التوحدي ينتصر بالإرادة والتصميم !

كريم أبو العبد

Well-known member
وأيضاً الأطباء يخطئون ولكن من يدفع الثمن !


مأساة تتكرر يكون ضحيتها شخص ذو إعاقة يتم تشخيصه بطريقة خاطئة يترتب عليها قرارات مصيرية تترك أثرها السلبي ربما إلى الأبد أو تجعل الشخص ذوي الإعاقة يعاني الأمرين حتى يطفو ثانية إلى السطح وقد تأثرت بقصة من هذا النوع أود أن أنقلها لكم على لسان والدة بطل القصة لكنني سأتجنب ذكر الأسماء الصريحة للأشخاص والأماكن فالقصة قد تكون قصة أحمد أو قصة هدى أو قصة أي شخص ذو إعاقة يتعرض للظلم


بدأ الفصل الأول من هذه المأساة في مكان واستكمل ما تبقى من فصولها في مكان آخر وكانت البداية الحزينة ومشاهدها القاتمة، وهي عبارة عن مسرحية هزلية طويلة استمرت سنوات كانت البداية بالخطأ الأول بحق الأب أبو أحمد ، حينما صدر بحقه تقرير طبي ''ظالم'' ودفع بناءً على ما اقترفه الأطباء ، ست سنوات من عمره ، عندما أدخل مدرسة للصم وهو حينها كان يعاني من حرارة عالية سببت له ثقلا بسيطا في سمعه وعجزا في لسانه. ومرة أخرى يعود الأطباء لارتكاب أخطاء فادحة بحق ابنه أحمد عندما أصدروا عليه حكما قاسيا حينما بصموا على تقارير طبية خلاصتها أنه «متخلف عقلي»، وهو الذي أنعم الله عليه بنسبة ذكاء مرتفعة.


لم يصدق الأب ما قالوه فنسج روائع من الكفاح والإصرار، ومثلما يقولون إن حدس الأم لا يخيب في «ضناها» فلم تكترث هي الأخرى بتشخيص الأطباء وما كتبوه عن ابنها، فاجتمعت إرادة ثلاثية صامدة لا تعرف اليأس شكلها الأب وزوجته وطفلهما، إلى أن اثبتوا عدم مصداقية هؤلاء الأطباء وتقاريرهم، فها هو ابنهم «أحمد» يتفوق في تقنية الكمبيوتر والبرمجيات ويتعلم اللغة الإنجليزية ويحصل على درجات تقترب من النهائية الكبرى، والمعهد الذي يدرس فيه يقول عنه في تقييمه: " اجتاز بتفوق اختبارات حاسوبية شديدة الصعوبة رسب فيها زملائه الذين لا توجد لديهم إعاقة "



تروي أم أحمد قصة ظهور ملامح التوحد على ابنها منذ السنة الثالثة من عمره، مبينة أنها لم تلاحظ في العامين الأولين أنه يختلف عن الأطفال الذين لا توجد لديهم إعاقة ، بل كان ينطق كلمة ( بابا .. ماما .. حليب)، وقالت إنه عندما وصل إلى السنة الثالثة بدأت كل تلك الكلمات تمحى من ذاكرته، وبدأنا نلاحظ غرابة تصرفاته وسلوكه، ولا سيما أن الأصوات المرتفعة تزعجه مثل صوت «المكنسة الكهربائية»، وحينما كنا نتنزه يركض نحو السيارة هاربا من صوت الألعاب النارية.



وبينت الأم أنها منذ 19 عاما انطلقت هي ووالده إلى أول محطة علاج لابنها أحمد، بعدأن تأكدا من غرابة سلوكيات وتصرفات ابنهما وتمضي أم أحمد في حديثها " توجهنا نحو مستشفى بحثا عن تفسير طبي لحالة ابني لكننا عدنا أدراجنا، فالطبيب رفض تشخيصه طبيا إلا بعد التحاقه بمرحلة الروضة الدراسية."


