التصفح للزوار محدود

التكلّم دون تعلّم

الحمد لله مسبب الأسباب ، و الصلاة و السلام على من عاش بين أفضل الأصحاب ، و على آله و صحبه و من تبعهم إلى يوم الحساب ، أما بعد

إن العقل كي يُصدر أحكاماً و من أجل أن يُكَوّن رأياً يحتاج أن يتعامل مع معطيات كاملة ، و نادراً ما تتوفر المعطيات الكاملة حول موضوع ما ، خاصة إن كان هذا الموضوع من الأمور الكلية مثل الفقر و الجهل و سوء الخلق ، و نتيجة عدم وجود معطيات كاملة أو دقيقة حول المسألة يُضطر العقل إلى إصدار الحكم أو اتخاذ القرار في ظل قصور المعطيات و يكمّل هذا النقص في المعطيات من عنده بناءً على خبرات و خلفيات سابقة ، فغالباً ما يجانب الصواب و ينأى عن الواقع

فكيف لمن لم يدري ما الكهرباء -مثلاً- أن يوجد حلاً لمشكلة تكرار لنقطاع التيار؟ إنه لا يعرف أي شيء عن المسألة ، معطياته صفر ، لهذا إن قدّم حلاً لهذه المشكلة ، غالباً سيكون خاطئ بل لا معنى له

لهذا قال المنطقيون :إن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره

أي أن مدى معرفتك و إلمامك بالأمر هو وسيلة الحكم عليه ، لهذا نجد أنه من العجيب في جلسات تعقد مِن حولنا مَن يتحدثون عن أمور كثيرة لا علم لهم بها ، و ترى الواحد منهم يقسم و يجزم أن كلامه صواب لا يحتمل الجدال أو أنه سمعه من فلان أو علان و كأن هذا هو شعار الجودة و خاتم الصحة

لهذا تنفض مجالسنا و نكون قد تناولنا أمور من أعظم الأمور و كأن شيئاً لم يكن ، لم يطرح أحدنا حلاً ممكناً أو مناسباً للموجودين حتى يشاركوا في حل المشكلة أو الأزمة ، و لم يخرجوا بفائدة علمية دقيقة حولها لأن الكلام كان يُلقى دون أدنى شعور بالمسئولية تجاه المجتمع و دون هدف محدد بل كان يُقال لمجرد أن يُقال

و إن عدنا للكتاب و السنة وجدنا أن التحدث عن علم من الأوامر الشرعية التي شرعها الله لنا ، فقال جل و علا (ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) قال ابن باز رحمه الله:

الله ينهى عن كون الإنسان يتكلم فيما لا يعلم (ولا تقْفُ) يعني لا تقل في شيء ليس لك به علم ، بل تثبت ، (إن السمع) يقول: سمعت كذا ، وهو ما سمع (والبصر والفؤاد كل أولئك كَان عنه مسئولا) الإنسان مسئول عن سمعه وقلبه وبصره، فالواجب عليه أن لا يقول: سمعت كذا إلا عن بصيرة ، ولا يقول: نظرت كذا إلا عن بصيرة ، ولا يعتقد بقلبه شيء إلا عن بصيرة ، لا بد ، فهو مسئول ، فالواجب عليه أن يتثبت وأن يعتني حتى لا يتكلم إلا عن علم ، ولا يفعل إلا عن علم ، ولا يعتقد إلا عن علم ، ولهذا قال جل وعلا: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) ، فالإنسان يتثبت في الأمور والله يقول -جل وعلا-: ( قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم يُنَزّل به سلطاناً وأن تقولو على الله ما لا تعلمون) [الأعراف: 33] فجعل القول على الله بغير العلم فوق هذه الأشياء كلها، فالواجب على الإنسان يتعلم حتى يكون على علم، ويتبصر فلا يقول: سمعت ، ولا يقول: رأيت ، ولا يقول: كذا وكذا

و لهذا قال صلى الله عليه و سلم:

كفى بالمرء كذباً أن يُحدّث بكل ما سمع.

رواه مسلم و ابن أبي شيبة

لأن ليس كل ما تسمع صحيحاً ، فكيف تنطلق بين الناس تحدث بكل شيء تسمع؟ بل و كيف تبدي آراءً و تحلل أزمات بناءً على ما سمعت لا ما بحثت و استقصيت و دريت؟

و في هذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهّالاً ، فسُئلوا ، فأفتَوا بغير علم ، فضَلّوا وأضَلّوا.

متفق عليه

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال:

أصاب رجلاً جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم احتلم ، فأُمر بالاغتسال ، فاغتسل فمات ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه قتلهم الله ، ألم يكن شفاء العيّ –أي الجهل- السؤال؟

رواه أبو داود و غيره و صحح الألباني رواية جابر

و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:

من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه ، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه.

رواه أبو داود و حسنه الألباني في مشكاة المصابيح

و أخبر صلى الله عليه و سلم أيضاً عن أولئك التافهين الجهّال الذين يتحدثون في أمور الناس قائلاً:

إن بين يدي الساعة سنين خداعة ؛ يُصَدّق فيها الكاذب ، ويُكَذَّب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويُخَوَّن فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة ؟ قيل : المرء التافه يتكلم في أمر العامة.

رواه أحمد و البزار و الطبراني و صححه الألباني

تعلّم فليس المرء يولد عالماً ** و ليس أخو علم كمن هو جاهلُ
و إن كبير القوم لا علم عنده ** صغيرٌ إذا التفّت عليه المحافلُ

و السبيل للرقي بالمستوى الثقافي و الحواري في المجتمع قابل للأخذ و الرد و كُتبت فيه الكتب –

باختصار:

.التنبيه لمشكلة القول بغير علم – سواء دينياً أم دنيوياً- و إلجام أنفسنا عن الوقوع فيها.

الحث على التعلم و القراءة و التثقف

.الدفع إلى علاج هذه المشكلة... "التكلّم دون تعلّم"

ملتقى أهل الحديث

 
رد: التكلّم دون تعلّم

وفقك الله اختي وبارك فيك وحقق آمالك
 

عودة
أعلى