التصفح للزوار محدود

قراءة في كتاب (طوق الحمامة)

بيان بنت فيصل

Well-known member
طَوْق الحمامة

مُؤلَّف في فلسفة الحب،

كتبه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (384- 456هـ، 994- 1063م).

واسم الكتاب كاملاً :

طوق الحمامة في الألفة والأُلاف.

رابط الكتاب

http://abooks.tipsclub.com/index.php?act=view&id=826

الباسورد عند فك الضغط هي : tipsclub


يعدّ كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي من أروع ما خُط من أدب العصر الوسيط في دراسة الحب، لتحليله لهذه الظاهرة، وأبعادها الإنسانية الواسعة، ولقدرته على سبر طبائع البشر وأغوارهم.

والكتاب هو سيرة ذاتية لكاتبه أن ما يماثل حياته العاطفية، فقد جمع ابن حزم ما بين الفكرة بمفهومها الفلسفي وما بين الواقع التاريخي، فكان بذلك محلقاً بأفكاره، وراسخاً على الأرض بقدميه، جريئاً وصريحاً ومتحرراً من الخوف ومن التزمت، وقد دعم أفكاره بحكايات سمعها أو عاشها، واختار لها العديد من أشعاره المناسبة.

سلكت مطبوعة "طوق الحمامة" طريقاً طويلاً حتى وصلت إلينا في نسختها الحالية، وتعاقب على نسخها وتحليلها وتصحيحها العديد من المستشرقين، الذين كان لهم الفضل الأكبر في إيصالها لنا.. ففي نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر، قام السفير الهولندي المستشرق "فون وارنر" بدراسة المخطوطات العربية خلال فترة انتدابه سفيراً في الآستانة، ومن محاسن الصدف أنه اشترى ألف مخطوط من "حاجي خليفة" الذي كان يملك واحدة من أكبر مكتبات الآستانة، وكان من بين هذه المخطوطات مخطوط "طوق الحمامة"، الذي قُدر له أن يستقر في مكتبة ليدن/هولندا، لمدة 175 عاماً، إلى أن جاء مطلع القرن التاسع عشر، حيث قام المستشرق الهولندي "رينهارت" بإصدار أول طبعة لفهرس المخطوطات العربية في جامعة ليدن، عَرَف العالم من خلالها على مخطوطة "طوق الحمامة"، ودام الحال إلى أن قام المستشرق الروسي الشاب "د. ك. بتروف" بنشر النص العربي لطوق الحمامة كاملاً، في سلسلة كتب كانت تصدرها كلية الآداب في جامعة بطرسبرغ. وطبع في مطبعة بريل العربية في ليدن عام 1914. وبعد سبعة عشر عاماً قام السيد محمد ياسين عرفة، صاحب مكتبة عرفة في دمشق، بطبع النص العربي ثانية عام 1930، ولم يجر تغييراً كبيراً عن نسخة بتروف، إلى أن صدرت الطبعة الثالثة عام 1949 على يد المستشرق الفرنسي "ليون برشيه" في الجزائر، وبعدها بعام أي عام 1950 قام الأستاذ حسن كامل الصيرفي بطباعة النسخة الرابعة للكتاب في القاهرة. لكن هذه الطبعة جاءت أسوأ مما صدر من طبعات، لجهل الصيرفي بتاريخ الأندلس وحضارتها. ومن ثم تقدم د. الطاهر أحمد مكي بضبط نص الكتاب وتحرير هوامشه، في طبعة صدرت عن دار المعارف المصرية في العام 1975..

وعلى هذه النسخة الأخيرة سنعتمد في تلخيصنا لمحتوى مخطوطة "طوق الحمامة"، واضعين نصب أعيننا أن ما ارتضاه ابن حزم الأديب والعالم والفقيه الظاهري في قرطبة عاصمة الأندلس، وكذلك ما ارتضاه المسلمون في القرن العاشر الميلادي، لا يجوز لنا رفضه في قرننا الواحد والعشرين، أي بعد مضي إحدى عشر قرناً، بحجة التدين أو الورع، أو حفاظاً على القيم والأخلاق، أو بحجة أن هذه النصوص تخدش الحياء العربي العام، الذي لم يخدشه واقعنا بكل ما فيه من جهل وتخلف وهزيمة.

قسّم ابن حزم المخطوطة إلى ثلاثين باباً، عشرة منها في أصول الحب، واثنا عشر في أعراض الحب وصفاته المحمودة والمذمومة، وستة في الآفات الداخلة على الحب، وباب في قبح المعصية، والباب الأخير في فضل التعفف.
الكلام في ماهية الحب:
قال ابن حزم إن الحب أوله هزل وآخره جد، ولا تُدرك حقيقته إلا بالمعاناة، وهو ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، وأن الحب اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة، فالنفوس المتماثلة تتصل وتتوائم، أما النفوس المتنافرة فتتباعد. والمحبة برأي ابن حزم متعددة: فمنها محبة القرابة ومحبة الألفة ومحبة المصاحبة ومحبة البر ومحبة الطمع في جاه المحبوب ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه لستره ومحبة بلوغ اللذة ومحبة العشق وأفضلها محبة المتحابين في الله.
وكل ضروب المحبة تنقضي بانقضاء عللها، إلا محبة العشق الصحيح المتمكن من النفس، فهي لا فناء لها بالموت.
والإنسان بطبعه يقع في حب الصورة الحسنة للوهلة الأولى، وإذا لم يتجاوز هذا الحب الصورة الحسنة سمي بالشهوة.
وشبه الحب بالداء، والدواء منه على قدر المعاملة لا يود المصاب به الشفاء.

