التصفح للزوار محدود

ســــعدى، من قصصي

بسم الله الرحمن الرحيم



في كنف وادي محيل سكن "ناصر" مع زوجته المريضة التي لم تنجب سوى طفلة واحدة اسمها " سعدى". و كان يعيش وحيدا مع زوجته و طفلته بعيدا عن القرية بكيلو متر واحد. كانت اسرته عنوانا للفقر و التعب و المرض، حيث زوجته لا تقدر ان تقوم من رقدتها و كان زوجها يعتني بها اعتناء دقيقا و وفيا.
و كان ناصر يذهب الى القرية في كل يوم يبيع بعض ما يجد عنده سواء شعر الماعز او الحطب او ما يحصل عليه من الجبل و الوادي من عسل او غيره. و اذا لم يكن لديه شيء فهو يذهب يجلس مع بعض الرجال يعرف الاحوال و الاخبار و التطور. كان فقره يمنعه ان يعيش مع اهل القرية و مرض زوجته ثقلا يبعده عن القرية، لم يكن قادرا على بناء منزل كمنازل الناس في القرية فهو فقير لحد لا يجد الا ما يأكله هو و اسرته ليوم واحد فقط.
كان له حمار يسير به الى القرية يحمل عليه متاعه الذي يبيعه او يشتريه. حاول الكثيرون الحصول على الحمار لما فيه من ميزات النشاط و القوة و الشكل الجميل، فكان الحمار يحمل اغراضه دون ان يسير خلفه صاحبه، فهو يعرف الطريق و يقف في المكان الذي اعتاد ناصر ان يتركه فيه، و كان يرفض اي احد يقترب منه و يلمس المتاع الذي على ظهره دون حظور ناصر، لهذا اراده الكثيرين الا ان ناصر رفض بيعه.
أما سعدى فكانت تعيش وحيدة بين والديها و لا تعرف معنى للمرض او التعب او الفقر، كانت تلعب و تضحك و تسعد دون معرفة ما يدور حولها من شؤم و متاعب. و اجمل ألعابها حبلا معلقا في غصني "سمرة" تتأرج فيه و تترنم بصوتها العذب الذي يحبه والديها و يسعدان لسماعه. الصخور و الفراشات و الجراد و الماعز و الطيور افضل اصدقائها.. اذا نطت الجرادة من شجيرة الى شجيرة ظنت تلاعبها و تركض خلفها بضحكاتها الدافئة و رقصاتها الجميلة..
في أول يوم طلبها ابوها ان تذهب معه الى القرية كان اجمل يوم في حياتها فهي رحلة شيقة رائعة تساوي رحلات الاغنياء الى عالم ديزني و اجمل حدائق الالعاب الكهربائية. و هي تسير مع والدها تندهش عندما ترى اشكال الصخور و الاشجار و تضحك كلما مرت على غصن ملتوي او صخرة منشقة او بها ثقب، كانت ضحكتها ترن لها ارجاء المكان ، لم تكن تلك الضحكة سوى فرحة صادقة لم تمسها احزان الحياة و لا تعاسة الإنسان. و عندما وصلت الى القرية و شاهدت النخيل و البيوت و العمارات وقفت مندهشة فاتحة فمها و قفت كأنها ميتهة من غرابة المشهد الذي تراه.. انها بنايات و اشجار كثيفة جدا و عملاقة.. لم تشاهدها من قبل، يال الغرابة و الدهشة ماهذا الشيء العجيب.. احست بخوف و دهشة و شوق الى معرفة ما بداخل هذه الغابة و البنايات الكبيرة. و عندما دخلت و جدت اناس كثيرين كبار و صغار و امتعة متنوعة و ملونة و كل شيء اغرب من الآخر..
و عندما وقفت مع والدها كان كمن سلب عقله تشاهد ما حولها بغرابة و دهشة و صدمة، فشاهدت اطفال يلعبون و يتضاحكون و يتطايرون ركضا من الفرحة و المتعة في اللعب وقفت تشاهدهم و كأنها معهم تضحك لضحكاتهم و تبتسم لبسماتهم، عيناها براقتان تتلامعان من شدة الفرحة و السعادة مما تراه بين الاطفال. و بينما هي واقفة مع ابيها اذ جاءها طفل مثلها يجتذبها لتلعب معهم و تمسكت بأبيها خائفة ان تذهب.. و صاحت: ابي...أبي إنه يجذبني؟؟ و تمسكت بأبيها و كأنها خائفة ان تذهب و لا تعود..
