الكرسي يشكو لي ؟!

كريم أبو العبد

Well-known member
كان الظلام يخيم على جو الغرفة
وكانت السماء في الخارج متلبدة بالغيوم
والرياح عاصفة فالفصل فصل شتاء والطقس شديد البرودة
وكنت أشعر بالأرق وعدم القدرة على النوم
وبينما أنا غارق في بحر من الأفكار وتعصف بي الخواطر شرقاً وغرباً
كنت في هذه الأثناء أسمع أنيناً ولكني لم أكن أدري من أي مكان يأتي
وظللت متجاهلاً لذلك الأنين ولكنه زاد حتى وكأنه أصبح بكاء طفل
عندها قررت النهوض من فراشي
فأخذت عكازتي وتوكأت على الحائط حتى اقتربت من الكرسي المتحرك المركون في طرف الغرفة
فوا عجباً لقد كان الأنين والبكاء يصدر من الكرسي المتحرك
وما راعني أكثر أنه تكلم معي ونادني باسمي فتعجبت من ذلك وإذا به
يسألني : لماذا تستغرب بكائي وأنيني ؟
فأجبته : كرسي متحرك يتكلم !
فقال : دع عنك هذا العجب واسمع قصتي وستعلم لماذا كنت أبكي .
فقلت : تفضل – وكنت متحفزاً لأعرف السبب خصوصاً وأنني أشعر بالأرق وأريد من يشاطرني الهموم والأحزان
قال : اتدري من أي البلاد جئت ؟
قلت : لا
قال : لقد صنعت في إحدى البلاد الأوروبية
حيث كان صاحبي ينتقل بي من مكان إلى آخر
وما شعرت يوماً بالتعب أو الملل أو الحرج
فكل شيء في تلك البلاد ميسر
كنا نتنقل من مكان إلى آخر
فلا نجد عائقاً
ولا نسمع تعليقاً مزعجاً
بل على العكس من ذلك
في كل مكان كنا نذهب إليه نجد الإشارات التي تحفظ حقنا في المرور أو الوقوف أو التجول
وكان الناس يتعاملون معنا بمنتهى اللطف وبمنطق الحقوق
فلا نسمع تعابير الشفقة
وكان من يريد تقديم المساعدة يستأذن صاحبي بلطف
ويسأله بأدب هل تحتاج أي مساعدة فإذا كان الجواب بالقبول
كان يسأله كيف أستطيع أن أساعدك ؟
كنت في ريعان شبابي ورغم ذلك كنت أتلقى العناية والرعاية والصيانة الدائمة
ولكن المصائب قد حلت بي عندما حصل صاحبي على كرسي كهربائي متحرك
فعلمت حينها أنه آن أوان الفراق
ولكني لم أكن أتوقع أن يتم شحني إلى هذه البلاد التي تسمونها " نامية "
فأنا الآن في أسوأ حال !
إنظر إلى عجلاتي كيف تآكلت واهترأت من كثرة الاستخدام
أو قل من كثرة الحفر والمطبات
وانظر إلى جلدي كيف تمزق من سوء معاملتي وقلة صيانتي
وكل هذا يهون عن عزلتي وشعوري بالملل
فأنا أقضي ساعات كثيرة في هذه الزاوية من الغرفة
خصوصاً بعد اختصارك عن الخروج والمشاركة في المناسبات
أو الذهاب للتسوق أو التجول ربما بسبب إفلاسك
أو ربما بسبب خوفك من رؤية الناس أو التعامل معهم
ففي كل مرة كنا نخرج كنت أتألم مما أسمع من تعليقات تجرح أو عبارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب
فهذا يقول : الحمد لله الذي عافاني مما أصابه
وذلك يقول لماذا يخرج هذا وحيداً يتسكع
وآخر يقول : كيف سنحمله ليصل لأعلى الدرج ؟
وسائق يتأفف عندما تشير إليه بيدك
ويقول لك : "إنني مستعجل وهناك من ينتظرني فأرجو المعذرة وانتظر غيري
وأخرى تقول : يا حرام هذا المسكين شاب صغير مقعد ! يا حسرة على شبابه !
وماذا أقول لك أيضاً لقد أصبحت أنت عاطلاً عن العمل بعد أن أصبت بهذه الإعاقة وصرت عالة على الآخرين فلا تجد من يقبل توظيفك أو إعطاءك فرصة لتثبت قدرتك وما لديك من إمكانيات
وها أنت تعاني من الفقر والقلة إلا ما تيسر من أيدي أهل الخير
ومستقبلك وحالك مظلم أو قل مؤلم .
عندها إقشعر جسمي وشعرت بمرارة الوضع الذي أنا فيه وقلت في نفسي :
حتى أنت أيها الكرسي ......تنغص علي حالي ولا يكفيني ما أنا فيه
ولكني لم أظهر له " استسلامي " بل أجبته بكبرياء المجروح :
أنك لا تعلم حقيقة الأمر فالغد لنا والمستقبل سوف يكون مشرقاً وما بعد الضيق إلا الفرج
والدليل أن الناس بدأوا يتحدثون عن حقوقنا والمواثيق الدولية التي تؤكدها وبدأت الدول بتطبيق جوانب منها وسوف يأتي اليوم الذي ستظن أنك تعيش كما كنت في البلد الذي جئت منه
هنالك ضحك الكرسي ضحكة عالية لم أعد أسمع بعدها أي صوت .......
ويبدو أنه قد مات من شدة الضحك !
في هذه اللحظة سمعت طرقاً على الباب ففتحت عيناي ونهضت من الفراش فأدركت أني كنت أحلم ! :24:​
 
