التصفح للزوار محدود

الفرق بين الجسم والنفس

مذهلة

Well-known member

الإنسان له جسم، وهو وعاء تماماً، غلاف تماماً، ثياب تماماً، فإنْ خلعت ثيابك فهل أنت ثيابك أم أنت شيء غير ثيابك ؟ قد ترتدي ثياباً رائعة، مفصلة على قدك تماماً إذا خلعت هذا الثوب، الثوب هو أنت أم أنت شيء غير الثوب، هذا الجسم وعاء، قالب مرتكز، جانب مادي، عند الموت تخلعه ويعود إلى أصله الترابي، أما أنت فباقٍ .
يا فلان، يا عتبة بن ربيعة، يا صفوان، ذكر النبي أسماءَهم وهؤلاء هم قتلى بدر من الكفار، واحداً واحداً، ‏فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ:

((يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ))

(رواه مسلم)

النفس خالدة لا تتأثر بالموت ولا بالقبر:

فيك جانب خالد لا يتأثر لا بالموت ولا بالقبر، هذا الجانب له مصيران لا ثالث لهما، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، النفس خالدة، هي التي تشكر، هي التي تكفر، هي التي تؤمن، هي التي تنافق، هي التي تكون كريمة، هي البخيلة، هي النظيفة , هي القذرة، هي الصادقة، هي الكاذبة، هي التي تسعد بالله عز وجل، وهي التي تشقى بالبعد عنه، كل صفات الإنسان صفات نفسه.
فمثلاً المركبة القذرة من هو القذر ؟ صاحبها، المركبة النظيفة من هو النظيف ؟ صاحبها، والبيت المرتَّب من هو المرتَّب ؟ صاحبه، والبيت الفوضوي من هو الفوضوي ؟ صاحبه، فنفسك ذاتك، هي أنت.


قد تكون في بيت واسع جداً، مريح جداً، كل حاجاتك مؤمَّنة، أنواع الطعام، أنواع الشراب حتى الفواكه، والحلويات، والزهور، يأتيك اتصال هاتفي مزعج جداً، تشعر بضيق لا يحتمل، لماذا الضيق ؟ ما هي الجهة فيك التي تألمت ؟ نفسك .
أخوان توأمان ينامان على سرير واحد، الظروف كلها واحدة: السرير، الجو، الحرارة، الرطوبة، وقد تناولا طعاماً واحداً قبل أن يناما، فأحدهما رأى نفسه في المنام داخل بستان جميل مع أصدقائه وأحبابه، وتبادلوا ألوان الحديث الممتع، والثاني رأى نفسه مع ثعبان أقرع، فصاح صيحةً ملأت الغرفة صخباً، فلماذا سعيد هذا، وشقي هذا ؟ الظرف المادي واحد، معنى ذلك أن لك نفساً تسعد وتشقى، ترضى وتغضب، تتصل وتنقطع، تسمو وتنحط، تؤمن وتكفر، تطيـع وتعصي، تحب وتكره، نفسك هي أنت ذاتك، كيف خاطب الله ذات الإنسان ؟ قال:

﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾

( سورة لقمان الآية: 23)

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾

( سورة الفجر الآية: 27 ـ 28)

يا أيها الإنسان, فالمقصود بالخطاب نفسه.

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾

( سورة الانفطار الآية: 6)


أيها الأخوة الكرام، أن في الإنسان نفساً هي ذاته الخالدة، هي التي مصيرها الجنة أو النار، هي التي تسعد بالله أو تشقى بالبعد عنه، هي التي تسمو وتسفل، كل صفات الإنسان صفات بذاته.
لو جئنا بجسم نبي، أو بجسم أبي جهل، عينان عينان، أذنان أذنان، لسان لسان، شفتان شفتان، يدان يدان , ما الذي يميز هذا النبي العظيم سيد الخلق، وحبيب الحق عن ذلك الآخر ؟ أن نفسه تعرف الله، ونفسه اتصلت بالله، واصطبغت بالكمال الإلهي، وذلك الآخر نفسه بعيدة عن الله، انقطاعها عنه جعلها تسفل وتشقى .

أيها الأخوة، يقول أحدكم: إنه اليوم متضايق، فهو أكل، وشرب، ونام، كل أمورك ميسرة، لماذا أنت متضايق ؟ لأن لديك مشكلة تعاني منها إنها النفس , وإذا قال الله عزوجل:

﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾

( سورة الأعراف الآية: 179 )

فهذا قلب النفس وهو المقصود بالآية، ليس قلب الجسد، ليس هذه المضخة الصنوبرية، لا، النفس لها قلب حقًّا، لها قلب، ومسكنها الصدر.

