غزل السعـــــــــــادة

مذهلة

Well-known member
غزل السعـــــــــــادة


بقلم الأخت الحبيبة / الأستاذة إيمان القدوسى









أحيانا يكون لديك الكثير من مقومات السعادة ولكنك لا تشعر بأنك سعيد ، ذلك لأن تلك المقومات لم يتم غزلها في نسيج واحد وتركت مبعثرة فلم تعطي ثمرتها.


كانت لدي أحلام كثيرة تحققت جميعها ، لدي أسرة وأبناء أحبهم ، زوج محب وعمل أمارسه بشغف


{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا }


أصبعي الذي يكتب الآن نعمة وعيني التي تقرأ وتفتح لي نافذة الحياة نعمة كبيرة ، قلبي الذي يدق فتتدفق الدماء في شراييني نعمة.


لو أنني منذ سنوات كنت قد اطلعت علي ما سأحصل عليه في المستقبل لكنت فرحت غاية الفرح ولكني اليوم غير سعيدة ، هناك صعوبات ونكبات تعوق شعوري بالفرح ، هناك أحلام مؤجلة وآمال لم تتحقق والكثير من الإحباط ، وغالبا يطغى تفكيري السلبي في المشاكل ومواجهتها علي كل مقومات السعادة في حياتي.


ربما يوما ما أشعر بالسعادة عندما يتم حل مشكلاتي وتحقيق آمإلى ، هذه الدائرة المفرغة التي ندور فيها هي دائرة استنزاف السعادة وسرقتها.


السعادة متاحة للجميع وهي في متناول كل من فهم أسرارها ، أول أسرارها أنها ليست أملا محددا نريده فتتحقق السعادة ولكنها رحلة السعي لتحقيق الآمال.


يعلق الطالب آماله علي إنهاء الدراسة بنجاح ويحصل فعلا علي شهادته العليا ولكن لا يجد كنز السعادة في انتظاره ، وتعلق الفتاة آمالها علي الزواج بمن تحب وتتخيل أن ما بعد ذلك هو شلال من السعادة يرفعها ويتأرجح بها طيلة حياتها وقد نعمت بنعيم الحب وهنائه ، ولكن الوضع يختلف تماما بعد الزواج إذ تفاجأ أن ما ينتظرها هو شلال فعلا ولكن من المسئوليات والمهام التي تحتاج جهدا وعملا وصبرا.


لو أن الطالب استفاد برحلته التعليمية واستمتع بمباهجها من الصحبة الطيبة وفراغ البال لشعر فعلا بالسعادة بدلا من انتظارها ، ولو أن الفتاة انتفعت برحلة صباها في صقل معارفها واختزان البهجة لوصلت محطة الزواج محملة بما ينفعها.


من أسرار السعادة أيضا أنها لا تعني أبدا الحياة الرخوة الخالية تماما من المصاعب والتحديات بل والنكبات أيضا ، إن تلك الحياة الرخوة غير واقعية وغير ممتعة أيضا.



يقول (برناردشو) الكاتب المسرحي الحائز علي جائزة نوبل :


حياة كلها سعادة ! لا يوجد إنسان علي قيد الحياة يستطيع تحملها ! إنها ستكون الجحيم علي الأرض !)


للمصاعب فائدة كبري إنها تقوم الإنسان وتجعله يفهم حكمة الحياة وتعيده دائما إلى الصف الإنساني أما الأحداث السارة فإنها توسع مداركه وتمكنه من التشييد والبناء.


من أسرارها أنها ليست متعة خالصة وبهجة سرور سلبية ولكنها حالة من الهدوء والاتزان النفسي تجعل الإنسان أكثر فعالية ونفعا ، السعادة تحسن الصحة وترفع المناعة فتعين علي أداء العمل ، كما أن السعداء أفضل أداء لعملهم وهم مواطنون صالحون أكثر من غيرهم.


أما عن علاقتها بالمال فهي علاقة حقيقية ولكنها نسبية فكل من يعمل ويكد ويكسب ما يكفي احتياجاته فقد حصل على ما يكفيه من المال ، كما أن من يكسبون أكثر يشعرون بالسعادة أكثر وذلك ليس لمجرد امتلاكهم للمال ولكن لأن اكتسابهم له معناه أنهم يؤدون عملهم بنجاح وأنهم يبذلون جهدا أكثر من غيرهم كما أنهم يشعرون بنوع من الأمان والمكانة الجيدة في المجتمع وكذلك يمكنهم تقديم يد العون لمن يحبون.


من أهم ينابيعها التدين العميق والحالة الروحانية الخالصة التي تكسب النفس السكينة بين يدي الله سواء في الصلاة أو الصيام أو في أطهر البقاع أمام الكعبة وهي تلك الحالة التي تجعلك تشعر أنه مهما حدث فإن جوهرك صافي وأن لديك سند قوي يحميك من الانكسار ، ومن أهم ينابيعها أيضا الحب والعلاقات الاجتماعية الناجحة التي هي ماء الحياة .


لو كنت راضيا عن حياتك يستقر الإيمان في قلبك ولديك من تحبهم ويحبونك وتمارس عملا نافعا بشغف وقد حباك الله الصحة والستر فاغزل من كل ذلك إحساسك بالسعادة ومارسها فوراوتذكر المتعة الحقيقية في تفاصيل الرحلة ، في السعي ومواجهة الصعاب وفي استخلاص قطرات الأمل والهناء من ركام الفوضى واليأس.


أما لو لم يكن لديك من كل ذلك إلا القليل فأنت مرشح للسعادة بقوة في أثناء سعيك وكفاحك لتحقيق آمالك المشروعة ، إذا لم تصدق فتأمل شهية الجائع الفقير وفرحته بوجبته وعزوف من تكدس في بيته الطعام عن تناوله.
 
رد: غزل السعـــــــــــادة

13470338571.gif
 
رد: غزل السعـــــــــــادة

أحسنتِ مذهلة في اختياركِ . الكاتبة سيدة مكافحة وواقعية في نظرتها للحياة عامة ولموضوع السعادة .
السعادة .. تلك الكلمة الساحرة منذ الأزل , والتي يسعى للحصول عليها جميع البشر . كل واحد بمنظوره الخاص .
لدرجة لم يستطيعوا الاتفاق الكامل على تعريفها وتوضيح مشاعر الشخص السعيد .
يبدو أن السعادة حالة شخصية جداً , فلكل شخص سعادته الخاصة وكأنها جزء من شخصيته وتكوينه .
علماء الاجتماع والنفس والأدباء والكتاب والشعراء . حاولوا وضع أسس ومعايير لمفهوم السعادة .
اعتمدوا على أرضية لها :راحة الضمير مع الخالق والمخلوقات . تلك الراحة العميقة في قرار النفس البشرية . لا تأتي من فراغ , بل من مجموعة قناعات وسلوكيات هي خيوط السعادة التي يتم غزلها على نول الرضى والقناعة .
 

عودة
أعلى