التصفح للزوار محدود

شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

سلفيته


ابن تيمية هو إمام السلفية في عهده والعهود التي لحقته ، فكان على منهج السلف اعتقاداً وتعبداً وعملاً وجهاداً ، فهو السلفي بمعنى الكلمة ،فلا يعرف في عهده ولا بعده من احتذى حذو السلف أو اقتدى بالسلف أو اقتدى بالسلف حذو القذة كابن تيمية ، فإنه قرر مذهبهم في المعتقد ؛ في الأسماء والصفات ، في توحيد الربوبية والألوهية ، في اليوم الآخر ، في القضاء والقدر ، في الوعد والوعيد ، في حب أهل البيت ، في حب الصحابه ، وفي كل مسألة كبيرة أو صغيرة من المسائل كان على منهج السلف ، ولم تعرف له مخالفة – رحمه الله - ، وليس معصوماً لكنه رجاع إلى الحق ، وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف ، وهو الذي نظره وأظهر للناس ، وألف فيه وشرحه وبسطه وأوضحه وأزال الشبه عنه ، ونفض الغبار الذي تراكم عليه في القرون التي تلت التابعين ورد على خصوم هذا المنهج ، ودحض اقاويلهم ، ودمغهم بالدليل ، وداسهم بالبرهان ، فأظهر هذا المنهج أيما إظهار ، ونصره أيما نصر ، وخدمه أيما خدمة ، فصار معلوماً للخاص العام ، وعلمه في دروسه وفي خطبه ، ودعا إليه سراً وجهراً ، حتى في مجالس الملوك ، وفي ديوان السلطان ، وفي بلاط الوزراء والأمراء ن وفي مجامع القضاة فكان ينتصر لهذا المذهب ويغضب له ، ويرى أنه الحق وأنه الأسلم والأعلم والأحكم ، وكل رسائله ومؤلفاته وكتبه تشهد بذلك ، فلو قلت : إن الناصر – حقيقة – لمذهب السلف من عصر ابن تيمية إلى الآن هو ابن تيمية لما ابتعدت عن الصواب ، وكل من أتي بعده في الغالب من متبع السلف استفاد منه ، ونهج نهجه ، وانتفع بكتبه ، وسار على منواله ، فمن مقل ومستكثر ، فرحم الله هذا إمام ، ما أحسن تقريره لمذهب السلف ، وما أوضح شرحه ، وما ابسط عبارته ، وما أحسن مقاله ، وما أجمل تأليفه في هذا الباب ، حتى إنا نقر – والحمد لله – بأننا استفدنا كل الفائدة من هذا الإمام في معرفة منهج السلف في المعتقد ، وفي العبادات ، وفي السنن ، وفي كل شأن من شؤون الدين ؛ فجزاه الله عنا خير الجزاء .

ابن تيمية مع الدليل
من تميز ابن تيمية أنه صاحب دليل وبرهان ، فلا يقول قولاً له دليل في الكتاب ولا في السنة إلا أورده ، وهمه أن يعتصم في كل مسالة بآية أو بحديث ثابت ، فليس صاحب هوى وليس مقلداً متعصباً ، بل يطلب الحق أينما وجد ، ويريد الحجة ، ويفرح بالبرهان ، ويتبع الدليل ، يسير معه حيثما سار ، سواء كان في أصول المسائل أو في فروعها ، فتراه إذا كان الدليل مع أي مذهب من المذاهب – سواء كان حنفياً أو مالكياً أو شافعياً أو حنبلياً – ذهب معه وأعرض عما سواه ، وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ، ثم لا يلتفت إلى قول أحد من الناس كائناً من كان ، ويرى أن على طالب العلم أن يدور مع الدليل حيثما دار ، ولا يكون مقلداً ، فإن العلماء ليسوا أنبياء معصومين ، وهذا الذي ميز شيخ الإسلام ؛ حيث جعل لكلامه من الخلود والقبول والرسوخ والصالة والعمق ما ليس لغيره ، فليس ضعيفاً في إيراد الكلام ، بل تجد عليه أنوار النبوة تلوح ، وعليه براهين الحق تسطع .
ابن تيمية مربياً
أثرت الشريعة على ابن تيمية في حياته وفي أخلاقه وفي سلوكه ؛ فتجده متلذذاً بالعلم سائراً معه ، قد ظهرت بركة المللة عليه في كلامه وفي حواره وفي مناقشاته وفي ردوده ، وتجده في غصون كلامه ينصح ويوجه ويرشد ويدعو ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فقلما يورد قضية إلا وجه إلى الحق فيها وبين الصواب بقلم سيال وبلفظ جذاب ، وهو مدرسة في التربية وفي التوجيه ، ليس ناقلاً فحسب وليس مكتفياً بعرض رأيه فقط ، بل يعرض رأيه ويدعو البقية إلى طلب الحق ، فهو بهذا يربي الجيل ويوجههم إلى ما فيه خيرهم .

