موضوع سياسي... عبدالله خليفة الشايجي

فارس عمر

مشرف منتدى القصص والرواياترياضات وإبداعـات متحدي ا
24474.jpg

عبدالله خليفة الشايجي
في عالم الاستراتيجية هناك مصطلح برز قبل عدة أعوام هو مفهوم "القوة الناعمة"، أي ما تملكه دولة ما من مزايا وصفات تجعلها مثالا يُحتذى من قبل الآخرين، وهنا يمكن الإشارة إلى الدخل المرتفع، ومستوى المعيشة المميز، والحريات، والتسامح، والإنجازات الثقافية والرياضي
13.07.2009 10:23

في عالم الاستراتيجية هناك مصطلح برز قبل عدة أعوام هو مفهوم "القوة الناعمة"، أي ما تملكه دولة ما من مزايا وصفات تجعلها مثالا يُحتذى من قبل الآخرين، وهنا يمكن الإشارة إلى الدخل المرتفع، ومستوى المعيشة المميز، والحريات، والتسامح، والإنجازات الثقافية والرياضية والصناعية والتكنولوجية مثلا. وهناك دول عديدة تجمع بين القوة الناعمة والقوة الصلبة (العسكرية) مثل الولايات المتحدة الأميركية. وفي فضائنا الإقليمي يمكن القول أيضاً إن تركيا تتمتع بقوة ناعمة ونجم صاعد، فهي صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، ووريثة إمبراطورية قديمة مازالت الذاكرة مكتنزة بوزنها واسمها ورسمها، حتى لو سُميت ذات يوم بـ "رجل أوروبا المريض". ولذا فليس خلواً من المعنى أن نرى اليوم عودتها مع "العثمانيين الجدد"، لتنافس على زعامة الشرق، بعد أن فقدت بعض حضورها، وعاشت ضغوط الوعي بهويتها بين "القبعة والطربوش"! فها هي تغزونا، مرة أخرى، بمسلسلاتها المدبلجة وموسيقاها وأغانيها، وها هي تتسوق لبضائعها ومدنها، وتصول وتجول في "ممتلكاتها" السابقة، متلمسة طريقها، واضعة رجلا واثقة هنا في الشرق، ومبقية، في المقابل، رجلا أخرى هناك في الغرب، تأكيداً لخيارها وحلمها بعضوية الاتحاد الأوروبي. وخاصة أن تركيا لطالما شكّلت جسراً حضارياً، بكل ما قد تعنيه الكلمة، بسبب موقعها الجغرافي بين الشرق والغرب، وهي الدولة التي تتمدد عبر جانبي مضيق البوسفور في قارتين، وأهم من ذلك كله أنها جسر حضاري وثقافي بين الإسلام والغرب، وما أكثر ما قدمت واشنطن والعواصم الأوروبية تركيا باعتبارها نموجاً ومثالا للإسلام المتنور والمعتدل. ولذا رأينا كيف أن أوباما خاطب المسلمين في إطلالته الأولى من أنقرة وإسطنبول، بالذات، ليعلنها واضحة وصريحة: "إن أميركا لم تكن ولن تكون في حرب مع الإسلام".

وإذا عدنا مع الزمن عقوداً إلى الوراء فقد لعبت تركيا أيضاً دوراً مهماً في الحرب الباردة، وفي الاستراتيجية الأميركية لاحتواء الاتحاد السوفييتي والشيوعية. ولذلك مُنحت عضوية مبكرة في "الناتو" وظل دورها محورياً فيه، وخاصة أنها صاحبة ثاني أكبر جيش في الحلف. وفي الحاضر، تحتل تركيا خلال العامين القادمين مقعداً في مجلس الأمن، وتلعب أدواراً نشطة في المشهد الدبلوماسي الإقليمي والدولي حيث توظف علاقاتها مع مختلف الأضداد في المنطقة بذكاء ودهاء محسوسين. فهي تتوسط بين سوريا وإسرائيل، وتعرض التوسط بين إيران وأميركا. في حين ترتبط مع إيران بعلاقات وثيقة، تدخل أيضاً بشكل متنامٍ في تحالف وشراكة لا تصفها بأنها حلف مع دول مجلس التعاون الخليجي العربية. وقد كسبت تركيا أيضاً تقدير واحترام العرب خاصة والمسلمين عامة عندما قرّع رئيس الوزراء التركي أردوغان رئيس إسرائيل بيريز، علناً وأمام الكاميرات في دافوس، على خلفية محرقة غزة وقتل الأطفال والأبرياء.

وقد علق علي باباجان، وزير خارجية تركيا السابق، على دور بلاده الإقليمي، مؤكداً أن هناك دوراً تستطيع تركيا لعبه في مواجهة مختلف الأزمات في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن المطلوب هو تعاون تركي- خليجي، مثل الدور القطري في مصالحة الأطراف اللبنانية، ولحل مشاكل المنطقة.