باب علامات الحب:
هناك علامات تظهر قبل استعار الحب، حيث يمكن لأي إنسان فَطِن ملاحظتها، ومنها إدمان النظر إلى المحبوب وملاحقته أينما حلّ، والانذهال عند رؤيته فجأة، واضطراب المحب لدى ورود ذكر المحبوب والإقبال بالحديث عبر الاستماع إليه، وتصديقه حتى ولو كذب، ودعم أقواله حتى ولو جار على الآخرين، ومحاولة لمسه، وعدم الرغبة في مغادرة المكان المتواجد فيه، وقد قال ابن حزم واصفاً هذه الحالة:

"وإذا قمت عنك لم أمش إلا مشي عان تقاد نحو الفناء
في مجيء إليك أحتث كالبدر إذا كان قاطعاً للسماء
وقيامي إن قمت كالأنجم العالية الثابتات في الإبطاء"

أما إذا تمكن الحب من الإنسان فعندها ترى الحديث همساً، والإعراض جهاراً عن كل الناس عدا المحبوب ومن علاماته الانبساط الزائد، وكثرة الغمز، وتعمد ملامسة المحبوب، والاتكاء عليه، وشرب فضلة ما أبقى من إناء شرابه.

وهناك أيضاً علامات متضادة، فالأضداد أنداد، فنجد مثلاً أن الفرح الزائد قاتل، والضحك الكثير يسيل الدمع، ومن أعراضه استدعاء اسم المحبوب وحب الوحدة والأنس بالانفراد، والسهر، وقد وصف الشعراء هؤلاء المحبين برعاة النجوم. ويقلق المحبون عند توقع لقاء المحبوب، ويحول دون ذلك حائل، وعند العتاب، فإما أن ينال المحبوب العفو، وإما أن يصير القلق والحزن، ومن أعراضه احمرار الوجه، والجزع والتأوه والبكاء.

باب من أحب في النوم:
وهذا الباب هو من أبعد أسباب الحب، إذ يحلم المحب بمحبوبه ويذهب قلبه به ويعتريه الهم، ويشغل نفسه بوهم نتيجة تعلقه بشخص غير موجود.

باب من أحب بالوصف:
وهو من أغرب الأبواب في أصول الحب، إذ يقع المحب في حب محبوبه فقط على الوصف أو لصفة ما يتمتع بها أو لسماع صوته، فيبدأ الهم والوجد، فيكون المحب كمن بنى بناء بغير أساس، إذ أن المحب يقوم بتخيل صورة معينة لمحبوبه، فإذا توافقت الصورة مع مخيلة المحب يثبت الحب، وإن حصل العكس انتهى ذلك الوهم. والنساء بحسب ابن حزم أثبت من الرجال في هذا النوع من الحب، وذلك لتمكن هذه العاطفة منهن. وقد وصف ابن حزم هذه الحالة قائلاً:

"ويا من لازمني في حب من لم يره طرفي
لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف
فقل: هل تُعرف الجنة يوماً بسوى الوصف".

باب من أحب من نظرة واحدة:
وهو عشق إنسان لا تعرف من هو أو من أين أتى، ووقوعه دليل على قلة الصبر نظراً لسرعة الإحساس به، وهو كحال الأشياء التي تأتي بسرعة وتنتهي بسرعة.

باب من لا يحب إلا مع المطاولة:
والمقصود هنا في المطاولة، هو كثرة اللقاءات والمشاهدات وتنامي الشعور بالحب، فما دخل عسيراً إلى القلب لا يخرج منه بشكل يسير، فيبقى الحب في القلب كلما طال زمن ملاصقة المحبوب للمحب، وهو تأكيد على تلاقي النفوس المقسومة، ولأنه تجاوز الاستحسان الجسدي أي الشهوة، فيسمى في هذه الحالة بالعشق. من هنا يخطئ البعض بالاعتقاد أنه يمكن للمحب أن يجمع بين شخصين مغايرين، فهذا ابن حزم يدخل تحت مفهوم الشهوة، إذ لا يمكن للمحب أن يحب أكثر من شخص يلهيه عن دينه ودنياه، فكيف إذا للمحب الالتهاء بحب ثان.

باب من أحب صفة:
يقع المحبون هنا في حب أناس يتميزون بصفة معينة، حتى ولو كانت غير مقبولة، كصفة من صفات الحسن كقصر القامة وقصر الرقبة وما إلى ذلك. ويبقى هؤلاء المحبون على حالهم حتى مفارقتهم الدنيا.