و هي متمسكة بأبيها و تنظر بنصف عينها الى الاطفال اللاعبين المستمتعين اذ تحس و كأن الارض تتحرك تحتها او شيئ يسحب ابوها او يسحبها... ماهي الا لحظة و شاهدت ابوها على الارض ملقى..
القت نفسها فوق ابيها تبكي..ابي..ابي..!! هي اول لحظة تحس فيها بمعنى الالم و الحزن و الخوف الحقيقي، بكت سعدى و بكت و ذرفت دموعها التي تتساقط و كأنها حبات لؤلؤ على أبيها.. اجتمع الناس حول ابيها و اخذوه، و اقترب الاطفال من سعدى و حاولوا ان يلفتوا انتباهها عن البكاء و الحزن الشديد بدون جدوى... ثم تفرق الاطفال عنها و تركوها وبقى معها طفل واحد يحاول ان يهدئ من روعها و يسليها بما يستطيع و ثم بدأ يبكي معها بكاء المستنجد الخائف. فذهب راكضا الى أمه و طلبها ان تذهب الى سعدى و تأتي بها و تسكتها فهي تبكي بكاء حزين بكاء ليس كبكاء الأخرين.
اخذت ام الطفل سعدى الى بيتها و احتظنتها و حاولت ان تسكتها و تهدئها و بعد قليل جاء ابوها اليها و فرحت به و احتظنته و صاحت بصوت حزين اسيف: يا أبي لا تذهب مرة أخرى و تتركني... ابكت عبارتها الحاضرين فكانت دموعها دموعا تحرق القلب كأنها تتساقط على صدور الناس.
رجعت سعدى و ابيها الى بيتهم بعد يوم من الرحيل ، و لم يكن يمكث ابوها مثل هذا الوقت الطويل فكان يعود سريعا من القرية و لكن هذه المرة قد غاب مع ابنته وقتا طويل. عادت الى بيئتها و في قلبها كره لذلك المكان و كرهت ان تعود اليه مرة اخرى فقد و جدت فيه مرارة الخوف و الحزن.
فركضت الى بيتها تصيح امي..امي.. قد عدنا و قد رايت كذا و كذا و حصل كذا.. و تحمل في يديها قطعة قماش اعطتها أم الطفل لأمها هدية. و لكن لم تجد امها كعادتها تجيبها و تكلمها.. نادت ابوها ليرى امها فهي لا تكلمها و لا ترد عليها..!! دخل ناصر عند زوجته و وجدها جثة هامدة ميتة منذ ساعة.. ففقدت سعدى أمها التي كانت تأمل يوما ان تراها تمشي معها و تتأرجح في أرجوحتها معها، لكن فرق الموت بينهما و انتهى الحلم و الأمل.
اخذ ناصر زوجته و غسلها و سعدى تنظر اليه و ترى دموعه تتقاطر على جسد امها و عيونها ممتلأتان حزنا على ما ترى. ثم اخذ ناصر ابنته سعدى و وضعها فوق الحمار و ذهب بها الى القرية، و نادى الناس ان يأتوا ليصلوا على زوجته و يدفنوها..
بكت سعدى بحرقة و مرارة لفراق امها المريضة منذ أن رأتها و عرفتها، و بقت مع ابيها يعيشان معا و يعملان معا و بقلبها سكن الحزن العميق لفراق امها و بقاءهما وحدهما. و بعد سنوات وصلت سعدى في عمرها الخامس عشر اشتد على ابيها المرض و هو الاخر سقط في الفراش و اصبحت سعدى و حيدة ترعى ابوها. و ظلت ترعاه يوما بعد يوم و تقدم له الطعام و الشراب و تقدم له كل العون و الرعاية كما كان يفعل لأمهما و لها و هي طفلة صغيرة.
في يوم من الايام ذهبت بالحمار الى القرية لتجلب بعض المؤن وجدت شاب في الطريق و جاء اليها و اخذ يكلمها و لم ترد عليه بشيء, فأخذ يضحك و يستفزها بالكلام و لم تأبه لما يقول و كأنها صماء.. وصلت الى القرية و اخذت ما تريد و عادت الى ابيها و هنا وجدت اسرة قد انتقلت للعيش بقربهم و فرحت لذلك رغم خوفها منهم ان يكونوا ينوون شرا.