﴿ إن الله عليم بذات الصدور ﴾

( سورة لقمان الآية:23)

﴿ يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية ﴾

( سورة الفجر الآية: 27-28 )


قد يكون إيمان إنسان بالله قويًا جداً، واتصاله بالله قويًا، تشعر أنه غني، وهو متفائل، يشع سعادة، وقد يكون الطرف الآخر أغنى منه بكثير، وحركته بمئات الملايين ومع ذلك فهو متضايقٌ، معنى ذلك أنّ النفس غير الجسم، لك نفس تسعد بذكر الله، وتشقى بالبعد عنه، وهناك شيء اسمه سكينة، إذا أنزل الله على قلبك سكينته سعدت بها، ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، أيُعقَل أن يكون لقائد القوات الإسلامية في الشام سيدنا أبو عبيدة الجراح، غرفة فيها جلد غزال، وقدر ماء مغطى برغيف خبز، وعلى الحائط سيفه ؟ قال له: ما هذا يا أبا عبيدة ؟ قال له سيدنا: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ألا تبلغنا القليل , إنسان في أسعد درجات حياته بهذا التقشف، إنسان عمره ثمانون عاماً سيدنا أبو أيوب الأنصاري يغادر المدينة لينضم إلى الجيوش الفاتحة ويموت في اسطنبول ما هذا ؟ هذه السكينة تتنزل على النفس تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.


أيها الأخوة الكرام، الآخرة هي رحلة النهاية، كلنا إلى هذا اليوم قادمون، فالبطولة والاستعداد لهذا اليوم، والإنسان لا يدري متى الأجل، ولله درُّ القائل:

تزود من التقوى فإنك لا تــدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجـر
فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر
فإذا عرف الإنسان حقيقته، وعرف مهمته، وعرف مصيره , وعرف هدفه الكبير، ينسجم مع هذه المعطيات فيسعد.
كيف تطمئن نفسك ؟


أيها الأخوة، لاحظ نفسك، فإنْ كنت في تقشف شديد، وشعرت أن الله راضٍ عنك فأنت تشعر بسعادة لا توصف، وحينما تكون بأعلى درجات النعيم المادي، و كنت غارقًا في معصية، فأنت محجوب عن الله عز وجل، وأنت معذب، هكذا شأن قلب النفس فلا يسعد إلا ذكر الله، واقرأ الآية الكريمة:

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

أيها الأخوة , المؤمن إذا ارتقى في إيمانه فلا تطمئن نفسه إلا أن تكون العلاقة بينه وبين الله علاقةً عالية المستوى، المؤمن رأس ماله محبة الله له، رأس ماله أنه في رضوان الله، رأس ماله أن المستقبل لصالحه، الزمن في صالح المؤمن وليس في صالح الكافر، كلما تقدم بالمؤمن السن ازداد معرفة بربه، وازداد يقيناً بلقائه، وازداد عمله الصالح إخلاصاً، وازداد وقته انشغالاً بطاعة الله، وكلما اقترب العمر من نهايته رأيته مستبشراً لأن كل هذا العمر من أجل ساعة اللقاء.
ولدينا حديث قدسي حينما أقرأه يقشعر بدني، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ:

((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))

( أخرجه البخاري)

يقول الله عن ذاته العلية:

(( وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ))

وإنّ الله لا يتردد، لكن هذا لتقريب المعنى إلينا

(( يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))

هيّأ له جنة عرضها السموات والأرض، له حياة مريحة، لا تعب فيها ولا نصب، فالإنسان كل معلوماته دنيوية، لكن لو عرف ما عند الله , لقال كما قال مؤمن يس:

﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾

( سورة يس الآية:26)




نحن في غفلة، نحن كل مقاييسنا مادية، فلان بيته كبير فهنيئًا له، فلان يملك شركة ضخمة فهنيئًا له، فلان سيارته موديل جديد ما أسعدَه ! فلان ورث أرضًا فصار ثمنها مئة ضعف فالهناء له، هذا ما فعله قومُ قارون:

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

(سورة القصص الآية: 79-80)



و الليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر
والعمر مهما طال فلا بد من نزول القـبر
من هو العاقل ؟ هو الذي يستعد لهذا الموت الذي لابد منه، يستعد له بالتوبة والعمل الصالح.


والحمد لله رب العالمين

:bb (55)::bb (55)::bb (55):​
 
رد: الفرق بين الجسم والنفس

اللهم لا تقبض روحنا الا وانت راضي عنا
اللهم امين
ربي يجزيك الجنه
 

عودة
أعلى