ابن تيمية مفسراً
في سيرة ابن تيمية انه قد حوى التفسير وطالع كتبه جميعاً ، سواء المأثورة منها أو العقلية التي تعتمد على الرأي ، ثم فهم الجميع ، وحصرها وعصرها ، ثم أخرج لنا درراً في غصون كلامه ، وقد نقل أن له تفسيراً خاصاً به ، لكن الذي طالعناه من كلامه في التفسير عجب من العجاب ، فأحياناً يورد الآية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحياناً يغلط كثيراً من المفسرين ويرى أهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ، كل ذلك بأصالة لا تعرف الضعف ، وبكلام رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكلام ،وعرف النقل صحيحه وسقيمه ، وعرف أراء المفسرين وأقوالهم في المسألة ، فصار بحق من أعظم المفسرين الذين مروا في تاريخ الإسلام ، واشاد كل من ترجم عنه بهذه الميزة فيه ، بل عدوا من أعظم ما تميز به ميزة التفسير .

ابن تيمية محدثاً
علم الحديث علم شريف جليل والمحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهم خيار الأمة وصفوة الأجيال ، وقد أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ، ونوه بذكرهم وقال إن لهم نصيباً من قوله سبحانه وتعالى : ( ورفعنا لك ذكرك ) ، وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ، وأنزل أهل المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ، والرجل صاحب حديث فأحياناً يتكلم عن السد والعلل الخفية ، وأحياناً يتكلم عن الاعتبار وعن الشاهد وعن المتابعة ، كما يضيف الضعيف ، ويوهن الواهي ، ويبين الموضوع ، ويتكلم عن المعنى بكلام لا أحسن منه ، وينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة ، ويعرف الشاذ ، ويدرك المنكر ، ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر المحدثين ، بل شهد له معاصروه بذلك كالذهبي والبرزني ، وغيرهم من أهل الحديث .


ابن تيمية مناظراً
نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ، وتعقد له مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر الألباب ، ويعلو عليهم وينتصر بالحجة الدامغة ، والبيان الخلاب ، والذاكرة الواعية ، والبديهة اللماحة ، حتى إنه ناظر كثيراً من الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ، فكان الحق معه وان الله يؤيده ؛ لأنه يريد الحق وحده ، وقد ذكر كثير من أهل التاريخ أن علماء الطوائف اجتمعوا له وهم في وصف وهو وحده في وصف قال بعض المؤلفين واصفاً الموقف : ولكنها بحيرات صغيرة صادفت – والله – بحر ثجاجاً ، وذرات صادفت جبلاً راسخاً ‍ وكان لا يكل ولا يمل من المناظرة ، بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى يوقعه ويصرعه ، كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في الأخير ، فليس قصده المغالبة لذاتها ، ولا قصده الظهور والشهرة ولا قصد أن تكون له منزلة ولا مكانة ، فقد ترك المنازل الدنيوية لأهلها ، وأبى المناصب وعاف الولايات ، واعرض عن المال – كما أسلفنا – فالمقصود انه ما كان يحجم ولا يجبن وقت المناظرة ، بل كان جرئياً ذا قلب شجاع ثابتاً كالأسد في حومة الوغى .