و بينما جلست سعدى تطبخ الطعام لأبيه اذ جاءت امرأة من البيت الجديد و سلمت عليها و سألتها عن امها فاخبرتها بما حدث و انها مع ابيها المريض تعيش وحيدة. و تعاطفت المرأة مع سعدى و اخذت تساعدها و تأتي لتسليتها و تقدم لها ما تحتاجه و فرحت سعدى بالجيران الجدد الطيبين.
و في احدى الايام اشتد المرض على ابيها و قررت ان تذهب الى القرية لتجلب شيئا من الدواء او الطعام المفيد لأبيها، فاخذت الحمار و ذهبت، و في الطريق هطل مطر شديد ببرق و رعد و رياح قوية، فلجأت الى صخرة كبيرة و اختبأت تحتها.. و هي مختفية عن المطر تفاجأت بشاب يجلس قربها.. فنظرت اليه فرأت في وجهه الضحكة الساخرة الماكرة و كان نفس الشاب الذي ضايقها من قبل.. هربت مرتعدة بحمارها خائفة مرتعدة و الشاب يصرخ و يضحك و يركض خلفها اراد بها شرا و هي تبكي و تستنجد في مطر غزير و رياح عاتية و برق و رعود قوية... و حمارها ركض خلفها مرتعدا من المطر و المياه و فجأة تسقط في مياه جارفة جرفتها و حمارها و ذهبت بها ترفعها و تخفضها.. تغرقها احيانا و ترطم بها في الصخور احيانا.. استسلمت سعدى للموقف و ظنت ان الموت قد اتاها... تذكرت ابيها المريض الذي تركته ينتظرها لتجلب له الطعام و الدواء.. تذكرت تلك الطفولة البريئة و الشجر و الطير و ضحكاتها و صوتها المغني لوالديها.. تذكرت ضحكات ابويها معها و فرحتهم بغنائها و فرحتم بلعبها.. اصبحت الصور تتقلب امامها كأنها تشاهد ذكريات الطفولة الجميلة... و ما ان ضربتها المياه في صخرة... شاهدت امها واقفة امامها تمد يدها اليها و تقول لها تعالي يا ابنتي.. فمسكت بيد امها و اخذتها الى حضنها الذي اشتاقته منذ زمن طويل.. ضمتها امها فكان الدفء و الحنان و الراحة التي فقدتها منذ وفاتها، بكت بكاء عميق و كأنها تنزل ما حملته من اعباء على حضن امها.. فنظرت الى امها و قالت: اين ذهبت يا امي؟ ان معافية تسيرين بقدميك ؟ و امها تنظر اليها صامتة لا تتكلم.
و هي في حديثها مع امها و فرحتها برجوعها اليها سمعت صوتا مختلفا يناديها و يضربها.. فوجدت نفسها انها كانت في غيبوبة و قد انقذها احد سكان القرية و اخذها الى بيته، ففاقت و نظرت الى من حولها فوجدت امرأة و فتى و فتيات.. فسألت : اين انا؟ أين امي؟
فسألتها المرأة: هل كان امك معك عندما سقطتي في الوادي؟ قالت سعدى: لا..! لكني رأيتها بعد ان سقطت في الماء و قد انقذتني .. فنهضت سعدى بقوة مرتعدة و صرخت ابي.. ابي... قالت المرأة؟ ما به اباك؟ قالت: انه مريض تركته في البيت اريد ان اعود بسرعة... فمنعوها من الذهاب لقوة المطر و الوقت ظلام و ليل.. ظلت تبكي طول ليلها و لم تستطيع ان تنام لخوفها و قلقها على ابيها المريض.
عندما اصبح الصباح خرجت و وجت الشخص الذي انقذها من الوادي و لما رآها جاء اليها و قال: هل انت الفتاة التي كانت تأتي مع والدها و حماره منذ سنوات و كانت طفلة و سقط ابوها مغشيا عليه؟ قالت بإندهاش: نعم!!
قال الشخص: انا الفتى الصغير الذي اجتذبتك لتلعب معنا و بعد ان سقط والدك جئت بأمي اليك و هذه المرأة التي اعتنت بك اولا و ثم اليوم هي امي..
