التصفح للزوار محدود

مقال رائع يُبكي القلوب !

فاطمة سعد

Well-known member
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبكيتني يا ناجي!!! وأحييتَ ما مات في قلبي

نجيب الزامل

ليس من عادتي نشر رسائل قرائي، خصوصا إذا كان فيها ثناءٌ شديد، ولكن هذه الرسالة بالذات قد تكون أهم رسالة تلقيتها في حياتي الكتابية، وربما ستبقى أهم رسالة، أسلوبها رائقٌ ورصين ومتقن، وفيها من حكمة الكبار، وخبرة من صارع الزمن وصارعه، ومجابهة أسطورية لليأس وهو يرى حياته تتسرب كما يتسرب الماءُ من قبضة اليد، ولا يرى إلا أنوارا تفيض حوله وكأنه أكمل مهمته في الحياة، ولما أراد أن يسجلها ليقول للدنيا إنه كان هنا، وإن له قصة تكتب بمآقي البصر لتكون عبرة لمن اعتبر، اختارني أنا. لم أغير كلمة واحدة إلا ما حذفت، وأعتبر ثناءه لي، وتركته كما كتبه فخورا مغتبطا، تتويجا لكل ما كتبتُ حتى الآن.. ولا أريد أكثر من ذلك. أترككم مع رسالة من رسائل العمر:

'الأستاذ الفاضل، وأحب أن أناديك بعمّي نجيب الزامل، أنا اسمي ناجي محمد من الرياض، عمري ثمانية عشر عاماً، وأنا معاق، ومصاب بمرض سرطان الدم، واخترت أن أكتب رسالة حياتي، ولكن احترت لمن؟ من يمكن أن أرسل له تلك الرسالة التي أعطيه فيها رحيق حياتي التي تذوي في بداياتها.. من غيرك؟
لا تدري كم تبعث كلماتك فيّ الحياة من جديد، ولا تدري كيف أنك تكتب بقلمك الذهبي على روحي مباشرةً، وبلا أي حائل، وكيف تعينني كل يومٍ على مواجهة زمني الرديء بمجرد القراءة لك، ومن بعيد تحيي كل ما يذوي في دنياي من ورود. كل ما فيك رائع بحق .. مقالاتك رائعة، آراؤك رائعة، أفكارك رائعة، وثقافتك رائعة .. وقد كان واحداً من أهم أحلامي هو التشرّف بلقائك، إلا أن لساني الكليل منعني من طلب ذلك .. فإنني لا أستطيع أن أراكَ إلا يوماً أقدر على أن أقول لك فيه: شكراً يا أستاذي لأنك عظيم ! هل تسمح لي أن أقبّل يدك؟ ولعل ذلك اليوم يكون في حياةٍ غير التي نعيشها الآن يا عمّي نجيب !

كنتَ لأمدٍ طويلٍ كاتبي المفضّل، ذلك لأنك تُحيل الكلمات بين يديك تبراً، ولأنك يا عمّي كاتبٌ طبيب ، معنيٌّ بأمر جروح الوطن وأبنائه، أنتَ كاتبٌ مَجيدٌ .. ومُجيد، ولذلك أحبك، وقد عزمت في هذا الشهر ، لما دخلتُ مرحلتي الأخيرة من مرضي العضال ، اللوكيميا، أن أبث كل الشجون لك .. ولا أبقي في قلبي ولا جهازي شيئا،ً ولما كانت رسالتي تلك تحوي الكثير ، أردت اختصارها .. فأعدتُ كتابتها من جديد، فهل تعذرني يا عمّي نجيب؟ كنت أريد إخبارك بالكثير..

أحكي لك قضيتي التي حاربتُ من أجلها طويلاً في المنتديات الإلكترونية، المكان الوحيد الذي يسعني فيه أن أحارب، فصوتي لا يصل، أنا أخرس. وعزمت على نقل صوتي لك يا عمّي نجيب .. أوقن أنه سـيُسمع بلسانك، وهي آخر محاولة لي، كي لا أموت، فتموت بموتي القضية ..

ولدتُ إنساناً طبيعياً صحيحاً، وكانت لي آمال واسعة وطموحات عريضة، وأحلام بمستقبل مشرق.. حتى ذلك اليوم الذي أصبت فيه بحادث سير رهيب، قبل أربع سنوات .. تركني أخرس، ومشلولاً شللاً نصفياً .. والحمد لله الذي وهبني بفضل منه ورحمة عمراً جديداً، فقد كنت أنازع الموت، وأراه قاب قوسين أو أدنى .. إلا أن الله شاء لي أن أعيش، وله الشكر ما حييت.