ابن تيمية عابداً
لا خير في العلم إذا لم يورث عالماً عابداً صاحاً مصلحاً ولا أثر لمعرفة الإنسان الإنسان إذا لم ترشح على تصرفاته أخلاقاً وسلوكاً ، كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ، عمل بعلمه، - رحمه الله – في عباداته الخاصة ، فكانت صلاته طويلة ، مخبتاً في ركوعه وسجوده ، كثير الذكر حتى إنه لا يفتر لسانه ، وربما استغفر ألف مرة أو أكثر الابتهال ،وكان يردد دائماً لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكان كثير الابتهال والتضرع ، كثير الدعاء والبكاء ، كثير المسألة والإنابة ، كثير التوبة ،وكان يرى أن زاده هو الذكر ، وأن قوته هو التسبيح ، وكان يجلس بعد صلاة الفجر إلى أن يتعالى النهار وهو يردد الفاتحة ،ويمضي الليل الطويل ما بين الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ، وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ، وإذا خرج إلى الأسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ، ومن رآه ذكر الله عز وجل ورأى فيه القدوة المثلى والأسوة الحسنة ، وكان إذا قرأ القرآن قرأه بصوت خاشع مبك حزين ، وكان له تأملات في كتاب الله عز وجل وله تدبر ، وكان كثير الصدقات ، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كثير الإصلاح بين الناس ، كثير التواضع ، جم الأخلاق ، عفيفاً منيباً صادقاً .

كلامه عن اليهود
فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه وفي غصون كلامه ، شارحاً للآيات التي وردت بصددهم ، عارفاً – رحمه الله – ضررهم على الأمة وما فعلوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ملماً بكتبهم وفرقهم وطوائفهم ، كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم .

كلامه عن النصارى
عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم وفرقهم معرفة تامة ، وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين فيه زيفهم وخطورتهم على الإسلام وما خالفوا فيه شرع الله عز وجل وما ضلوا فيه ، فإن النصارى علموا بلا علم ، واليهود عندهم علم بلا عمل ، فبين – رحمه الله – ما على النصارى من مؤاخذات تقدح في أصول الشرائع وتخالف ما جاء به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وما نزلت به الكتب ، كل ذلك بالإنصاف والحجة والرهان والعدل ، ليس بالتشهي ولا بالهوى .


كلامه عن الملاحدة
الإلحاد جريمة كبرى في الدنيا ولعنة ساحقة ما حقة في العالم ، وهو قديم ، وهو قديم قدم الظلالة في الأرض ؛ ولذلك كان ابن تيمية – رحمه الله - يتصدى لهذا النفس سواء من أهل النظم أو أهل النثر ، ممن انتسب للإسلام أو من المنتسبين لغيرة من الفلاسفة واهل المنطق ومن سار على منهجهم ، فيبين انحرافهم المشين ، وغوايتهم الظاهرة ، وسبب كل غواية ، بل يأتي إلى الملحد فيبين أصل إلحاده ، ومنشأ هذا الإلحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقولاته ، سواء كان من الصوفية الاتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من أهل المنطق ، أو من أهل الهوى والزيف ، وقد يجمع له رسالة في ذلك ، أو كتاباً مستقلاً في غصون كلامه في مؤلفاته.