باب التعريض بالقول:
ويعمد المحبون هنا إلى كشف أحاسيسهم من خلال إنشاد الشعر، مثلاً، أو تسليط اللسان، ويستخدمون هذه الوسيلة طلباً للوصل ولكشف مكنونات قلوبهم تجاه المحبوب.

باب الإشارة بالعين:
ويأتي هذا الباب عادة عقب باب التعريض بالقول. وللإشارة معان متعددة كالوعيد والتهديد والنهي والأمر والضحك والحزن والسؤال والإيجاب والعطاء.

باب المراسلة:
تنوب الرسائل عن المحب في سرد ما يشعر به تجاه المحبوب، كما تنوب عن رؤيته، ويقول ابن حزم إن هذه الرسائل يجب أن تكون مميزة الورق لأنها تعبر عن لسان المحب، وكثيراً ما تمتزج حروف هذه الرسائل بدموع المحب أو ريقه أو دمائه.

باب السفير:
باب السفير أو باب رسول الحب والذي يحب أن يكون لبيباً يفهم الإشارة، وأميناً أمانة مطلقة، كونه يحمل سر المحبين الذي إذا ما فضح تم القضاء عليهما. ويختار المحبون عادة شخصاً بسيطاً أو عجوزاً لا يشك بها، أو ذا صفة تمكنه من التقرب من المحبوب كالطبيب أو المعلم أو القريب قرابة عائلية.

باب طي السر:
يعد باب طي السر أو الكتمان من أحد صفات الحب، وفيه يتظاهر المحب بالصبر ويكبت نار الحب المتأججة في ضلوعه، ولا تظهر عواطفه إلا من خلال نظراته. قد ينجح المحب في البدء في إخفاء مشاعره، أما حين تستفحل هذه المشاعر يصبح من المستحيل النجاح في ذلك.

باب الإذاعة:
هناك ثلاثة أنواع من أبواب إذاعة الحب، أولها: محاولة المحب التشبه بالمحبين، ورغبته في أن يُحسب عليهم، وهذه عاطفة مزيفة، وثانيها: فتكون هنا إذاعة الحب لغلبة المشاعر على المحب بحيث لا يتورع عن المجاهرة بها متغلباً بذلك على حيائه. وثالثها: في حال رأى المحب غدراً أو مللاً أو كراهية من محبوبه، فيعمد إلى إذاعة حبه له وذلك انتقاماً منه، وهذا وجه مرفوض للحب وفعل ساقط.

باب الطاعة:
وباب الطاعة هو من عجيب ما يقع في الحب، حيث يطيع المحب محبوبه ويغير الكثير من طباعه لتتماشى مع طبائع المحبوب، لنرى مثلاً شرس الطباع وصعب الشكيمة بعد أن تنسم عبير الحب قد تحول إلى شخص سهل المراس ويستسلم استسلاماً كاملاً للمحبوب.

باب المخالفة:
وقد يركب المحب رأسه ويتعمد الحصول على شهوته ومسرته من محبوبه، شاء هذا الأخير أم لم يشأ، فيذهب غمه ويبلغ مراده، وهذا مرذول في الحب.

باب العاذل:
ويعتبر هذا الباب من آفات الحب، والعذال نوعان، فأولهما صديق، رقيق بالمحبين، يعرف متى ينهي، وثانيهما عاذل زاجر، لا يكف عن الملامة وهذا صعب الاحتمال.

باب المساعد من الإخوان:
وهنا يأمل المحب في العثور على صديق مخلص، وفي، كتوم، لطيف، أنيس، طيب الأخلاق وإلى ما ذلك من صفات حميدة ليصبح أنيساً له ولتنجلي الأحزان بوجوده. وبحسب ابن حزم، فالنساء أقدر من الرجال في المحافظة على أسرار المحبين وخاصة العجائز منهن.

باب الرقيب:
والرقيب من آفات الحب وأمراضه. ويقسم الرقباء إلى رقيب غير متعمد، تصادف وجوده في مكان اجتماع المحبوبين، فكان شاهداً على حبهما، ورقيب أحس بأمرهما، وأراد تبين ذلك، فعمد إلى مراقبتهما وإحصاء أنفاسهما. ورقيب على المحبوب الذي ما يلبث أن يتحول إلى رقيب له وليس عليه بعد استرضاء المحبوب له. والطريف في هذا الباب أن يكون المحب والرقيب على مذهب واحد في حب المحبوب فيتحول كل منهما إلى رقيب على صاحبه.
***********
يتبع
 
التعديل الأخير:
رد: قراءة في كتاب (طوق الحمامة)

باب الواشي:
والواشي هو أحد شخصين واحد يرغب في الفصل بين المحبين كان يهمس في أذن المحبوب واشياً على المحب، أو هو واشٍ ليفصل بين المحبين، لينفرد بعدها بذلك المحبوب وليستأثر به.

باب الوصل:
باب الوصل هو وجه من وجوه العشق وأعلى درجة منه. وإن وصل المحبان إليه وصلا إلى الصفاء والسلام الكامل حيث تكتمل فيه الآمال والأماني.