استغربت الأم كثيرا من حديث طبيب يعمل في مستشفى حكومي معتمد ومعروف ،وقالت " على الرغم من قلة اطلاعي على التقنيات والاختبارات الطبية، إلا أن ثقتي بأن تطور الطب وطرق التشخيص تختلف تماما عن تلك الطريقة العقيمة وغير المقنعة في التعامل مع تلك الحالات ."


خرج الوالدان من المستشفى يبحثان عن أمل آخر لعله يدلهما على طريق الصواب، متجهين نحو مستشفى آخر , لكن الواقع خالف كل التوقعات وكانت المفاجأة .. 15 دقيقة كانت كافية لأن يحكم طبيب نفسي معروف على أحمد، ويقول " إنه متخلف عقليا، ونسبة ذكائه لا تتجاوز 45 في المائة".


وبصوت يحمل نبرات حزينة، تسترجع أم أحمد ذكريات ما حدث في ذلك اليوم، «كان ابني كثير الحركة ويلفته بشكل كبير أجهزة الكمبيوتر، ومنها الجهاز الخاص بالطبيب النفسي الذي قصدناه لتشخيص حالة ابني في المستشفى ، وبعد مكوثنا في عيادته مدة لم تتجاوز 15 دقيقة قضى سبع دقائق منها في الرد على هاتفه المحمول الذي كان حديثا لإصدار آنذاك، لم أفاجأ بأن هذا الطبيب حكم على ابني بالتخلف العقلي فحسب، بل منقطع الأمل نهائيا في إمكانية تلقيه التعليم، ونصحنا بأن نبحث له عن مجال تدريبي عندما يكبر كالمعهد التقني"


وعلى الرغم من صدمة أم أحمد من تشخيص الطبيب إلا أنها لم تصدقه، وتواصل «صدمنا صدمة كبيرة من جراء كلام هذا الطبيب في بادئ الأمر، ومع ذلك لم أصدقه، ولم أكترث لحديثه، فالذكاء الذي كان يتمتع به أحمد عند مراقبتي الدائمة وهو يلهو بـلعبة المكعبات التي كان والده يحضرها له، وطريقته اللافتة في تكوين البيوت والمباني


التي لم يكن ينسى أدق التفاصيل كتخصيص مكان لمواقف السيارات في نهاية كل مبنى،يجعلني ألقي بكلام ذلك الطبيب خلفي، حتى إن كان ينضم إلى فريق طبي كبير في مستشفى معروف.



وتتواصل رحلة البحث عن طبيب متمكن يستطيع تشخيص حالة أحمد، فمن طبيب في مستشفى إلى بروفيسور في مستشفى الصحة النفسية، ولقناعة الوالدين بعدم إصابة ابنهما بالتخلف العقلي توجها نحو مستشفى الصحة النفسية بحثا عن تفسير يعارض التشخيص السابق لمشكلات النطق وغرابة تصرفاته, لكن تشخيص البروفيسور لم يفرق كثيرا عن تشخيص زميله السابق, بل زاد الطين بلة.


أخذت أم أحمد نفسا عميقا وقالت بحرقة «كنا نبحث عن طبيب يخالف رأي تشخيص الطبيب السابق، وتوجهنا إلى مستشفى الصحة النفسية فتم عرض حالة أحمد على بروفيسور آخر لكنه لم يختلف عن سابقه، وبدلا من أن يجري عددا من الاختبارات عليه، استهلال مقابلة بعدد كبير من الأسئلة الاجتماعية علي، وبعدها حكم هو الآخر بأن ابني لديه تخلف عقلي شديد وطلب مني الرضا بقدري.



وتضيف أن هذا البروفيسور لم يقف عند حد تأييد الحكم الذي أصدره زميله السابق، بل ألقى اللوم بالكامل على الأم تجاه ما أصاب أحمد، عندما علم أنها معلمة وتترك ابنها عند والدتها خلال فترة عملها في المدرسة، وقال لها بتضجر «كيف تريدينه أن يتحدث وأنت تتركينه لدى أمك برفقة الخادمة طوال فترة الصباح.



