في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

[الصيفي]

في ذكر الموت ومايتصل به من القبر وأحواله



من وصية علي بن ابي طالب رضي الله عنه لأبي ذر : زر القبور تذكر بها الآخرة ، ولاتزرها بليل ، وغسّل الموتى يتحرك قلبك ، وصلّ على الجنائز لعل ذلك يحزنك فأن الحزين في ظل الله تعالى ..


ويقال جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك ، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك ..


ونظر فيلسوف إلى ميت يُحمل إلى قبره فقال : حبيبٌ يحمله أهله إلى حبس الأبد ..


ودخل عمرو بن العاص رضي الله عنه على معاوية في مرضه فقال له : أعائد أنت أم شامت ؟ فقال له عمرو: لِمَ تقول هذا ؟ والله ماكلفتني رهقاً ، ولا أصدعتني زلقاً ولاجرّعتني علقاً ، فلم أستطل حياتك ولم أستبطئ وفاتك فأنشد معاوية يقول :


فهل من خالدين إذا هلكنا
............... وهل في الموت بين الناس عار



ولما مرض معاوية رضي الله عنه مرضه الذي مات فيه وفد إليه الناس يعودونه فقال لأهله مهّدوا لي فراشاً وأسندوني، وأوسعوا رأسي دهاناً ثم أكحلوا عينيّ بالأثمد ثم أئذنوا للناس أن يدخلوا ويسلّموا عليّ قياماً ، ولاتُجلسوا عندي أحداً ففعلوا ذلك فلما خرجوا من عنده أنشد يقول :


وتجلدي للشامتين أريهمُ
............... أني لريب الدهر لا أتضعضعُ

وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
............... ألفيت كل تميمة ٍلاتنفع ُ


وقيل أنه لما دنا منه الموت رضي الله عنه قال :


هو الموت لامنجى من الموت والذي
............... نُحاذِرُ بعد الموتَ أدهى وأفضع


ثم رفع يديه وقال : اللهم أقل العثرة وأعف عن الزلة وعِد بحلمك على من لم يرج ِغيرك ولايثق إلا بك فأنك واسع المغفرة وليس لذي خطيئة منك مهرب ثم مات رحمه الله تعالى ..


وقيل لأعرابي إنك تموت قال : وإلى أين أذهب ؟ قالوا : إلى الله تعالى ، فقال : لاأكره أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه ..

وبكى الخولاني عند موته فقيل له مايُبكيك ؟ قال : أبكي لطول السفر وقلّة الزاد وقد سلكت عقبةً ولا أدري إلى أين أهبط وإلى أي مكان أسقط ..


وقيل دخل ملك الموت على داود عليه السلام فقال له : من أنت ؟ قال : أنا الذي لايهاب الملوك ولاتُمنع منه القصور ولايقبل الرِشا !! فقال داوود عليه السلام : إذن أنت ملك الموت وإني لم أستعد بعد ، فقال له : ياداود أين فلانٌ جارك ؟ اين فلانٌ قريبك ؟ قال : ماتا ! قال : أما كان لك في موت هؤلاء عِبره لتستعد بها ثم قبضه عليه السلام ..


وقيل أن المأمون لما قرُبت وفاته دخل عليه بعض أصدقائه فوجده قد فرش له جلد دابة وبسط عليه الرماد وهو يتمرّغ فيه ويقول : يامن لايزول ملكه أرحم من زال ملكه ..


ولما إحتضر عمرو بن العاص دعى بغلّ وقُيّد وقال : البسوني إياهُما فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن التوبة مقبولة مالم يغرغر إبن آدم بنفسه " ثم أستقبل القبلة وقال : اللهم إنك أمرتنا فعصينا ، ونهيتنا فارتكبنا ، وهذا مقام العائذ بك فأن تعفُ فانت أهل العفو ، وإن تُعاقب فبما قدمت يداي ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين ثم مات وهو مغلول مُقيّد ..


ولما إحتضر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قال يُناجي ربه : هل رأيت خليلاً يقبضُ روح خليله ، فأوحى الله إليه هل رأيت خليلاً يكرهُ لقاء خليله ! قال : فأقبض روحي الساعة ..