التعديل الأخير:
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

ولكني لم أظهر له استسلامي بل أجبته بكبرياء المجروح :
أنك لا تعلم حقيقة الأمر فالغد لنا والمستقبل سوف يكون مشرقاً وما بعد الضيق إلا الفرج

اشكرك اخى الغالى على الموضوع والفضفضه
ولكن.............
والله اخى الهمه والتحدى و و ليس كلام ناس ولا شارع ولا ولا ولا
انت فلسطيني اذكرك بشيخ ياسين عليه رحمه الله نحسبه عند الله شهيداا ان شا الله
انت قلت توكئت على عكازتى الشيخ حتى اليد كان مشلولا فهز العالم هز دون كرسي وتحدى كل الكلام و بقى خالدااا فى قلوبنا فليقولوا ما يقولوا و لو زحفاااااا نعمل ما نريد و لن نستسلم لا نحتاج الى طرقاتهم ولا قراراتهم ولا شفقاتهم ليس كبر لا والله بل عزة نفس لسنا اقل من احد منهم لا من الرئيس ولا من غيره لا من الدكتور ولا من الاستاذ عشنا رجل متحدى كل صعاب و نموت متحدى ولن نستسلم ولنا امثله كثيرا و قدوة كثيرا فقط عملوا و حصلوا و رغم اعاقتهم بقوا خالدين ذكرى الى يوم القيامه و اكثر من ملياران او اكثر و اكثر بل 4 او 5 مليار احياء سالمين لكن اموااااااااااات فياليت كانوا اموات بل لم يلدوا تحياتى لك اخى الحبيب ابن بلد شيخنا احمد ياسين شيخ المعاقيين
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

شكرا أخي على هذا الموضوع وبارك الله فيك أبو دعاء على الرد الجميل فالشيخ أحمد ياسين كان مقعدا ولكنه صنع أمة وجيلا متحديا دوخ الصهاينة....فلا استسلام وانهزام لأن المستقبل لنا!
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

رائــــــــــــــــع
لا اجد من الكلمات مل اعبر بها عن اعجابى بتلك السطور
لا نملك سوى أن نحمد الله
تحياتى
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

