التصفح للزوار محدود

أول يوم مدرسة.. يحدد مستقبل طفلك

نهى عزت

إختصاصية تدخل مبكرمشرفة منتدى التدخل المبكر
أول يوم لنا في المدرسة.. مثل كل البدايات، يحفر في الذاكرة أحداثاً من الصعب أن تُنسى.. هل ننسى ملابسنا وأحذيتنا وحقائبنا الجديدة.. كتبنا وكراساتنا التي نقرأ ونكتب فيها حروفنا الأولى.. خوفنا ورهبتنا من الدخول إلى عالم جديد.. ازدحام المدرسة وتشبثنا بيد أمهاتنا.. نبكي.. أو نرقب سماع أسمائنا كأننا نولد من جديد؟!
إنه يوم مهم ويشكل فطاماً ثانياً للطفل، يتعلم من خلاله اكتساب مهارات جديدة، أولها مهارة الانفصال عن أسرته الصغيرة، خصوصاً الأم، ليخطو أولى خطواته نحو مجتمع أكبر وعالم أرحب يؤثر فيه ويتأثر به، ويشكل جزءا كبيرا من شخصيته ونجاحه مستقبلاً.. مؤكد أن كل أب وأم يحلمان بأن يكون ابنهما متفوقا في دراسته، ناجحاً في حياته، يتخيلانه طبيبا أو مهندسا أو مدرسا أو ضابطا أو أي مهنة أخرى يحقق فيها ذاته ويجسد بها حلم أبويه، لكن هل يهتم الآباء فعلا بكيفية تحقيق هذا الحلم، هل يخططان له بشكل سليم، أم أنها أحلام قد تتبخر في الهواء بسبب قلة الوعي أو عدم الاهتمام؟!

فوبيا

للأسف، الكثير من الآباء لا يهتمون بتهيئة طفلهم لهذا اليوم، أو ربما يجهلون طرق التواصل معه ومساندته، إنما يكتفون بتجهيز احتياجاته المدرسية والمادية وتوصيله إلى المدرسة بطريقة حيادية وجافة، وقد يرسلونه مع الخادمة أو السائق. كما نراهم يتعاملون مع بكاء الطفل المستمر كأنه أمر عادي من دون الالتفات إلى مشاعره وحالته النفسية والأفكار التي تدور برأسه!
إننا نفتقد غالبا رهافة الحس في التعامل مع أبنائنا، ونتخيل أن المواقف التي يمرون بها مهما بدت بسيطة وطريقة تعاملنا معها لن تؤثر فيهم، ونندهش حين يتعثرون دراسيا أو يضطربون سلوكيا أو يعانون بعض المشكلات النفسية مثل فوبيا المدرسة School Phobia ولا ندرك أنها أمور تنتج من التراكم النفسي والتربوي السلبي، وعدم وعي الأسرة باحتياجات الطفل وطرق التعامل معه.

قلق الانفصال

يرتبط عدم انسجام الطفل مع المدرسة، خصوصا في اليوم الأول، بنوع العلاقة بينه وبين أسرته، تحديدا الأم وطريقة تعاملها معه. فمثلا نجد أن بعض الأسر لا تستجيب لحاجات الطفل النفسية والعاطفية بطريقة مناسبة، كإهمال طلباته وأسئلته، أو الاستجابة لها بشكل متناقض أو مبالغ فيه، أو تجاهل مشاعره، إضافة إلى افتقار العلاقة لمشاعر الاحتواء والحب والحنان، وتهديده بالحرمان منها كنوع من التأديب، مما يخلق لدى الطفل نوعا من التوتر الشديد والتعلق المبالغ فيه بالأم طمعا في المفقود دائما، وإصابته بقلق الانفصال عنها، وبالتالي من الصعب عليه الذهاب إلى المدرسة خوفا من فقدانها وتخيله أنه لن يراها مرة أخرى. وهو ما يفسر البكاء الشديد والتشبث بالآباء في اليوم الأول للمدرسة وعدم الرغبة في البقاء، مما يجعل منه يوما مأساويا وصراعا بين الطفل والأسرة.
على عكس العلاقة المستقرة بين الأسرة والطفل، حيث تحظى الأم بقدرة كبيرة على التعبير عن الحب والاستجابة لمشاعر الطفل واحتياجاته وتوفير الكثير من الأنشطة التي تحقق له الاستثارة الاجتماعية مثل اللعب والمشاركة الاجتماعية. مما يترك لدى الطفل شعورا قويا بالأمان وتقديره لذاته وقدرته على الاكتشاف وتنمية روح الاستقلالية والقدرة على مواجهة الحياة والمواقف، ويكون مطمئنا أنها بجواره، وإن ابتعدت قليلا. هؤلاء الأطفال يبكون قليلا في اليوم الدراسي الأول وسرعان ما يهدأون بمجرد طمأنة الأم أو الأب لهم وبقائهم معهم بعض الوقت واحتضانهم.

