أثر التفكر في خلق الله في زيادة الإيمان

الجنه مبتغاي

Well-known member
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي له مافي السموات ومافي الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم مايلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور وأشهد ألاإله إلا الله وحده لاشريك له أحاط بكل شيء علما وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا
أما بعد:
فقد خلق الله الإنسان وخلق له عقلا، يدرك به الأمور، ويميز به بين النافع والضار، والصالح والفاسد، والخير والشر، وجعل مناط التكليف على وجود هذا العقل، فإذا اختل العقل ارتفع التكليف عنه. وقد أمر الله تعالى الإنسان أن يستخدم هذا العقل، الذي أنعم به عليه فيما يعود عليه بالنفع، يستخدمه في التفكر فيما حوله من المخلوقات العظيمة من أمامه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، بل يتفكر في خلق نفسه، فانقسم الناس في ذلك إلى أقسام، وخير هذه الأقسام من وصفهم الله بقوله سبحانه:
start-icon.gif
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار
end-icon.gif
.[آل عمران:191]وشر هذه الأقسام من قال الله فيهم:
start-icon.gif
ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون
end-icon.gif
.[الأعراف:179]
فيتبين بهذا أن التفكر في خلق الله تعالى من صفات المؤمنين الصادقين، أولي الألباب، وأصحاب العقول السليمة الراشدة .. فينبغي للمسلم أن يعتني به، فإن الإنسان مع طول الزمن والغفلة قد يتبلد إحساسه، فيغفل عن النظر والتفكر فيما حوله من المخلوقات العظيمة في هذا الكون.
عباد الله: إن التفكر في خلق الله تعالى ليزيد الإيمان في القلب ويقويه ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكرا وتأملا في خلق الله وأكثر علما بالله تعالى وعظمته كان أعظم خشية لله تعالى كما قال سبحانه:
start-icon.gif
إنما يخشى الله من عباده العلماءُ
end-icon.gif
[فاطر:28] ولهذا كان السلف الصالح على جانب عظيم من هذا الأمر فكانوا يتفكرون في خلق الله ويتدبرون آياته ويحثون على ذلك، يقول أحدهم: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمَ، و لا فهم إلا علم، ولا علم إلا عمل. ويقول الآخر: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه .
عباد الله: إذا نظر العبد إلى ما خلق الله تعالى في هذا الكون من المخلوقات العظيمة، والآيات الكبيرة، فإن في كل شيء له آية تدل على أنه سبحانه إله واحد كامل العلم والقدرة والرحمة، فمن آياته خلق السموات والأرض فمن نظر إلى السماء في حسنها وكمالها وارتفاعها وعظمتها، عرف بذلك تمام قدرته سبحانه:
start-icon.gif
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها
mid-icon.gif
رفع سمكها فسواها
end-icon.gif
،[النازعات:27-28]
start-icon.gif
والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون
end-icon.gif
، [الذاريات:47]
start-icon.gif
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لهم من فروج
end-icon.gif
[ق:6]

