الاستعلاء بالإيمان خروج من الدونية والسلبية...

متحدية واحد

Well-known member

وحقيقة الإيمان هى التصديق الجازم بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر تصديقا ينجزم في القلب انجزاما يبعث على انفعال القلب بما صدق به انفعالا إيمانيا يترتب عليه انفعال الجوارح بذلك الإيمان على وفق ما يقتضيه ذلك الإيمان قولا وعملا بحسب ما يقرره الشرع الإيمانى ويرتضيه الله سبحانه... وللإيمان أركان معلومة من الدين بالضرورة، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره... لكن حقيقته هي ما ذكرت.

والإيمان ليس كلمة تقال باللسان؛ إنما هو اتباع للمنهج الذي جعله الله ترجمة عملية واقعية لهذا الإيمان، وجعل الإيمان مقدمة لتحقيقه في الحياة الواقعية وتكييف حياة المجتمع وفق مقتضياته.

وهذا الإيمان بحقيقته الشرعية إذا استقر فى القلب قاد صاحبه إلى العلو... العلو الإيمانى... والعلو الإيمانى:

علو فى الدنيا:
قال تعالى:
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

{إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا فإن الإيمان يوجب قوة القلب ومزيد الثقة بالله تعالى وعدم المبالاة بأعدائه، ويحتمل أن يكون المعنى: إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون فإن الإيمان بالله تعالى يقتضي العلو لا محالة، ويحتمل أن يراد بالإيمان التصديق بوعد الله تعالى بالنصرة والظفر على أعداء الله تعالى، وعلى كل تقدير المقصود من الشرط هنا تحقيق المعلق به كما في قول الأجير: إن كنت عملت لك فأعطني أجري، أو من قبيل قولك لولدك: إن كنت ابني فلا تعصني (ذكره الألوسي في تفسيره مختصرا).

وعلو فى الآخرة:
يقتضى التكريم فيها قال تعالى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات : 13]... ومن لم يكرمه الله فهو مهان... مهان... قال تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]... نسأل الله أن يرزقنا العلو فى الدنيا والكرامة فى الاخرة..!!

والمؤمن الذي استجمع حقيقة الإيمان في قلبه يشعر بذلك العلو.... فتجده يستعلي بإيمانه... وحقيقة الاستعلاء بالإيمان تتجلى في تحقيق العبادة لله، والعبودية له، والتوجه إليه في حساسية وتقوى، وإلى وحدة منهج الله في الهيمنة على الكينونة البشرية كلها، في كل حال من أحوالها، وإلى الترابط بين جميع هذه الأحوال في ظل هذا المنهج الذي يبعث على كثير من النتائج الإيجابية، ومن أولها وأهمها حقيقة حضور الله - سبحانه - معه وسمعه وعلمه بكل ما كان وما دار بينه وبين غيره من الناس، وهي الحقيقة التي تحرص التربية القرآنية على استحضارها وتقريرها وتوكيدها وتعميقها في نفس المؤمن، وهي الحقيقة الأساسية الكبيرة التي أقام عليها الإسلام منهجه التربوي والتي لا يستقيم مؤمن على المنهج الإسلامي بكل تكاليفه إلا أن تستقر فيه هذه الحقيقة بكل قوتها وبكل حيويتها، وهذه من أعظم نتائج استعلاء المؤمن يالإيمان؛ فهو يستعلى بمعبوده ـ الله سبحانه وتعالى وحده ـ ويستعلى بمنهجه ـ شريعة الإسلام لا غير ـ وبالتالى فهو يشعر بالاطمئنان من كل ناحية؛ فحيث يكون غيره مذبذب مضطرب حيران، هو ـ المؤمن ـ مطمئن قال تعالى:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

وهذا يؤدى إلى تصفية النفوس، وتخليصها من غبش التصور، وتحريرها من ربقة الشهوات، وثقلة المطامع، وظلام الأحقاد، وظلمة الخطيئة، وضعف الحرص والشح، والرغبات الدفينة.