وتساءلت الأم: هل كل العاملات اللائي يتركن أبناءهن أثناء فترة العمل يصاب أولادهن بمشكلات صحية ونفسية مشابهة لمشكلة ابني؟.





وتعبر عما كان يدور في ذهنها في ذلك الوقت تجاه تشخيص الأطباء، «لم أصدقهم ولم ألتفت إلى كلامهم مطلقا، ابني الذي حكموا عليه بالتخلف العقلي استطاع أن يتدرب على


دخول «الحمام» دون مساعدة أحد في أسبوع واحد فقط، بينما أسمع الأمهات في المجالس يتحدثن عن عناء يصل إلى أسابيع لتدريب أبنائهن على ذلك؟ بل إنه كان يقص الورق إلى قصاصات صغيرة جدا ويصعد أعلى المكتبة ويرميها سويا، ثم يسأل «لماذا تصل بعضها قبل الأخريات على الرغم من أنني رميتها كلها في آن واحد؟»، كما أنه ينجذب كثيرا إلى الكمبيوتر، وتساءلت: ألا تكفي كل تلك المؤشرات أن تبرئه من حكم الأطباء القاسي عليه بالتخلف العقلي؟.


نطق الأب بعد أن حكموا عليه بـ "الصمم"


على الرغم من أن كل المؤشرات التي تؤكد ذكاء أحمد كانت كافية لدعم والدته في عدم تصديق تشخيص الأطباء، إلا أن قصة والده مع الظلم الذي وقع عليه نتيجة التشخيص الطبي الخاطئ جعله يعيش أصم طوال حياته.


وتستعيد أم أحمد قصة زوجها «أصيب «أبو أحمد» بحرارة عالية في طفولته ونتيجة لذلك أصبح لديه ثقل في السمع، لكن الأطباء شخصوه على أنه (أصم) ونتيجة لهذا التشخيص بعثه والده إلى مدرسة داخلية للصم، مدة ست سنوات إلى أن أنهى مرحلتي الابتدائي والمتوسط.



وأضافت «بعد أن عاش أبو أحمد أصم، وهو يستطيع النطق طوال حياته الدراسية استطاع الحصول على وظيفة عقب حصوله على الشهادة الجامعية، وفي يوم من الأيام وبعد خروج الموظفين طلب زميل أبو أحمد منه أن يتبادلا المعلومات فيما يخص تفسير بعض آيات القرآن الكريم، وخلال حديثهما نطق أبو أحمد دون أن يشعر فاندهش زميله دهشة مشابهة للدهشة التي اعترت أصدقاء وزملاء الدراسة.



وتنقل الزوجة مشاعر زوجها أثناء مكوثه في مدرسة الصم «بعد أن قرر الأطباء إصابة أبي أحمد بالصمم اعتاد الصمت وأصبح لديه ثقل في اللسان، وأثناء مكوثه في مدرسة الصم كان يشعر بأنه يود أن ينطق، لكن الحياء يمنعه من ذلك داخل بيئة تتكلم كلها بلغة الإشارة.



أبو أحمد الذي على الرغم من الثقل الذي يعانيه لسانه نتيجة التشخيص الخاطئ،ركب سماعتين في أذنيه حتى يتواصل مع ابنه، ولم يحبطه تشخيص الأطباء السلبي لحالة ابنه, على العكس تماما دفعه أكثر لعلاجه, خاصة أنه وقع ضحية تشخيصهم في طفولته أيضا.



