتبه . وبالمقابل فإنّ على من يكون لدى أحد عنده مظلمة وخاصّة الضّعفاء ولو بكلمة أو إشارة مؤذية ثمّ يتلقّى رسالة ربّانيّة من رسائل البلاء أن يقرأها جيّداً وأن يتوب عن ذنب أصابه تجاه أحد من أهل هذا البلاء ربما كان هو السّبب في مصابه ولينظر إلى رسالته بعين بصيرة على نفسه وهو موقن بأنّه ما نزل بلاء إلا بذنب وأنّه كما تدين تُدان كما ورد في حديث رسول الله ... فكلّنا معنيّ الصحيح والمريض ، الضعيف والقويّ .. بتغيير وهداية الآخر وعلى كلّ منهما أن يسأل صلاح الحال للآخر والدّعاء له لا بالدّعاء عليه و وخذل شيطانه لا بمعونة شيطانه عليه...

وكما أسلفنا من أنّنا سنرى من خلال محطات حياة ابن أم مكتوم مزيداً من تكريم رسول الله لابن أم مكتوم بجعله سفيراً للإسلام بعد مصعب بن عمير.. وقد اجتمعت نقاط قوّته من أسبقيّة إيمانيّة وحبّ لله ورسوله وصبر على البلاء وحرص وغيرة على الإسلام وحسن تحمُّل ووعي وأداء لما حفظ من قرآن مع ما قد يبدو للبشر نقاط ضعف كالابتلاء والفقر والاضطهاد والأذى لتكون جميعها بمثابة جواز سفر له إلى المدينة ليكون أوّل مهاجر كفيف إلى المدينة وأوّل سفير كفيف لرسول الله برسالة الإسلام إلى المدينة ... وأول مقرئ كفيف فيها .. تنساب الآيات من فمه عذبة نديّة لتلامس قلوب النّاس وتدخل إليها دونما استئذان .. فقد هاجر إلى المدينة المنورة بعد مصعب بن عمير، قبل أن يهاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها وقبل بدر قال البراء: (أوّل من قدم علينا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يُقْرِئان النّاس القرآن)...

ونزل ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- في المدينة على يهودية ( هي عمّة رجل من الأنصار) فكانت تخدمه وتؤذيه في الله ورسوله، فتناولها فضربها فقتلها، فرُفِعَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أمّا والله يا رسول الله إن كانت لّتُرْفِقُني -تخدمني- ولكنها آذتني في الله ورسوله، فضربتها فماتت )... فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أبعدها الله تعالى، فقد أبطلتْ دَمَها)...
وهنا لا بدّ أن يكون لنا وقفة مع هذه الشّخصيّة النّادرة الفذّة ... فمن المعلوم أنّ الإنسان سيما إن كان ضعيفاً محتاجاً للعون يقيّده الإحسان وإن أتاه من فاجر لذلك كان رسول الله يدعو فيقول : (اللّهمّ لا تجعل لفاجر عليّ يداً فيحبّه قلبي ) لما كان يحمل عليه الصلاة والسلام من وفاء تجاه من يحسن إليه... ولا شكّ أنّه حين يأتي الإحسان من فاجر فإنه يتحوّل من إحسان إلى بلاء وامتحان ... وقد نجح ابن أم مكتوم في الامتحان ولم يقيّده إحسان اليهودية الّتي كانت تؤذي الله ورسوله عن الانتصار لله ورسوله منها رغم ما أبداه من إنصاف لها في ذكر خدمتها له ... لقد استطاع أن يفصل شعور الإنصاف عن مشاعر الودّ لمن حادّت الله ورسوله ... وفي هذا عبرة بليغة للمؤمنين الضّعفاء وأهل البلاء ... إيّاكم وأن تستجدوا الفجّار لمعونتكم ... أو أن تستسلموا لمشاعركم تجاه من يعينكم منهم فيضيع دينكم وتبيعوا آخرتكم بعرض من الدّنيا ...
وكذلك فيها عظة للمؤمنين الأقوياء .. تقول : إيّاكم أن تتركوا إخوانكم الضّعفاء عرضة لمن يستغلّ ضعفهم فيستميلهم بظاهر الإحسان إلى ما لا يرضي الله ورسوله ... وتكونون أنتم المسؤولون أمام الله والعباد ... فليس كلّ النّاس قادرين على تجاوز هذا البلاء ... وليس كلّ النّاس ابن أمّ مكتوم .

وحين قدم رسول الله إلى المدينة أضيف إليه لقب ووسام جديد يضاف إلى ألقابه وأوسمته التي نالها بجدارة حيث غدا أوّل إعلاميّ كفيف في ظلّ الإسلام... إعلاميّ ؟ نعم إعلاميّ وبجانب أوّل إعلاميّ عتيق أسود !!! فقد كان يُؤذَّن للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع بلال رضي الله عنه وأرضاه (والأذان إعلام ) ، فكان بلال يُؤذّن ويُقيم ابن أم مكتوم، وربما أذن ابن أم مكتوم وأقام بلال . وكان ابن أم مكتوم يؤذّن للصّبح أي للفريضة الأولى في رمضان فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ بلالاً يُنادي بليل، فكلوا واشربوا حتى يُنادي ابن أم مكتوم)... وهذا معناه أنّ ابن مكتوم (مكلّف ) أن يكون أول حاضري صلاة الصّبح ... وما هو بالتّكليف الأوّل ولا الأصعب من بين ما ذكرنا من تكاليف حمّلها رسول الله لابن أمّ مكتوم ولا ريب أنّ التّكليف بحدّ ذاته تشريف لأنّه دليل على أنّ المكلّف أهل لثقة المكلِّف فكيف الحال والمكلِّف رسول الله وهو المحاط برجال أولي مواهب إيمانية ودنيوية عظيمة ليفوز بها أعمى ذو بصيرة .. حينها لا بدّ أن يكون التّشريف أعظم . ولا بدَّ أن يصبح الشّعور بالمسؤوليّة والحرص على بذل المزيد أكبر ...