وهذا يجر إلى الانتصار على النفس والشهوات والمطامع والأحقاد، والانتصار في تقرير القيم والأوضاع السليمة لحياة الجماعة المسلمة، من خلال قوة العبد الذى استعلى بإيمانه، وهذا بدوره يعمق فى نفوس الجماعة المسلمة أن ليس لها من أمر النصر شيء، إنما هو تدبير الله لتنفيذ قَدَره، من خلال استعلائها بإيمانها وجهادها، وأجرها على الله، وليس لها من ثمار النصر شيء من أشياء هذه الأرض، إنما لحساب الأهداف العليا التي يشاؤها الله للذين يؤمنون به ويستعلون على كل شيء بهذا الإيمان... وكذلك الهزيمة فإنها حين تقع بناءً على جريان سنة الله، وفق ما يقع من الجماعة المسلمة من تقصير وتفريط، إنما تقع لتحقيق غايات يقدرها الله بحكمته وعلمه؛ لتمحيص النفوس وتمييز الصفوف، وتجلية الحقائق، وإقرار القيم، وإقامة الموازين، وجلاء السنن للمستبصرين... ولا قيمة ولا وزن في وجدان المؤمن ـ الذى يعلم أن العلو في إيمانه ليس في ما حقق من نتائج ـ للانتصار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي؛ ما لم يقم هذا كله على أساس المنهج الرباني، في الانتصار على النفس، والغلبة على الهوى، والفوز على الشهوة وتقرير الحق الذي أراده الله في حياة الناس؛ ليكون كل نصر نصراً لله ولمنهج الله، وليكون كل جهد في سبيل الله ومنهج الله، وإلا فهي جاهلية تنتصر على جاهلية، وباطل ينتصر على باطل، ولا خير فيها للحياة ولا للبشرية، إنما الخير أن ترتفع راية الحق لذات الحق، والحق واحد لا يتعدد، إنه منهج الله وحده، ولا حق في هذا الكون غيره، وانتصاره لا يتم حتى يتم أولاً في ميدان النفس البشرية، وفي نظام الحياة الواقعية، وحين تخلص النفس من حظ ذاتها في ذاتها، ومن مطامعها وشهواتها، ومن أدرانها وأحقادها، ومن قيودها وأصفادها، وحين تفر إلى الله متحررة من هذه الأثقال والأدران، وحين تنسلخ من قوتها ومن وسائلها ومن أسبابها، لتكل الأمر كله إلى الله، بعد الوفاء بواجبها من الجهد والحركة التي توافق الشرع، وحين تُحكِّم منهج الله في الأمر كله، وتَعُد هذا التحكيم هو غاية جهادها وانتصارها ـ لان هذا هو تفعيل الاستعلاء بالشرع ـ حين يتم هذا كله، يحتسب الانتصار في المعركة الحربية أو السياسية أو الاقتصادية انتصاراً لله، وإلا فهو انتصار للجاهلية على الجاهلية، الذي لا وزن له عند الله ولا قيمة... بل مكانه تحت الأقدام...

وهذا كله ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله، لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء، وأن مَرَد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين وفي جميع الأحوال... وهذه حقائق وأصول إيمانية قرآنية.... قال تعالى:
{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154].


ان المؤمن الذي استعلى بإيمانه يعلم أن العزة من عند الله ولا تُلتمس من غير طريق الإيمان، فلا ينهزم وجدانيا ولايشعر بالقلة والدونية أمام المال وأصحابه مهما رأى من كثرة الأموال وما لها من زينة.... قال تعالى:
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 79-80].

والمؤمن الذي لا ينهزم نفسيا أمام ما يراه من أحوال الكافرين والمخالفين مما يصيب العوام والطغام بالفتنة، علمه ربه أنه الأعلى وأنه لا ينبغي له أن يذل لعدوه ويطلب منه السلم ابتداءً إلا أن يطلبه عدوه قال تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]

والحال أنكم أعلى منهم شأناً فإنكم على الحق وقتالكم لإعلاء كلمة الله تعالى وقتلاكم في الجنة وأنهم على الباطل وقتالهم لنصرة كلمة الشيطان وقتلاهم في النار.