كلامه عن الرافضة
من أحسن كتب شيخ الإسلام على الإطلاق ( منهاج السنة ) ، ولو ذهب ذاهب من مكة إلى الصين حافياً ماشياً لطلب هذا الكتاب لكان سفره قليلاً ! فإن الرجل بحق أتي بكتاب لم يسمع بمثله ، وجادت قريحته بهذا المؤلف المبارك الخالد ، فبين كل البيان بالأدلة الشرعية القاطعة ، والحجج العقلية ، وبالتنزل ، وبالحوار الصادق ، وبالكلمة الجزئية الناصعة مخالفة الرافضة لأهل السنة ، واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبهم للشيخين ، وكذبهم وافتراءهم وعدم معرفتهم بالتقل ، وعدم صدقهم ،وعدم وضوحهم في المنهج ، والعجب في هذا الكتاب أنه يستدرج خصمه ويستزله ثم يحفر له قليباً – كما يقول بعض أهل العلم - ، ثم يضعه فيه ، ثم يطم عليه ويتركه مكانه ‍. ومنهاج السنة ظهرت فيه أمور منها : الانتصار لأهل البيت ، ولأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على الأمة من طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل البيت، وفي أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ، وفي المعتقد ، وهو الذي عليه أهل السنة واتباع السلف الصالح .

كلامه عن الخوارج
الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى الإسلام ، وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم ، وصيامكم غل صيامهم وتلاوتكم إلى تلاوتهم ولهم أتباع ويرون الخروج على أئمة الجور ، ويرون سل السيف على الأمة ،ويكفرون بالكبيرة ،وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم الضالة وبين أسباب شططهم وجورهم ، ودمغهم بالدليل ، وبين الحق الذي ينبغي في هذه المسائل بياناً شافياً كافياً لا عوج فيه ، فأثبت أن أهل السنة ليسوا خوارج بل هم متبعون للدليل لا يخرجون على أئمة الجور ولو ظلموا ما لم يروا كفراً بواحاً ، ولا يكفرون صاحب الكبيرة ما لم يستحلها ، بل هو مؤمن ناقص الإيمان أو فاسق ، ويأخذون بالكتاب والسنة ،ولهم منهج آخر مغاير للخوارج الضلال .

ابن تيمية وكلامه عن المرجئة
والمرجئة قوم يقابلون الخوارج ؛فهم يرون أن أصل الإيمان واحد ، وأنه لا يزيد ولا ينقص ،وأنه يضر مع الإيمان ذنب ، وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ، وهذا كله خطأ مخالف للكتاب والسنة ، وقد بين ابن تيمية خطورة هذا المسلك ، ورد عليه في كتبه ،وشرح وبسط ، وبين أن أهل السنة ليسوا مرجئة ،وأن الإيمان يزيد وينقص ؛ ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وأنه متفاوت والناس متباينون فيه على درجات ، وان إيماننا ليس كإيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص الإيمان ، وأن الذنب يضر في الإيمان ، وكل ذلك مخالف لما سارت عليه هذه الفرقة .

ابن تيمية والجهمية والمعطلة
نشأت ناشئة من معطلة النصوص عطلوا أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى وصفاته العلا ، ألحدوا فيدين الله عز وجل ، وقالوا بخلق القرآن ، وقد صار لهذه الفرقة شأن وصوله وجولة في عصر المأمون ،وتصدى لهم الإمام أحمد – رحمه الله – في مسالة القول بخلق القرآن ، وأتى ابن تيمية بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ، ورد عل الجهمية رداً مفصلاً في كثير من كتبه ودحض زيفهم ،وبين أن أهل السنة ليسوا جهمية معطلة ، وأنهم يثبتون الأسماء والصفات كما أتت في الكتاب والسنة ، بلا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تحريف ولا تعطيل ،وأن القرآن كلام الله عز وجل ليس بخلق من خلقه، وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين .

