التصفح للزوار محدود

( قرة العينين في بر الوالدين )

bsm_allah.gif



قرة العينين في بر الوالدين:



بر الوالدين من أعظم الأعمال الصالحة بعد توحيد الله سبحانه وتعالى، وفي الشرع الحنيف من الآيات والأحاديث ما يدل على هذا الأمر وفضله، وفي قصص السلف أمثلة رائعة للبر بالوالدين، وفي الإسلام تتعدد صور البر وأشكاله للوالدين قبل الوفاة وبعدها، لكن تطل علينا في هذا العصر بعض التصرفات والصور المخالفة لبر الوالدين فتجد العقوق والإيذاء. مواضيع كثيرة طرحها الشيخ في محاضرته هذه، إضافة إلى بعض الأحكام الفقهية التي يحتاج إليها كثير من الناس.



بر الوالدين في القرآن:



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
Vy284429.gif
ورحمة الله وبركاته،، هذه المحاضرة عن بر الوالدين وهي بعنوان: (قرة العينين في بر الوالدين). ولا شك أن قرة العينين في بر الوالدين فعلاً، كيف لا وقد جاءت الآيات والأحاديث تبين هذا، وسنتعرض إن شاء الله لهذا الموضوع في عدد من النقاط، منها: 1- بر الوالدين في القرآن. 2- بر الوالدين في السنة. 3- بر الوالدين عند الصحابة و السلف . 4- فوائد من بر الوالدين. 5- صور البر وأشكاله قبل الوفاة وبعد الوفاة. 6- إيذاء الوالدين وعقوبة العقوق. 7- الموقف من الأب المشرك والأم الكافرة. 8- الوالد الفاجر والوالدة العاصية. 9- أحكام فقهية تتضمن: أ- حكم المال إذا أخذه الأب. ب- الاستئذان في السفر. جـ- قطع الصلاة لهما. د- تعارض بر الأب مع بر الأم. 10- ماذا يفعل الولد إذا أمراه بترك الواجبات أو فعل المحرمات أو الوقوع في المشتبهات؟ 11- وأخيراً: الشباب والدعوة وبر الوالدين.


بين الله سبحانه وتعالى أهمية بر الوالدين، لما عطف الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك على بر الوالدين، فقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36]، وقال عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23]، وقرن شكره بشكرهما، فقال الله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وبين الباعث على البر تهييجاً للنفوس، فقال عز وجل: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14]، وامتدح الله عبده يحيى، فقال: وَكَانَ تَقِيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً [مريم:13-14]، وكذلك حدّث عيسى عن نفسه في المهد بأن الله عز وجل جعله مباركاً، فقال: وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً [مريم:31-32]. وقال سبحانه وتعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24] فيه بيان أن بر الوالدين أعظم من بر الأصحاب؛ لأن الله قال في الأصحاب: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215]، وقال في بر الوالدين: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24]، ولا شك أن خفض جناح الذل من الرحمة أبلغ من مجرد خفض الجناح. ولذلك فإن هذه الآيات في سورة الإسراء: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] حتى هذه الكلمة اليسيرة التي تعبر عن الزجر لا تقلها، أو لا تقل أي عبارة تدل على الاستقذار والاحتقار، فأخذ الله علينا ألا نؤذي الآباء ولا الأمهات بأقل القليل ولا بكلمة (أف) وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] فلا يزجرهما بكلام، ولا ننفض اليد في وجوههما بأي طريقة تؤذي: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء:23] فلا تسمِ وتقل: يا فلان، ولا تغلظ عليهما بالقول فضلاً عن السب والشتم، وإنما تناديهم بالقول اللطيف، قال ابن المسيب رحمه الله في قوله تعالى: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء:23] قال: هو قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ فكيف يكون حاله.


بر الوالدين في السنة:



أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع كثيرة، فقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن للجنة أبواباً، وأن أوسط أبواب الجنة هو طاعة الوالد، فقال عليه الصلاة والسلام: (الوالد أوسط أبواب الجنة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (رضا الرب من رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما) وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم على من يدرك والديه فلا يبرهما، فقال: (رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما، ثم لم يدخل الجنة)، وكذلك أمن على دعاء جبريل لما قال: (يا محمد! من أدرك أحد أبويه فمات فدخل النار فأبعده الله، قال: قل: آمين فقلت: آمين)، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة تحت رجل الوالدة، فقال للصحابي: (الزم رجلها، فثمّ الجنة)، وقال: (الزمها؛ فإن الجنة تحت أقدامها) يعني: الوالدة. وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الذي يخرج من بيته يسعى على والديه فإنه في سبيل الله، أجره مثل أجر الخارج في سبيل الله، كما في حديث كعب بن عجرة عند الطبراني وهو حديث صحيح، قال صلى الله عليه وسلم: (إن كان خرج يسعى على صبية صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله).

يتبع




be7efz_allah.gif






bbr.gif
 
bsm_allah.gif



بر الوالدين عند الصحابة والسلف:



وأما سلفنا فإن الأنبياء قد ضربوا المثل وكذلك الصحابة والتابعين، فهذا نبي الله إسماعيل ابن نبي الله إبراهيم.. فلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102] فلما أطاق الفعل والمساعدة، فرأى إبراهيم الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق، صبر هو وأبوه، وصبر الولد على رؤيا الأب التي هي وحي، مع أن العلاقة بينهما كانت شديدة جداً، ألا ترى أنه قال في صحيح البخاري : (لما جاء إبراهيم ليرى إسماعيل بعد فترة طويلة من الغياب، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد)، وكذلك فإنه قد ساعده في بناء الكعبة وهو من أعظم الأفعال على مر التاريخ. كذلك إسحاق مع إبراهيم، ويعقوب مع إسحاق، ويوسف مع يعقوب ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:34]، وكذلك لقمان مع ولده. وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم ضربوا الأمثال، فهذا ابن عمر و عمر وبره به معروف، و ابن عمرو و عمرو بن العاص وبره به معروف، وهذه عائشة وأبوها، و جابر وأبوه، كل واحد من هؤلاء له قصص تدل على بره بأبيه، و قيس بن سعد بن عبادة وأبوه سعد بن عبادة ، و الحسن و الحسين وأبوهما علي ، و محمد بن طلحة بن عبيد الله سمي بـالسجاد من كثرة عبادته هو وأبوه، و الزبير وابنه عبد الله ، و عبد الله بن عباس وأبوه العباس ، وغيرهم من الصحابة آباء وأبناء كانوا بررة رضي الله تعالى عنهم. وقد كان الصحابة يُفَدون النبي صلى الله عليه وسلم بآبائهم وأمهاتهم، دلالة على أن من أغلى الأشياء عندهم الآباء والأمهات. وهؤلاء التابعون الذين ساروا على منوالهم، فهذا أويس القرني الذي حبسه اشتغاله بأمه وبره بها عن السفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففاتته الصحبة، لكنه كان مقيماً على طاعة أمه وبره بها، وقد احتبس معها في اليمن قائماً عليها، وهو الذي مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (خير التابعين أويس) .. (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم -الله عز وجل يذكره به حتى لا ينسى نعمة الله عليه- له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) فطلب منه عمر أن يستغفر له، وطلب منه الناس، فلما أحس بذلك هرب منهم، رحمه الله تعالى. وهذا ابن عمر كان باراً بأبيه بعد موته، أعطى حماره وعمامته لأعرابي كان أبوه صديقاً لـعمر. وأيضاً كان السلف من التابعين لهم مواقف، فهذا مسعر بن كدام رحمه الله كانت أمه عابدة، وكان يحمل لها لداً -شيئاً مثل البساط تصلي عليه- ويمشي معها حتى يدخلها المسجد، فيبسط لها اللد، فتقوم فتصلي ويتقدم إلى مقدمة المسجد فيصلي ثم يجلس، ويجتمع إليه من يريد فيحدثهم، كان من العلماء، لكن هذا العالم كان يأتي بأمه معه إلى المسجد، فيفرش لها السجادة تصلي ثم ينصرف إلى درسه، فإذا انتهى حمل لدها وانصرف معها. وكان زين العابدين -من سادات التابعين- كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة؟ فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها. و عبد الله بن عون نادته أمه من بعيد، فأجابها من بعيد، فعلى صوته صوتها -صار أرفع- فأعتق رقبتين. وكان هؤلاء رحمهم الله يحتسبون الأجر في برهم لآبائهم وأمهاتهم، قال محمد بن المنكدر : بت أغمز رجل أمي، وبات عمي يصلي ليلته فما تسرني ليلته بليلتي، ولا أظن أني أستبدل عملي هذا ولو بقيام الليل. وكان حيوة بن شريح وهو من كبار العلماء يجلس في حلقته يعلم الناس، فتقول له أمه: قم يا حيوة ! فألقي الشعير للدجاج، فيقوم فيطعمهم، ثم يرجع. وكان عروة بن الزبير يقول في سجوده: اللهم اغفر للزبير بن العوام و أسماء بنت أبي بكر . وكان أبو يوسف الفقيه يقول: اللهم اغفر لأبوي ولـأبي حنيفة . وكان طلق بن حبيب يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيته وهي تحته إجلالاً لها. ودخل أحدهم مع أبيه السجن، فاحتاج الأب لماءٍ مسخن، فمنعه السجان من الحطب، فقام الولد إلى إناء، فأدناه من المصباح، فظل واقفاً حتى الصبح؛ كي يجهز لأبيه ماءً دافئاً

يتبع




be7efz_allah.gif
 
bsm_allah.gif



فوائد من بر الوالدين



أما عن فوائد بر الأبوين فإنها كثيرة ولا شك:


من فوائد بر الوالدين: نيل مرضاة الله سبحانه وتعالى.
على رأسها مرضاة الله سبحانه وتعالى، والدخول من ذلك الباب العظيم من أبواب الجنة وهو باب الوالد، وكذلك كسب بر الأبناء في المستقبل؛ لأن من بر بأبيه وأمه بر به أبناؤه.


من فوائد بر الوالدين: إجابة الدعاء.


ومن أعظم فوائد بر الوالدين: إجابة الدعاء، كما عنون الإمام البخاري في صحيحه: باب: إجابة دعاء من بر والديه، ثم ذكر حديث الثلاثة أصحاب الغار: ( قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأة، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم حلبت لهما، فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل صبيتي، وإنه نأى بي ذات يوم الشجر، فلم آتِ حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحِلال وقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي -يصيحون ويبكون من الجوع- فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة فرأينا منها السماء).


من فوائد بر الوالدين: كفارة عظيمة للذنوب.


كذلك فإن بر الوالدين كفارة عظيمة للذنوب، عن ابن عمر : (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أصبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أم؟ قال: لا. قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم. قال: فبرها) أخرجه الترمذي ورجاله ثقات. وكذلك جاء عند البخاري في الأدب المفرد وإسناده صحيح على شرط الشيخين : [أن ابن عباس أتاه رجل، فقال: إني خطبت امرأة، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري، فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أأمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت، فذهب الرجل، فسألت ابن عباس : لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة] هذا قاتل. وكذلك جاء عن عائشة في قصة المرأة التي عملت السحر في دومة الجندل ، وقدمت المدينة تسأل عن توبتها، تقول عائشة : [فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم] لأنها جاءت على وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت تستفتي عن الكفارة، تقول عائشة : [لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها -أي: بالجواب- حتى إني لأرحمها تبكي، فروت قصة السحر وهي تقول لـعائشة : إني لأخاف أن أكون هلكت، سُقِطَ في يدي وندمت، والله يا أم المؤمنين ! ما فعلت شيئاً قط ولا أفعله أبداً، فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذٍ متواترون، فما دروا ماذا يقولون لها، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم، إلا أنهم قالوا: لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك] وجوّد ابن كثير إسناده عند ابن أبي حاتم.

