التصفح للزوار محدود

الإنفاق ترياق النفاق

فارس عمر

مشرف منتدى القصص والرواياترياضات وإبداعـات متحدي ا
4572.jpg

الإنفاق ترياق النفاق
ثلاثة أشياء فقط أمرنا بها القرآن الكريم مشترطا أن تكون "في سبيل الله تعالى" وهي: الجهاد والهجرة والإنفاق. وهذا الشرط إذ يجعل من الإنفاق جهادا معنويا من جهة، يجعل منه من جهة أخرى هجرة من المتاع إلى النعيم.



04.09.2009 09:00
مصطفى إسلام أوغلو
الثروة أمانة وليست ملكية

ثلاثة أشياء فقط أمرنا بها القرآن الكريم مشترطا أن تكون "في سبيل الله تعالى" وهي: الجهاد والهجرة والإنفاق. وهذا الشرط إذ يجعل من الإنفاق جهادا معنويا من جهة، يجعل منه من جهة أخرى هجرة من المتاع إلى النعيم. والمتاع هو ما ليس بالدائم أو الثابت أو الكامل على النقيض تماما من النعيم الذي هو النعمة الدائمة الثابتة الكاملة أي الجنة.

إن كلمة إنفاق مشتقة من جذر نفقة الذي يعني "ما خرج من اليد وانتهى ونفذ". إن الإنفاق اصطلاحا يعني "تقاسم شيء نافع دون مقابل مع شخص يحتاجه". وكون هذا الفعل (إنفاق) متعديا يعني أن هذه العبادة لا يمكن لها أن تتحقق دون وجود ‘آخر’.

تطلق كلمة زكاة على ما هو فرض من الإنفاق والمعنى الأول لهذه الكلمة هو "الزيادة والتكاثر" أما معناها الثاني فهو "التطهير والتنقية". وتعني الزكاة في المفهوم القرآني "المبلغ الذي يتوجب دفعه للزيادة والتطهير". وفق الحسابات المنطقية فإن 40-1=39 أما بحسابات الإيمان فإن 40-1=400 فزيادة مال الزكاة لهو أشبه بدالية العنب التي تزداد امتدادا عند تقليمها وهذه الزيادة هي زيادة الفاكهة وهو ما يقال له "البركة". وما نفل من الإنفاق يطلق عليه اسم صدقة والصدقة تعني "النزاهة والاستقامة والأمانة" وقد أطلق هذا الاسم بالأساس لأن الشخص لا ينظر لأمانة الثروة التي وهبها الله له "كملكية" وإنما "كأمانة" يتقاسمها مع الآخرين لأن تقاسم الثروة وفاء للأمانة أما تجميعها والشح بها فهو خيانة لها. يطلق اسم صدقة الفطر على الإنفاق المتعلق بشهر رمضان الكريم وصدقة الفطر أطلق عليها هذا الاسم لأنها إنفاق عن "وجود" الإنسان سواء كان غنيا أو فقيرا. أما ما ينفق من المال فقط فيطلق عليه اسم خير والقرآن الكريم يطلق هذه التسمية "خير" على الثروة مما يعني أنه يرى الثروة بأساسها "خيرا" على العكس من التعاليم الصوفية القديمة وفكر الزهد الهندي التي تريها شرا بأساسها.
إن الطريق لفهم وهضم معنى الإنفاق يمر عبر تصور للثروة يبنيه الوحي، والعقيدة التي يستند إليها هذا التصور هي عقيدة التوحيد. فالإجابة التي يقدمها القرآن الكريم في أكثر من موضع على سؤال "لمن الملك؟" واضحة: الملك لله. وماذا يجب أن يقال إذا عن حصة الإنسان من الملك؟ إن الحقيقة هي أن هذه الحصة قد أعطيت للإنسان على سبيل الأمانة لأن الإنسان أرسل إلى هذا العالم ليكون شاهدا عليه وليس ليتملكه لذا يجب جعل الثروة شاهدا على الإيمان وهذا يتحقق بالنظر إليها كأمانة وليس كملكية. إن القرآن الكريم يستبعد التطرف في اتجاهين فيما يخص الثروة: الاتجاه الأول هو الرأسمالية الغربية التي ترتكز على مفهوم "الملكية المطلقة"، والاتجاه الثاني هو فكر الزهد السائد في الشرق الذي ينظر إلى العالم كذنب. إن الاشتراكية التي ترى الثروة ملك للمجتمع وليس للفرد تلتقي في جوهرها مع الرأسمالية في نفس البوتقة في نظرتها إلى الثروة. والبوتقة التي يلتقيان فيها هي فكرة أن الثروة ملكية وليست أمانة. والنقاش حول "هل الثروة ملك للفرد أم للمجتمع؟" هو نقاش ثانوي فمنزل الوحي لا يرضى بتحويل الثروة للدولة عبر تمركزها بأيدي البعض (الحشر7). إن رغبة النهب جعلت من الإنسان "مُلكا للثروة" وليس مالكا لها ومن هو ملك للثروة لا يمكن أن تكون له ثروة لأنه لم يبقى هناك فاعل يمكن أن يقال عنه بأنه "مالك". ولعل أفضل مثال على ذلك هو قارون الذي يسوقه لنا القرآن الكريم كمثال عن مصير من ينظر للثروة كملكية وليس كأمانة (القصص 76-84).