عدتُ لإكمال دراستي، وكنتُ في بداية مرحلتي الثانوية، وما زال حلمي القديم الذي يراودني منذ طفولتي، في أن أكون محامياً شهماً يحدو عزمي وأملي في ذلك الطريق الشائك الوعر. يحتاج المحامي لساناً قوياً، وأعلم أنني لا أملك ذلك .. إلا أنه طموحي الأزلي، ورغماً عني، تركتُ حلمي الأول.

وأصررتُ أن أكون طالباً في مدرسة خاصة عالية المستوى للأصحاء، لأنني لا أعتقد أنني أقل منهم، ولأن قلمي كان يعمل في أوراقي طوال الوقت، وهكذا أستطيع التفاهم مع الجميع بلا مشكلة .. رفضت أن أعتزل الناس، وخرجت للعالم محاولاً أن أكون ناجي الذي يحب حضور المحاضرات والندوات الثقافية، ناجي الذي يهوى الأمسيات الشعرية، ناجي الذي يعشق معارض الفنون، وناجي الذي يرغب في أن يتعرف على أصحاب جدد.

مع كل رضاي بهذا القضاء، وإيماني بأن الله تعالى لا يكتب لعباده إلا ما هو صالح لهم، إلا أن الإحساس بالعجز يا عمّي نجيب يكون أمراً مؤلماً وجارحاً أحيانا .. وناهشاً في اللحم، ناخراً في العظام، في أحيان أخرى، ولا سيما أن الأجواء المحيطة لم تزد على كونها أجواء محبطة ..تخرجتُ في الثانوية العامة أخيرا بمعدل 99.3 في المائة، واعتقدتُ أنها نسبة جيدة تتيح لي مجالاً واسعاً لأن أختار بنفسي ما أريد دراسته من تخصص، إلا أنني فوجئتُ بأن الجامعات في بلدي تستثني المعاقين من قائمة المستحقين للانتساب لها بأسباب أو بأخرى .. وكأنما هو فرض علينا أن نعيش أسراً أبدياً في إعاقة أجسادنا .. ثم نموت رهن القيود !

عملتُ حتى فترة قريبة في الرسم وبيع لوحاتي وإن كنتُ أتمزق في داخلي، فبيع اللوحات عندي هو أشبه ببيع الأبناء .. لكنني مضطرٌ لذلك، سعياً وراء مصدر الدخل المنشود، فقد أصبحتُ رجلاً .. وحرامٌ علي أن أكون عالةً على أحد ..مجتمعي يعاملني وكأنني عالة عليه، فهل من الأفضل لنا أن نموت يا عمّي نجيب، فـنريح الأصحاء من همّنا؟ هل أننا نزاحم الأصحاء بكراسينا المتحركة في هذه المساحة الضيقة؟ فهل تستحق منكَ هذه القضية وقفة؟ إنها غصة في حلقي، لعل بالبوح بها تفيد غيري من الذين ما زالوا يعانون .. أما أنا فارتحالي قريب. أحبك يا عمّي نجيب .. وكفى
أخيرا: أسألك الدعاء، وتبرئة الذمة ..'.

رحمك الله يا ناجي .. اللهم اسكنه فسيح جناتك وعوضه بالجنة ان شاء الله

نجيب الزامل - 04/10/1428هـ
.. أستأذنكم اليوم لمطالعة مقتطفات من بعض رسائل الطيبين في كل مكان، عن الراحل البطل الصغير ناجي محمد الأحمد، العبقري والشاعر والرسام المقعد والعاجز عن الكلام، الذي بقي صامدا وهو يباري الموتَ عيناً بعين.. رحل وهو لمّا يغلق الثامنة عشر ربيعا.

* من سارة تميم، وهي القارئة التي وصلني منها أول خبر عن وفاة ناجي، ثم انهالت الرسائل:' أرجو أن تنفذ وعدك لحبيبنا ناجي، وأن تساهم في إقامة مجتمع يحترم من أراد الله لهم عجزا جسديا، وليت نسميها بخطة ناجي..'.

* ومن الدكتورة ثريا العريض:'رحم الله ناجي.. الله يختار الصلاح دائما ولعل ناجي يعلمنا وهو يشرح معاناته، الشعور بالإنسانية التي كاد عالمنا المشغول بالأصحاء ينسى أنها تشمل الضعاف والمحتاجين والمعاقين أيضا. شكرا يا نجيب أنك دائما تهزنا بما توصل إلينا من أحوال الآخرين فتوقظنا من غفوة السهو والانشغال بالذات..'.