يتبع




be7efz_allah.gif
 
bsm_allah.gif



صور بر الوالدين وأشكاله:



وأما صور البر وأشكاله فإننا معشر المسلمين نبر بآبائنا وأمهاتنا دائماً هكذا يجب علينا، أما الكفرة فإنهم قد اخترعوا عيداً بدعياً محرماً هو عيد الأم، ويقدمون فيه لأمهاتهم علبة من الحلوى أو هدية يوماً في السنة، ثم يهجرونها ويعصونها في سائر الأيام، وليس عندنا ولله الحمد عيداً يسمى عيد الأم، وإنما نحن نبر بالأم طيلة العام وكل أيام السنة ولا نحتاج إلى عيد. وصور البر وأشكاله كثيرة، فمن ذلك:


صور بر الوالدين قبل وفاتهما:



إحسان القول الذي يدل على الرفق والمحبة، وتجنب غليظ القول، وعدم رفع الصوت فضلاً عن ترك السباب والشتائم، والمناداة بأحب الألفاظ إليهما، ولا يناديهما باسمهما، يقول: يا فلان أو يا فلانة، بل يقول: يا أبي! يا أبت! يا أمي! وكذلك تعليمهما ما يحتاجان من أمور دينهما ودنياهما، وطاعتهما فيما يأمرانه به، فإن كان ما أمراه به واجباً؛ فإنه يزداد وجوباً، وإن كان مستحباً؛ يصير واجباً، وكذلك إن كان مباحاً في الشريعة؛ لا يحصل فيه ضرر واجب؛ فعليه أن يطيعهما، ولا يحاذيهما في المشي بل يتأخر عنهما إلا في حالة الظلام وخشية الأذى، فإنه يمشي أمامهما؛ ليستكشف الطريق، ويستأذن عند الدخول وعند الخروج وعند الجلوس. وعندما يطعنان في السن ويكبران؛ ينبغي أن يزداد الرفق بهما لحاجتهما إلى المساعدة، وكم من عائلة فيها أب كبير أو أم مشلولة تحتاج إلى تغيير، ويحتاج الأب إلى إزالة نجاسة.. ونحو ذلك، فعند ذلك لا يثبت على هذه الخدمة إلا من عصم الله قلبه وثبته؛ لأن كثيراً من الناس يأنفون ويتأففون، وهي قد كانت تزيل الأذى والنجاسة عنك وأنت صغير وهي فرحانة، وأنت لو أزلت النجاسة عنها وهي كبيرة فإنك تزيله وأنت قرفان، فشتان شتان بينها وبينك. وكذلك لا يحد النظر إليهما، ما بر بأبويه من أحد النظر إليهما، وأن يكون عندهما خاشعاً ذليلاً، وكذلك يستأذنهما في السفر، ويقوم لهما لو دخلا عليه، ويقبل اليد والرأس ويدعو لهما حيين وميتين، وكما قال الله عز وجل وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:24]، وكما قال نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28]. وينبغي عليه أن يسعى في إرضائهما وأن يتحمل المشاق في ذلك، وأن يجاهد نفسه، فقد روى البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح، عن أبي بردة قال: [سمعت أبي يحدث أن ابن عمر شهد رجلاً يمانياً يطوف بالبيت؛ يحمل أمه وراء ظهره، يقول: إني لها بعيرها المذلل، إن أذعر ركابها لم أذعر، ثم قال لـابن عمر : أتراني جزيتها؟ قال: لا. ولا بزفرة واحدة]، وفي رواية: [شهد ابن عمر رجلاً يمانياً يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره، يقول: إني لها بعيرها المذلل، إن أذعرت ركابها لم أذعر، الله ربي ذو الجلال الأكبر، حملت أكثر مما حملت، فهل ترى أني جازيتها يا بن عمر ؟ قال: لا. ولا بزفرة واحدة]، وفي رواية: [لا. ولا بطلقة واحدة، ولكن أحسنت، والله يثيبك على القليل كثيراً]. فهذه آلام الطلق التي تعرضت لها الأم من يجازيها عليه. وكان هناك رجلان من الصالحين في الطواف فإذا أعرابي معه أمه يحملها على ظهره ويرتجز، ويقول:

أنـا لا أزال مطيها لا أنفـر
وما حملتنـي ووضعتني أكثر
وإذا الركائب ذعرت لا أذعر

لبيك اللهم لبيك فقال أحدهما: نرمي وندخل في الطواف لعل الرحمة تنـزل فتعمنا. وقال أبو بكر رحمه الله في زاد المسافر : من أغضب والديه وأبكاهما فيجب عليه أن يرجع فيضحكهما كما أبكاهما، وذلك لحديث عبد الله بن عمرو قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه، فقال: جئت لأبايعك على الجهاد وتركت أبوي يبكيان، قال: ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما). ولأجل هذا أيضاً في قصة كلاب المشهورة وهو ولد أمية بن أشكر ، وهذا رجل أدرك الجاهلية والإسلام، وابنه كلاب من وجهاء وسادات المسلمين، وقد استعمل عمر رضي الله عنه كلاباً على أيلة ، وكان قد خرج مع المسلمين في الجيش، وصار أميراً على أيلة لـعمر ، فاشتاق الأب لـكلاب يوماً من الأيام، فقال:

لمن شيخان قد نشدا كلاباً كتاب الله لـو عقل الكتـابا
يناديني فيعرض في إبـاءٍ فلا وأبي كـلاب ما أصـابا
إذا سجعت حمامة ببطـن وادٍ إلى بيضاتها أدعو كلابا
تركت أباك مرعشة يـداه وأمك ما تسيـغ لها شـرابا
فإنك والتماس الأجر بعدي كباغي الماء يلتمـس السرابا

ثم سمع عمر بالقصة فاستنشد الشعر منه، فأنشده له، فرق للأب، وأنفذ خلف كلاب أن يقبل، فقدم ووصف بره لأبيه، وأنه كان يحلب له في الإبل، وكان الأب غير موجود، فقال له عمر : احلب لبناً، فحلبه الولد، وحضر أمية وكان لا يرى الولد، فسقاه عمر من الإناء الذي حلبه ولده في غيبته وهو لا يراه، فقال الأب: إني لأشم رائحة يدي كلاب ، فبكى عمر، وقال: هذا كلاب ، فضمه إليه. وقال عمر : جاهد في أبويك. قال ابن عبد البر : هذا الخبر صحيح. وبر الوالدين مراتب، وقد ضرب بعض العلماء مثلاً، قال: لو أن الولد أحضر في بيته طعاماً مستلذاًَ يشتهيه وأبوه غائب، فأرسل الولد خلف أبيه يدعوه إلى الطعام؛ كان براً شاكراً، ولو أرسل خلفه دابته لكي يأتي الأب عليها، كان في الشكر منه أدخل، ولو ذهب خلفه بنفسه كان في البر أجزل، فإن أمر الغلام بطرح الماء على يديه ليغسل فقد بره وشكره، وإن كان بنفسه طرح الماء على يده ليغسل الأب كان أبر وأشكر.. وهكذا. صحيح أن الولد قد لا يأثم بإهمال هذه الأشياء مثلاً، لكن الذي يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.