وقال: «ثقتي الكاملة بذكاء ابني جعلتني أبتعد تماما عن الإصغاء إلى حديث الأطباء السلبي، ولا سيما أن لي تجربة سلبية جعلتني أعيش أصم وأنا أنطق، بينما لم أصغ للذين يدعمون العلاج الدوائي لحالة أحمد, بل كنت أتبع دائما فريق الأطباء الذين يؤمنون بالعلاج السلوكي


المراحل المدرسية .. المعاناة تستمر


تلقى الأبوين نصحا ممن حولهما بإدخال أحمد مرحلة الروضة, وبالفعل استجابا لذلك


وذهبت والدة أحمد لتسجيله في روضة حكومية، لكن في أول ساعتين من اليوم الدراسي الأول وردها اتصال من مديرة مدرسة الروضة تطلب منها المجيء لأخذ ابنها بسبب كثرة حركته وعدم استطاعتهم السيطرة عليه، وبالفعل ذهبت لنقله إلى روضة أهلية يتوافر فيها فصل خاص لإعاقة " متلازمة داون "



تستمر أم أحمد في الحديث عن سلسلة المعاناة التي واجهتهم في أول سلم دراسي عندما نقلت ابنها إلى روضة أهلية تتوافر فيها فصول خاصة لـ «متلازمة داون» وقالت: إن انضمامه إلى روضة أهلية كان بداية حقيقية للتشخيص السليم لحالته.


معلمة ومديرة .. بصمة لا تنسى في حياته


المعلمة الأمل خريجة قسم التاريخ, ومديرة المدرسة المتخصصة في التربية الخاصة،شخصيتان كانت لهما بصمة لا تنسى في التطور الإيجابي لحالة أحمد، على الرغم من أن تخصص المعلمة الأمل بعيد كل البعد عن تخصص التربية الخاصة أو رياض الأطفال، إلا أن إخلاصها في تأدية عملها كان له دور فاعل في تحسين وانضباط سلوكيات أحمد العشوائية لدرجة أنه حتى هذا اليوم يتذكرها


ومع أن المدرسة كانت لها دور كبير في تعليمه، إلا أن تدريب أحمد في المنزل لم يكن يتوقف عند انتهاء اليوم الدراسي، لأن والديه فتحا فصلا دراسيا مسائيا يبدأ بعد صلاة العصر وينتهي مع أذان المغرب بهدف تعليمه وتدريبه برفقة أخته.



تضيف أم أحمد " لم نكن نتوقف إطلاقا عن تدريب أحمد في المنزل، فقد افتتحنا فصلا مسائيا وتقاسمنا العمل، فقد توليت تعليمه وتدريبه على نطق الحروف والكلمات عن طريق الصور، بينما تولى والده الدور الأكبر وهو ضبط سلوكياته وتصرفاته، ومع تآزر الجهود المبذولة من المنزل ومن المدرسة، أصبح التحسن واضحا على حالة أحمد، وبدأ ينطق نطقا سليما. "



تسترجع أم أحمد ذكريات مضى عليها نحو 17 عاما، مبينة «من شدة حرص المعلمة الأمل على أحمد كانت تربطه في الكرسي حتى ينهي وجبته، أما مديرة المدرسة فهي الشخصية التي استطاعت أن تكتشف ما عجز عن تشخيصه الأطباء، فهي أول من استطاع اكتشاف نوع إعاقته،وقالت لي حينها " ابنك ذكي جدا ولا يعاني الإعاقة التي يعانيها أطفال "متلازمة داون" فسلوكه يشير إلى أنه طفل مصاب بالتوحد"، وذكرت أنها تعرف حالة مشابهة تماما لحالته وهو آنذاك في صدد الحصول على شهادة الدكتوراه ، وكان مصطلح (التوحد) آنذاك غريبا تماما على مسامع أم أحمد، فلم يكن لديها أي خلفية عن أسباب وطرق علاج هذاالمرض بتاتا.

أحمد ذكي جدا والأطباء متخلفون


انبثق الأمل من حديث مديرة المدرسة، فتوجه الوالدان إلى عيادة الأخصائي النفسي ونقلا له تفاصيل تشخيص الأطباء


وتشرح أم أحمد تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم، «بعد لقائنا الأخصائي الأمريكي وتبادل الحديث فيما يخص حالة ابني مع إعطائه فكرة مفصلة عن تشخيص الأطباء في المستشفيات السابقة، طلب منا المكوث في غرفة مقابلة لغرفته برفقة مساعدته من جنسية عربية، وخضع أحمد وقتها إلى عدد من الاختبارات والقياسات الطبية والسلوكية المتتالية التي استمرت ثلاث ساعات متواصلة، واستطاع وقتها كتابة ثلاثة أسطر إملاء وهو لم يتجاوز آنذاك السادسة من عمره.