ابن تيمية وكلامه عن المعتزله

والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ، وقدموا الرأي على الدليل ، وأثبتوا الأسماء ونفوا الصفات ، فتتبعهم ابن تيمية ورد عل أئمتهم ردوداً ، وأورد من الأدلة القاطعة والجامعة المانعة ما يؤيد مذهب أهل السنة في الباب ، وأن أهل السنة ليسوا معتزلة ، وأن النقل مقدم على العقل ، وبين أن العقل أصلاً لا يتعارض مع النقل ،وأتي بكتابه الشهير الخطير الذي يقول عنه ابن القيم ما طرق العالم مثل هذا الكتاب وهو ( درء تعارض العقل والنقل ) في عشر مجلدات كبار ، بين فيه هذه الشبه وزيفها ، ودحضها وأقام الحجة وأوضح المحجة لأهل السنة بجواب شاف كاف .
ابن تيمية والأشاعرة
الأشاعرة اقرب الناس لأهل السنة ، ومن أئمتهم أناس نفع الله بهم ودافع بهمم عن المللة ، بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة ، ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ، بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات ، وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ،وأن من أثبت صفاته لله عز وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ، وأن القول في الصفات كالقول في الذات ، وقد ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية ) ، فليس أهل السنة اشاعرة بل يثبتون الأسماء والصفات عل ما جاء به كتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويتقيدون في ذلك بالدليل ، وهم على ما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما قاله تابعوهم بإحسان ، فليعلم ذلك .

ابن تيمية وكلامه عن الصوفية
كتب ابن تيمية كتاب ( الاستقامة ) وجله عن مذهب التصوف ،وله كلام في الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أحرى ، بين الحق فيها زيفهم ، وبين منهم الغالي وصاحب البدعة المكفرة والمفسقة ، ورد على الحلولية وعلى الاتحادية وكفرهم ، وذكر ائمتهم وبين شبههم ومخالفتهم لكتاب الله عز وجل وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكشف خطورة منهج التصوف على الدين ؛ لأن الصوفية أماتوا الدين وعطلوا النصوص ، وأماتوا الجهاد ، وشابهوا النصارى في قتل النفس ،وفي منعها من المباح ، وفي الصعاب ، وابتداع طقوس ما أنزل الله بها من سلطان ،وانتهاج نهج مخالف لأهل السنة في سكناتهم ، في موالدهم وفي اجتماعاتهم ، في هيئاتهم في خزعبلاتهم وترهاتهم ، كل ذلك رائدة الدليل والحق وليس الهوى والتشهي .

ابن تيمية وكلامه عن القدرية والجبرية

أهل السنة يثبتون لله قضاء وقدراً فالذي قدر الأمور هو الله عز وجل ، سبق علمه ثم كتابته ثم مشيئته ثم إنقاذه لقضائه وقدره جل في علاه ، وخالف في ذلك طائفتان ؛ قدرته يرون أن الأمر لم يقدر وأنه أنف ، وانه لم يسبق علم من الله عز وجل ، ومنهم من قال لم يسبق علم ولم يسبق كتابه ، ومنهم من قال لم يسبق علم بل سبق تقدير ، فأخطأ هؤلاء وهؤلاء ، والصحيح أنه سبق علم وتقدير ومشيئة ثم إنقاذ ، وقابلهم فرقة أخرى وهم الجبرته ، وقالوا : إن العبد مجبور على فعل المعصية ، وأنه لا مشيئة للعبد أبدا ، ببل هو كالريشة في مهب الريح ، وكالميت بين يد الغاسل ، فبين ابن تيمية ، فبين ابن تيمية خطأ هؤلاء ، وخطأ هؤلاء ، وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة إله عز وجل ، وأنه ليس مجبوراً على المعصية ، وأن له اختياراً تحت اختيار الله جل في علاه، وأن الحجة البالغة له سبحانه وتعالى ، وأنه لا حجة لعاص على الله تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب .

استدلالاته

ابن تيمية – كما أسلفنا – صاحب دليل وبرهان ،وهو يستدل بالنقل وبالعقل ،ويستدل بالحال ،ويستدل بالمشاهدة ، وله في ذلك مقامات جليلة في عرض المسائل، فهو يعرض الآية ويشرحها ويفصلها ،ويعرض الحديث الصحيح ويبينه ، ثم يعرض الشبهة العقلي ويردد عليها برد عقلي ،ويرد على القوم من كلامهم ،ويظهر تناقض الخصوم ويبين عوارهم ويظهر زيفهم للناس، فهو ليس عاطفياً يجلب بخيله ورجله بلا برهان ولا دليل، بل يطيل النفس في الاستدلال ، وتمضي معه في توافقه في استنتاجه وتعلم أن الحق معه ؛ لأنه يذهب معك في طريق طويل ، ثم يجمع في هذه الطريق كل ما يساند قوله من الحجة والبرهان والمثل والشاهد والآثار والاعتبار ، كل ذلك مع نفس تأبي الظلم ولا تريد الباطل ن إنما تنشد الحق أينما كان .

