التصفح للزوار محدود

مغـــزى الحـــياة !

مهتمة

التميز

مغزى الحياة
د.راغب السرجانى



tumblr_lvl6unBpbR1r2f0pg.png





تدبرت كثيرًا في مسألة قيام الأمم
فلاحظت أمرًا عجيبًا!






وهو أن فترة الإعداد تكون طويلة جدًّا
قد تبلغ عشرات السنين


بينما تقصر فترة التمكين حتى لا تكاد أحيانًا
تتجاوز عدة سنوات!!








فعلى سبيل المثال/
بذل المسلمون جهدًا خارقًا لمدة تجاوزت ثمانين سنة
وذلك لإعداد جيش يواجه الصليبيين في فلسطين


وانتصر المسلمون في حطين
بل حرروا القدس وعددًا كبيرًا من المدن المحتلة


وبلغ المسلمون درجة التمكين في دولة كبيرة موحدة
ولكن - ويا للعجب-
لم يستمر هذا التمكين إلا ست سنوات

ثم انفرط العقد بوفاة صلاح الدي
وتفتتت الدولة الكبيرة بين أبنائه وإخوانه!




وكنت أتعجب لذلك حتى أدركت السُّنَّة
وفهمت المغزى.





إن المغزى الحقيقي لوجودنا في الحياة
ليس التمكين في الأرض وقيادة العالم

وإن كان هذا أحد المطالب
التي يجب على المسلم أن يسعى لتحقيقها

ولكن المغزى الحقيقي لوجودنا هو
عـــــــــــــبادة الله

قال تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"






وحيث إننا نكون أقرب إلى العبادة الصحيحة لله
في زمن الفتن والشدائد
أكثر بكثير من زمن النصر والتمكين


فإن الله - من رحمته بنا-
يطيل علينا زمن الابتلاء والأزمات
حتى نظل قريبين منه فننجو


ولكن عندما نُمكَّن في الأرض
ننسى العبادة، ونفتن بالدنيا
ونحو ذلك من أمراض التمكين..


قال تعالى: "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ
بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا
جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ

مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا

مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ*
فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ
فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ
مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ
فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"




ولا يخفى على العقلاء
أن المقصود بالعبادة هنا
ليس الصلاة والصوم فقط

إنما هو في الحقيقة
منهج حياة..

إن العبادة المقصودة هي ..
أن تكون حيث أمرك الله أن تكون
وأن تعيش كيفما أراد الله لك أن تعيش
وأن تحب في الله .. وأن تبغض في الله
وأن تصل لله .. وأن تقطع لله..


إنها حالة إيمانية راقية
تتهاوى فيها قيمة الدنيا


حتى تصير أقل من قطرة في يمٍّ
وأحقر من جناح بعوضة.




كم من البشر يصل إلى هذه الحالة الباهرة
في زمان التمكين؟!!






إنهم قليلون
قليلون جدا!





ألم يقل لنا رسولنا وهو يحذرنا :


" فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ
وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ
كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ "؟!




إن المريض قريب من الله غالب وقته
والذي فقد ولده يناجي الله كثيرًا
والذي غُيِّب في سجن، والذي طُرد من بيته
والذي ظُلم من جبار
والذي عاش في زمان الاستضعاف






كل هؤلاء قريبون من الله..




فإذا وصلوا إلى مرادهم
ورُفع الظلم من على كواهلهم






نسوا الله !





إلا من رحم الله
وقليل ما هم..





هل معنى هذا
أن نسعى إلى
الضعف والفقر والمرض والموت؟





أبـــــــــــــــــــــــــدًا
إن هذا ليس هو المراد..






إنما أُمرنا بإعداد القوة، وطلب الغنى
والتداوي من المرض، والحفاظ على الحياة..






ولكن المــــــــــــــــــــــــــراد
هو أن نفهم مغزى الحياة..







إنه العبادة
ثم العبادة
ثم العبادة.







ومن هنا
فإنه لا معنى للقنوط في زمان الاستضعاف
ولا معنى لفقد الأمل عند غياب التمكين
ولا معنى للحزن عند الفقر أو المرض..












إننا في هذه الظروف
- مع أن الله طلب منا أن نسعى إلى رفعها-






نكون أقدر على العبادة
وأطوع لله وأرجى له







وإننا في عكسها

نكون أضعف في العبادة وأبعد من الله..




إننا لا نسعى إليها
ولكننا "نرضى" بها..





إننا لا نطلبها، لكننا "نصبر" عليها.





وتدبروا معي إخواني وأخواتي
في حركة التاريخ..