صور بر الوالدين بعد وفاتهما:



وأما بعد الوفاة فإن ما يمكن عمله للأب والأم كثير جداً، ومن أهم ذلك: الاستغفار والدعاء، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك) رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح. فتأمل.. ربما تكون أنت سبباً في رفع درجة أبيك في الجنة. وكذلك الصدقة، فعن ابن عباس رضي الله عنها، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمي توفيت، أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم. قال: فإن لي مخرفاً -فستان- فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها) وعن عائشة رضي الله عنها، (أن رجلاً قال: إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ فقال: نعم. فتصدق عنها) رواهما البخاري ، وبوب للأخير باب: ما يستحب لمن توفي فجأة أن يتصدقوا عنه، طبعاً هذا بالإضافة إلى إنفاذ الوصية وإحسان التجهيز والكفن والصلاة والدفن والدعاء، والحج عنه إذا لم يحج والعمرة عنه إذا لم يعتمر، وحتى لو حج واعتمر؛ فإنه يشرع له أن يحج عنه ويعتمر، ولا بأس بذلك. وبالإضافة إلى ذلك يقضي دينه، وهذا من أعظم ما يقدمه الأبناء نحو آبائهم وأمهاتهم، أن يبادروا إلى قضاء ديونهم. ومن الأمور كذلك: صلة أصدقاء الأبوين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد وفاة الأب)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده)، فإذا أردت صلة لأبيك المتوفى فصل أقرباءه أو صل أصحابه وأصدقاءه بعد موت الأب، زرهم وتفقدهم ولو بهدية. وعن أبي بردة قال: (قدمت المدينة ، فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لم أتيتك؟ قلت: لا. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده، وإنه كان بين أبي عمر وأبيك إخاء وود، فأحببت أن أصل ذلك) حديث صحيح. وهذا أمر يكاد أن يكون مفقوداً؛ لأن الشباب والأولاد يصلون ويزورون أقرانهم، وينسون أصحاب الأب وأقرباءه، وكذلك صاحبات الأم يمكن أن يتفقدها بهدية، أو إرسال سلام ونحوه.


يتبع




be7efz_allah.gif







 
bsm_allah.gif



ما ينفع الوالدين بعد الوفاة





كثيرا ما يتساءل البررة الأوفياء الكرام الأتقياء ماذا نقدم لآبائنا بعد مماتهم؟ فاللآباء فضل وللأمهات فضل، وللآباء حق وللأمهات حق، فلا يصح منّا وقد ربيانا صغاراً ورعيانا شباباً وكباراً أن نتناسى حقوقهما، أو أن نغفل عن فضلهما !



وكيف نغفل عن حقوقهما ، وهى أعظم الحقوق على الإطلاق بعد حق الله ورسوله ؟! كيف وقد قال تعالى :{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياّه وبالوالدين إحسانا } ]الإسراء 23] – كيف وقد قال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } ]النساء 36]


فلزاماً أن نحسن إلى الوالدين فى الحياة وبعد الممات وللجواب على سؤال المحسنين البررة والمؤمنين : ماذا نصنع للوالدين بعد الممات ؟ نقول – وبالله التوفيق –




الاستغفار للوالدين والدعاء لهما وطلب الرحمة :





قال تعالى :{ وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا } [الاسراء 24]وقال النبى صلى الله عليه وسلم :" إذا مات أبن أدم انقطع عمله إلا من ثلاثة ، صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " مسلم


وقال عليه الصلاة والسلام :" إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح فى الجنة فيقول : يارب أنّى لى هذه ؟ فيقول استغفار ولدك لك [أحمد]فى المسند 2/905


وعليه فينبغى أن يُشرك الشخص والديه فى دعائه فيدعو لهما كما يدعو لنفسه ويستغفر لهما مع استغفاره لنفسه.




وعليك بأداء الدَّين عن والديك ما استطعت إلى ذلك سبيلا :







فتركة الوالدين لا تقسم إلا بعد أداء الديون التى عليهما كما قال تعالى :{ من بعد وصية يوصى بها أو دين } ]النساء ومن شدة أمر الدين أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لايصلى على من عليه دين ففى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين"وفى رواية أخرى" القتل فى سبيل الله يكفّر كل شىء إلا الدين "





الصدقة الجارية :






الصدقة عن الميت يصل ثوابها إليه وينتفع بها والدليل ما أخرجه البخارى من حديث بن عباس رضى الله عنهما أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أمى توفيت أينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال نعم ؟


وعند مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، صدقة جارية، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له"




الصوم عن الوالدين :




فيجوز الصيام عنهما إذا ماتا وعليهما صيام


*أخرج البخارى ومسلم :" جاءت امراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إن أمى ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها ؟ قالت نعم ، قال : فصومى عن أمك "


* وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات وعليه صيام .. صام عنه وليّه"




الحج عن الوالدين مستحب إذا ماتا أو كانا كبيرين لا يستطيعان الحج :





(وذلك إذا كنت حججت عن نفسك ) ومما يدل على ذلك ما أخرجه البخارى ومسلم ....جاءت النبى ( صلى الله عليه وسلم) امرأه قالت يارسول الله إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا ، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه؟ قال : "نعم" وذلك فى حجة الوداع



* والعمرة أيضا جائزة عن الوالدين إذ هى جزء من الحج – فعن أبى داود والنسائى والترمذى وابن ماجه وأحمد وغيرهم عن أبى رزين أنه قال : يارسول الله إن أبى شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن ، قال : " احجج عن أبيك واعتمر".




قضاء النذر عن الوالدين :





وإذا مات الوالدان أو أحدهما وعليهما نذر أدّى ولدهما عنهما هذا النذر، أخرج البخارى أن سعد بن عبادة الأنصارى استفتى النبى صلى الله عليه وسلم فى نذر كان على أمه فتوفيت أمه قبل أن تقضيه فأفتاه أن يقضيه عنها فكانت سنة بعد




استرضاء الخصوم :





وإذاكانت ثمّ شحناء بين الوالد وبعض الناس قبل الممات ، وكان الوالد فيها ظالما فقم بتأدية المظالم إلى أهلها ، واطلب عفو الناس عن أبيك ودعائهم له وكذا والدتك


وأبر البرّ أن يصل الرجل أهل ودٍّ أبيه:


وذلك كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أيضا من حسن العهد ، ومن الوفاء والصلة المحمودة .


فصلْ عمّاتك وأعمامك ، وخالاتك وأخوالك واعلم أن الله يأجر والدك على تلك السنة الحسنة التى سنّها لك


* وكذلك فى أبواب السنن الحسنة فتحيى السنن الحسنة التى كان يفعلها أبوك حتى يؤجر ويثاب ويجرى عليه عمله الصالح ويجرى عليه رزقه فى قبره .



