الايمان والابتلاء . بقلم الشهيد د.احمد شويدح

جريح الأقصى

Well-known member
بسم الله الرحمن الرحيم
اخواني واخواتي ، سلام عليكم من الله ورحمة منه وبركاته
اضع بين ايديكم هذا الموضوع وهو بعنوان الايمان والابتلاء
هذا الموضوع الذي خطّه بقلمه عالم عامل مجاهد شيخ وعلّامة ومفتي ووزير وشهيد بإذن الله تعالى
انه الدكتور. أحمد ذياب شويدح
الذي ارتقى شهيدا في ظل حصار غزة الظالم .




الايمان والابتلاء

التاريخ: 10/1/2006​



الكاتب: د. احمد ذياب شويدح-رئيس دائرة الافتاء
وزير العدل ووزير الأسرى
عميد كلية الشريعة
شهيد الحصار الحبيب الى قلوبنا جميعا




إن الذي يقرأ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ويتدبر نصوصهما ويدرس أحوال الناس في مراحل حياتهم المختلفة، يستقر على قرار وهو أن الله تعالى خلق كل الناس ليبتليهم، قال الله تعالى : {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (2) سورة الإنسان.




والمؤمن – بالذات – لا يتوقف الابتلاء عنه، بل يتعرض إلى ابتلاءات، وفتن كثيرة، ومحن عديدة، إنه سيسأل عن كل لحظة من لحظات عمره فيما أفناها، وعن كل كلمة قالها، وعن كل عمل عمله، وسيجزى على الخير خيراً، وعلى الشر شراً، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (7-8) سورة الزلزلة.



ولقد قدر الله تعالى هذا الابتلاء لكل من ينسب نفسه للإيمان، قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (2-3) سورة العنكبوت.



وقال تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (155-157) سورة البقرة
.



وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (186) سورة آل عمران.




وقد يبتلي الله عز وجل العبد المؤمن بموت عزيز عليه كأمه، أو أبيه، أو ولده، ليرى مدى صبره ورضاه بقضاء الله عز وجل، قال تعالى في الحديث القدسي : " ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " رواه البخاري.





عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
( إذا مات ولدُ العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم, فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد ) رواه الترمذي.
.

وقد يُبتلى المؤمن بفقد جزء من جسمه, كذهاب بصره، أو سمعه، أو رجله أو يده، فيصبر على ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " رواه البخاري.




وقد يُبتلى العبد المؤمن بمرض عضال، أو فتاك، عن عطاء بن يسار قال: " إذا مرض العبد بعث الله تعلى إليه ملكين، فقال: انظرا ماذا يقول لِعُواده؟ فإن هو إذا جاءوه حَمِدَ الله، وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله عز وجل، وهو أعلم، فيقول: لعبدي عليَّ إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته، أن أبدل له لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأن أكفِّر عنه سيئاته ". رواه مالك في الموطأ.




وقد يُبتلى العبد المؤمن بذهاب أمواله، وكساد تجارته، فيصبح فقيراً يستحق الصدقة كما جاء في حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلاّ لأحد ثلاثة: وذكر منهم: رجل اجتاحت ماله جائحة " رواه مسلم.



وقد يُبتلى العبد المؤمن بشيء قد لا تقبل به النفس كذبح الولد، أو مفارقة الوطن, والأهل والأقارب. الحكمة من وراء الابتلاء: إن الله عز وجل يبتلي عباده الصالحين، الذين أحبّهم، فيعرضهم للمحن لا لينتقم منهم، وإنما لأنه يحبهم، ولا يدرك هذا إلا المؤمنون.


وقد يقول قائل: أي حب هذا ؟ وكيف يكون حباً، إذا عرض محبوبه إلى الآلام ؟

أقول: ولله المثل الأعلى أولاً وآخراً، أرأيت هذا الطفل الصغير، إنه ولدك وتحبه حباً لا يحبه أحد سواك، وتفديه بنفسك وبمالك، وبما تستطيع، وفي ساعة من الساعات تضم ولدك إلى صدرك بحنان وعاطفة غامرة لا يعلم مداها إلاّ الله، ولو استطعت أن تدلخه إلى حنايا ضلوعك وفي جوفك من فرط حبك لولدك لما قصرت، ولكن الطفل الذي لايعقل حقيقة الموقف، ولا يدرك مقدار حبك له، ولا عاطفتك الغامره له، وحنانك الدافئ، يصيح وأنت تضمه إلى صدرك مستغيثاً متألماً ويبكي ظناً منه أنك ستقتله، وربما نظر إليك نظرة غضب وعدم رضا، وابتعد عنك، ظناَ منه أنك عدوه، قد أسأت إليه.


