نسمة عصارى

لم تزده نسمات العصارى سوى حاجة الى النوم وهو يسير متثاقلا يجر قدميه مارا بعم عبدون ليستأذنه فى حمل الجرنال والتوجه الى قهوة المعلم سعيد .... لم يبدى عم عبدون حراك ولكن عينيه كانت لانطلاق الشرر اقرب رغم النسمات التى تاتيه من الشرقاوية .... اخذ الشرر يتبع سيره المتثاقل ولم يزده هذا الا برودة القى بنفسه على الكرسى بآهات متتابعة مما يؤلم قدميه
صفق بكلتا يديه بفتور بدا على طرقعة الكفين.
واحد شاى يا مسعود .
وعندك واحد شاى للاستاذ محفوظ وصلحه .
اخذ يتصفح الجرنال مارا بالمنشتات مرور الكرام ... لم ترتز نظراته سوى على تلك الاعلانات المبوبة التى تتضمن فرص العمل ... رفع راسه عن الجرنال مع وضع مسعود للشاى على الدربيزة .
انت نسيتنا واللى ايه يا استاذ ؟
ياد بحوشلك البقشيش .
تركه وهو يود لو يرفع ويشج راسه نصفين وينتهى الامر ... وتناسى فى وسط نداءات الزبائن هذا الامر ثبة عينيه فى الجرنال واخذ يرشف من كوب الشاى على مسمع من الجالسين ... اتاه صوت المعلم سعيد وهو ات اليه من داخل القهوة ليجالسه وليتعرف على اخبار الدنيا .
ايه حال الاسعار اليومين دول يا استاذنا ؟
لم يرفع عينيه الى المعلم الواقف الى جواره ولم يجبه سوى بعد رشفة طويلة من الشاى .
الاسعار نار يا معلم .
جلس المعلم بقبالته يتامل الصور المتناثرة فى الصفحة الخلفية .
وايه اخبار الدنيا ؟
لم يلتفت اليه وهو يقلب صفحة تلو الاخرى ويمعن النظر فى الاعلانات المبوبة .
الدنيا مولعة نار يا معلم .
انتفض المعلم صارخا ومشيحا بيده الغليظة لتضرب الجرنال .
كله نار ..نار مافى حاجة تطرى القلب .
دخل القهوة وما يدور بخلده سوى ان يطالبه بما عليه من نقود اشار على مسعود بمطالبة الاستاذ لكنه ابى لانه لو رفض دفع الحساب سيشج راسه ويحبس ... نهره المعلم بصوته الاجش والعرق يتفصد من جسده السمين بفعل غليان اعصابهمن هذا المحفوظ .
جاءه احد رواد القهوة محييه ثم متوسلا اليه ان ينظر حظه فى الجرنال فما كانت اجابته تختلف عن المرات السابقة ( حظك اطران ) جال بخاطره ولاول مرة ان ينظر حظه هو الاخر ... فاعجبه ما وجد منه ( ستصلك خلال ايام مفاجئة سارة ) ابتسم وقطع ابتسامته التثائب ... رفع يديه الى فمه واسند راسه على سور القهوة واضعا الجرنال امامه على الدربيزة .
انه لم ير ى مثل هذه المشية المدللة من قبل ولامثل هذا الجمال تبعها ولعابه يزداد سيولا رغم قسوة حرارة اغسطس لم يتركها تسير فى امان ولم تسلم ةمن مداعباته الطاهرة باللسان ولم يرفع اوراقه فوق راسه كعادته ولم يفكر فى وضع قدميه فى ماء الملح ولم يحس بلسع حرارة الرصيف لقدميه البارزتين من اسفل وجانبى الحزاء وان ماكان يملك عليه احساسه هو الالتقاء معها فى عش هادئ تملاه الرومانسية التفتت اليه بابتسامة عريضة بعد كل هذه المداعبات وازدادة ضحكاتها عندما نظرة منظره ارادة اعطائه نقود لكنه ابى انه يبحث عن عمل ... ساعدته فى الوصول الى مصنع تعمل به ليعمل معها بمرتب اغراه وسيدفع كل ديونه .
عاد اخر الشهر الى القهوة التى انقطع عن ارتيادها حتى ظن البعض مرضه او موته وعز مسعود المعلم فى نقوده التى عند محفوظ عاد ليلوى ساقا على ساق فى مكانه المعتاد بيده احدى المجلات النسائية وقد مر على عم عبدون وانقده ثمنها الباهظ وزاده البقشيش ... صفق هذه المرة بقوة .
واحد شاى يا ولد يا مسعود .
نظره مسعود فى غضب ولم يعقب على طلب الشاى بنغمته المعهودة ..... اتى الى مجلسه .
مفيش شاى الا ما تدفع اللى عليك .
نفخ اوداجه متمثلا الغضب ثم مناديا المعلم سعيد الذى لم يجبه سوى بنظرة خاطفة واشاحة يد مما شجع مسعود على رفع الكرسى لاول مرة فى وجه الاستاذ ... قام احد الزبائن بتهدئة المر وانقذ الامر الاستاذ بدفعه عشرين جنيه لمسعود الذى تاسف للاستاذ واراد ان يحب على راسه والاستاذ يمتنع بشدة حتى اذن للامر ..... لمع حذائه البنى فى الشمس مما اغرى ( صبح بوية ) بالاقتراب ومسح الحذاء لينقده جنيه او اثنين فهو كريم فى هذه اللحظات وفنجرى ولو استطاع ان يبذل شهادته المتوسطة ثمنا لما يبديه هؤلاء من الاحترام له لفعل .... جاءه مسرع يتكفأ باحدى الجرائد .استيقظ على صوت غاضب ويد تدق على الدربيزة بشدة ويطالبه عم عبدون بثمن الجرنال .... اعطاه الجرنالواراد ان يخلد للنوم ... لكنه لم يستطع مع زمجرة عم عبدون الذى اراد بزمجرته ان يمسك بهذه الراس ويكسرها كما يفعل مع فحل البصل .
تثائب ثم مط جسده وقد اعطاه عم عبدون ظهره وسار الى كشكه ... تقدم منه مسعود يطالبه بالحساب فاعطاه ظهره حاملا اوراقه .
الحساب يوم الحساب .
 
يعطيك العافيه اخي رمضان
 

عودة
أعلى