وقد استخلفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المدينة ثلاث عشرة مرة، في غزواته منها: غزوة الأبواء وبواط، وذو العسيرة، وخروجه إلى جهينة في طلب كرز بن جابر، وفي غزوة السويق، وغطفان وأحد وحمراء الأسد، ونجران وذات الرقاع، واستخلفه حين سار إلى بدر، ثمّ في مسيره إلى حجة الوداع، وشهد فتح القادسية ومعه اللواء... وكان ابن أمّ مكتوم يُصلّي بالناس في عامّة غزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم... فكان في ذلك أوّل إمام صلاة كفيف في الإسلام إلى جانب إمامته فيما سبق . مصداقاً لقول الله تعالى : (( وجعلنا منهم أئمة لمّا صبروا )) ...

ومن مكرمات ابن أم مكتوم الّذي نزل فيه قرآن قبل إسلامه أن نزل بدعائه قرآن بتشريع فيه رخصة من الجهاد له ولكلّ الضعفاء وأصحاب الأعذار بعده... فعندما نزل قوله تعالى: {لا يَسْتوي القَاعِدونَ مِنَ المؤمنينَ والمجاهدونَ في سَبيلِ الله}... سورة النساء (آية 95)... تبدَّت نفس ابن مكتوم التواقة للمسارعة والمسابقة والمنافسة لمرضاة الله ورسوله والتي لا تقبل أن تكون أدنى من غيرها في ذلك فقال : (أيْ ربِّ أَنْزِل عُذري)... فأنزل الله {غَيْرُ أولِي الضَّرَرِ}... فجُعِلَتْ بينهما ..
ثمّ لم تطق نفسه التّواقة القعود فجعل من بلائه امتيازاً ومن ظرفه فرصة للقيام بأمر لا يقوم به غيره في الجهاد !!! نعم ... فقد كان بعد ذلك يغزو فيقول: (ادفعوا إليّ اللواء، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ ، وأقيموني بين الصّفَّين) ...

وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة عقد عمر بن الخطاب العزم علي أن يخوض مع الفرس معركة فاصلة تديل دولتهم وتزيل ملكهم وتفتح الطَّريق أمـــام جيوش المسلمين فكتب إلى عماله يقول: لا تدعوا أحداً له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلاوجهتموه إليَّ والعَجَلَ العَجَلَ، وطفقت جموع المسلمين تلبي نداء أمير المؤمنين وتنهال علي المدينة من كل حدبٍ وصوبٍ وكان في جملة هؤلاء المجاهدين عبد الله بن أممكتوم، أمر الفاروق على الجيش سعد بن أبي وقاص وأوصاه وودعه ولما بلغ الجيش القادسية ، برز عبد الله بن أم مكتوم من بين الصفوف لابساً درعه مستكملاً عدته وندب نفسه لحمل راية المسلمين والحفاظ عليها أو الموت دونه، والتقي الجمعان في أيامثلاثة قاسية عابثة واحترب الفريقان حرباً لم يشهد لها تاريخ الفتوح مثيلاً حتى انجلى اليوم الثالث عن نصر مؤزر للمسلمين ودالت دولة من أعظم الدول، وزال عرش منأعرق العروش وهوت راية من رايات الوثنية وارتفعت ورفعت راية التوحيد، وسقط مئات من الشهداء وكان من بين هؤلاء الشهداء عبد الله بن أم مكتوم، فقد وجد صريعاً مضرّجــاً بدمائه قابضاً على راية المسلمين ... ليختم حياته بأن يكون أوّل وآخر مجاهد وحامل راية وشهيد كفيف في الإسلام إلى الآن ...
 
التعديل الأخير:
[gdwl]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين




رااااااااااااااائع جدا هذا الموضوع اختي الحبيبة
00
باذن الله متاااااااابعين وننتظر النموذج الثاني من هؤلاءالابطال00

موفقة بإذن الله ... لكي مني أجمل تحية .
[/gdwl]
 
[gdwl] [/gdwl][gdwl][/gdwl][gdwl]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين




رااااااااااااااائع جدا هذا الموضوع اختي الحبيبة
00
باذن الله متاااااااابعين وننتظر النموذج الثاني من هؤلاءالابطال00

موفقة بإذن الله ... لكي مني أجمل تحية .
[/gdwl]

شكر الله لك أختي الكريمة أم أحسام ... وإن شاء الله نوافيكم بالمزيد قريباً فما زلت في بداية كتابة سير هذه النماذج الإنسانية الرائعة ... أطلب دعواتكم بمزيد التّوفيق والقبول ... وجزاك الله خيراً ...
 

عودة
أعلى