أخرج أبو داود وغيره عن العباس –
radia-icon.gif
- قال: قال رسول الله –
salla-icon.gif
-: ((هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: بينهما خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف أي سمك كل سماء مسيرة خمسمائة سنة - وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم
ومن آياته: خلق الأرض وما جعل الله تعالى فيها من الرواسي والأقوات والخلق الذي لا يحصيه إلا الله تبارك وتعالى. فانظر كيف مهدها الله وسلك لنا فيها سبلا وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ويسرها لعباده فجعلها لهم ذلولا يمشون في مناكبها ويأكلون من رزقه، وانظر كيف جعلها الله تعالى قرارا للخلق لا تضطرب ولا تزلزل بهم إلا بإذن الله تعالى:
start-icon.gif
وفي الأرض آيات للموقنين
end-icon.gif
[ الذاريات:20] ولقد أخبرنا الله تعالى في كتابه أنه خلق هذه السماوات العظيمة وهذه الأرض وما بينهما في ستة أيام، ابتدأ خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها وهيأها لما تصلح له من الأقوات في يومين آخرين فتلك أربعة أيام ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها فتلك ستة أيام .. وهو سبحانه لو شاء لخلق السماوات والأرض وما بينهما في لحظة:
start-icon.gif
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
end-icon.gif
[يس:82]، ولكنه سبحانه حكيم يقدر الأمور بأسبابها. حكى الحافظ ابن كثير – رحمه الله – أنه سُئل أحد الأعراب فقيل له: ما الدليل على وجود الرب تعالى، فقال: يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!.
ومن آياته: ما بث في السماوات والأرض من دابة، ففي السماء ملائكة لا يحصيهم إلا الله تعالى أخرج الترمذي وابن ماجة وأحمد بسند حسن عن أبي ذر –
radia-icon.gif
- قال: قال رسول الله –
salla-icon.gif
-: ((أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى))
جاء في الصحيحين عن النبي -
salla-icon.gif
-:((أن البيت المعمور الذي فوق السماء السابعة يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة)). وروى أبو داود وغيره بسند صحيح عن جابر –
radia-icon.gif
- أن رسول الله –
salla-icon.gif
- قال: ((أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة
وفي الأرض من أجناس الدواب وأنواعها ما لا يحصى أجناسه فضلا عن أنواعه وأفراده فانظروا أولا كم على هذه الأرض من البشر من بني آدم، ليسوا بالآلاف ولا حتى بالملايين، بل بالمليارات آلاف الملايين، ومع ذلك فألسنتهم وألوانهم مختلفة فلا تجد شخصين متشابهين من جميع الوجوه كما قال تعالى:
start-icon.gif
ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين
end-icon.gif
.
قال ابن كثير - رحمه الله -: ((فجميع أهل الأرض بل أهل الدنيا منذ أن خلق الله آدم إلى قيام الساعة: كل له عينان وحاجبان وأنف وجبين وفم وخدان، وليس يشبه واحد منهم الآخر. بل لابد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام ظاهرا كان أو خفيا يظهر بالتأمل، ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح لابد من فارق بين كل منهم وبين الآخر)). ا.هـ.
ثم انظر ما على هذه الأرض من أصناف الحيوانات التي لا يحصيها إلا الله تعالى! كم على اليابسة فقط من أصناف هذه الحيوانات؟ وكم في هذه البحار والمحيطات من أصناف الحيوانات؟ وهي مع ذلك مختلفة الأجناس والأشكال والأحوال فمنها النافع للعباد الذي يعرفون به كمال نعمة الله عليهم ومنها الضار الذي يعرف به الإنسان قدر نفسه وضعفه أمام خلق الله، وهذه الدواب المنتشرة في البراري والبحار تسبح بحمد الله وتقدس له وتشهد بتوحيده وربوبيته.
start-icon.gif
تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم
end-icon.gif
.
وكل دابة من هذه الدواب وكل صنف من هذه الحيوانات خلق لحكمة بالغة فلم يخلق شيء من هذا الكون عبثا قطعا:
start-icon.gif
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار
end-icon.gif
، وقد تكفل الله برزق هذه الدواب ويعلم مستقرها ومستودعها:
start-icon.gif
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين
end-icon.gif
.
ومن آياته: هذه الرياح اللطيفة التي يرسلها الله تعالى فتحمل السحب الثقيلة المحملة بالمياه الكثيرة ويسوق الله هذا السحاب ثم يؤلف بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال فيحجب نور الشمس لكثافته وتظلم الأرض من سواده وتراكمه وتراه يتجمع وينضم بعضه إلى بعض سريع بإذن الله وإذا شاء أن يفرقه سريعا أصبحت السماء صحوا وفي ذلك أعظم الدلالة على عظمة خالقها ومصرفها ومدبرها ولذلك فقد أقسم سبحانه – وهو سبحانه إذا أقسم بشيء من مخلوقاته دل ذلك على عظمة المقسم به – كما قال سبحانه:
start-icon.gif
والذاريات ذرواً
end-icon.gif
، ومعنى الذاريات أي الرياح:
start-icon.gif
فالحاملات وقراً
end-icon.gif
، أي: السحاب التي تحمل وقرها من الماء. وهذه الرياح وهذا السحاب مسخر بأمر الله تعالى لا يتجاوز ما أمره به خالقه ومنشئه سبحانه وتعالى.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس
radia-icon.gif
- قال: أصابت الناس سَنة على عهد النبي
salla-icon.gif
- أي شدة وجهد من الجدب وعدم نزول المطر قال: فبينما النبي
salla-icon.gif
- يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال يا رسول الله: هلك المال، وجاع العيال، وانقطعت السبل فادع الله لنا. فرفع النبي
salla-icon.gif
- يديه، يقول أنس: وما نرى في السماء قزعة أي قطعة سحاب يقول: فو الذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته
salla-icon.gif
-. سبحان الله العظيم! صعد النبي
salla-icon.gif
- المنبر وما في السماء من قزعة سحاب وما نزل إلا والمطر يتحادر من لحيته!.
فسبحان الله! إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.
يقول انس
radia-icon.gif
-: مطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى. فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله !تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا. فرفع النبي
salla-icon.gif
- يديه وقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر)). يقول أنس
radia-icon.gif
-: فما يشير
salla-icon.gif
بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، فتمزق السحاب فما نرى منه شيئا على المدينة وسال الوادي شهرا ولم يجئ أحد من ناحيته إلا حدَّث بالجود:
start-icon.gif
الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون
mid-icon.gif
وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين
mid-icon.gif
فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير
end-icon.gif
.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور
الخطبة الثانية
الحمد لله، الذي أقرت له بالربوبية جميع مخلوقاته، وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته، وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد-
salla-icon.gif
- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة.
عباد الله: و إذا نظر الإنسان إلى عالم النبات، وجد العجب العجاب في ذلك، وقد أشار الله تعالى إلى شيء من ذلك في محكم كتابه، فقال:
start-icon.gif
وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون
end-icon.gif
،
start-icon.gif
والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب
mid-icon.gif
ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد
mid-icon.gif
والنخل باسقات لها طلع نضيد
end-icon.gif
.
وفي هذا المعنى يقول القائل :-
تـأمل في نبـات الأرض وانظر إلى آثــار مـا صنـع المليـك
عيون من لجين شاخصات بأحداث هي الذهب السبيك
على كثب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك
عباد الله: ثم ليتأمل الإنسان في خلق نفسه، كما قال عز وجل:
start-icon.gif
وفي أنفسكم أفلا تبصرون
end-icon.gif
. فإذا نظر الإنسان إلى نفسه ومبدئه ومنتهاه وأنه قد خُلِقَ من نطفة من ماء مهين كُوّن منها اللحم والعظام والعروق والأعصاب وأحيطت هذه الأشياء بجلد متين، وجُعِلَ في هذا الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلا، ما بين كبير وصغير، وثخين ورقيق، وجعل في جسمه أبواب متعددة: بابان للسمع، وبابان للبصر، وبابان للشم، وبابان للطعام والشراب والنفس، وبابان لخروج الفضلات المؤذية وقد عجز الطب الحديث بآلاته الدقيقة وأجهزته المتطورة من الإحاطة بدقائق خلق الإنسان، فسبحان الخلاق العظيم، وتبارك الله أحسن الخالقين.
فوا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجـاحد ؟
وللــه في كل تحريكـة وتسكينـة أبدا شـــاهد
وفي كـل شـيء لـه آية تـدل على أنـه واحــــد
عباد الله :- إن لله من العظمة والجلال مايبهر العقول ، ولله من القدرة وعظيم الخلق مايعجز العقل البشري عن تصوره ، فسبحانه أحاط بكل شيئ علما إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير .......الخ
 
رد: أثر التفكر في خلق الله في زيادة الإيمان

لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير
جزاك الله خير ربنا يعطيك الجنه
 
رد: أثر التفكر في خلق الله في زيادة الإيمان

بارك الله فيك
و
في ميزان حسناتك
 

عودة
أعلى