إن هؤلاء الذين يضجرون من المحن والفتن والإبتلاءات أطفال !


أطفال في شعورهم، أطفال في عقولهم، وأطفال في إدراكهم، أطفال في تقديرهم للأمور، لم يبلغوا درجة الرجولة في التفكير والإدراك، والفهم والتقدير، ويوم أن يبلغوا هذه المرحلة من أعمارهم سيسخرون بما كانوا يفكرون به، فتتغير مقاييسهم، ونظرتهم للأشياء.



ومن خلال دراستنا للإبتلاء والمحن والفتن يتضح جلياً أن ورائه حكماً عظيمة، وفوائد جليلة تعود على المبتلى، وعلى الناس أيضاً إن هم اتعضوا واعتبروا، ومن هذه الفوائد ما يلي:



الفائدة الأولى: تكفير السيئات:


إن الإنسان إذا ابتلاه الله لمصيبة تصيبه في أهله أو جسده أو ماله، فصبر على هذا الابتلاء، واحتسب فيه، فإن الله عز وجل يكفر عنه سيئاته، ويتجاوز عن هفواته، وييسر له الخير.

عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولاهم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلاّ كفر الله بها من خطاياه ) متفق عليه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلاّ كفر الله بها سيئاته، وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها ) متفق عليه.

الفائدة الثانية: رفع المنزلة والدرجة عند الله:

إن الله عز وجل إذا ابتلى المؤمن فصبر على بلواه لاتكفر عنه سيئاته فحسب، بل يجزل الله له في الثواب، ويعظم له في الأجر، ويرفع مكانته عند الناس وفي الجنة.

عن أنس أبن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( متا أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلاّ الشهيد، يتمني أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يري من الكرامة ) متفق عليه.

وإن المبتلى الصابر له نفس المكانة التي يتمتع بها الشهيد عند الله عز وجل.



الفائدة الثالثة المكافأة في الدنيا:



من كرم الله عز وجل على عباده الذين يبتليهم أنه يكافؤهم في هذه الحياة الدنيا، ويعوضهم على ما فقدوه، وهذا ما حدث لسيدنا أيوب عليه السلام فقد أعاد الله له أهله و ما فقده، وما حدث لأم سليم زوج أبي طلحة حينما صبرت على فقد ولدها.




الفائدة الرابعة: إخلاص النفوس لله:


إن الابتلاء من شأنه أن ينقي النفوس من الشوائب، والقلوب من الرياء، والعمل من الشرك، ويوجهها نحو الإخلاص، بل يصهرها في بوتقة الإخلاص، بحيث تتقي في قولها وعملها رضاء الله وثوابه.



الفائدة الخامسة: إظهار الناس على حقيقتهم:


من الناس من يدعي الصبر وليس بصابر، ويدعي الزهد وليس بزاهد،
إن المرض والفقر والجوع، والآلام وفقدان الأولاد، وذهاب الأصدقاء الأعزاء، وخسارة الأموال، وغير ذلك، لا تطيقها كل النفوس

، فهناك من النفوس الضعيفة ما تفجر وتتبرم إذا أصابها شيء من هذا، وهناك من النفوس المؤمنة القوية في إيمانها من تتحمل هذه الآلام، لأنها من الله عز وجل، وترضى بقضائه وقدره، ومن هنا كان الأبتلاء لتمييز أصحاب الهمم العالية، والنفوس القويمة، والعزائم الفتية المؤمنة، والقلوب الواعية المخلصة، من أصحاب الهمم الضعيفة، والنفوس الساقطة والعزائم الخائرة، والقلوب المريضة.




الفائدة السادسة الاقتداء بالصابرين:


حين يبتلي الله عز وجل أناساً ويصبرون وينالون من المكافأة والرفعة عند الله، يكون هذا حافزاً للمؤمنين أن يصبروا ويصابروا ويتحملوا كما صبر أولئك المؤمنون حقاً، فنالوا من الرضا والقبول والرضوان والنعيم المقيم في الآخرة، والعزة والكرامة في الدنيا.​
 

عودة
أعلى