* وإذا كان أبوك يكفل أيتاماً وفى وسعك أن تكفلهم فلا تشعرهم بانقطاع الكفالة بل واصل العطاء وواصل الكفالة فتؤجر ويؤجر والدك لكونه سنّ لك سنة حسنة


*أحسن إلى الجيران كما كان أبوك يحسن إليهم ، وقدم لهم الهدايا الحين بعد الحين


* عُدالمرضى الذين كان أبوك يعودهم ، واتبع الجنائز كما كان أبوك يفعل.


* أصلح بين الناس كما كان أبوك يُصلح ولا تبغ الفساد فى الأرض فإن الله لايحب المفسدين .


* اعمر مساجد الله كما كان أبوك يعمرها ، بل وإن استطعت الزيادة فلتزد ، ففى ذلك خير


وواصل مسيرة الخير التى سار فيها والداك



وأصلح ما أفسده الوالد :




وإذا كان الوالد قد اقترف سوءاً أو جََّره إلى مسلم أو ظلم شخصا أو قطع رحما أو اختلس أو سرق فعليك إن كنت تريد رحمة والدك مما هو فيه من العذاب فعليك أن تصلح ما أفسده الوالد ، فتصل الرحم المقطوعة ، وترد الأموال المغصوبة وترفع الظلم عن المظلومين


إذا كان والدك منع إخوتك من الميراث فأعط البنات ميراثهن إنقاذاً لوالدك من ظلمات القبر وزلات الصراط والعذاب يوم الوعيد .


*إذا كان والدك قد أوصى بوصية جائرة ظالمة فلا تمضها فالوصية الجائرة منكر يجب تغييره


* إذا كان والدك أو والدتك قد أوصياك بقطع أرحامك فلا تقطع الأرحام




وهذه هدية للوالدين قدمها لنفسك ولهما :





أخرج الإمام أحمد بسند حسن قال : كنت جالسا عند النبى صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول " تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة " قال : ثم مكث ساعة ، ثم قال : تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهروان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف ، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له : هل تعرفنى ؟ فيقول : ما أعرفك ، فيقول : أنا صاحبك القرآن الذى أظمأتك فى الهواجر وأسهرت ليلك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته ، وإنك اليوم من وراء كل تجارة ، فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا ، فيقولان : بما كسبنا هذه ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن ، ثم يقال له : اقرأ واصعد فى درجة الجنة وغرفها ، فهو فى صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلاً.




أما قراءة القرآن ووهب ثوابها للميت :





فلم أر دليلا صريحاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيد أنه فعل ذلك ، ولا أنه حثّ عليه ولا أمر به .. ومن قال : إن الميت ينتفع بسماع القرآن ويؤجر على ذلك ، فقد غلط ، لإن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "


من كتابات الشيخ/ مصطفى بن العدوى( ما ينفع الوالدين بعد الوفاة )




be7efz_allah.gif








 
bsm_allah.gif



إيذاء الوالدين وعقوبة العقوق:



أما عقوق الوالدين فهو شنيع شنيع شنيع، وإيذاء الوالدين من أعظم الكبائر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من لعن والديه) ولو بطريق غير مباشر؛ كأن يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه، فيكون هو المتسبب في إعادة اللعنة والسب على أبيه وأمه؛ لأنه عندما سب أبوي الآخر أخذت الآخر العزة بالإثم فسب أبويه، فهذا الساب أعاد السب على أبويه بسببه هو. وبعض الناس لا يكتفي بالعقوق أو معصية الأبوين، وإنما يجاهر بالسوء والفحشاء، فيقنط ويقهر أبويه، ويرفع الصوت ويتأفف، ويقول لأحدهما: أراحنا الله منك، وأخذ بعمرك، وعجل بزوالك يا شيبة النحس! ويا عجوز الويل! وحاله وحال أبيه كما قال الشاعر:

أريد حياته ويريد موتي ......................

وربما يصل العقوق إلى درجة أن يتمنى الوالد أنه لم يلد له هذا الولد، وربما لو كان عقيماً كان أحسن، وقد ينهب بعضهم مال أبيه، وربما طرد أباه من البيت، ويمنع عنه النفقة، وقد يلطمه، وقد يحجر عليه، وقد يقول لأبيه: قد أخذت حقك، واستوفيت أجلك، وسئمتك الحياة، وملَّك الزمان، يا ليتك تموت ولم تحمل. قال الحسن : انتهت القطيعة إلى أن يجابي الرجل أباه عند السلاطين. أي: يخاصمه في المحاكم، وخصوصاً إذا كان بغير حق، وهذا العقوق لو صادف دعوة من الأب أو من الأم على الولد فإن دعاء الأب على ولده ودعاء الأم على ولدها مستجاب، ما بينها إلا مسافة تقطع في لمح البصر، تصعد دعوة المظلوم إذا كان أباً أو أماً إلى السماء، فيجيب الله عز وجل. ذكر أن شاباً كان مكباً على اللهو واللعب لا ينفك عنه، وكان له والد صاحب دين، كثيراً ما يعظ هذا الابن، ويقول له: يا بني! احذر هفوات الشباب وعثراتهم، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألح عليه زاد له في العقوق، وجار على أبيه، ولما كان يوم من الأيام؛ ألح على ابنه في النصح على عادته، فمد الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله مجتهداً ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام، فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:

يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا عرض البسيطة من قرب ومن بعد
إني أتيتك يا من لا يخـيب مـن يدعوه مبتهـلاً بالـواحـد الصـمد
هذا منازل لا يرتد مـن عـقـق فخذ بحقي يا رحمـان مـن ولـدي
وشل منـه بحـول منـك جانبـه يا من تقـدس لـم يولـد ولـم يلـد

فقيل: إنه ما استتم كلامه حتى يبس شق ولده الأيمن: (ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الوالد على ولده) .. (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده) حديثان صحيحان، فيستجاب دعاء الأب والأم على الولد أو للولد، فكن باراً تنل دعوة مستجابة، ولا تكن عاقاً فتنل دعوة عليك مستجابة، والذي يعق والديه لا شك أنه لا يقدر ما حصل منهما تجاهه، وليس عنده عرفان ولا شكر جميل ولا اعتراف بالنعمة، كما قال أحد الآباء معبراً في عتاب ولده

