رمضان الوصل .. رمضان الأصل
سلسلة ملهمة مهمة
بقلم د. كفاح أبو هنود فتح الله لها
سلسلة ملهمة مهمة
بقلم د. كفاح أبو هنود فتح الله لها
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الأُولى
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
كانَ أولُ ما نَطقَ به الشّيخُ الّليلةَ قولَه تعالى "يا أيُّها الَّذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصِّيامُ"
ثم قالَ : يا بُنيَّ.. الإيمانُ عُمرٌ‘ والصِّيامُ امتِدادٌ
يَنحِتُ الصِّيامُ المَعنى فلا يَظَلُّ جُوعاً عارِياً لا يَليقُ ببابِ الرَّيانِ
لذا كانَ البَدْءُ في آياتِ الصِّيامِ بالنّداءِ "يا أيُّها الذين آمنوا"
حيثُ العبورُ مِن الجُوعِ إلى الصيامِ لا يكونُ إلا على قَنطرةِ الإيمانِ
الجائِعُ يا ولدي يَشيخُ‘ أمّا الصّائمُ فيمتدُّ في العُمرِ دُهوراً !
هل تَعلمُ يا ولدي أنَّنا نَنْبُتُ في الزَّمنِ الممتلئِ بالأَجرِ.
قال التّلميذُ: فما إيمانُ الصّائمِ ؟
ردَّ الشّيخُ:الإيمانُ هو النَّذْرُ المُقدّسُ أن لا نَغيبَ عن الغَيْبِ.
أن يظلَّ صوتُ الوضوءِ في ضمائِرِنا قوياً
أن تُمهِرَ الجنّةَ صَبرَك‘ وتَكتبَ مِن جِبّلةِ الطّينِ حرفاً سماويّاً كأنّه لافتةُ الفِردوسِ الأعلى
قال التّلميذُ: دُلّني كيف أبلُغُ الصّيامَ ؟
قال العالِمُ الربّانيُّ: احفَظْ للهِ نهارَك يحفظِ اللهُ لك لَيلَك
احفَظْ للهِ قلبَك يحفظِ اللهُ لكَ غَرسَك
فالبِذارُ الذي لا يُسقى بماءِ الطّهارةِ منذُ البَدءِ لا يُنبِتُ.
إنّ العبدَ يتردّى في داخِلِه قبلَ أن يَسقطَ من شاهِقِ الذّنبِ
يَهوي في عُمْقِهِ أولاً قبلَ أن يجترِحَ الذّنبَ
الذّنبُ هو جنازةُ القلبِ !
صلِّ الّليلةَ صلاةَ العائِدِ المُنيبِ وقُلْ:
" يا ربُّ إنّي أعودُ إليكَ مُعتذراً .. أُمطِرُ سِجادتِي دَمعاً فَتَسْقِيني
يا ربُّ إنّي أعودُ إليكَ مُغترباً .. أُسْرِجُ لكَ الرّوحَ أرجُو أنْ لا تُطْفيها "
قالَ التّلميذُ: قدْ غَلّتِ الخَطايا إقبالي، وأَبْقتْ لي إدباري
ربما يُطِلقُ الشّيطانُ الّليلةَ يا شَيخي الأُسارى، لكنّ انطفاءاتِ الخَطايا تَلهَثُ في الأرواحِ مثلَ أصواتِ الشّظايا
انتَفضَ الوَجَلُ في عيْنِ الشّيخِ ثمّ قالَ:
فـِرَّ إلى اللهِ في رمَضانَ
فَفي رَمضانَ لا مَسافةَ بينَك وبين اللهِ حتّى تطويَها.
قُمْ إلى اللهِ .. تتبّعْ سبباً مُوصِلاً إليه
ودَعْ رَمضانَ يَنزِعُ عنك أدرانَك.
يا ولدي..
(إنّ الرّجلَ لَيَنقَطِعُ إلى بعضِ المُلوكِ فيُرى أَثرُهم عليه فكيفَ بمنْ ينْقطِعُ إلى مَلكِ المُلوكِ)
وهذا زمنُ الانقطاعِ إليه. قلْ:
يا مَولى رمضانَ هبْ لي بِضاعةً غيرَ مُزجاةٍ
تُبلِّغُني مَقامَ الحالِّ في الإيمانِ بِلا ارتِحالٍ.
و نادِ :
يا أيُّها الطُّهرُ أدرِكْ خُطوتِي.
ثُمّ تَضلَّعْ من رمضانَ فإنَّ الحسناتِ يُذهِبْنَ السيئاتِ
واعْلَمْ أنَّ التّوبةَ تَرُدُّ على عِقالِك ما شُرِّدَ مِن حَسناتِك
و تَرُدُّ عليكَ استغفارَ الأَسحارِ، ودَهشةَ الفرحِ إذْ يُجابُ الدُّعاءُ
وتَرُدُّ عليك لِجامَ التَّقوى حتّى تنفِرَ من مَجالسِ الغِيبةِ
وتَشُمَّ مِن ريحِ الذُّنوبِ ؛ ما لا يَشمُّ القومُ إذْ يَخوضُون !