* ومن الكاتب نبيل المعجل:' فضحت رياءنا يا نجيب، عرّيتنا على الآخر، كشفت ضعفنا أمام القوي ناجي - رحمة الله عليه.. لماذا لا يكون لدينا كثير من نجيب يملك الكثير من النجابة والشهامة لتسليط الضوء على هؤلاء المساكين. كم أحبك يا نجيب.. أقولها صادقا صدوقا'.

* ومن الأستاذة رنا البلوي'.. نعم ندموا يا ناجي .. ولكن بعد فوات الأوان.. رنوت إلى عناق؟؟ لا تحزن، ها هو يعانقك ويحررك سيد الأزمان..'.

* ومن نعمة نوّاب:' إن تميزك في الوصول لقلوب الناس صار يعطي أُكـُلـَه. وهذا سيقود مجتمعنا لبذل مزيد من العناية والاهتمام بإخواننا وأخواتنا أصحاب العجز البدني كي يشعروا بجودة الحياة وتوفير المعيشة الكريمة لهم وتوظيف قدراتهم.'(.. ونضّدت قصيدة بالإنجليزية عميقة التأثر والتأثير بعنوان:'إلى ناجي ونجيب').

* ومن الدكتور عبد الله سليمان العمرو، المدير التنفيذي العام لمدينة الملك فهد الطبية في الرياض، ورئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان: 'السرطانُ لم يحترم السن ولا الجنس ولم ينجُ منه 'ناجي'، ولم يترك لأمل أملا. أتمنى أن نلتقي يوما حتى أشركك ما أعرف عن هذا المرض، وأن نكون سويا السند لمن أفقدتهم المعاناة القدرة على إيصال أصواتهم'.

* ومن الدكتور خالد الكاف، رئيس شركة (موبايلي): ' قصة ناجي جعلتني أشعر أن طاقة الإنسان لا حدود لها, فناجي ضعيف جسدياً لكنه يملك روحاً مشرقة وهمة عالية تدفعه لتجاوز حدود الإعاقة والمرض، ليثبت لنا أن الإعاقة الحقيقية هي ما يوجد بداخلنا من الأوهام. فهو يتواصل مع الآخرين يكتب ويرسم ويبيع... وأدار وقاد دفة الأمور وهو لم يخرج من كرسيه المتحرك قيد أنملة. بالفعل ناجي يملك روح القيادة بحذافيرها وترجمها من خلال صرخات الإنجاز المتتالية إلى احترام وتقدير وريادة أجبرت الكثير من الأصحاء على الانحناء تقديرا لها.. قصة ناجي في انتظار مبادرة من أحد ما؟ ونحن هنا في (موبايلي) نستطيع أخذ زمام المبادرة واحتواء مثل هذه الطاقات المهدرة التي تنظر إلى الأفق بهدف سام ومعان حلوة. وكم هو جميل أن نراهم من حولنا ينتجون ويديرون ويبدعون ويساهمون في تسيير دفة سفينة 'موبايلي'. إنها رسالة عظيمة أهديت إلينا مجانا من ناجي عبر أستاذنا نجيب الزامل..'.

* ومن الأستاذ الفاضل صالح بن حنيتم: 'عندما نتفاعل بصدق مع ما يُكتب على صفحات الجرائد, فهذه دلالة على صدق الكاتب ونبله أيضا.. أبكيتنا عندما كتبت عن 'ناجي'، وتبللت مآقينا بالتفاعل الإيجابي من أهل الخير من داخل البلاد وخارجها, رجالا ونساء. الحمد الله النفوس الطيبة كثيرة وكبيرة، ولكن تحتاج من يسبر أغوارها ويعرف مكامن القوة بداخلها وهذا من اختصاص الكبار من أمثال كاتبنا نجيب..'.

* وبإنجليزية أدبية يكتب السيد سليمان أبو الهليل من جدة: 'موت ناجي أعاد خيرَ الحياة لأنفسٍ لم تكن لتكترث أو تهتم بمعاناة الآخرين. إن ناجي لم ينجُ من المرض العضال، إلا أن إرثه باق لنا وسيحيا معنا مع ملحمة معاناته وحكمته. إن الأثر الخيِّر الذي تركه في نفوسنا يتعاظم مع رحيله بشكل لم نتخيل أنه سيكون مستطاعا في يوم من الأيام. وناجي سيكون مدرسة يدخل الناس، بمن فيهم أنا، أفواجا.. ووعدي لناجي، ما دام بي نفـَسٌ يتردد، أن أكون أكثر حبا وتعاطفا وسندا وعونا لرفقاء رحلتي في هذه الحياة..'.​

*ومن عائشة العتيبي: 'ناجي ليس معاقا يا أستاذ نجيب بل مجتمعنا هو المُعيق!'.