خطوات مهمة

هنا بعض الخطوات التي تساعدك على تقليل ردة فعل الطفل السلبية تجاه المدرسة:
1) قومي أنت أو الأب بزيارة المدرسة مع الطفل قبل بدء العام الدراسي، حتى يعتاد المكان ورؤية الزملاء ويستطيع التكيف مع البيئة الجديدة.
2) تجنبي مناقشته في موضوع خوفه من المدرسة أو سؤاله عن مشاعره.
3) في اليوم السابق على المدرسة، اقضي معه وقتا في تجهيز حقيبته أو شراء أغراضه أو ترتيب ملابسه، واصنعي جوا من البهجة والمرح احتفالا بهذه المناسبة السعيدة.
4) اعطي طفلك أطعمة جذابة وأدوات مدرسية تثير انتباهه، واغمريه بالحب والحنان قبل ذهابه إلى المدرسة.
5) لا تستجيبي لمشاعره السلبية مثل البكاء، أو الإمساك بيديك عند وصوله المدرسة، بل يجب تسليمه للمشرفة بنوع من الثقة وعدم إبداء مشاعر القلق والخوف عليه. وإذا لاحظت عدم استجابته واستمراره في البكاء ورفض الدخول للمدرسة، فمن الأفضل في اليوم الأول بقاؤك معه بعض الوقت داخل الصف حتى يألف المكان والزملاء، وإذا استدعى الأمر ابقي قريبة منه خارج الصف بحيث يراك إذا شعر بالقلق. ولا تفكري في عودته معك إلى البيت بحجة أنه رفض البقاء في صفه، وسيقلل من وطأة الموقف تفهم المدرسة والمشرفة ومساعدتك في ذلك، خصوصا أن بعض المدارس تجعله يوما ترفيهيا ومناسبة للتعارف وتقليل الرهبة لدى التلاميذ.
6) في كل الأحوال لا تتأخري عن ميعاد تسلم طفلك، ويمكنك أن تأخذيه مبكرا في اليوم الأول لتزداد مدة بقائه في المدرسة بالتدريج خلال الأسبوع الأول حتى لا يشعر بأنك. تركته فترة طويلة دون الاهتمام به.
7) استقبليه بابتسامة حنون وحضن دافئ، وامتدحي سلوكه الإيجابي، ويمكنك أن تصنعي معه حوارا قصيرا عن زملائه الذين تعرف عليهم أو اسم مُدرسته أو أي شيء آخر يشعره بالحميمية.
8) أكدي باستمرار علاقته الايجابية بالمدرسة حتى لا يحبط الطفل لأي سبب خارجي، ولا تستخدمي العقاب كوسيلة للتغلب على الخوف من المدرسة، لأن ذلك يزيد من المشكلة، كذلك عدم الإسراف في الثواب المادي (كتقديم هدايا للطفل أو زيادة مصروفه) حتى لا يعتاد ذلك أو يؤدي لابتزازه لكم مستقبلا.
9) لا تقارني بينه وبين زملائه وقدرتهم على التكيف مع البيئة المدرسية، لأن الأطفال يختلفون في استجاباتهم وقدراتهم.
10) أوكلي إليه بعض المسؤوليات البسيطة التي تشعره بأهميته كالمساهمة في إعداد الوجبات، ترتيب مكانه، مساعدة اخوته في القيام بمهامهم.
 

عودة
أعلى