قراءة نقدية للمجموعة القصصية (تحت الشمس من جديد)

أسير التحدي

الشعر والخواطر
قراءة نقدية للمجموعة القصصية (تحت الشمس من جديد)


600_04.jpg


الخرطوم: برعي صديق ...
أقام نادي القصة السوداني بمقره بالخرطوم شرق مساء الخميس الماضي قراءة نقدية
للمجموعة القصصية (تحت الشمس من جديد) للأديب الراحل عبد الله حامد الأمين، قدم القراءة الناقد عزالدين ميرغني أدار الندوة الأستاذ أحمد الصادق أحمد وقد حفلت الندوة بالعديد من المداخلات من جانب الحضور.
في مستهل الندوة قدم الأستاذ أحمد الصادق اضاءات حول مسيرة الأديب الراحل عبد الله حامد الأمين وأضاف ان عبد الله قد ارتبط اسمه بالندوة الأدبية بجانب ابداعه المعروف للكثيرين وقال إنه كان الدينمو المحرك للندوة الأدبية وقتذاك وأشار الى كتاباته المختلفة من قصة وشعر، وقال إن معظم أعماله لم ترَ النور وأضاف ان المجموعة القصصية (تحت الشمس من جديد) تنضوي تحت كتابات الستينات حيث تمت طباعتها في العام 1969م ببيروت، وأوضح ان للراحل كتابات نقدية منها كتاب بعنوان الرسم البياني للرواية السودانية والذي صدر في عام 1974م وقال الصادق إن الراحل يمتلك معرفة غير عادية من الكتابة السردية وبخاصة في القصة القصيرة، وأشار الناقد عز الدين ميرغني الى أن هذه المجموعة الققصية بالرغم من أنها تعد من كتابات الستينات الا أنها تختلف عن أغلب قصص الستينات لأنها كتبت بتكنيك المماثلة والتشابه أو النص المتنامي داخلياً وهذه المماثلة والتشابه يأتي من ثلاثة المكان الواحد، المضمون الواحد، الشخصيات المتشابهة قدرياً، (حوادث تقع على الشخصيات)، واضاف ان كل شخصية في قصصه تحمل قدراً وحادثاً مكتوباً ومفاجئاً بالرغم من اختلاف ظروفها النفسية والاجتماعية، واضاف ان مجموعة تحت الشمس من جديد استوفت معايير القصة القصيرة التقليدية وانفتحت على عالم القصة الحديثة بمعنى انها لم تصور الحياة كشيء وانما صورتها كشيء جزئي اقرب الى الخاص.

واشار ميرغني الى ان المجموعة لم تكتب فيها مقدمة وربما لأن النصوص تغني عن المقدمة وتقدم نفسها بنفسها وربما لأن الكتاب كانوا له أصدقاء فلا يستطيع ان يختار احداً منهم على حساب الآخر وحتى اسم المجموعة قد تم عرضه على أعضاء الندوة

واقترح الكاتب مصطفى عوض الله بشارة هذا الاسم (تحت الشمس من جديد) وبالفعل وافق عليه الأستاذ عبد الله حامد الأمين وتمت طباعتها في عام 1969م في بيروت ومن هذا التاريخ تكون هذه المجموعة قد اكملت اربعين عاماً وهي تحت سقف القصة الستينية في السودان ومن روادها عثمان علي نور، مصطفى عوض الله بشارة وغيرهم ويرى ميرغني ان اهم ما يميز هذه المجموعة انها قصص المجموعة الطردية الأفقية بمعنى انها كتابة افقية وليست عمودية اي كتابة السرد والتتابع الأفقي المحكم الذي يطغى فيه الحدث على اللغة، وقال إن شاعرية عبد الله حامد الأمين لم تطغَ على السرد الحكائي التواصلي.

واردف قائلاً ان عبد الله حامد الأمين قد استخدم في هذه المجموعة (الراوي الثالث) وهو ذكاء كتابي يستطيع ان يعبر به وبطريقة خفية عن خلجات الكاتب وتعاطفه العميق مع ابطاله المعاقين والراوي يشارك ويتعاطف مع الشخصيات بدرجة الاسقاط الكتابي النفسي وهذا الفعل يحدث كثيراً في دنيا الابداع والأدب مثل تعاطف طه حسين مع أبي العلاء المعري.
وقال إن هذه الكتابة التشاركية ظهرت جلياً في هذه المجموعة القصصية مما جعلت شخصياتها لوحات انسانية حية فالكاتب هنا يعرف الفضاء الذي تدور فيه الأحداث (المستشفى، الجلوس على الكرسي المتحرك، الاعتماد على الآخرين في الحركة والجلوس وممارسة الحياة اليومية)، وأضاف ان المؤلف وبالرغم من تحيز وثقافة الكتابة إلا أنه ابتعد عن هذا المكان ولكن جعل شخصياته تتحرك في داخله بمعرفة ودراية مكانية كبيرة، مؤكداً ان هذا الابتعاد ايضاً ذكاءً كتابيا معتبرا لأن قرب الراوي الشديد قد يشوش الرؤية ويفرض الوصاية المقيدة على حركة الشخصيات بمعنى ان هذه المجموعة القصصية تجد أن الراوي يحرك الشخصيات بحركة خفية وهو نفسه متحركا من المؤلف الضمني بحركة ذكية وخفية.