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي وقعت في عام 2005 اتفاقية إطار للتعاون، تشمل مشاريع تعاون اقتصادي وتجاري، ومشاريع في مجالات الأمن الغذائي والاستثمارات والسياحة، وهي الخطوة الأولى للتوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة بين الطرفين. وطبعاً هناك التعاون القائم في مجال الطاقة (النفط والغاز) وهو مجال تفتقر إليه تركيا، التي بلغت فاتورة استيرادها للنفط والغاز في عام 2007 أكثر من 35 مليار دولار. وفي سبتمبر 2008 وقعت دول مجلس التعاون أيضاً مع الجانب التركي مذكرة تفاهم استراتيجي تسعى لتفعيل، والارتقاء بالعلاقة بين الطرفين إلى مستوى استراتيجي على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، وحتى العسكرية.

وعلى هذه الخلفية أتى الاجتماع الوزاري الأول، الذي عُقد الأسبوع الماضي في إسطنبول، ليتوّج تلك الجهود بين الطرفين، ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون على مستويات متعددة بما يعود بالفائدة والربح على الجانبين. وقد أكد يوسف بن علوي الوزير العُماني المسؤول عن الشؤون الخارجية، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لدول مجلس التعاون الخليجي، أن "الاجتماع حقق الهدف الذي عُقد من أجله"، وذلك بوضع خريطة طريق مشتركة لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية بين تركيا ودول مجلس التعاون، وبالتأكيد على حرص الطرفين على التعاون من أجل تكريس الأمن والاستقرار في المنطقة. ولاشك أن الاجتماع له دلالاته ورسائله، ويرسم خريطة طريق لعلاقات استراتيجية مهمة بين "النجمين" الاقتصاديين في المنطقة. وهما من جهة دول مجلس التعاون الخليجي صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، ومن جهة ثانية تركيا صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة، والاقتصاد السابع عشر على المستوى العالمي، وقبل هذا وبعده، النجم الصاعد والطامح للعب دور استراتيجي في الفضاء الحيوي الممتد من البحر المتوسط إلى القوقاز، ومن البلقان إلى بحر قزوين، ومن بلاد الشام إلى الخليج العربي.

والراهن أن التقارب الخليجي- التركي حقق قفزات كبيرة وغير مسبوقة على مستوى التبادل التجاري، حيث تضاعف 8 مرات منذ عام 2002 ليصل إلى أكثر من 16.6 مليار دولار في العام الماضي. بينما تجاوزت الاستثمارات الخليجية في تركيا العام الماضي حاجز 10 مليارات دولار. ولذا أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو عن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا ودول المجلس عنوانها التعاون لمواجهة التحديات في المنطقة، والعمل لتكريس الاستقرار والسلام فيها، مؤكداً، في هذا المقام، أن من أولويات السياسة الخارجية التركية تكريس الاستقرار في الخليج وحفظ السلام لضمان التطور والازدهار. وكان ملفتاً أيضاً تأكيده أن ما تم التوصل إليه هو اتفاقية وشراكة وليس حلفاً موجهاً ضد أحد في المنطقة.

أما الغائب الحاضر في هذه المعادلة الاستراتيجية الإقليمية الجديدة بين دول المجلس وتركيا، بل من ينظر بارتياب وقلق إلى هذا التحالف، فهو إيران التي لا تنفك في كل مناسبة تؤكد قدرتها على حفظ أمن واستقرار المنطقة.

والحاصل، ختاماً، أن تركيا باتت تنظر شرقاً وجنوباً، حيث يستقطب هذا الأفق الإقليمي الواسع اهتمام صناع القرار في "حزب العدالة والتنمية" الحاكم وصاحب الجذور الإسلامية. ومن هناك، ومن واقع هذا الاهتمام المتزايد، تأتي كل تلك المبادرات والوساطات والحراك المحسوس في المنطقة. وعلينا في مجلس التعاون الخليجي، وفي الدول العربية الأخرى، تشجيع هذا الدور الذي يقدم قيمة مضافة لأمننا، لكي نكسب حليفاً جديداً نرتبط معه برابطة الدين والتاريخ، لنتكامل استراتيجياً في عولمة تضخ كل يوم مشاركة لاعبين جدد في الأمن الخليجي. وغني عن القول إن مثل هذا التحالف سيفيدنا ويعزز قدراتنا، ويزيد من خياراتنا، وسيسهم في تعزيز أمننا. وقد لا تكون هنالك حاجة للتأكيد على أن الجميع سيربح في هذه المعادلة. وليست جدوى شراكة الطرفين محل تساؤل، بل السؤال هو: لماذا تأخر الطرفان كل تلك السنوات؟
عبدالله خليفة الشايجي
الإتحاد الاماراتية
 

عودة
أعلى