باب الهجر:
من آفات الحب وهو على أنواع: هجر يفرضه وجود رقيب على المحبين إبعاداً للظنون، وهجر بغرض التذلل بهدف امتحان حب كل من الطرفين، وهجر لذنب ارتكبه المحب وهو موجع، لكن فرحة اللقاء ثانية لا تعدلها لحظة أخرى في الحياة، وهجر لملل أحد الطرفين من الآخر، وهجر المحب لمحبوبه لدى إحساسه بجفائه أو ميله إلى شخص آخر، وأخيراً هجر القلب وهو يذهب بالعقول وليس له دواء شاف.

باب الوفاء:
وهو من أهم الفضائل في الحب، وهو دلالة على طيب الأصل. وأولى مراتبه وفاء المحبين أحدهما للآخر، وهذا حق وواجب وثاني المراتب الوفاء لمن غدر، وهذا عادة ما يقوم به المحب وهو غير ملزم للمحبوب، وثالث هذه المراتب الوفاء حتى بعد قضاء أحد المحبين والعزوف عن الحياة والزهد فيها.

باب الغدر:
ويعتبر من الأعمال المذمومة.

باب البين:
سمع أحد الحكماء شخصاً يصف البين "الموت" قائلاً: الفراق أخو الموت، فرد الحكيم، بل قل إن الموت أخو الفراق.
وقد يكون الفراق لفترة زمنية محددة تشجي القلب وتؤلم صاحبها ولا يبرأ منها الإنسان إلا باللقاء، وقد يكون المحب والمحبوب في نفس الدار ولا يسمح لهما باللقاء مما يبعث على الحزن والأسى. وهناك فراق متعمد من قبل المحب خوفاً من أن يدري أحد ما بهذا الحب فيجبر الطرفان على الابتعاد.
وأخيراً بًينُ الموت، وهو أصعبها لما يصيب المحبين من حزن وألم لا يمحوه أحياناً إلا موت صاحبه.

باب القنوع:
وهنا لا بد للمحب بأن يرضى بحرمانه الوصل والاكتفاء بالقليل من المحبوب كالزيارة أو المخاطبة أو الاحتفاظ بشيء من أثر المحبوب وما إلى ذلك.

باب الضنى:
فبعد حالات الهجر أو الموت، يصاب المحبان بالمرض والنحول والسقم، وفي هذه الحالة الوحيد الذي يمكنه المساعدة هو الطبيب.

باب السلو:
والسلو هنا أو النسيان إما يأتي طبيعياً وكأن الشخص لم يحب أو لم يفقد حبيبه، فيوصف الشخص بأنه من ذوي الأخلاق المذمومة، وإما سلو قسري أو تطبعي، يرغم فيه الإنسان على التذرع بالصبر وإخفاء ما يعتري قلبه من حزن.

باب الموت:
تقول الأمثال: "من عشق فعف فمات فهو شهيد" إذ عندما يعظم الحب إلى درجة كبيرة ويحصل الفراق ينحل صاحبه ويضعف إلى أن يموت.

باب قبح المعصية:
وهنا يغلب لشخص شهواته على عقله. ويحسب ابن حزم فالإنسان يتمتع بطبيعتين: الأولى خبرة تغلب العقل على الشهوة، والثانية شريرة تغلب الشهوات على العقل، ويربط بين هاتين الطبيعتين الروح.

باب فضل التعفف:
يمنع التعفف الإنسان عن ارتكاب المعاصي، ويغلب العقل على الشهوة.

انتهى ابن حزم الأندلسي عند هذا الحد، مقدماً لنا كتاباً في الحديث عن الحب، واصفاً إياه بأنه استسلام غير مشروط وذوبان كامل للمحب بالمحبوب تحت وطأة العشق والوجد والوصل
.[/align]

مادة منتقاة
 
رد: قراءة في كتاب (طوق الحمامة)

مادة منتقاة من موقع صيد الفوائد
عتقد بعض الناس أن أهل الفقه ليست لديهم تلك المشاعر والأحاسيس المرهفة التي توجد عند الناس , وأن الفقه آلة جامدة تعتمد على الحقائق وتحرير المسائل بشكل علمي يخلو من العاطفة والمشاعر , وأنهم بمنأى ومعزل عن الشعر , وينسون أن الشعر في حقيقته موهبة وإبداع وهو حكمة وهدف وأن كتب التراث قد حفلت بألوان مجيدة من الفقهاء الشعراء الذين خلدوا شعرهم بين دفتى الكتب القديمة ناهيك عن المصنفات الفقهية الراقية والموثوق بها مذهباً ودليلاً وتدقيقاً وهذه ميزة لا تحصل إلا للجهابذة من العلماء والمجتهدين، ولقد أورد لنا الرصيد التراثي جملة من أشعار الفقهاء وذلك لا ينقص من شأنهم بل يزيدهم شامة على جلالة اجتهادهم وسعة فقههم وعلمهم .