واضاف ان هناك ثالوث يقود السرد في هذه القصص، المؤلف الضمني وهو الكاتب ذو التجربة الحقيقية في الاعاقة والصدق الواقعي بالمكان وبالاعاقة، الراوي العارف الذي يحيط بالتوجيه من المؤلف الضمني بما قبل الحدث وما بعده، الشخصية الضحية للقدر والموجهة لكي تدخل على ما حدث مثل ما فعل المؤلف الضمني وكما تحدث اعاقته، وقال ان هذا التوجيه الخفي لشخصية المؤلف لكي تقاوم وتتحدى الاعاقة وجعل الأمل ان يكون بطلاً للمجموعة القصصية وكما هو نفسه خرج كاتباً ونجماً ادبياً رغم اعاقته وقد ضخ كل هذا الامل وهذه القوة النفسية في كل الشخصيات وفي جميع القصص، واضاف ان توازن في القصة في كل هذه المجموعة يبدأ بالدهش والمفاجأة من الحادثة والشلل الفكري والنفسي قبل ان يكون شللا حسيا بعد ذلك يزداد وينمو عنصر الأمل وهذا يتم بواسطة عنصر بشري خارج الذات المصابة حتى تأخذ القصة مبدأ التشويق بعيداً عن التقريرية مرحلة الاحباط ومن بعد البدء في استعادة التوازن النفسي بواسطة حب انثوي او علاقة صداقة قوية او قرابة حنينة ثم مرحلة الانتصار والعودة للوقوف تحت الشمس من جيد اي ممارسة الحياة اليومية.ويمضي ميرغني قائلاً حتى لا تكون تجربة الاعاقة تجربة شخصية لا يحسها الا من كان كابدها فقد حولها الكاتب الى تجربة انسانية يمكن ان يتخيلها القارئ ويتعاطف معها، اضاف يمكن ان نطلق عليها كتابة التجربة الصادقة المعاشة او يمكن ان نقول عليها كتابة الألم الحقيقي وكسر المستحيل، وقال إن الكاتب في هذه القصص استطاع ان يجعل القارئ يعيش الألم ويحسه احساساً حقيقياً، واضاف ان الكاتب استخدم تكنيك الاسترجاع عندما جعل الشخصية المصابة تحكي ما حدث لها بنفسها وليس بواسطة الراوي حتى يحس القارئ بصدق الحدث ويعيشه والشخصية تدخل بضمير (الأنا) بهدوء وهو تدخل طبيعي وليس مصطنعاً، وقال إن هذه المجموعة (تحت الشمس من جديد) لا تندرج تحت قائمة الكتابة السايكلوجية وان تندرج تحت الكتابة الواقعية التي تكشف عن احتياج المعاق الى الأخذ بيده والتأقلم مع الاعاقة والاستمرارية في الحياة اليومية بصورة عادية.

وأضاف قائلاً انها كتابة المواجه بين الانسان والقدر وليس بين الانسان واخيه الانسان بالرغم من التزام القصص بالثالوث المقدس (البداية، الوسط، النهاية) الا أنها تحتوي على تكوينات السرد والقصة الحديثة وفيها استرجاع واستباق وتعدد في الرواة وفي الأصوات الساردة. ويرى ميرغني ان اللغة في هذه المجموعة القصصية محاصرة بالأحداث وهي لغة واقعية تم توظيفها لتبرز الاحباط واليأس ثم العودة بعد ذلك الى الحالة العادية واللغة عند الكاتب قادرة على استنطاق اللحظة الزمانية التي يعيشه فيها المعاق الذي يعاني ويتألم ولكن هذه الآهات لا تدوم طويلاً بعد ظهور الشخصية المساعدة لذلك اختفت لغة الانين والتوجع والانكفاء على الذت لأن المضمون اللغوي الذي كان موجوداً عند الكاتب يستطيع ان يمنع هذه البكائيات. وقال ميرغني إن النص في هذه المجموعة كائن واقعي ويمكن ان يوجد في الحياة العامة وقال إن النص ليس ضائقاً بغموض الرمز وهو كائن لا يبحث عن ذاته في الكتابة فهو قد انتصر على الاعاقة ولكنه يدعو المتلقي ليدخل عبر قشرة الواقعية الى النواة، واضاف بالرغم من تكرار المضامين في المجموعة (التشابه والمماثلة) أفلح الكاتب في ألا يجعل الملل يتسرب الى القارئ وذلك بتنويع الأسلوب في المدخل وفي النهاية المفتوحة وبالرغم من طغيان الواقعية على هذه المجموعة الا ان الكاتب اوصل ما يريده، مضيفاً ان لغة النص متينة وقوية استفادت من عصور الشعر الذهبية بالسودان ومواضيع بنائها هادفة وليست ضحلة ساذجة وتمتاز قصص هذه المجموعة بتكنيك الحركة والمفاجأة والتشويق بدون اي حيل كتابية ملتوية ورمزية غامضة وقال استفادت هذه المجموعة من تقنية جيل الجليد التي نادى بها همنغواي، بمعنى ان اللغة والمضمون يغمران اكثر مما يظهران، وأضاف ان اغلب ابطال هذه القصص ضحايا الآلة الحديثة قطار، ترام، الغام، وهل أراد الكاتب بأن يقول ان الاعاقة هي ثمن الحضارة والحديثة أم أراد ان يقول ان الانسان يحيا ويعيش بالتواصل والانسانية وان الشمس تغيب باليأس وتشرق بالأمل؟.
 
التعديل الأخير:
رد: قراءة نقدية للمجموعة القصصية (تحت الشمس من جديد)

الأخ الكريم : أسير التحدي
قدمت لنا موضوعاً شيقاً . غنيّاً ...
يقدم لنا توضيحاً , لنوعية وطريقة كاتب عربي , من الكتاب الأعلام , وخاصة بمجموعاته القصصية المبدعة .
شكراً لك
لك تقديري
 

عودة
أعلى