أشكرك أختي العزيزة قطرة ندى وأنني أشعر ربما لا أستحق هذا الثناء أما بالنسبة لمن يظن أن الأرادة تعني كبت المشاعر وأن التعبير عن الأحاسيس يوحي بالضعف والاستسلام فأنا لا أوافق على ذلك مع شديد الاحترام وكما يقول الشاعر :
إن لم أكن للعلا أهلاً بما تراه فمن يكون
فكل ما ابتغيه دوني ولي على همتي ديون
ومن يرم ما يقل عنه فذاك من فعله مجنون
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

بارك الله فيك
على الكلمات الطيبة
والحمد لله على كل حال
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

أخي الفاضل الكريم..........
لم اقصدك أبدا حين تحدثت عن الاستسلام...فالرجاء العفو وإنما هي صرختي للصهاينة بأننا أهل تحدي!
فأغلى وأحلى سلام للأرض الطيبة المباركة...تربة وماءا وشعبا صامدا لن تقهره الصعاب!
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

أختي العزيزة متحدية واحد إنني أشعر عندما أخاطبك بأنني أتحدث مع إنسانة عظيمة فلذلك لا داعي لطلب العفو وأنا لم أوجه كلامي لشخص بعينه وإنما لكل من يظن أن الشخص ذوي الإعاقة يجب أن يكون متحجر المشاعر أو عليه أن يظهر ذلك كأشارة على قوة الإرادة وأنا أرى أن الشخص ذوي الإعاقة هو قبل كل شيء إنسان لديه مشاعر وأحاسيس وهموم صغيرة وكبيرة كغيره من البشر يجب أن تحترم أما المكابرة وكبت المشاعر والخوف من التعبير عنها حتى لا تتزعزع صورة ( سوبر مان ) فإن لها آثاراً سلبية كثيرة سائلاً الله أن نكون من الصابرين ...:17:
 
التعديل الأخير:
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

ما اروع اسلوبك

في الكتابه اخي كريم ابو العبد

الله يصبر قلبك

اتمنى لك التوفيق
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

وعليكم السلام
لم اجد كلماااااااااااااااااات تعبر عن مدى تقديري واحترااااااااااااااااااااامي عن تلك الكلمااااااااااااااااااااااااات والحوااااااااااااااار الذي يمثل الواااااااااااااقع المرير لحياة ذوي الاعاااااااااااااااااااقة بالرغم من كل النداءااااااااات التي تطالب بحقووووووووووووقناااااااااااااا ولكن للاسف كلهاااااااا حبر على ورق ولم تطبق ابداً والمعااااااااااااااااااااااااق يبقى الخاااااااااااسر بالنهاااااااااااااااية ولم يجد اي حقوق من حقه
يسلموووووووووووووووووووووووووو وربي يوقف معناااااااااااااااااااااااااا دائما
احتراااااااااااااامي لشخصك الكريم
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

أشكرك بنت فلسطين 6 على هذا التقدير والصحيح أنكم رائعون ومميزون ومتميزون ولا تستحقون إلا الأفضل فأنا لذلك أخشى أن أكون دون المستوى فأرجو المعذرة وأرجو النقد الموضوعي البناء مع أجمل التحيات :20:
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

أخي الكريم حديثك ينبع من صميم الواقع
أستشعر تلك الشكوى التي صدرت من الكرسي
فلا زال مجتمعنا بحاجة ماسة إلى الالتفات إلى تجهيز المؤسسات بالمرافق الملائمة
واعتبار أن صاحب الإعاقة فرد من المجتمع له حقوقه مثل البقية يجب مراعاتها
أما نظرة المجتمع أو البعض من أفراده فلا يجب أن تترك أثرا بداخلنا
لأنها ثقافة وموروث يحتاج لوقت كي يتغير وبخروجنا قد تغير الكثيروالحمد لله
أحييك أخي الكريم على ما ورد في قصتك من تنويه للعديد من المشاكل
ولا بأس أن يعبر المرء عما يخالجه على أن لا يستسلم للخواطر السلبية فتؤدي به إلى اليأس
أما التعبير فهو طريق وخطو نحو التغيير
شكرا وبارك الله فيك
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