ولذلك قال سبحانه:
{فَلاَ تَهِنُواْ} أي إذا علمتم أن الله تعالى مبطل أعمالهم ومعاقبهم فهو خاذلهم في الدنيا والآخرة فلا تبالوا بهم ولا تظهروا ضعفاً...

{وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح خوراً وإظهاراً للعجز فإن ذلك إعطاء الدنية... واستدل العلماء بهذا النهي على منع مهادنة الكفار إلا عند الضرورة، وعلى تحريم ترك الجهاد إلا عند العجز... ونهاهم عن العجز، والفشل، ثم بين لهم أنهم الأعلون على عدوّهم بالنصر والظفر.

{والله مَعَكُمْ} أي ناصركم فإن كونهم الأغلبين وكونه عز وجل ناصرهم من أقوى موجبات الاجتناب عما يوهم الذل والضراعة... أ.هـ

ولذلك فالمؤمنون لا يبحثون عن منهج ولا عن طريق؛ فهم ليسوا مذبذبين ولا متحيرين ولا متهوكين، بل هم على ثقة من ربهم ويعلمون بما علمهم أنه معهم، وعلى ثقة من منهجهم وشريعتهم، لا يبحثون عن بدائل أو تجارب، بل الطريق أمامهم واضح المعالم، بَيِّن الصُوى والمنارات، لا يلتبس عليهم منه شيء.

قال تعالى:
{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}... على وجه القصر والحصر، على الله وحده فليتوكل المؤمنون؛ فليس لهم - إن كانوا مؤمنين - إلا هذا السند المتين؛ فهم مستقرون لا يترددون يعلمون من أين وإلى أين وكيف يكون الطريق وعلى من يكون الاعتماد...
إن المؤمن الذي استعلى بإيمانه لا يطلب على صدق الله، وأنه الحق، وقوله حق، ووعده حق، وشرعه الحق، لا يطلب على ذلك دليل لأنه على بينة من ربه؛ فهو يؤمن بأن الربا ممحق لكل وجود اقتصادي وإن لم يرى تلك الكارثة الاقتصادية العالمية التي شهدت بكل معطيات الشهادة "أن الربا ممحق"؛ لأنه يؤمن بقول الله تعالى:
{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].

إن المؤمن الذي خرج من الدونية والخزي والتسفل بإيمانه واستعلى به لا يرى في علو الكافرين إلا جريان سنة الله الكونية التي لا تتبدل ولا تتحول... وإن اليوم للكفار غلبة.... وغدا بإذن الله للحق البقاء حتى يرث الله الأرض ومن عليها...
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62].

سيد العربي ابن كمال
مع التصرف باختصار الموضوع بطلب من الاخ ابن السلاطين

 
التعديل الأخير:
رد: الاستعلاء بالإيمان خروج من الدونية والسلبية...

اختي متحديه الموضوع قيم ومفيد لاكن انا اعتقد لو يكون الموضوع مختصر نوعا ما افضل في اعتقادي الشخصي حتي يتسنئ للكثير القراءة
وجزاكم الله خير
 
رد: الاستعلاء بالإيمان خروج من الدونية والسلبية...

جزاكِ الله خيرا​
 
رد: الاستعلاء بالإيمان خروج من الدونية والسلبية...

اختي متحديه الموضوع قيم ومفيد لاكن انا اعتقد لو يكون الموضوع مختصر نوعا ما افضل في اعتقادي الشخصي حتي يتسنئ للكثير القراءة
وجزاكم الله خير

حاضر يا استاذ ان شاء الله ساختصره
بارك الله فيك على المشاركة وجزاك الله خيرا
 

عودة
أعلى