وتستمر في حديثها «لم أكن أعلم أن الأخصائي الأمريكي يراقبنا خطوة بخطوة من خلال حاجز زجاجي يرانا من خلاله ونحن لا نراه، فبعد أن انتهت الاختبارات خرج الأخصائي مصفقا وهو يقول: " الأطباء هم المتخلفون عقليا، أحمد ذكي ونسبة ذكاؤه 95 في المائة, لكنه مصاب بدرجة متوسطة من إعاقة التوحد".



في هذه اللحظات عذبة المشاعر فقط، اطمأن قلب أم أحمد ووالده، عندما تمكن الأخصائي أخيرا من إبطال تشخيص الأطباء السابقين، وتصف الأم مشاعرها تلك اللحظة «لم تكن الفرحة تسعني عندما أكد الأخصائي ذكاء ابني، ليس ذلك فحسب، وإنما قال لنا مهنئا" أستغرب أن هناك أسرة تعنى بتدريب وتمرين ابنها المصاب بالتوحد، حتى إنه سألنا عن طريقة تعاملنا له، وسبب وصوله إلى هذه الحالة المتقدمة من التعليم".


الأخصائي : لا تلحقوه بمدارس التربية الفكرية


وتابع الأخصائي «إن السكرتير الذي ينظم لي أموري كلها ويحجز تذاكر سفري إلى البلدان شخص توحدي عمره 70 عاما»، وأوصي الوالدين بشدة بعدم إلحاق أحمد بمدارس التربية الفكرية بتاتا، مهما سنواجه من ضغوط، "وبالفعل تلك الوصية كانت بالنسبة لي خريطة وجهتنا إلى الطريق السليم



أصرت الأم ألا تسجل ابنها في مدارس أهلية في ذلك الوقت، متوقعة أن تقييم المدرسة لولدها سيبتعد كثيرا عن الدقة، لذلك قررت أن تدخله مدرسة ابتدائية حكومية،


وتفصل أم أحمد أحداث معاناة المرحلة الدراسية لابنها، " أخذنا على عاتقنا الاستماع حرفيا لنصيحة الأخصائي لكن وزارة التربية أجبرتنا على أن نتوجه إلى معهد التربية الفكرية لتصديق التقرير، وبالفعل توجه والده إلى هناك, ولأن التقريرالطبي صادر من مستشفى حكومي ، وافقوا على أن ندرس أحمد في مدارس حكومية تحتوي على فصول دمج دراسية، أي أنه يدرس مناهج مماثلة لمناهج التعليم العام, لكن في فصول الدمج.


المعلمون والطلاب كانوا عائقا آخر

لم تنته المعاناة عند حد معرفة الوالدين نوع مرض ابنهما وقبول الوزارة تدريسه في مدرسة حكومية لأن المعلمين والطلاب كانوا عائقا آخر، ومع أول يوم دراسي بدأت الاتصالات التي تحمل عديدا من الشكاوى تهل عليهما


وأضافت «وردتنا من المدرسة عديد من الاتصالات التي تحمل عديدا من الشكاوى حول تصرفات أحمد، وكثرة خروجه من الفصل وتوجهه نحو الأماكن التي تثير اهتمامه كمراوح الشفط في دورات المياه أو الأجهزة التي تدور، لكن والده كان لهم بالمرصاد، وعلى الرغم من أنه كان يحاول أن يذهب بشكل مستمر إلى المدرسة لتفادي المشكلات، إلا أنه اضطر في يوم من الأيام تهديد معلم صفوف الدمج بتقديم شكوى عليه في الوزارة، بسبب عدم تحمله تصرفات أحمد على الرغم من أنه يتقاضى راتبا يفوق رواتب معلمي صفوف غير ذوي الإعاقة مقابل تحمله تصرفاتهم.