بل أصبح \" أدب الفقهاء مادة خصبة للدراسة وباب واسع يتضمن فنونا وأغراضا مختلفة بعضها مما يقل نظيره في أدب غيرهم . فهو يشتمل على شعر وجداني من الطبقة الرفيعة يعبر عن أعمق المشاعر الإنسانية وارق العواطف القلبية , ومنه شعر فلسفي يتناول مطالب النفس العليا ويتحدث عن الروح وعالمها الفسيح ومشكلة الوجود والحقيقة الأزلية وما إلى ذلك\" عبد الله كنون : أدب الفقهاء 15.
ولقد وجد هذا الأمر منذ ظهور الإسلام وإشراق شمسه , وارتبط الفقه بالشعر ؛ فقد ظهر الفقه والفقهاء منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أبو بكر فقيهاً وكان عمر فقيهاً وكان عثمان فقيهاً، وكان علي فقيها ، وكان لكل واحد منهم شعراً ، وكان أشعرهم علي بن أبي طالب.
وبلغ من شهرة علي بالشعر أن جمع شعره في ديوان ، وطبع عشرات المرات ، وشرح من قبل عدد من علماء الشعر .

والذي يستعرض شعر الإمام علي يجده معبراً عن تجاربه المتنوعة في حياة حافلة، كما يجد فيه أثر الفقه الذي تميز به ومارسه وزيراً للخلفاء وأميراً للمؤمنين .
ومن شعره رضي الله عنه :

الناس من جهة التمثيل أكفاء * * * أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة * * * وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم حسب * * * يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم * * * على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه * * * وللرجال على الأفعال سيماء
وضد كل امرئ ما كان يجهله ... والجاهلون لأهل العلم أعداء

واستمرت هذه الظاهرة بعد الفقهاء الأربعة الراشدين رضوان الله عليهم ، بل إن هذه الظاهرة تنامت وأشرقت ، فظهر من بين الفقهاء شعراء عظام زاحموا الشعراء الذين قصروا عبقرياتهم على الشعر ، فلم يعرفوا إلا به ,من هؤلاء الفقهاء عروة بن أذينة ، فقد حلق بالشعر حتى عرف به ونسي الناس أنه عالم فقيه، بل إن له شعراً في الغزل تفوق به على كبار الشعراء في هذا الباب منه قوله :

إنَ التي زَعَمَتْ فؤادَك مَلَّها * * * خُلِقَتْ هواك كما خُلِقْتَ هَوًى لها
فيك الذي زعمَتْ بها ، وَكِلاَكُمَا * * * أبْدى لِصَاحِبه الصبَّابَةَ كُلَّها
ولَعَمْرُها لو كان حبُك فَوقَها * * * يوماً وقد ضَحِيَتْ إذَنْ لأظَلَّهَا
فإذا وجَدْت لها وَسَاوِسَ سَلوَة * * * شَفَع الضميرُ إلى الفؤاد فَسَلَّها
بيضاء بَاكَرَها النَّعيمُ فصَاغَها * * * بِلَبَاقةٍ فَأَدَقَّهَا وَأجلَها
لَمَّا عرَضْتُ مُسَلَماً ، لِيَ حاجة * * * أخْشَى صُعُوبتها ، وأرجُو ذُلّها
مَنَعَتْ تَحيَّتَها فَقُلتُ لصاحبي * * * ما كانَ أكْثرَها لنَا وأقلَّها
فَدنا وقال : لعلّها مَعْذُورة * * * في بعضِ رِقْبتِها ، فقلت : لَعلَّها

وهو بالإضافة إلى ذلك صاحب البيتين السائرين في التوكل على الله ، وهما نابعان من \"شعور\" عالم فقيه يعرف أن الرزق ليس بيد البشر وإنما هو بيد الله وحده يقول:

لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلُقي * * * أنَّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنِّيني تَطَلُّبُهُ * * * وإنْ قعدتُ أتاني لا يُعَنِّيني

وكان الإمام مالك بن أنس شاعراً ، وهو وإن لم يكن مكثراً إلا أنه قال الشعر وروي عنه، ومما قاله في مدح القناعة والتحذير من الجشع والطمع :

هي القناعة لا أرضى بها بدلاً * * * فيها النعيم وفيها راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها * * * هل فاز منها بغير اللحد والكفن؟
روى السفطي المالكي في حاشيته عن مالك بن أنس قوله:
إذا رفع الزمان مكان شخص * * * وكنتَ أحقَّ منه ولو تصاعَد
أنله حق رتبته تجده * * * ينيلك إن دنوتَ وإن تباعد
ولا تقل الذي تدريه فيه * * * تكن رجلاً عن الحسنى تقاعد
فكم في العرس أبهى من عروس * * * ولكن للعروس الدهر ساعد

كما قال الإمام أبو حنيفة الشعر ومنه قوله في نبات الرمث في الشفاء من الزكام :