ابن تيمية ومسألة التوحيد
من أعظم المسائل التي يجب البحث فيها والكلام عنها مسألة التوحيد الذي بعث الله به أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام ،وقد أحسن ابن تيمية كل الإحسان في هذه المسألة ، فاستولت على جل حديثة وكتاباته ورسائله وتأليفه ، واعتنى بها كل العناية ؛ لحاجة البشر غليها ، فالله – عز وجل – لم يرسل الرسل أصلاً ولم ينزل الكتب إلا لتقريرها ، فبسطها شيخ الإسلام بأنواعها كتوحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وتحدث عن أفعاله سبحانه وتعالى ، وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها برسائل ومؤلفات ، وبسطها فبعدة مواطن ، ونوع الأساليب فيها ؛ لأنه يعلم أنها أصيل الأصول وأنها أكبر المائل وأنها أعظم القضايا ، فهو بحق منظر أهل السنة والجماعة في ماله التوحيد ، وهو إمامهم من عصره فما بعده في قضية المعتقد ، وهو الذي أقام هذا الفن وشرحه ودافع عنه وناظل عن قضاياه وبين الحق في ذلك .

ابن تيمية وفقه النصوص
ميزة هذا الإمام أنه صاحب نص ؛ مهتم بقول الله عز وجل وقول رسول صلى الله عليه وسلم ، وليس مجرد حافظ وناقل للنص ، بل يورد الآية والحديث ثم يشرحهما مستفيداً من كلام الأئمة الذين سبقوه ، ثم يأتي هو – بفهمه المتدبر المتعقل لكلام الله عز وجل وكلام رسول صلى الله عليه وسلم - بكنوز وبدور وبجواهر ما سمع بمثلها ، فميزته الكبرى الفقه كل الفقه ، والفهم كل الفهم ، حتى إنه يرد على الأكابر من المفسرين ممن تظن أن الواحد منهم فرد في بابه ، ومع ذلك يلاحظ وينتقد ويعترض ويقول إن القول الصحيح في تفسير هذه الآية وفي شرح هذا الحديث وفي هذا المعنى هو كذا وكذا ، كلام رجل مدرك لمقاصد الشريعة ملم بها ، عارف بمدلولات النصوص ، متبحر في اللغة متعمق في النحو ، صاحب عقلية مستنيرة ربانية مباركة .
ابن تيمية والمعاصرة

لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون له أسلوب عصري متميز ، غير متخل عن مبادئه وأصوله الأولى السلفية السنية ، ولكنه يكسو كلامه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ، بل بالعبارات الجميلة التي تأخذ التي تأخذ بالألباب ، فهو يرى أنه لا مشاحة في الاصطلاح ، وأنه لا غضاضة في أن يوظف الإنسان ثقافية ، وأن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفلاسفة بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ، ، وللصوفية بإشاراتهم ، وللمعاصرين من الفقهاء بكلامهم ، وهذا الذي يسر له الانتشار ، والعموم ، والاهتمام .