تفوق أحمد دراسيا وحصل على عديد من شهادات التقدير، ومع ذلك لم تهدأ الاتصالات الصادرة من المدرسة طوال ست سنوات, تطالب والديه بنقله من المدرسة، حتى وصل الأب إلى مرحلة أصبح يخرج من عمله ويذهب إلى المدرسة ليبقى في الممرات أمام فصل ابنه،وذلك لأن والده يتبع معه أسلوبا خاصا في التربية وتعديل السلوك، وأصبح أحمد يميل إلى الهدوء بشكل كبير حتى أن معلميه أصبحوا يطلبون منه الحضور يوميا حتى تنضبط حركته.


رسوماته دلتهم على طالب يضربه


تقول الأم إن أحمد كان مسالما جدا، وعلى الرغم من ذلك يتعرض للأذى والضرب من بعض زملائه في المدرسة وكان يعبر عن هذه المعاناة من خلال رسومات يبدأ برسمها عند وصوله إلى المنزل


وفي يوم من الأيام دخلت عليه في غرفته ووجدته يرسم شخصا ممتلئ البنية، وعندما سألته عن هذا الشخص ذكر لي أنه ضربه في ذلك اليوم، وحينما علم الوالد بهذا الأمر، أخذ هذه الرسمة وذهب بها إلى المدرسة، وطلب من المدير معاقبة هذا الولد وتأنيبه، لكن المدير والمعلم رفضا تدخل أبي أحمد في الشؤون الإدارية، لكن والده لم يلتفت لحديثهم وبدأ يبحث في الفصول الدراسية عن الشخص الذي رسمه ابنه، وبالفعل وجده وأنبه وطلب منه عدم الرجوع إلى إيذاء ابنه.


الانضباط السلوكي في المتوسطة

حينما وصل أحمد إلى المرحلة المتوسطة بدأ سلوكه ينضبط وبشكل ملحوظ، تقول والدته

وبعد



«بدأ والده بتدريبه على الصوم والذهاب إلى المسجد بانتظام واحترام وجوده فيه، مران استمر وقتا قصيرا، أصبح بعد ذلك لا يفوته فرض في المسجد، وبات أفضل من إخوته في هذا الأمر ويشعر بفرحة لقرب قدوم شهر رمضان، كما دربناه على احترام وتقدير من حوله وأن يعرف بنفسه دائما قبل أن يدخل إلى أي مجلس فيه نساء»، مشيرة إلى أنها كانت دائما تدعو الله أن يستطيع ابنها الالتزام بكل واجباته الدينية.



كان أحمد يحب كثيرا أن يعرف كل تفاصيل يومه وكان يسأل أمه بداية كل يوم عن جدول العائلة اليومي، وعن برنامجه بشكل خاص، ويتضجر كثيرا عندما يحدث شيء يفاجئه دون أن يكون لديه خبر.


تخصص قد يقتل طموحه


وتضيف الأم «بعد أن اجتاز المرحلة الثانوية بنسبة 89.9 في المائة، تقدم أحمد للالتحاق بالجامعة لكنها لم تقبله، والسبب أن شهادة الثانوية مكتوب عليها (إدارة التربية الخاصة)، وخوفا من إعاقة التوحد لم يستطع أن يلتحق بالجامعة، وفي تلك الأثناء تعرفت الدكتورة في كلية الطب في الجامعة ومديرة مركز التوحد على (أحمد) من خلال خبر نشر في جريدة آنذاك».
تقول الدكتورة «تعرفت على الشاب التوحدي أحمد من خلال خبر نشر في إحدى الصحف التي أشارت إلى أنه حصل في الثانوية العامة على نسبة 89.9 في المائة ولم تقبل الجامعة انضمامه إليها، بسبب إعاقته التوحدية، فرفعت خطابا إلى مدير الجامعة،شرحت فيه حالة أحمد، فوافقت الجامعة بالفعل على قبوله في قسم الجغرافيا، لكن بعد التفكير وجدت أن هذا القسم من الممكن أن يقتل طموحه, خاصة أنه لا يتمتع بميول لتخصص الجغرافيا، وبذلك لن يستفيد منه, فكثير من الخريجين في القسم نفسه عاطلون عن العمل».
5 درجات حولته إلى «هادئ جدا»