كم سنة عاش نوح -عليه السلام- يدعو
إلى الله ويتعب ويصبر
وكم سنة عاش بعد الطوفان والتمكين؟!







أين قصة هود أو صالح أو شعيب أو لوط
-عليهم السلام- بعد التمكين ؟!







إننا لا نعرف من قصتهم إلا تكذيب الأقوام


ومعاناة المؤمنين ثم نصر سريع خاطف
ونهاية تبدو مفاجئة لنا.






لماذا عاش رسولنا صلى الله عليه وسلم
إحدى وعشرين سنة يُعِدُّ للفتح والتمكين






ثم لم يعش في تمكينه
إلا عامين أو أكثر قليلاً؟!



والآن بعد أن فقهت المغزى



لعلك عرفت لماذا قُتل عماد الدين زنكي
بعد أقل من عامين من فتح الرُّها




وكذلك لماذا قُتل قطز بعد أقل من سنة
من نصره الخالد على التتار في عين جالوت


وكذلك لماذا قُتل ألب أرسلان
بعد أقل من عامين من انتصار ملاذكرد التاريخي


ولماذا لم "يستمتع" صلاح الدين
بثمرة انتصاره في حطين إلا أقل من سنة
ثم سقطت عكا مرة أخرى في يد الصليبيين.





إن هذه مشاهدات لا حصر لها
كلها تشيـــــــــــــــــــــــــــــر إلى


أن الله أراد لهؤلاء "العابدين"


أن يختموا حياتهم وهم في أعلى صور العبادة
قبل أن يصابوا بأمراض التمكين.




إنهم كانوا "يعبدون" الله حقًّا
في زمن الإعداد والشدة


"فكافأهم" ربُّنا بالرحيل عن الدنيا
قبل الفتنة بزينتها.




ولا بد أن سائلاً سيسأل:



أليس في التاريخ ملك صالح عاش طويلاً
ولم يُفتن؟!


أقول لك: نعـــــــــــــــم
ولكنهم قليلون أكاد أحصيهم لندرتهم!


فلا نجد في معشر الأنبياء إلا
داود وسليمان عليهما السلام


وأما يوسف -عليه السلام-
فقصته دامية مؤلمة من أوَّلها إلى قبيل آخرها
ولا نعلم عن تمكينه إلا قليل القليل.



وأما الزعماء والملوك والقادة
فلعلك لا تجد منهم إلا حفنة
لا تتجاوز أصابع اليدين

كهارون الرشيد و عبد الرحمن الناصر
وملكشاه وقلة معهم..




إنني بعد أن فهمت هذا المغزى
أدركت التفسير الحقيقي لكثيرٍ من المواقف
المذهلة في التاريخ..


أدركت لماذا حمل عثمان بن عفان وحده
همَّ تجهيز جيش العسرة
دون أن يطلب من الآخرين حمل مسئولياتهم

وأدركت لماذا تنازل خالد بن الوليد
عن إمارة جيش منتصر


وأدركت لماذا لم يسعد أبو عبيدة بن الجراح
بولايته على إقليم ضخم كالشام


وأدركت لماذا حزن طلحة بن عبيد الله
عندما جاءه سبعمائة ألف درهم في ليلة


وأدركت لماذا تحول حزنه إلى فرح
عندما "تخلَّص" من هذه الدنيا
بتوزيعها على الفقراء في نفس الليلة !!







أدركت
لماذا صار جيل الصحابة خير الناس



إن هذا لم يكن فقط
لأنهم عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم




بل لأنهم هم أفضل من فقه
مغزى الحياة


أو قل: هم
أفضل من "عَبَدَ" الله

ولذلك حرصوا بصدق
على البعد عن الدنيا والمال والإمارة والسلطان



ولذلك لا ترى في حياتهم
تعاسة عندما يمرضون
ولا كآبة عندما يُعذَّبون
ولا يأسًا عندما يُضطهدون
ولا ندمًا عندما يفتقرون..


إن هذه كلها " فُرَص عبادة"
يُسِّرت لهم فاغتنموها



فصاروا بذلك خير الناس.


إنني أتوجه بهذا المقال
إلى أولئك الذين يعتقدون أنهم من "البائسين"
الذين حُرموا مالاً أو حُكمًا أو أمنًا أو صحة أو حبيبًا..




إنني أقول لهم:
أبشــــــــــــــــــــــــــــــــــروا



فقد هيأ الله لكم "فرصة عبادة"!
فاغتنمـــــــــــــــــــــــوها



قبل أن يُرفع البلاء وتأتي العافية
فتنسى الله
وليس لك أن تنساه..