استغربت سعدى من الموقف المتكرر الغريب و ظنت انها خطة قد وضعها الفتى مع الشاب الذي تسبب في سقوطها بالوادي و موت حمار ابها. و ذهبت الى ام الفتى و استئذنتها بالعودة الى ابيها و لكن المرأة اصرت على ان لا تعود سعدى و حيدة بل يصطحبها ابنها و ابنتها الى ابيها و يحملان معهم طعاما و دواء. فذهبت سعدى مع الفتى و اخته الى بيتها و في الطريق وجدت الشاب الذي اعترضها و حاول ايذائها ساقطا مغشيا عليه و قد ارتطم راسه بصخرة كبيرة، فأخذته و من معها الى مكان آمن و ايقضوه و لما استيقض رأى سعدى.. فقال لها: سامحيني على ما فعلت بك؟ فأجابته سعدى: سامحتك فلا تعود على ما فعلت. و ذهب في سبيله و واصلوا طريقهم الى بيت سعدى.
عندما وصلت الى ابيها و جدته في حالة جيدة و هو جالس متكئ على الجدار و فرح بقدوم سعدى و سلامتها، و سألها عن الفتى و الفتاة التي معها فأخبرته بالقصة كلها. فسأل الفتى عن اسمه: فقال: انا سعيد. فحياه و طلب منه البقاء ليوم آخر فرفض الفتى و اصر على العودة و عاد الى بيته.
عادت سعدى على عملها اليومي و في يوم من الأيام جاءت شركة تريد ان تقيم مشروعا في مكان سكن سعدى و والدها و لم تستطيع سعدى ان ترد الشركة عن عملها و قررت الرحيل مع والدها لمكان اخر قريب من المكان الذي يقيمان فيه. و قد اعدب احد مدراء اقسام الشركة بسعدى و تقدم ليخطبها و تتزوجه فرفضت، فحاول ابيها ان يأخذ موافقتها و ما ستجده من عيش سعيد و رغد بما يملك من مال و منازل فاخرة في مدينة كبيرة.. لكن سعدى رفضت الا بشرط واحد! و قالت لأبيها: سأخبرك بالشرط امام الخاطب فإذا وافق فسوف اتزوجه و ان رفض لا اريده ابدا..
جاء الخاطب ليسمع شرط سعدى امام والدها, فجاءت سعدى و قالت: اني اوفق على الزواج منك بشرط ان آخذ ابي معي و اعتني به كما اعتني به الآن. رفض الرجل هذا الشرط و رجع عنها. و ظلت سعدى تعتني بأبيها اعتناء تام مخلصا و ظلت خمس سنوات و فقد والده السمع و البصر في هذه السنين و لم تيأس بل واصلت اعتناءها بوالدها و لم تتركه في حين تقدم اليها الكثيرين ليتزوجوها و كان شرطها واحدا يرفضه الجميع.
لقد اكلت الارض جلد اباها و اخذ المرض لحمه و بقى على جلد و عظم لا يفهم قوله من ثقل المرض عليه، و سعدى وحيدة تسعى لخدمة ابيها و توفير العيش و الطعام و تعتني بكل شيء و لم تطلب مساعدة من احد و ترفض الخاطبين بما لديهم من مال و راحة. لم تكن تأمل في حياتها الا ان يشفى ابوها و يعود كما كان يأخذها الى القرية و يلاعبها و يضاحكها و يصنع لها الدمى و يعلمها الطبخ و امور الحياة كلها، كانت كل مساء تقعد تحت "السمرة" و تنظر الى الحبل الذي كانت تتأرجح فيه عند بيتها السابق و اليوم صار حبل ذكريات ، ذكريات كانت مملوءة بالبراءة و ما زالت البراءة رغم كل الهجمات باقية في قلب ســــعدى.
لم تكن تعلم ان الموت يهدد والدها و انه بعد والدها ستبقى وحيدة لن يكون لها مكان و لا يمكن ان تعيش وحيدة في مكان بعيد عن الناس، لم تكن تعلم انها لن تستطيع ان تذهب الى القرية تعيش وحدها و لا مكان لها بعد ابيها المريض سوى التشرد او الموت.. و في حين يقاسي الأب مرضه جاء الفتى " سعيد" وأمه الى سعدى و والدها و لكن كانت زيارة مميزة، زيارة تحمل الأمل و السعادة لســـعدى. عندما دخل سعيد و امه عند والد سعدى و وجداه طريحا لا يسمع و لا يرى حزنا كثيرا على ما شاهداه. قد احضرا طبيبا و طعاما و لكن قد تأخرا كثيرا .. كثيرا جدا.