إِذا يقولون: ما أَشْفَى؟ أَقُولُ لَهُمْ: * * * دُخَانُ رِمْثٍ من التَّسْرِيرِ يَشْفِينِي
مما يَضُمُّ إِلى عُمْرانَ حاطِبُهُ * * * من الجُنَيْبَةِ، جَزْلاً غَيْرَ مَوْزُون

وبنسب إليه أيضاً قوله :

أنت الذي من نور البدر اكتسى *** و الشمس مشرقة بنور بهاك
أنت الذي لما رفعت إلى السما *** بك قد سمت و تزينت لسراك
أنت الذي نادك ربك مرحبا *** و لقد دعاك لقربه و حباك
صلى عليك الله يا علم الهدى **** ما حن مشتاق إلى لقياك

وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي شاعراً مجيداً ، وله أشعار رائقة جمعت في ديوان لا زال متداولاً ، ومن أبياته السائرة :

ولولا الشعر بالعلماء يزري * * * لكنت اليوم أشعر من لبيد

وهو القائل :

سهـري لتنقيـح العلوم ألذ لي * * * من وصل غانية وطيب عنــاق
وصرير أقلامي على صفحاتها * * * أحلى مـن الدّّوْكـاء والعشــاق
وألذ من نقر الفتـاة لدفهــا * * * نقري لألقي الـرمل عـن أوراقي
وتمايلي طربـا لحل عويصـة * * * في الدرس أشهى من مدامة ساق
وأبيت سهـران الدجى وتبيته * * * نومـا وتبغي بعـد ذاك لحـاقي

وقال أيضاً :

قالوا سكتَّ وقد خوصمتَ قلتُ لهم *** إن الجوابَ لِبَابِ الشَّرِّ مفتاحُ
والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ *** وفيه أيضاً لصون العرض إصلاحُ
أما ترى الُأسْدَ تُخشى وهي صامتةٌ *** والكلب يُخسى لعمري وهو نباحُ

كما جرت بينه وبين تلميذه الإمام الفقيه أحمد بن حنبل مساجلات شعرية منها قول الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :

أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ * * * لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ
وَأَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي * * * وَإِنْ كُنَّا سَوَاءً فِي الْبِضَاعَهْ

فقَالَ لَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ حَنْبَلٍ :

تُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ * * * لَعَلَّهُمْ يَنَالُوا بِك الشَّفَاعَهْ
وَتَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي * * * حَمَاك اللَّهُ مِنْ تِلْكَ الْبِضَاعَهْ

انظر : حاشية الصاوي على الشرح الصغير 11/ 239.
ومنها أيضاً ما كتبه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه للإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ما لفظه :

قالوا يزورك أحمد وتزوره * * * قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته * * * فلفضله فالفضل في الحالين له

فأجابه الإمام أحمد رضي الله عنه :

إن زرتنا فبفضل منك تمنحنا * * * أو نحن زرنا فللفضل الذي فيكا
فلا عندما كلا الحالين منك ولا * * * نال الذي يتمنى فيك شانيكا

انظر : السفاريني : غذاء الألباب شرح منظومة الآداب 1/219.
وللشافعي أشعار في الحكمة صارت بها الركبان ودلت دلالة واضحة على براعته وصدق موهبته .
ومن الفقهاء الشعراء الذين روي عنهم شعر رائق ، وذاع هذا الشعر وتناقله الأدباء من بعده الفقيه الكبير عبد الله بن المبارك ، فقد كان هذا العالم الفقيه مجاهداً لا يترك الثغور، وكان شعره ينم عن شخصيته وعن مذهبه وعن فقهه ، وله الأبيات السائرة :

رَأَيْت الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ * * * وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ * * * وَخَيْرٌ لِنَفْسِك عِصْيَانُهَا
وهل أفسد الدين إلا الملوك * * * وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا * * * ولم تغل في البيع أثمانها
لقد وقع القوم في جيفةٍ * * * يبين لذي اللب إنتانها

وله الأبيات الشهيرة التي وجهها من ساحات الجهاد إلى الفقيه الفضيل بن عياض الذي لازم الحرمين متعبداً ، يقول له فيها :

يا عابدَ الحرمين لو أبصرتنا * * * لعلمتَ أنّكَ في العبادة تلعَبُ
من كانَ يخضبُ خدّهُ بدموعهِ * * * فنحورنا بدمائنا تتخضَّبُ
أو كانَ يُتعبُ خيلهُ في باطالٍ * * * فخيولُنا يومَ الصبيحَةِ تتعبُ
ريحُ العبيرِ لكم ونحنُ عبيرُنا * * * رهجُ السنابِكِ والغبارُ الأطيبُ

ومن الفقهاء الشعراء : محمد بن داود الظاهري وأبي محمد علي بن حزم القرطبي ، فقد ألف كلاهما كتاباً في العلاقات العاطفية ، ألف الظاهري كتاب \"الزهرة\" وألف ابن حزم كتاب \"طوق الحمامة\" .. ولم يعبهما أحد لعملهما هذا ، ولم يقل أحد إن هذا التأليف يقدح في دينهما أو يزري بشخصيتهما ! .
فمن شعر ابن داود الظاهري :