غذوتك مولـوداً وعلتـك يافعـاً تعل بما أحنو علـي وتنـهل
إذا ليلة ضافتـك بالسقم لـم أبت لسقمك إلا ساهـراً أتمـلمـل
كأني أنا المطروق دونك بالـذي طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنني لأعلم أن الموت وقت مؤجـل
فلما بلغت السن والغـاية التـي إليها مدى ما كنت فيك أؤمـل
جعلت جزائي غلظة وفظـاظة كأنك أنت المنعـم المتفضـل
فليتك إذ لم تـرع حـق أبـوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل

ليتك فعلت مثل الجار، لو كان يدري الابن أية غصة قد جرعت، هذا لو أن إنساناً فارق أباه وذهب عنه. بعض الأبناء والأولاد لا يقدرون مشاعر الأبوين إذا سافر الولد، مع أنه يعتري نفوسهما كثير من الأثر النفسي؛ لأن الولد له فنون وأصدقاء وعالم آخر، فهو يذهب ويسافر ولا يفكر في استئذان أبويه:

لو كان يدري الابن أية غصة قد جرعت أبويـه بعـد فـراقه
أم تهـم بوجـده حيـرانـة وأب يسـح الدمـع مـن آمـاقه
يتجرعـان لبيِّنـه غصـص الردى ويبوح ما كتماه من أشواقه
ذرفا لأم سل من أحشـائهـا وبكى الشيـخ هـام فـي آفـاقه
ولبدل الخلق الأبـي بعطفـه وجزاهما بالعـدل مـن أخـلاقه

ونحن الآن مع قرب قيام الساعة زيادة في عقوق الأبناء لآبائهم، فيقدم رجل زوجته على أبيه وأمه، ويبر صديقه ويجفو أباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولكن اعلموا أن هذه المسألة دين ووفاء، وأن من عق أباه وأمه أرسل الله عليه من أبنائه من يعقه ويعاقبه، كما ذكر أن عاقاً كان يجر أباه برجله إلى الباب، فعاقبه الله بأن كان له ولد يجره برجله إلى الشارع، فيقول الأب: حسبك! ما كنت أجر أبي إلا إلى الباب، فيقول الولد: هذه الزيادة صدقة مني عليك. وبعضهم يتكبر على أبويه خصوصاً إذا كان صاحب شهادة علمية أو جامعية، والأب فلَّاح أو فقير أو عامي أو أمي ومثل ذلك، ولما جاء رجل من الخارج معه شهادة عليا وجاءه أصحابه يزورونه في البيت في بلده، وكان أبوه مزارعاً فقيراً، وهيئته هيئة فلاح فقير، فلما دخلوا عليه في البيت خجل أن يقول لهم هذا القروي هذا أبي، فقال: هذا خادم عندي. وهذا إنسان -هذه قصص واقعية- أخذ من أمه عشرين ألفاً لم يرجعها، والثاني أخذ اثنا عشر ألفاً ولم يرجعها، فلما طالبت الأول قال: أنتِ سكنتِ في البيت عندي ثلاث سنوات تأكلين وتشربين، اعتبري العشرين ألفاً هذه إيجار ثلاث سنوات ونفقة الأكل والشرب. وهذه بنت تطلب منها أمها نقوداً، تقول: لا أعطيك، ولو سألتيني مرة ثانية لا أدخل بيتك. ولذلك يروى في الأمثال ما يقارب القصص والأخبار أشياء من الأمور المعبرة: هذا رجل متزوج قالت له زوجته: لا بد أن تذهب بأبيك خارج البيت، لا نستطيع أن نتحمل هذا الطاعن في السن.. هذا أخلاقه لزقة.. هذا وهذا، لا بد أن تخرجه، فهمّ أن يخرج به إلى كهف ومغارة ويضعه هناك، فأخذ الزوج أباه الطاعن في السن، وفي الطريق قال الأب لابنه: أتطرحني في الكهف وهناك برد، هلَّا أتيت لي بلحاف، وكان لهذا الابن ابن وهو حفيد الجد المأخوذ إلى الغار، فقال الأب لولده الصغير: اذهب وهات لحافاً لجدك، وكان هذا الولد الصغير ذكياً، فذهب وجاء بنصف لحاف، فأعطاه لأبيه، وقال: هذا لجدي الذي طلبت، فقال: هذا نصف لحاف، فأين النصف الآخر؟ قال: خبأته لك يا أبي. وهؤلاء المتزوجون لا يحترمون أمهاتهم في كثير من الحالات، فتراه يبتعد عن أمه، مع أنه قد لا يكون له حاجة للذهاب، وإذا سألته: إلى أين تذهب؟ قال: مالكِ؟ ماذا تريدين؟ ونهرها، ولا يأتيها ولا يسألها ولا يقول: ماذا في خاطرك؟ وماذا تريدين؟ ولا يبدي استعداده لعمل الأشياء لها. هؤلاء الذين يخرجون من البيوت ينشغلون بزوجاتهم، ويبتعدون عن آبائهم وأمهاتهم وتحس الأم بفراغ كبير من جهة ولدها، وتحس بأن الزوجة قد أخذت ولدها عليها بالكلية، وهذا يسبب الغيرة بين الأم وزوجة الابن. ومجتمعنا فيه آفات وشرور كثيرة، وبعد الناس عن الدين سبب مآسٍ، تقول إحدى الأمهات: إني أصيح عند ربي، وربما يصل الحال بي من عقوق ولدي أن أدعو على نفسي وعلى بطني الذي حمله وعلى الثدي الذي أرضعه، قالوا لي: اشتكي عند الجهات الرسمية يسحبون جوازه، وأنا لا أريد لولدي الفضيحة، لكن لا يسأل عني وراتبه كبير، وبالشحاذة أخرج منه بمائة ومائتين، وإذا كلمته عن السفر إلى الخارج للعلاج، قال: أنت رجعية. تقول: جلست في المستشفى ثمانية أيام لم يسأل عني إلا مرة، ويكذب علي، تقول: أنا يمكن أقف أمام الله وأصيح وأطلب ربي وأدعو عليه دعوة لا يردها الله، لكن لا أريد الضرر لولدي ولا الأذية، وعنده زملاء في العمل عندهم عوائل يسافرون إلى الخارج، أمه تقول: انظر إلى أقربائك المستقيمين يقول: لا تقولي: انظر إلى فلان وفلان، كل واحد له طبيعته، تقول: تعبت عليه وربيته وهو الآن يغلق الباب ويمشي إذا ما أعجبه الكلام. وهذه تقول: ولدها لا يصلي ويسكر، ويرفع يده على أمه وهي ربته وتعبت عليه، وهو يتيم وأنفقت عليه ولا يعطيها قرش واحد، ويصرف راتبه على أصحاب السوء وفي المخدرات. وبعضهم لا يكون عنده لطافة ولا حسن أدب حتى في الاتصال بأهله، فيجعل زوجته تذهب إلى بيت أبيه وتزورهم بالنيابة عنه، وتتصل عليهم بالهاتف، وتقول: خذ كلم أباك. لا نريد -يا أيها الإخوة- أن نكون مثل الكفار الذين اشتدت عندهم المآسي من هذا النوع، وتقرأ: هذه قتلت أباها، وهذه طعنت أمها عدة طعنات، حتى ظنت أنها ماتت وأخذت النقود وهربت مع عشيقها، أولئك الكفرة وضعوا آباءهم وأمهاتهم في مصحات ودور الرعاية، حتى صار الحال أن يفتخر الأب أمام الآباء الآخرين في دار الرعاية أن ابنه يزوره مرة في الشهر، وأنه إذا ما استطاع أن يزوره مرة في الشهر يتصل به هاتفياً. وذلك الذي رضي بعد التوسل أن يبقي أمه عنده شريطة أن تعمل في كنس البيت والزبالة وجلب الأغراض للمنـزل، ويعطيها أجرة مقابل خدمة السكن. وأنتم تسمعون عن الجرائم الكثيرة التي تحصل، ومنها: من قتل أمه واستعمل سكيناً، أو استعمل قالباً من الأسمنت، وتعاون على قتلها هو وزوجته، وغير ذلك من القصص في الواقع؛ لأننا نحن نقلد الكفرة ونسير وراءهم حذو القذة بالقذة، وينبغي أن ينتبه حتى الشباب المتدين إلى برهم بآبائهم وأمهاتهم، فبعضهم يستخدم الشدة في الكلام، وصفق الأبواب، ورفض الخدمة وجلب الأغراض، فضلاً عن أولاد السوء الذين يعملون أكثر من هذا بكثير كما ذكرنا. وبعض الأولاد يقاطعون آباءهم لأمورٍ دنيوية، فإذا رفض الأب أن يشتري له سيارة فإنه يقاطعه ولا يكلمه.