وقيل إذا قضى الله لنفس ٍأن تموت بأرض ٍجعل لها إليها حاجة فيُسيّرها إليها وقال بعضهم في ذلك :


إذا ماحمام المرء كان ببلدة ٍ
............... دعته إليها حاجةٌ فيطير


والحمام هنا بمعنى المنية او الموت ....


وحُكي ان شاباً تقياً من بني إسرائيل كان يجتمع مع النبي سليمان عليه السلام ويحضر مجالسه فبينما هو عند سليمان عليه السلام في مجلسه إذ دخل ملك الموت عليه السلام عليه ، فلما رآه الشاب أصفرّ لونه وأرتعدت فرائصه وقال : يانبي الله إني خفت هذا الرجل فمُر الريح ان تذهب بي إلى الهند ، فأمر سليمان الريح فذهبت به فما كان إلا قليل حتى دخل ملك الموت عليه السلام على سليمان عليه السلام وهو مُتعجب ، فقال له سليمان عليه السلام مِم تعجب ؟ قال : أعجب إني اُمرت بقبض روح الشاب الذي كان عندك بأرض الهند ودخلت عليك فوجدته عندك فصرتُ مُتعجباً ، ثم توجهت إلى الهند فرأيته هناك فقبضت روحه فهذا عجبي ، فقال له سليمان عليه وعلى رسولنا السلام : إنه لما رآك خاف وأنزعج وطلب مني أن تحمله الريح إلى الهند فأمرتها فحملته وفي ذلك قال محمد بن الحسن :


ومتعب الروح مرتاح ٍ إلى بلد ٍ
............... والموت يطلبهُ في ذلك البلد ِ


وقيل أن الرشيد ماتت له جارية وكانت من خواص مُحاظيه فجزع عليها جزعاً شديداً فقال لبعض أصدقائه : أما ترى مابليت به ما أحببت أحداً إلا مات ، فقال : يا أمير المؤمنين أحببني فقال : ويحك إن الحب ليس هو شئٌ يصنع ، إنما هو شئٌ يقع في القلب تسوقه الأسباب فقال : قل أنا أحبك . قال : نعم أنا أحبك قال : فحُم ّ من وقته فمات ...


وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن قبر آدم عليه السلام بمسجد الخيف بمنى .


وقال عطاء : بلغني أن قبره تحت المنارة التي وسط الخيف ..


وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر ٍ بكى مالايبكيه عند ذكر الجنة والنار ، فقيل له في ذلك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه العبد فما بعده أيسر منه "


وروي في السيرة أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجراً بعمامة ٍ من إستبرق فقال : يامحمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء وأهتز له العرش وشيعه سبعون الف ملك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مبادراً إلى سعد بن معاذ وكان يُمرَض بخيمة ٍبجانبه فوجده قد قُبض .

وفيما يتعلق بسعد بن معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن للقبر ضمة لو نجا منها أحداً لنجا سعد بن معاذ "


وقال الحسن رضي الله عنه : مامن يوم ٍ إلا وملك الموت يتصفح وجوه الناس خمس مرات فمن رآه على لهو ٍولعب او معصية او رآه ضاحكاً حرّك رأسه وقال : مسكين ٌ هذا العبد غافلٌ عما يُراد به ثم يقول له : أعمل ماشئت فإن لي فيك غمزة أقطع بها وتينك ..


وقال عمر بن عبدالعزيز لرجاء بن حيوه : يارجاء إذا وضعت في لحدي فأكشف الثوب عن وجهي فإن رأيت خيراً فأحمد الله وإن رأيت غير ذلك فأعلم إن عمر قد هلك ، قال رجاء : فلما دفناه كشفت عن وجهه فرأيت نوراً ساطعاً فحمدت الله تعالى أن قد صار على خير .


وقال رجاء بن حيوة أيضاً دخلت على عمر بن عبدالعزيز وهو يحتضر فقال : يارجاء إني أرى وجوهاً كراماً ليست بوجوه إنس ولاجانّ وهو يقلب طرفه يميناً وشمالاً ثم رفع يده فقال : اللهم أنت أمرتني فقصرت ، ونهيتني فعصيت ، فإن غفرت فقد مننت ، وإن عاقبت فما ظلمت ،إلا إني أشهد ان لا آله إلا أنت وحدك لاشريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك المصطفى ، ونبيك المرتضى بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ،ونصح الأمة فعليه السلام والرحمة ثم قضى نحبه رحمه الله تعالى .