يرفض القرآن الكريم موقف بعض التعاليم الصوفية وفكر الزهد الهندي الذي يرى في العالم والدنيوية "ذنبا وقذارة" وما إلى ذلك وهو يعلمنا هذا الدعاء الذي يرشدنا لدرب الاعتدال في الثروة: "رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً" (البقرة 201).

وهذا التصور المعتدل عن الثروة يعبر عنه المثل (التركي) القائل "اليد في الربح والفؤاد عند الحبيب". لهذا السبب كان الواصلون إلى كنه الأمر يدعون: "إلهي! إملاء يدي وأفرغ قلبي!" وهذا قد يتناقض مع الحديث الشريف "الفقر فخري" إلا أن التعريف التالي للفقر يصل إلى جوهر المسألة: "إن الفقر ليس ألا تملك شيئا وإنما ألا تسمح لأي شيء بامتلاكك حتى وإن ملكت العالم". وهذا التعريف ينسب إلى الجنيد (وغيره كثير آخرون) وهو من كبار طلبة حارث المحاسبي صاحب القول الرائع "العقل هو القرآن والقرآن هو العقل". إن الدنيا هي ـ حسب القرآن الكريم ـ بوتقة الصهر التي تميز جوهر الإنسان عن غثائه. والفتنة تعني ذلك تماما.

هناك جناحان لرقي العبد (معراجه): الأول هو الصلاة التي تمثل بعده الممتد من العبد إلى الله والثاني هو الإنفاق الذي يمثل البعد الممتد من العبد إلى العباد. وهذان الجناحان المزدوجان يُعَّرفان على أفضل وجه بسورة الماعون. كما تحدثنا الآية التالية أيضا عن هذه الحقيقة: "وَالْمُقِيمِين الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" (الحج 35).

تناقض و تقابل الإنفاق والنفاق

هنا يجب أولا طرح السؤال التالي: إذا ما كان الإيمان هو ما يميز الكافر من المؤمن فما الذي يميز المؤمن من المنافق؟

إن أقصر إجابة على هذا السؤال هي تلك التي يقدمها لنا القرآن الكريم: "الإنفاق". أجل إن الإنفاق هو ما يميز المؤمن عن المنافق وإنه لمن التوافق الغريب أن تكون كلمتي إنفاق ونفاق مشتقتان من الجذر نفسه فالأمر المشترك بينهما هو كونهما فعلان مزيدان. فهما وإن كانا من بابين مختلفين إلا أن ثمة معنى يجمعهما فكليهما يعنيان "نفق تحت الأرض له فتحتين عند طرفيه" ولهذا السبب يطلق على "المترو" اسم مترو الأنفاق في الغة العربية الحديثة. وفي كلمة أنفاق دلالة لغوية تشير إلى العالمين وهي توحي تماما بإرسال أشياء عبر نفق مفتوح طرفه الأول على الدنيا وطرفه الثاني على الآخرة. والشخص الذي ينفق هو في الحقيقة يرسل أشياء إلى حسابه في الآخرة وإن كان يبدو أنه يفقد ما ينفقه. أما في النفاق فإنه يعنى أن الشخص "ذو وجهين". فالمنافق كائن ضار أشبه ما يكون بحيوان الخلد الذي لا تعرف من أين سيحفر ولا من أين سيخرج فهو يدخل من ثقب ويخرج من آخر ولا تستطيع أن تدري من أيهما دخل ولا من أيهما خرج فهو يبدو في الظاهر أنه دخل الإسلام إلا أنه في باطنه لا يكون قد دخل أو ربما قد خرج منذ أمد بعيد.

باختصار إن كلمتي إنفاق ونفاق وإن كانا يشتركان بالجذر نفسه إلا أن المعنيان اللذان يدللان عليهما متناقضان. فالنفاق يعني الازدواجية أما الإنفاق فيعني العالمين وأهل النفاق لا ينفقون لأنهم لا يرون سوى عالم واحد فحتى يتم الإنفاق يجب أن يقر في قلب من ينفق بأنه سيحصل على مقابله في الآخرة وأساسا إن قرَّ هذا الأمر في قلب الشخص فإنه لا يكون منافقا. وأهل الإنفاق لهم وجه واحد لأنهم يرون عالمين وهم يؤمنون تمام الإيمان بأن ما يعطونه رضاء لله لن تضيع منه ذرة واحدة.