يتبع




be7efz_allah.gif









 
bsm_allah.gif



الموقف من الأب المشرك والأم الكافرة:



أما بالنسبة للموقف من الأب المشرك، فإن الآيات والنصوص قد جاءت في تبيان هذا، وعلى رأس الأمثلة قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * < إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * < يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * < يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * < يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً [مريم:41-45] بالرغم من صلافة الأب وشدته، قال: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً [مريم:46] بالرغم من هذا كان موقف الابن إبراهيم عليه السلام في غاية اللطافة قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً [مريم:47] وهذا إبراهيم اهتم بأبيه وتلطف معه في الخطاب وهو كافر، وهو يقول: يا أبت! في غاية التأدب، ولم يقل له: أنا أعلم منك، وأنت جاهل وأنا عالم، وإنما قال: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ [مريم:43] وهو النبوة. وكذلك بيَّن له بالحجة والدليل، ولم يقل: افعل ولا تسأل: لماذا؟ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:42] وهو يبدي شفقته على أبيه في أثناء الخطاب والدعوة، ويقول: (( يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ))[مريم:45] فتأمل في هذا الخطاب.. ما أحسنه! وما ألطفه! مع كون الأب كافر من أعداء إبراهيم. وهذه قاعدة المعاملة قد جاءت بها النصوص الشرعية عندما قال الله عز وجل: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [لقمان:15] أي: ليس فقط إذا كان كافراً أو مشركاً، وإنما حتى لو أمرك بالشرك ماذا تفعل؟ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [لقمان:15] لأن طاعة الله مقدمة وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] مع أنهما يأمران بالشرك ويأمران بالكفر. وفي صحيح مسلم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنه نزلت فيه آيات من القرآن، قال: (حلفت أم سعد ألا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله أوصاك -انظر إلى الحرب النفسية من الأم المشركة لولدها المسلم- بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا، قال: فمكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية) وكانت تريد أن يعير بها، فيقال: يا قاتل أمه! بقيت لا تأكل ولا تشرب، لكنه بيّن ثباته على العقيدة، وأنه لن يتزحزح عن دينه. وكذلك من الأصول الشرعية في معاملة الوالدين إذا كانا على الكفر قول الله عز وجل: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]. ولذلك جاء في صحيح البخاري، عن أسماء قالت: (قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم، إذ عاهد النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيها، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة في صلتي -راغبة في زيارتي أن أكرمها- وهي مشركة، أفأصلها؟ قال: نعم. صِلي أمك) لا يمنع ذلك، فالوالدان لهما أحكام واستثناءات خاصة. وقال ابن جرير رحمه الله: بر المؤمنين للكافرين للقرابة لا يحرم؛ إذا لم يكن فيه التقوية على الحرب بكراع أو سلاح، أو دلالة على عورة أهل الإسلام لحديث أسماء ، فهذا هو الموقف من الأب والأم الكافرين والمشركين.



الموقف من الوالد الفاجر والوالدة العاصية:



إذا كان الأبوان فاجرين أو فاسقين -قد يوجد للإنسان أب فاسق أو أم فاجرة ونحو ذلك- فعليه أن يدعوهما إلى الله ويأمرهما بالمعروف وينهاهما عن المنكر. قال الإمام أحمد : يأمر أبويه بالمعروف وينهاهما عن المنكر، إذا رأى على أبيه أمراً يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له بكلام وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي، وقال: إذا كان أبواه يبيعان الخمر؛ لم يأكل من طعامهم ويخرج عنهم. وسأل رجل أبا عبد الله : إن أباه له كروم -بساتين عنب- يريد أن يعاونه على بيعها؟ قال: إن علمت أنه يبيعها ممن يعصرها خمراً فلا تعاونه. إذاً: الأب والأم إذا كانا فاجرين فاسقين عاصيين، لا يعينهما الولد في المعصية، وأحياناً يصل الأمر ببعض الحالات أن يكون الأمر في غاية الوقاحة، وهذه قصة واقعية: بنت اكتشفت أن أمها -والعياذ بالله- تفعل الفاحشة، فنبهتها ووعظتها، والأم تقول: لا تغضبيني، وتؤلف من عندها كلاماً تقول: الأم إذا كانت زانية، تغسلها بنتها من جنابة الزنا -أي: إنه يجب عليكِ أن تبري- فعليها أن تعظها وتذكرها بالله وتبين لها بالأدلة. والآن الفساد في المجتمع له حالات كثيرة، فتجد فسق الأبوين مع صلاح الأولاد، فتداخلت الأمور والأشياء، واختلف الأمر عما كان في الزمان الأول، والهداية إذا شملت كثيراً من الشباب والحمد لله فإنه قد ينتج أنه يكون هناك مفارقات في البيت، فينبغي أن يكون الموقف حكيماً والتبيان حاصل، ولو استدعى الأمر واستعان بأقرباء أو التنبيه؛ لأنه قد يكون واجباً تبليغ زوج هذه المرأة بحالها حتى يقوم عليها، فعند ذلك يبلغ ولا يعتبر من العقوق.

