التصفح للزوار محدود

دورات تنموية في وصية (لقمان) د/ مبروك رمضان

lokmanzvxczvxc.jpg


عندما نبحث عن سبيل إيماني، قيمي، علمي، عملي، صحيح، صالح، مُصلح للإنسان والحياة والكون. سبيل يربط بين العقيدة والأخلاق (في مرجعيتها الإلهية)، بالعمل والتطبيق والتنفيذ بلا " فصام، ولا انفصال، ولا نفاق".
أو عندما نبحث عما "يجدد الحياة"، ويثري خصائصنا ومهاراتنا وقدراتنا الخلقية والنفسية والشخصية والاجتماعية ونحتاج إلى كل ما من شأنه تطوير المسار العلمي والتعليمي والمهني والوظيفي، فيكلله بالنجاح، عندها نستطرد كثيرا في البحث عن (موضة العصر) الدورات التدريبية، فنجد أسماء ومسميات، وعناوين وأفكار، وبرامج وعروض كلها تصب في التنمية البشرية – وهو أمر محمود – ولكن غفل الكثير عن مصدر من أهم مصادر هذه التنمية جَمَع شتات كل هذه الأسماء وما يبحث عنه الإستراتيجيون والتربويون والمعلمون والخبراء والمحاضرون والمديرون والاستشاريون والاقتصاديون والباحثون عن البرنامج الشامل المتوازن المتكامل للتنمية البشرية الحقيقية في مصادرهم المتنوعة إلا أن هذا المصدر الرباني يتجلى في وصية لقمان.

يبدأ (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ).. لقد أعطينا لقمان الحكمة وهي الإصابة في القول، والسَّداد في الرأي، والنطق بما يوافق الحق، وإن الحكمة هي التوفيق والصدق في القول والعمل. فـ "الحكيم" يضع الأمور في مواضعها الصحيحة، فهو صاحب "فاعلية" نحو نفسه ومجتمعه ووطنه وإنسانيته، ويسعي لتهذيب نفسه، وتربيتها التربية الإيمانية الحقة، ويمضي في سبيل "كمالها"، و"كمال" كل ما يرتبط به من حوله.. فيَسعد، ويُسِعد.

بدأ التمهيد (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ، وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ).. لأن الله تعالى لا ينفعه شُكر مَن شَكَر، ولا يضره كفر من كفر ولهذا قال بعده (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

ثم المبدأ الثاني وهو أهم ركائز التنمية (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) تربية وتهذيباً وتعليماً وإعلاماً ترقى إلى الواحد الديَّان، أو تهوي إلى أسفل سافلين (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).. بداية بالتحذير له من الشرك الذي هو نهاية القبح والشناعة والظلم العظيم، ثم المصاحبة بالمعروف وفي المعروف وللمعروف.. مبدأ ومقياس أساس يزن علاقات وتفاعلات الأسر والأقران والأوطان والبشرية جمعاء، ويحل تلك المعضلة المتعلقة بشأنهم جميعاً. وفي حياة المؤمن عقائد وقضايا ومبادئ ليست خاضعةً للمساومة.

ثم يأتي المبدأ الثالث (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).. القدوة، والقيادة، والتواصل، و" الإنابة لله تعالي".. سبيل واضح مستقيم، لم ينقطع من لدن أبي البشر آدم عليه السلام، وحتى رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم ومن سار علي هديه واتبع سبيله. فالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وأمهات المؤمنين والصالحين والصالحات، والمصلحين والمصلحات، وسائر القدوات وإظهار التأسي والفخر بهم، واحترامهم وتقديرهم يملأ "الحاجة للقدوة "، ويسد ثغرة القابلية الشديدة للاستهواء بنماذج سلبية، ويحقق جدارة الانتماء الحقيقي للدين.

المبدأ الرابع (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).. "محاسبة النفس" علي الصغير والكبير، مراقبة الحسيب السميع البصير سبحانه وتعالي كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فحينما يعلم المرء أن الله أعطاه هذه الحواس والقدرات والمهارات وسيحاسبه عليها؛ فسيوظَّفها التوظيف الأمثل للحق وبالحق، ولتعمير الأكوان لا تدميرها.

المبدأ الخامس :(يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ).. بعد أن انتهى من التوحيد انتقل للأعمال وبدأ بأهمها إقامة الصلاة. فهي الوسيلة الأساسية لصيرورة استكمال "الصلة، والتواصل، والتعرف" علي الخالق سبحانه وتعالي، ثم تربية للنفس والمجتمع، ومن ثم إلزامهما بالصراط المستقيم، وأداء الحقوق والمواثيق جميعها. كما تجتمع في الصلاة كل العبادات من طهارة وزكاة وقيام وتفكر ودعاء، والمداومة على الصلاة من أكبر أسباب الرزق. وصلواتنا وعباداتنا (تغلب عليها العمل والصفة الجماعية، و"روح الفريق")، وأعمارنا موقوتة بأوقاتها، في ذلك حسن "إدارة للأوقات". لذا كانت التربية الخلقية والقيمية جوهر الإسلام وغايته: "، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ" رواه مالك و أحمد والبخاري في الأدب المفرد والبيهقي والحاكم وصححه، وصححه السيوطي، والألباني.

المبدأ السادس : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).. أمر بكل خير وفضيلة، ونهي عن كل شر ورذيلة.. أمر بالمعروف، ونهي عن منكر.. يسبقهما معرفة بالمعروف والمنكر و"فقههما"، ثم رقابة وحسبة واحتساب، ورفق بالمدعوين، و"نقد بناء"، ووقوف علي "ثغور" الصلاح والإصلاح، بلا خمول أو كسل أو سلبية أو تهاون أو تهويل، فكيف ـ إذن ـ يستشري الفساد والإفساد..الفردي والأسري والمجتمعي والوطني والاقتصادي والإنساني؟.
فهذا كله (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)..الفضائل ثمار من الله سبحانه على قدر علو الهمة، والعزم والإرادة، والرأي والمشورة. ما أجملها وأقومها من قيم ، مهارات، أدب نفسي، سبل لتنمية بشرية إيمانية حقيقية. يقول الشاعر:
إن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ......... فإن فساد الرأي أن تترددا.

المبدأ السابع : (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).. ثم الأدب مع الناس، فلا تٌمِل وجهك عنهم تكبراً عليهم، ولا تمش متبختراً متكبراً. ثقة وحسن هندام، تبسم واعتدال، وطموح لمواجهة التحديات، وتحمل المسؤوليات، وحسن إدارة للأوقات وللنفقات، وبراعة إنصات، وبلاغة خطاب، بلا خجل ولا انطواء، ولا عصبية أو حدة طباع، ولا رد علي السيئة بالسيئة..
إنها " البيئة الإيمانية " التي تؤثر تأثيرا إيجابياً في التربية والتعليم والتدريب..عقيدة وعبادة وسلوكا.

التنمية الحقيقية أن يعيش الأفراد والشعوب في الدنيا في سعادة نابعة من يقين؛ أن نعرف في الدنيا كيف نسعد بهذه المعرفة في الآخرة. إنه أنموذج رائع"للتنمية البشرية " الحقيقية.. تنمية تسعد أصحابها في الدنيا والآخرة.
 

عودة
أعلى