أُنَزِّهُ فِي رَوْضِ الْمَحَاسِنِ مُقْلَتِي * * * وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا
وَأَحْمِلُ مِنْ ثِقْلِ الْهَوَى مَا لَوْ انَّهُ * * * يُصَبُّ عَلَى الصَّخْرِ الأَصَمِّ تَهَدَّمَا
وَيَنْطِقُ طَرْفِي عَنْ مُتَرْجِمِ خَاطِرِي * * * فَلَوْلا اخْتِلاسِي وُدَّهُ لَتَكَلَّمَا
رَأَيْت الْهَوَى دَعْوَى مِنْ النَّاسِ كُلِّهِمْ * * * فَلَسْت أَرَى وُدًّا صَحِيحًا مُسَلَّمَا

ومن شعر ابن حزم الأندلسي :

ليس التذلل في الهوى يستنكر * * * فالحب فيه يخضع المستكبر
لا تعجبوا من ذلتي في حالة * * * قد ذل فيها قبلي المستنصر
ليس الحبيب مماثلا ومكافياً * * * فيكون صبرك ذلة إذ تصبر
تفاحة وقعت فآلم وقعها * * * هل قطعها منك انتصاراً يذكر

وللإمام الفقيه ابن القيم قصائد رائعة منها النونية التي قال في بعض أبياتها :

لله حق لا يكون لغيره*** ولعبده حق هما حقان
لا تجعلوا الحقين حقا واحدا*** من غير تمييز ولا فرقان
فالحج للرحمن دون رسوله*** وكذا الصلاة وذبح ذا القربان
وكذا السجود ونذرنا ويميننا*** وكذا متاب العبد من عصيان
وكذا التوكل والانابة والتقى*** وكذا الرجاء وخشية الرحمن

وله أيضا اللامية التي قال في بعض أبياتها :

إن قلت : قال الله قال رسوله * * * همزوك همز المنكر المتغالي
أو قلت : قد قال الصحابة والأولى * * * تبعوهم في القول والأعمال
أو قلت : قال الآل آل المصطفى * * * صلى عليه الله أفضل آل
أو قلت : قال الشافعي : وأحمد * * * وأبو حنيفة والإمام العالي
أو قلت : قال صحابهم من بعدهم * * * فالكل عندهم كشبه خيال
تركوا الحقائق والشرائع واقتدوا * * * بظواهر الجهال والضلال
نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم * * * نبذ المسافر فضلة الأكال
هجروا له القرآن والأخبار * * * والآثار إذ شهدت لهم بضلال

وله أيضا في مناظرة عباد المسيح :

أَعُبّاد المسيح لنا سؤالٌ * * * نريدُ جوابه ممّن وّعاهُ
إذا مات الإله بصنع قومٍ * * * أماتوه فما هذا الإله؟
وهل أرضاه ما نالوه منه؟ * * * فبشراهم إذا نالوا رضاهُ
وإن سخط الذي فعلوه فيه * * * فقّوتهم إذا أوهت قواه
وهل بقي الوجود بالا إله * * * سميع يستجيب لمن دعاه؟
وهل خلت الطباق السبع لما * * * ثوى تحت التراب وقد علاه؟
وهل خلت العوالم من إلهٍ * * * يدبرها وقد سمرت يداه؟
وكيف تخلت الأملاك عنه * * * بنصرهم وقد سمعوا بكاه؟
وكيف أطاقت الخشبات حمل * * * الأله الحق شد على قفاهُ
وكيف دنا الحديد إليه حتى * * * يخالطه ويلحقه أذاه؟
وكيف تمكنت أيدي عداه * * * وطالت حيث قد صفعوا قفاه؟
وهل عاد المسيح إلى حياة * * * أم المحيي له رب سواه
ويا عجباً لقبر ضم ربا * * * وأعجب منه بطن قد حواهُ
أقام هناك تسعاً من شهورٍ * * * لدى الظلمات من حيض غذاه
وشق الفرج مولوداً صغيراً * * * ضعيفاً فاتحاً للثدي فاهُ
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي * * * بلازم ذاك هل هذا إلهُ؟
تعالى الله عن إفك النصارى * * * سيسأل كلهم عما افتراه
أعباد الصليب بأيّ معنىً * * * يُعظّم، أو يقبح من رماهُ
وهل تقضي العقول بغير كسر * * * وإحراق له ولمن بغاه
إذا ركب الإله !! عليه كرهاً * * * وقد شدت بتسمير يداه
فذاك المركب الملعون حقاً * * * فدسه لا تبسه إذ تراه
يهان عليه رب الخلق طراً * * * وتعبده؟ فإنك من عداه
فإن عظمته من أجل أن قد * ** حوى رب العباد وقد علاه
فهلا للقبور سجدت طراً * * * لضم القبر ربك في حشاه؟
فياعبد المسيح أفق فهذا * * * بدايته وهذا منتهاه

وها هو الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، والعلامة الإمام الهمام محمود العيني الحنفي، وذلك لما أن ظهر في المنارة اختلال بعد بناثها، فقال الحافظ المذكور هذين البيتين يعرض فيهما به في ستر التورية: :