ولما إحتضر عبدالملك بن مروان قال لأبنه الوليد : إذا أنا مُتّ إياك أن تجلس وتعصر عينيك كالمرأة الوكعاء، لكن إئتزر وشمّر والبس جلد النمر وضعني في حفرتي ،وخلني وشأني ،وعليك شأنك ..


وقال محمد بن هارون :


كأني بأخواني على جنب حفرتي
............... يهيلون فوقي والعيون دماً تجري

فيا أيها المُذري عليّ دموعهُ
............... ستُعرض في يومين ِعنّي وعن ذكري

عفا الله عنّي أنزل القبرَ ثاوياً
............... أُزار فلا أدري وأجفى فلا أدري


وكان يزيد الرقاشي يقول : من كان الموت موعده ، والقبر بيته ، والثرى مسكنه ، والدود أنيسه ، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف تكون حالته ، ثم يبكي حتى يُغشى عليه ..


فيجب على العاقل أن يُحاسب نفسه بنفسه على مافرّط من عمره ويستعد لعاقبة أمره بصالح العمل ولايغتر بالأمل فإن من عاش مات ، ومن مات فات ،وكل ماهو آت ٍآت ..


نسأل الله ان يُلهمنا رشدنا ويوفقنا لإتباع أوامره وأجتناب نواهيه ،وأن يجعل الموت خيرُغائب ٍننتظره ،وأن يختم لنا بالخير وأن يتغمدنا برحمته ،إنه على مايشاءُ قدير وبالإجابة جدير وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..​

من مكتبتى

 

[نوبى انا]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

كلام موزون
​

[font=times new roman (arabic)]

للهم أنت أمرتني فقصرت ،

ونهيتني فعصيت ،

فإن غفرت فقد مننت ،

وإن عاقبت فما ظلمت ،

إلا إني أشهد ان لا آله إلا أنت وحدك لاشريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك المصطفى ،

ونبيك المرتضى بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ،

ونصح الأمة فعليه السلام والرحمة​

​

[/font]​

بارك الله فيك .. وجازاك خيرا .. ونفع بك ​

​

 

[عاشقة التحدى]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

بارك الله فيك
وفي قلمك المبدع والمتميز
جزاك الله كل خير​

 

[المحبة لدينها]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

بارك الله فيك أخي الصيفي
لا حرمنا الله من جديدك

 

[المؤمنة بالله]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

جزاك الله خيرا.موضوع جميل

يارب احسن خاتمتنا​

 

[الوردة الجريحة]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

بارك الله فيك

 

[الصيفي]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

جزاكم الله خيراً جميعاً على مروركم العاطر الذي أنار صفحتي ..

 

[صفا الروح]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

وبكى الخولاني عند موته فقيل له مايُبكيك ؟ قال : أبكي لطول السفر وقلّة الزاد وقد سلكت عقبةً ولا أدري إلى أين أهبط وإلى أي مكان أسقط ..

فعلا هذا مايبكي نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنّا​

وقيل أن المأمون لما قرُبت وفاته دخل عليه بعض أصدقائه فوجده قد فرش له جلد دابة وبسط عليه الرماد وهو يتمرّغ فيه ويقول : يامن لايزول ملكه أرحم من زال ملكه ..

​

بالنسبة لهذا القول لمن يُنسب على الأرجح أنا أعلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من قاله وقاله هارون الرشيد على ما أظن ، لما طُعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذهبوا به إلى البيت وضعوه على حصير عنده، فرفع الحصير عن التراب، ومرغ وجهه وهو يبكي والناس يبكون حوله ويقول : يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه ، يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه ، ثم قال : صدق الله: { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لايُبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ماصنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون }​

جزاكم الله خير وبارك فيكم على الموضوع​

 

[صبري سر سعادتي]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

جزاك الله خيرا.​

 

[صمت اللياالي]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

نسال الله حسن الخاتمة
بارك الله فيك اخي الصيفي
وجعله في موازين اعمالك

 

[نورالقرآن]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

نسال الله حسن الخاتمة
جزاك الله الجنه ونعيمها

 

[ابوبدر الشمري]

رد: في ذكر الموت ومايتصل به من القبر واحواله ....

جزاكم الله خير على المعلومات المفيده جعلها الله في موازين حسناتكم​