* ومن الشاعر أحمد صبحي: 'علمتنا يا ناجي درس الحياة.. وذهبت'.

* ومن الأديبة روان الخالدي: 'تمنيتُ أن يكون ناجي لي أخا ومعلما..أردت أن أسأله عن أشياء لم يكن ليفهمها غيره، لمسته عطرا للأرض..أشعر كأن روحه تحيط بي تلفُ الكون وتأتيني.. أضاء ورحل.. وترك قلوباً حرّى. كلما وجهتُ نظري إلى السماء أراهُ باسم الثغر، والله لن ننساك يا ناجي..وستظل قبلة للنور'.

* ورسالة مؤثرة من الدكتورة.. ( طلبت ألا أكشف اسمها):' مرَّ علي ناجي، ولم أتذكره إلا لما قرأتُ أنه رسامٌ وشاعر. لما غادر المستشفى ترك في محطة الممرضات رسما لي مع قصيدة باسمي.. وضحكتُ ولم أقرأ الرسالة وقلت لنفسي يا له من طفل.. بعد مقالك رحت أجري لغرفتي ونبشت أدراجي وقرأت ما كتب ذاك العبقريّ الصغير .. وقرأتُ، ثم انهرتُ أبكي.. وأبكي..'.

ادعو لناجي، ولنعتبر
وهذه أحد روائع ناجي

في قصيدةٍ عنوانها ( معاق )


يقول ناجي: 'كتبتُ هذه القصيدة مواساة لقلبي الحزين بعد أن تم طردي من العمل..'
لا تبتئسْ قلبي ..
فـما ضرّوكَ إذ قالوا 'مُعاقْ'
يوماً سَـتُبهرُ كلَّ هاتيكَ العقولْ ..
سَـتفيضُ كلُّ قلوبهم بـِدمِ العَجَبْ ..
وسَـُيخبرونَ عن اثنتين،
- يتحسرونَ عليهما - :
'ناجي' و'أمجادُ العَرَبْ' !
وبُعيدَ أيامِ الجفاءْ ..
يوماً، سَـيدعوكَ الزمانُ إلى عِناقْ ..
لا تكتئبْ قلبي ..
عهداً ، سـَأدعو - صامداً - كلَّ الخيولْ ..
وأقولُ : 'حيَّ على السِبَاقْ..!'
سَـأقولها ..
كُن واثقاً: سـَيفوزُ خيلـُكَ بالسباقْ ..
وسـَيعجبونَ لـِفعلِ جبَّارٍ عظيمْ ..
وسَـيندمونَ لـِقولهم عنكَ:'المُعاقْ'



منقول
 
رد: مقال رائع يُبكي القلوب !

لتستقبل السماء روحا أبت إلا أن تنجو من سجن الإعاقة
أبت إلا أن تُسمع صوتها إلى الغافلين المتجاهلين
غُصَّةٌ سكنت حلقه ففجرها ناجي وصيةً لمن رآه أمينا عليها
إلى متى نبكي العظماء بعد فوات الأوان؟
ألم يإن للراقدين أن يستيقظوا؟
رحم الله ناجي وأسكنه فسيح جناته
وجعل كلماته الصادقة رسالة تصل إلى كل الأنام

أخيتي... جلبتِ مقالا تذرف له القلوب قبل العيون
لعله أن يحيي فينا عزيمة تحضر وتغيب
وكما قال ناجي 'حيَّ على السِبَاقْ..!'


 
رد: مقال رائع يُبكي القلوب !

رحم الله ناجي وأسكنه الجنه بغير حساب

هو وكل موتى المسلمين


أعجبتني القصه


بارك الله فيكي


فعلا قصه مؤثره
 
رد: مقال رائع يُبكي القلوب !

رحم الله ناجي وأسكنه الجنه
قصته جدا مؤثرة
بارك الله فيك
 
رد: مقال رائع يُبكي القلوب !

ماهم الا معلمون

ومانحن الا تلاميذ

نسأل الله لنا النجاح

ونسأل لهم الأجر

رحمك الله ياناجي
 

عودة
أعلى