اخي كريم جميل تلك المحاوره الذي دارت بينك وبين كرسيك والذي ااخاله اشبه


بالمناجاةالموجعة بينك وبين نفسك تحيطها سكون الليل ورياحالبرد القارس


كلمات اكاد اسمع انينها من داخلك وكم هو موجع ذلك الانين....
رائعة تلك الجمل


التي بنيت عليها ذلك الحوار الداخلي مع الكرسي المتحرك وشكوته وانينه


والذي يعكس ويكشف ماتشعر به ومايختلج بوجدانك من سلوكيات في مجتمعنا


العربي المجحف في بعض الاحيان

اخي رائع ماكتبته وجميل تلك الصورر الرائعة للحوار الداخلي
والذي استطعت ان تجسده على شكل حوار بينك وبين كرسيك
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

فكرة جميلة في طرح قصة

تبقى قوتك لتطرح لنا أفكارك

بطريقة تثير اعجابنا

دمت بخير وراحة بال
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

الأخوة الإعزاء والأخوات العزيزات أرجو أن لا يفهم خطأ أنني من خلال سرد القصة أدعو إلى الاستسلام للواقع واليأس مهما يكن الواقع مراً ومؤلما فالشاعر يقول :
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
أما الصبر فهو مفتاح الفرج والنافذة التي يدخل من خلالها شعاع الأمل
يقول الشاعر :لا تَجزَعَنَّ إِذا نابَتكَ نائِبَةٌ واصبر ففي الصّبر عند الضّيقِ متَّسعُ
إن الكريمَ إذا نابتهُ نائبةٌ لَم يَبدُ مِنهُ عَلى عِلّاتِهِ الهَلَعُ
ويقول الشاعر أيضاً :
لا تَلقَ دَهرَكَ إِلّا غَيرَ مُكتَرِثٍ مادامَ يَصحَبُ فيهِ روحَكَ البَدَنُ
فَما يَدومُ سُرورُ ما سُرِرتَ بِهِ وَلا يَرُدُّ عَلَيكَ الفائِتَ الحَزَنُ
فلا مكان لليأس مع الحياة مهما اشتدت التحديات
وقيل :
لا تَيأَسَنَّ من اِنفِراجِ شَديدَة قَد تَنجَلي الغَمَراتِ وَهيَ شَدائِد
كَم كُربَة اِقسَمَت اِن لَن تَنقَضي زالَت وَفَرجُها الجَليلُ الواحِد

نعم للأمل والتفاؤل إن شاء الله وأرجو من الله أن تتحقق السعادة ولا يبقى مكان للحزن والألم :23:

 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

عشت مع إبداع مميز . ووصلت الرسالة لمن يفهمها .:22::22:
لك تقديري .
ننتظر دائماً غنى وثراء قلمك
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

اخي
ما شاء الله عليك تعبيرك في قمة الروعه
اولا: محاكاة واقعيه تلامس كل المشاعر
هذا هو واقع المجتمع ...... وسنظل نهتف الى ان نرى كل حقوقنا ونطبقها
ثانيا : التعبير عن مكنونات النفس ليس استسلام ولا يأس (كا قلت )
جزاك الله خيرا على هذه الفضفضه الواقعيه
تحياتي
روح التحدي
 
رد: الكرسي يشكو لي ؟!

أشكرك أخت " روح التحدي " على تعليقك الجميل وأنا فعلاً أتعلم منكم ومن تجاربكم التي تبعث العزيمة في النفس وإن شاء الله أن يرتقي الحال وتتحسن الأحوال ولكن يظل علينا دور السعي " وقل اعملوا .... "
 

عودة
أعلى