قال الطبيب لسعيد: إن الرجل لا يمكن ان يداوى الا بإخذه الى المستشفى و ربما لن ينجح الدواء.. في هذه الاثناء فكر سعيد كثيرا في حال سعدى و ما سيئول بها الحال بعد ابيها فذهب الى امه و قال: امي اطلبي من سعدى ان تذهب تعيش معك في البيت و سنأخذ ابوها معنا و سأبني له غرفة و يكون قريبا منها فهي وحيدة و مسكينة فما رأيك؟
قالت امه: لن تقبل سعدى بهذا ابدا و لكني سوف اسألها. سألت ام سعيد سعدى لتذهب معهم و لكنها رفضت بتاتا هذه الفكرة, و قالت: سوف ابقى مع ابي هنا و ساموت قبله او يشفى.. ثم جاء سعيد و قال: يا سعدى لو متي قبل ابوك من يعتني به؟ و مات هو قبلك من يعتني بك؟ فسكتت سعدى طويلا ثم قالت: لي الله الذي حفظنا طول السنوات سوف يحفظنا دائما. ثم نهض سعيد و قال: يا سعدى انت فتاة نادرة في هذا الوجود و لك ان تكوني اسعد الناس و لن يجد رجلا مثلك ابدا.. فأنا اتقدم اليك لتكوني زوجتي .. صعقت سعدى و ام سعيد لقراره و لكنه كان جادا واثقا من قراره.
خرجت سعدى تبكي من عندهم و نهضت ام سعيد اليه و قالت بشدة و حرقة: يا سعيد انك طعنت قلب الفتاة فما هكذا تخطب الفتياة.. ثم يا سعيد هذه فتى مسكينة ليس لها احد و فقيرة فكيف تتزوجها و في القرى فتياة افضل منها..؟ قال سعيد: يا امي هذه جوهرة نادرة فهي رمز للبراءة في هذا الوجود، فأين من فتاة تفعل لابيها ما تفعله بوفاء و اخلاص؟ يا أمي لن نجد فتاة افضل من سعدى.. ثم وافقت الام ابنها و ذهبت الى سعدى و سألتها ان كانت توافق بسعيد.
ظلت سعدى تفكر فهل توافق ام لا.. فإن وافقت فهي متأكدة ان سعيد يقبل بوالدها و بل سيعتني به اكثر منها و لكن هل ترد جزاء احسان سعيد و امه و وقوفهما معها برد كهذا.. سوف تكون عبئا عليهما و سوف تحمل سعيد ما لا طاقة به له.. ثم ابناءها سوف يشغلوها عن ابيها و اخذت الهواجس و الافكار حتى قررت الرفض. فذهبت الى سعيد و امه و قالت: لا اريد ان اتزوج..!!!
اما سعيد فأصر على الزواج بها و قرر ان لا يتركها فعندها خيارين: اما ان تذهب مع امه و تعيش معها أو تتزوجه، فأخذت ام سعيد بيد سعدى و اخذت تقنعها بأن تتزوجه او تذهب معها و هنا سمعوا صوت من والدها و كأنه يبكي.. ذهبوا اليه فوجدوه يحتضر و حانت ساعة وفاته.. و هو يغرغر و الروح قد استعدت للخروج مسك بيد سعدى و بيد ام سعيد و وضع يد سعدى على يد ام سعيد و فارق الحياة...
شهقت سعدى شهقة افقدتها وعيها و ظلت تبكي والدها و فراقه و بحزن حارق..و بعد مرور شهر من وفاة والدها جاءت الى ام سعيد و قالت لها: يا امي إن كان سعيد يريدني زوجة له فأنا موافقة..!! فرحت ام سعيد بقرارها فهي لن تجد كسعــدى زوجة بارة لولدها ، الفتاة التي عاشت في نقاء و براءة و عاشت تبر امها و ابوها عاشت نقية صافية.. و اقيم العرس الذي ابهج سعدى و افرحها بعد حزن طويل و طلبت من سعيد ان يبني بيتا مكان بيت ابيها يذبان اليه ليتذاكرا حياة سعدى البريئة و الحزينة.... لتبدأ قصة جديدة لسعدى بسعادة مع سعيد و تعيش حياة هانئة.
 

عودة
أعلى