إن أحد المواطن التي يتطرق فيها القرآن الكريم لنقيضي الإنفاق والنفاق هي سورة التوبة من الآية 38 إلى الآية 60. فمباشرة بعد هذه الآيات التي تتحدث عن بعض أنواع النفاق يبدأ الحديث عن الإنفاق وتخاطب الآيات الكريمة المنافقين: ""قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ". وتشرح الآية التي تليها العائق الحقيقي الذي يحول دون قبول إنفاق المنافقين: "وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ". (التوبة 53-54).

إن ما يفهم من الآية 54 من سورة التوبة أن المنافقين لا "ينفقون" أبدا طوعا والحقيقة أن صبغة الإنفاق تظهر للعيان لونهم الحقيقي فهم يحاولون خداع المؤمنين بطلاء كفرهم بصبغة الإيمان المزيف والله يكشط بالإنفاق هذا الطلاء المزيف الذي يطلون به كفرهم.

تعالج سورة المنافقين بأفضل شكل نقيضي الإنفاق والنفاق فكما هو واضح من اسمها أيضا تبدأ السورة بالحديث عن المنافقين وتنتهي بالحديث عن الأمر بالإنفاق وهو ما يدل على أن الإنفاق ترياق النفاق. كما يظهر التناقض بين الإنفاق والنفاق بنفس الوضوح في سورة الحديد من الآية 11 إلى الآية 15.

تناقض و تقابل الربا ـ الإنفاق / الزكاة

إن وحي القرآن يؤسس علاقة عكسية بين منع الربا (الفائدة) ونوع الزكاة التي هي دين في رقبة المكلفين بالإنفاق لأن نظاما اقتصاديا يمنع الفائدة ليس بوسعه تأسيس العدالة الاقتصادية التي يرمي إليها دون فرض الزكاة. فكما أن تحريم الفائدة يمثل النفي لا إله في كلمة التوحيد، فإن أمر الزكاة يمثل الإثبات إلا الله وهو ما لا يستغنى عنه لكليهما.

وردت عملية تحريم الفائدة لأول مرة في الآية 130 من سورة آل عمران التي أنزلت بعد غزوة أحد لأن الربا كانت من الأسباب الخفية للهزيمة في تلك الغزوة فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الرماة بعدم مغادرة أماكنهم أبدا وكان لبلاء الفائدة دور في ترك أغلبيتهم الساحقة أماكنهم. وفي الآيات التالية من السورة المذكورة يؤمر المؤمنون بالتسابق فيما بينهم في عمل الخيرات عوضا عن التسابق في الفائدة أي في زيادة الأموال (الآية 133). وبعد ذلك تأتي الآية التالية المتعلقة بالإنفاق:
"الَّذِينَ (المتقون) يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ" (آل عمران 134).
إن الذين لا ينفقون في الضراء لا ينفقون في السراء أبدا. ورسالة الآيات التي تورد تحريم الربا وأمر الإنفاق/الزكاة إلى جانب بعضهما البعض جلي: عندما يكون بأيديكم ثروة فائضة فكروا بزيادتها عبر الإنفاق والزكاة وليس بالفائدة لأن الربا (الفائدة) التي تعني "الزيادة" تزيد من مقدار الثروة إلا أنها تقتل روحها أي بركتها. والثروة الحية تحمل مالكها على ظهرها أما مالك الثروة الميتة فإنه يحمل ثروته على ظهره. وعلى نقيض الربا فإن الزكاة ـ التي تعني "الزيادة" بالنظر إلى أساس الكلمة ـ وإن بدت تنقص من مقدار المال إلا أنها في حقيقة الأمر تزيد من بركته.

التدرج في الإنفاق

لقد اتبع القرآن الكريم في تكليف الإنفاق ـ كما هو الحال بالنسبة لكافة الأحكام الأخرى ـ أسلوبا تدريجيا إلا أن مبدأ التدرج فيما يخص مسألة الإنفاق اتبع عملية عكسية تماما بالنسبة للأمور الأخرى. ففي العديد من الأحكام كأمر ال&#

مجلة القرآني الحياة ( الحياة القرآنية)
 
الزكاة يعتبر ركن من اركان الاسلام وفيها تطهير للمال وللنفس وسمع وطاعه لله سبحانه وتعالي !!
يسلمو عمو على المعلومااات وخاصه شرح الآيه ،،
 
التعديل الأخير:
شكراً عمو الدانة للمرور والرد .
في الحقيقة وجدت في شرح موضوع الإنفاق بكل وجوهه من قبل الكاتب مصطفى اسلام أوغلو .
وجدته شرحاً رائعاً ومبسطاً ضمن أيات القرأن الكريم .
 
رد: الإنفاق ترياق النفاق

بارك الله بك وباهتمامك وتشجيعك .
أختنا الفاضلة : المحبة لدينها
 

عودة
أعلى