يتبع




be7efz_allah.gif
 
bsm_allah.gif



الشباب والدعوة وبر الوالدين:



نأتي في نهاية المطاف إلى موضوع علاقة الشباب بآبائهم وأمهاتهم في مجال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. نقول أيها الإخوة: لا شك أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فيها متطلبات، وتحتاج إلى تضحيات وتقديم أوقات وأموال، وكذلك الأبوان يحتاجان إلى بر، ويجب ألا يفصل الشاب بين بر الوالدين والدعوة إلى الله، ويقول: أنا نذرت نفسي للدعوة وطلب العلم، يعني أن الوالدين ليس لهما حق في هذا، هذا خطأ، ويجب أن يكون بر الوالدين داخل في ضمن الدين والعبادة، بل هو كذلك ومنه فلماذا يفصل؟ وبعضهم يقدم طاعة إخوانه والشباب من أصحابه على طاعة والديه في جميع الأحوال وهذا خطأ، ولذلك فإن طاعة الوالدين مقدمة ولا شك. ونأتي هنا إلى مسألة: إذا قال الأب لولده: لا تطلب العلم، ولا تحضر ولا حلقة؟ فهل يطاع لا شك أن هذا لا يطاع؛ لأن هذا تحكم بلا دليل، وفيه ضرر على الولد بحيث يمنعه من حضور حلق العلم بالكلية، لكن لو قال: اليوم لا تحضر، تعال أريدك؛ يذهب مع أبيه، أما أن يمنعه من طلب العلم بالكلية؛ فهذا لا يطاع. كذلك لو قال: لا أريدك أن تدعو إلى الله سبحانه وتعالى أبداً؛ فأيضاً لا يطاع فيه. لكن لو كان له مشوار مع شخص من المدعوين، وحضرت حاجة للأب فيقدم الأب فإن له الحق الشرعي. كذلك إذا قال له: لا تصحب إخوانك في الله، ولا بد عليك أن تعتزلهم، فهذا الأمر الكلي بالاعتزال لا يطاع فيه؛ لأن فيه ضرر على الولد وفقد الرفقة الصالحة، وربما حصل للولد فيه انتكاسة، ولذلك لا يطاع في هذا. لكن لو قال: أنت إلى أين ذاهب؟ قال: أذهب مع إخواني في الله. قال: أحتاجك في الذهاب معي إلى السوق؛ يقدم الأب ويذهب معه إلى السوق، لكن أن يقول: لا تذهب معهم مطلقاً فلا يطاع في هذا. وينبغي على الشباب والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أن يرفقوا بآبائهم وأمهاتهم، وألا يضغطوا عليهم الضغط الذي يسبب لهم كسر الخاطر، ويسبب لهم الضيق، ولا يفرض عليهم الأمر فرضاً، يقول: ارض بالواقع وإلا أعصيك، إما أن تعطيني الموافقة وإلا أعصيك، فهذا لا يصح أن يفعل مع الأب أو الأم. ويجب أن نفرق بين رفض الأب والأم شيئاً ضرورياً للابن شرعاً، كطلب العلم والزواج، وبين أن يرفض له أموراً يمكن للابن أن يستغني عنها دون ضرر عليه في الدين، أي: هناك فرق بين أن يرفض للابن أو يأمر الابن بشيء فيه ضرر على نفسه ودينه، وبين أن ينهاه عن شيء فيه مشقة عليه، لكن يمكن أن يتحمل ولا يتأثر منه، فيطاعان فيه. وعند النظر في أمور الدعوة والتربية؛ فإنك تنظر هل هذا الأمر ضروري بالنسبة لك، وهل إذا لم تفعله تأثم مثلاً أو تتضرر في دينك أو يحصل لك انتكاسة؟ فإذا كان يحصل وليس للأب منفعة أو الأم بأمرهما؛ إذاً لا يطاعان، وتعمل هذه العبادة، وإذا كان لا يحصل عليه ضرر في دينه، ولا يأمرانك أمراً نهائياً كلياً عاماً، وإنما المرة بعد المرة قد تفوت عليك مناسبة حلقة، درس، مرة فهنا تلزم الطاعة. ويجب أن نفرق كذلك بين أسباب مواقف الآباء إذا منعوا أولادهم من مرافقة أهل الخير، إذا منعه عداءً للدين وأهله قال: أنا لا أحب المتدينين أبداً، لا تمشِ معهم. هذا ليس له طاعة، قد يخاف على ولده من أمور متوهمة، فهنا الابن يراعي المقصد الحسن للأب؛ لأنه يخاف عليه، يراعي ذلك ما استطاع، وأحياناً يفعل ذلك الأب والأم تحكماً، يقول: لا تفعل كذا.. لا تذهب مع فلان.. لا تذهب مع هؤلاء.. لا تحضر درساً في كذا.. افعل.. نفذ، فهذا ذكرنا فيه أن هذا المنع بالكلية لا وجه له شرعاً. وأحياناً يظن الأب أن المصلحة الدراسية للولد أن يدرس طيلة الوقت وألا يخرج مع إخوانه في الله وألا يحضر مجلس علم ونحو ذلك، قصد الأب ألا يضيع الولد الدراسة، فعلى الولد أن يثبت للأب أنه ليس بمضيع للدراسة، وأنه يقوم بها حتى يتشجع الأب على السماح لولده. وختاماً: فإنا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم البر بآبائنا وأمهاتنا، وأن يجعلنا من القائمين بحقوقهما والعاملين على إرضائهما في طاعته سبحانه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

TNg65342.gif
بتصريف




be7efz_allah.gif
 
اللهم ارزقني رضاهم والجنة
بارك الله فيك اخيتي
 

عودة
أعلى