واقترحت الدكتورة على والده أن يلحقه بدورات ودبلوم حاسب لتطويره ذاتيا،وبالفعل تكفل المركز بدفع تكاليفها، مبينة أن مركز التوحد سيوظفه بعد إنهاء دورتي الإنجليزي والتقنية اللتين يدرسهما الآن.
ولفتت مديرة مركز التوحد إلى أن الدبلوم الذي حصل عليه أحمد معتمد ، واختباراته تتميز بصعوبة ولا يتساوى مطلقا مع غيره من الدبلومات الوهمية أو غير المعتمدة، وكانت دائما تطلب من والد أحمد إحالة أي مشكلات تختص بالدراسة إليها، وبالفعل حدث تواصل بينها وبين مدير المعهد والمدربين لشرح بعض تصرفاته كتكراره كلامهم أثناء الشرح النابعة من محاولة فهم ما يقال له بتكرارالحديث.
وعندما تقدم الوالد لتسجيل ابنه في المعهد، تخوف المدربون من قبوله لكثرة حركته خوفا من أن يخرج من المعهد دون دراية منهم، لكنه عندما اجتاز الاختبار النهائي بتفوق في دورة إدخال البيانات، قرر مدير المعهد قبوله في دورة متقدمة في الشبكات وصيانة الحاسبات، وذلك لجدارته وتمتعه بدرجة ذكاء عالية.
يقول مدير المعهد عندما تقدم والد أحمد لتسجيله في المعهد توجسنا من قبوله لخوفنا من خروجه من المعهد دون دراية منا، لكن أحمد أثبت جدارته بالالتحاق بدورة (شبكات سيسكو)، مشيرا إلى أن الهدف من قبوله لم يكن ماديا مطلقا.

كان والد أحمد يحضر يوميا إلى المعهد لمدة ثمانية أشهر خلال الدورة الأولى (إدخال البيانات)، ويتنقل معه بين الصفوف الدراسية حتى يضبط حركة ابنه أثناء الشرح، لأنه كان يعاني حركة شديدة وقتها، والآن الوضع اختلف تماما، فالوالد أصبح يضع ابنه قبل بداية اليوم الدراسي في المعهد، ويأتي ليأخذه بعد انتهاء ساعات الدراسة.


يحكي مدير المعهد سبب هذا التغير عندما «طلبت من الأب توجيهي لطريقة التعامل السليمة مع أحمد، حتى نستطيع أن نتحكم في تصرفاته، وبالفعل دلني على طريقة محتواها النظر في عين أحمد أثناء الحديث معه حتى لا يتشتت انتباهه، وما إن اتبعت هذه الطريقة استطعت تغيير سلوكه 180 درجة، فأصبح شخصا هادئا تماما معتمدا على نفسه في كل أموره الحياتية خلال اليوم الدراسي».
واستطاع مدير المعهد من أن يضع خطا واضحا لتعامل المدربين مع أحمد أثناء الصفوف حتى يلتزم بالهدوء أثناء الشرح، وقال «وجهت المدربين والمدرسين في المعهد إلى تحفيز أحمد بخمس درجات مقابل التزامه بالهدوء وعدم الحركة، حيث إن حركته كانت تلفت انتباه زملائه الذين يعتقدون أنها حركات مفتعلة لإضحاكهم، وبالفعل نجحت هذه الطريقة وأصبح هادئا جدا، ومتابعا لكل تفاصيل الدرس، حتى أن كراسة الملاحظات الخاصة به أصبحت تلفت انتباه المعلمين لعدم نسيانه أي تفاصيل دراسية تذكر في الصف.
وأشار إلى أن حركاته أصبحت تميل كثيرا إلى حركات الأشخاص غير ذوي الإعاقة ، فعلى سبيل المثال أصبح أحمد يتصل بوالده فور انتهاء الدروس ليأتي ويأخذه، مؤكدا مراقبته الدائمة لتصرفاته عن طريق كاميرات المراقبة الموجودة في غرفة الإدارة.