قال تعالى: " وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ
دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا
إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ
كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "






image15876.html





تمّ المقال بفضل الله
أثاب ربي من صاغه ووعاه
ونفع بمبارك وقفاته ومافيه
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

مقال معبر جداً وفي حيثياته ينشر الأمل وقبول م آل للنفس
من مصائب وآلآم وإعاقات بكافة أنواعها وأشكالها
وكذلك الرضى بما كتبه الله لنا !!
وليس مغزى معنى الحياة بأنها مؤلمة وقاسية
في ظل أستمراريتها بأن نأتي على وجه الدنيا
ونحن نبكي .

مقال رائع ,, شكراً لكِ الفاضلة مهتمة
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

تذكر دائما ان الشتاء هو بداية الصيف
والظلام هو بداية النهار
والامل هو بداية كل شئ فى الدنيا بما فيها السعادة
عيش كل لحظه كأنها اخر لحظه فى حياتك
عيش بالايمان عيش بالامل
عيش بالحب وقدر قيمة الحياة د/ابراهيم الفقي رحمه الله



شكرا مهتمة على الموضوع الرائع


 
رد: مغـــزى الحـــياة !

مقال أكثر من رائع تفكرت كثيرا بما احتواه من
معاني جميلة وتبسيط لمنهج الحياة ووجدت
فيه مااراح قلبي عن تساؤلات
لطالما جالت في خاطري

نسأل الله أن يجعلنا ممن يفقه مغزى الحياة
وأن يجلنا من عباده الصالحين

بارك الله في شيخنا السرجاني
وجزاك الله عنا ألف خير على طيب ماانتقيتي لنا
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

تأسرينا دوما بجمال كلماتك و روعة طرحها ..

مضمون رائع و موفق ..

نسأل الله لنا و لكم الهدايه و الثبات ..

موفقه يارب ..

روح..
 
رد: مغـــزى الحـــياة !


فتح ربي لك
والحمدلله أن وصلك
كما أردت أن يصـــل


في حيثياته ينشر الأمل



دمت أخًا كريم
تصوغ أحرفك الأمل
تنتقيهِ وتنقيه من أي ألم

كل الشكر
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

حياكِ الله مذهلة
تسرني دوما أحرفك

اهلا وسهلا
 
التعديل الأخير:
رد: مغـــزى الحـــياة !


نسأل الله أن يجعلنا ممن يفقه مغزى الحياة
وأن يجلنا من عباده الصالحين



أسأل الله لكِ الأكثر
وكل خير

لاعدمنا تواجدك
وطيب جهدك
الطيبة صمت الليالي

أنست بك
يسر ربي إتصالاتك وأمرك
جدا أشكرك
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

اهلا بعروسنا روح
جنبك ربي الجروح

نشتاقك روحك الصافية الحلوة
فلا تغيبــي

سرني تواجدك
أشكرك
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

نعم غاليتي
ذاك هو مغزى الحياة
ان جُبلت على كدر وخلق الإنسان في كبد
والانتصار الحقيقي والسعادة
هي الصبر على الشدائد وإحتسابها عند الله
فكل شيء عنده بمقدار
ولو انها صفت لاحد لكان الاحق والاجدر بصفائها
صفوة الخلق الانبياء والصالحون
بارك الله فيك وفي انتفاك البلسم
من القلب اشكرك ياغالية .
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

إنما أُمرنا بإعداد القوة، وطلب الغنى
والتداوي من المرض، والحفاظ على الحياة..






ولكن المــــــــــــــــــــــــــراد
هو أن نفهم مغزى الحياة..







إنه العبادة
ثم العبادة
ثم العبادة.




المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف

سلمت يدكِ على حسن الانتقاء
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

اللهم أحييها نقية بهية
وهون عليها كل شدة

اهلا بالنقاء كله
بقدر النقاء فيك أشكرك

يعني
شكرا لاينتهي ولايحد
صافي الود
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

أحب مشاركاتك وتواجدك
وكلك

اهلا بك بنت النيل

شد ربي متننا ومتنك
وقوى عزمنا وعزمك
أشكرك
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

1331293718161.gif



( ليس دومـًا
يبـتـــــلى الإنـسـان
لـيـعــــذب !

وإنمـا
يُـبـتـلى لـيـهـــذب )









 
رد: مغـــزى الحـــياة !

مقال رائع
وذو مضمون قيم وراقي
مشكوورة مهتمة على الموضوع
 
رد: مغـــزى الحـــياة !

شكرا على الحضور والقراءة
عزيزتي شروق

حياكِ الله
 

عودة
أعلى