ابن تيمية والوسطية

يقول سبحانه وتعالى : 0 وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) ، والتوسط في الأمور يدل على العلم التام ، والخشية المتناهية ، والعقل الراجح ، وكذلك كان شيخ الإسلام ؛ فهو يحمد ربه – سبحانه وتعالى – أن هل السنة وسط في المسائل ، كما أن أهل الإسلام وسط في الدين واملة ، فهم وسط بين اليهود والنصارى ، وكذلك أهل السنة وسط في باب الأسماء والصفات بين المجسمة الممثلة والجهمية المعطلة ن ووسط في القضاء بين القدرية والجبرية ، ووسط في الوعد والوعيد ين المرجئة والخوارج ، ووسط في حب أهل البيت بين النواصب والروافض ، ويستمر ابن تيمية – رحمه الله – في تعداد هذا الوسط ،ويدعو غليه وينهجه ويحببه ويعتنقه ،وأن من نعم الله – عز وجل – على طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون وسطاً في كل أموره ، حتى في أخلاقه وسلوكه ن فإن الدين جاء بالوسط لا إفراط ولا تفريط ، ولا غلو ولا جفاء ،القصد القصد تبلغوا ما في الحديث ، والتوسط في الأمور هو المحجة الصحيحة التي ينبغي أن يسلكها طالب العلم في أقواله وأعماله .

ابن تيمية ومسألة التكفير

ابن تيمية معتصم – كما قلت – بالدليل ، عامل بالبرهان كتاباً وسنة ، مطلع على أسرار الشريعة ، عارف بمقاصدها ؛ ولذلك كان كلامه في التفكير من أحسن الكلام ، حتى إن له من الجدة في الحديث في هذا الباب ، والبراعة في التأصيل ، ما لا تجده عند غيره ، فقد نظر لهذه المسألة ، وأورد عليها أمثلة ، وطرحها بشتى الطروح ، وعدد الأساليب في ذكرها ، فاشترط وجود الأسباب في التكفير ، وانتقاء الموانع ، وجاء بمسألة الخطأ ومسألة العذر ، ومسألة التأويل ، ومتى يكون التكفير ، وتكفير المعين ، وماذا يمنع التكفير ، والقول المكفر ، والفعل المكفر ، وغير ذلك ، حتى صار كلامه مرجعاً في الباب ، ورأيت من ألف في مسائل التكفير أو ذكرها من الأئمة المعاصرين أو المتقدمين من بعد ابن تيمية ، فإذا هو يعود إلى هذا الإمام ويستشهد بكلامه ، ويقبل قوله ، ويحتج برأيه في هذه المسالة العويصة .



فرحمه الله رحمة واسعة ,,




من كتاب : على ساحل بن تيمية
للشيخ الدكتور عائض القرني
 
التعديل الأخير:
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

jb12869931291.gif
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

وفيك بارك اختي يعطيك العاااافية وفقك الله ورعااااك
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رحم الله شيخ الاسلام ابن تيمية وجمعنا به في جنات الخلود
بااارك الله فيك على الموضوع القيم
وتقبلي تحياااتي
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

لا خير في العلم إذا لم يورث عالماً عابداً صاحاً مصلحاً ولا أثر لمعرفة الإنسان الإنسان إذا لم ترشح على تصرفاته أخلاقاً وسلوكاً
رحمه الله وجمعنا به بجنات الخلود
بارك الله فيك
احترامي
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية
و بارك الله فيك اختي الغالية
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية
جزاك الله خيرا اخيتي
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رحم الله شيخ الاسلام ابن تيمية وجمعنا به في جنات الخلود
بااارك الله فيك على الموضوع القيم
وتقبلي تحياااتي
وفيك بارك ووفقك الله لكل خير اختي
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

لا خير في العلم إذا لم يورث عالماً عابداً صاحاً مصلحاً ولا أثر لمعرفة الإنسان الإنسان إذا لم ترشح على تصرفاته أخلاقاً وسلوكاً
رحمه الله وجمعنا به بجنات الخلود
بارك الله فيك
احترامي
وفيك بارك يعطيك العاااافية اختي حفظك الله ورعاااك
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية
و بارك الله فيك اختي الغالية
وفيك بارك اختي العزيزة وفقك الله ورعاااك
 
رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رد: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..منهجه وسلفيته وكلامه عن........

رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية

جزاك الله خيرا اخيتي
وجزااااك اختي ووفقك وبارك فيك
 

عودة
أعلى