لِجَامِعِ مَوْلاناً المُؤَيدِ بَهجَةٌ * * * مَنَارَتُهُ بالحُسْنِ تَزْهُو وبالزيْنِ
تَقُولُ وَقَد مَالَت عَنِ القَصدِ أَمْهِلُوا * * * فَلَيْسَ عَلَى جِسْمِي أَضَرُ مِنَ العَيْنِ

فوصل خبر البيتين إلى الإمام العلامة محمود العيني، فقال في جوابهما معرضاً ستر التورية :

مَنَارَة كَعَروسِ الحُسنِ إِذْ جُلِيَت * * * وَهَدمُهاً بِقَضَاءِ اللهِ والقَدَرِ
قَالُوا: أُصِيبَت بِعَين قُفتُ: ذاً غَلَطٌ * * * ماً أَوجَبَ الهَدْمَ إلأ خِسةُ الحَجَرِ

انظر : العصامي : سمط النجوم العوالي 2/300.
ولقد طرق الفقهاء الشعراء في شعرهم أغراضاً متننوعة لا تختلف في جوهرها عن الأغراض التي طرقها غيرهم من الشعراء ، من هذه الأغراض الشعر الفلسفي ومن منا لا يذكر قصيدة ابن سينا في النفس :

هبطت إليك من المحل الأرفع * * * ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبةٌ عن كلِّ مقلةِ عارفٍ * * * وهي التي سفرت ولم تتبرقعِ

ولهم شعر في الأخلاق والآداب والمدح والرثاء والبر والملاحم وحتى الهجاء ، أما براعتهم في الشعر التعليمي فحدث عن ذلك ولا حرج .
فلقد كان الفقه هو العلم الجامع لكل علماء الإسلام ، فقد كان الطبيب فقيهاً والرياضي فقيهاً والمهندس فقيهاً والمؤرخ فقيهاً .. وعندما وصل بنا قطار الحياة إلى هذا العصر وجدنا العلوم قد استقلت والتخصص قد دقّ حتى بلغ الفروع وفروع الفروع ، لهذا وجدنا الفقهاء قد اقتصروا على الفقه والأطباء قد اقتصروا على الطب والمهندسون قد اقتصروا على الهندسة . ومع هذا كله لم يترك هؤلاء وهؤلاء الشعر ، بل أضافوا إلى ظاهرة الفقهاء الشعراء ظواهر أخرى منها الأطباء الشعراء، والمهندسون الشعراء وفي كل قد ألف المؤلفون وكتب الكاتبون وصدرت الكتب.
ولقد كانت لدى هؤلاء الفقهاء أشعار تنم عن موهبة أصيلة لا عن تصنع وتكلف , وليس كما ادعى البعض بأن أشعارهم أشعار فقهاء لا روح فيها ولا ابتكار , قال أبو القاسم بن رضوان كاتب العلامة بالدولة المرينية: ذاكرت يوماً صاحبنا أبا العباس بن شعيب كاتب السلطان أبي الحسن، وكان المقدم في البصر باللسان لعهده فأنشدته مطلع قصيدة ابن النحوي ولم أنسبها له وهو هذا:

لم أدر حين وقفت بالأطلال * * * ما الفرق بين جديدها والبالي

فقال لي على البديهة: هذا شعر فقيه، فقلت له ومن أين لك ذلك؟ قال من قوله: ما الفرق؟ إذ هي من عبارات الفقهاء، وليست من أساليب كلام العرب، فقلت له: لله أبوك، إنه ابن النحوي. ابن خلدون : المقدمة 373.
وفي النماذج الشعرية التي ذكرناها ما يكفي في الرد على هذا الزعم الباطل .



فقهاء لكن شعراء


د. بدر هميسه
.........................
 
التعديل الأخير:
رد: قراءة في كتاب (طوق الحمامة)

بارك الله فيك
وجزاك الله خير الجزاء
يعطيك العافيه
ورزقك الله جنة النعيم
ولا حرمنا من عطائك
 
رد: قراءة في كتاب (طوق الحمامة)

حياك الله أختي الغالية
أرجو رضى ربي
أبهجني مرورك ودعائك
أسأل الله أن يرزقك جنات الفردوس ويفيض عليك من نعمائه
 
رد: قراءة في كتاب (طوق الحمامة)

أحسنتِ اختيار الموضوع . الكتاب والكاتب من كنوز الحضارة الإسلامية التي نفخر بأزمان ازدهارها ورعايتها للعلوم والثقافة والفنون .
أحسنت العرض التاريخي الموثق لمسيرة طوق الحمامة منذ شرائه من الإستانة إلى يوم طبعته الأولى .
أحسنتِ تقديم الأبواب والملاحق .
لكِ الشكر .
 
رد: قراءة في كتاب (طوق الحمامة)

أخي الفاضل فارس عمر
لك كل الشكر والتقدير لإهتمامك ومتابعتك ومرورك الكريم
بارك الله فيك
 

عودة
أعلى