تعود الأم لتقول «على الرغم من صعوبة ما واجهتنا من عقبات ومشكلات منذ طفولة أحمد حتى وصل إلى مرحلة الشباب حاليا، إلا أن الفضل بعد الله يعود إلى والده الذي كان له دور كبير في تهذيب سلوكه، وكسر حاجز الخوف لديه تجاه كثير من الأشياء، فقد كان أحمد يخاف كثيرا السباحة لكن والده كسر ذلك الخوف عن طريق سحبه بشكل مفاجئ إلى المسبح،حتى أنه الآن أصبح يعشق السباحة، ويسأل عما إن كان هناك مسبح في الاستراحات التي نذهب إليها نهاية الأسبوع.
وأكدت أم أحمد أن مديرة مدرسة الروضة والأخصائي الأمريكي أضاءا لهما الطريق، ولهما دور كبير فيما وصل إليه أحمد من التفوق، كما لم تنس دور الدكتورة الفاعل في إلحاق أحمد بالمعهد وتلقيه وعدا منها بتوظيفه حال انتهائه من دورتي الحاسب والإنجليزي.
قصة نجاح ملؤها الإرادة والتصميم أسأل الله أن نأخذ العبرة منها


تحياتي
 
التعديل الأخير:
رد: التوحدي ينتصر بالإرادة والتصميم !

ماشاء الله قصة رائعة خلفها اب واع وام واعية فالوالدان هم الاساس في شفاء وتقدم ابنائهم
 
رد: التوحدي ينتصر بالإرادة والتصميم !

فعلا اخي قصة جميلة وفيها من المعاني الكثير لكي يستفاد منها
طبت وطاب قلمك اخي وحبيبي (ابو العبد) على كل مواضيعك الراقيه
 
رد: التوحدي ينتصر بالإرادة والتصميم !

ماشاء الله قصة رائعة خلفها اب واع وام واعية فالوالدان هم الاساس في شفاء وتقدم ابنائهم
الأخت العزيزة " أم ريمووو " إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز إن يكون عندنا عائلة عربية مثل عائلة أبو أحمد يتحلى أفرادها بالإيمان والصبر والمثابرة في البحث عن حلول للمشاكل التي تواجههم وعدم الاستسلام للأمر الواقع والبكاء على القدر .
فكل الاحترام لمثل هذا الأب والاحترام الأكثر - في رأيي - للأم المتعلمة صاحبة الإرادة الحديدية وطبعاً الاحترام والتقدير لأحمد الذي اجتاز كل هذه المحن ولكنه بفضل الله حقق الأمل .

أتمنى من الله لهم كل التوفيق وأسأل الله أن يعين كل أسرة لديها ابن أو ابنة في التغلب على الصعوبات وتحقيق الأمل قدر المستطاع فعلينا أن نتفاعل مع المعطيات بموضوعية وأن نتخذ القرارات الصائبة باستشارة أهل الخبرة والتخصص الثقات والأكفياء .
تحياتي
 
رد: التوحدي ينتصر بالإرادة والتصميم !

فعلا اخي قصة جميلة وفيها من المعاني الكثير لكي يستفاد منها


طبت وطاب قلمك اخي وحبيبي (ابو العبد) على كل مواضيعك الراقيه

أخي العزيز " ابن السلاطين " إني أحبك في الله
أسأل الله أن يكون في مثل هذه القصص الواقعية حافزاً ومؤنساً لمن يمر بتجارب مشابهة فعسى أن نستفيد ونتعلم من قصة نجاح هذه الأسرة .
تحياتي للصديق والحبيب ابن السلاطين
وتحياتي للجميع
 

عودة
أعلى