طُوبى لِمنْ أحسَنَ مَدَّ الحِبالِ في رمضانَ
وأطالَ زمنَ الوصْلِ
وعَبرَ مِن أثقالِ الثَّأرِ إلى صَلاةِ التَّسامحِ
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الثانية
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
قالَ الشيخُ:
(طَهِّرْ قَلبَكَ مِن العَيْبِ ، يُفتَحْ لك بابُ الغَيبِ)
تمَلملَ التّلميذُ في مَجلسِهِ كأنَّ الكلماتِ مَسّتْهُ بِنورِها.
فكرّرَ الشّيخُ ( يُفتحْ لك بابُ الغَيبِ ) ثمّ قالَ :
أيُّ غَيْبٍ تُرى هذا الذي سَتُشرَعُ لك أبوابُهُ يا ولدي ؟!
أهُوَ غيْبُ الإجابةِ.. حتّى كأنّك أنتَ منْ يُرتِبُ تفاصيلَ الحُلُمِ
تَلتقِطُه يُسَاقَطُ عليك ثمرُهُ رُطَباً جَنِيّاً.
أهُوَ غيبُ العِلمِ والفَهمِ حتّى كأنّك صاحبُ موسى
قَد آتاهُ اللهُ العلمَ من لدنْه هبةً عُليا !؟
أم تُراهُ دهشةُ الغيبِ المَكنونِ تَلمِسُهُ حتّى كأنَّه عِيانٌ مَرئيٌّ !
يا بنيَّ .. لا يَتيهُ صوتُ المَحزونين في رمضانَ
لا تَذبُلُ توَسُّلاتُهم المَسكوبةُ في السُّجودِ
لا سَرابَ يَلتَمِعُ في عيونِهم الباحثةِ عن فَيضِ الخَزائنِ الإلهيّةِ
أصغِ في عُمْقِ الأسحارِ لأصواتِ الأبوابِ وهي تُفتحُ
لِصّريرِ المُغلَقِ كيفَ يُشرَعُ، لزَحزحةِ الأبوابِ الثَّقيلةِ
يَرتفعُ صَدى صوتِكَ في السّماواتِ
وتَشتدُّ الملائكةُ على إثْرِ خُطواتِ الدُّعاءِ
تتحرّكُ لك سِلسلةُ الإجابةِ.
ثمّةَ لُغة ٌغَيبيةٌ للأبوابِ المُوصَدةِ يَهَبُكَ اللهُ إيّاها إنْ طَهَّرْتَ القلب
ثمّةَ لغةٌ غيْبيةٌ يَفيضُ بها لسانُك فتهتزُّ لها أبوابُ السّماواتِ
ثمّةَ لغةٌ لا يَنضُبُ ماؤُها تُسْتَمْطَرُ بها الرَّحَماتُ.
لا تَحملْ همَّ الإجابةِ يا وَلدي
إنْ وَهبَكَ اللهُ الدُّعاءَ.
طهّرْ قلبَكَ
ثمّ انظُرْ كيف يَفيضُ الغَيبُ عليك في رَمضانَ
قالَ التِّلميذُ :
يا للهِ .. كيفَ لقلبٍ أنْ يَطْهُرَ مِن صورةِ الذّاتِ
مِن جَذْبةِ الطّين .. مِن شَهْوةِ الكِبْرِ الخَفيّةِ .. مِن لذّةِ الرِّياءِ
ومِن شَهوةِ البُروزِ للأكوانِ !
دُلَّني كيف أرحلُ مِن أكداري !؟
قالَ العالمُ الربانيُّ:
اذكُرْ أنّ الأنفاسَ المَرويّةَ بالطّهارةِ
هي التي تستحقُّ الرُّؤى.
تعلَّمْ كيف تَغتسِلُ في رَمضانَ
كيف تَغمُرُ خَطايا قلبِك في غَيثِ الشَّهرِ فلا يبقى بعدَها شُؤمٌ ولا أثَرٌ .
تَضلَّعْ مِن رمضانَ
حتّى كأنَّه ماءُ زَمزمَ يُشْرَبُ فَتُقضى به حوائجُ العُمُرِ كلُّها.
سلِّم قَلبَك من الكَدَرِ حّتى يَسلمَ لك رَمضانُ
ويَتَسلّمُه اللهُ مِنك مقبولاً.
يا ولدي إنّ للهِ عباداً إذا سَجدوا أضاءَتْ أنوارُ قُلوبِهِم مدارجَ الدَّعواتِ
يَستهدي الدُّعاءُ في بُلوغِ العَرشِ بنورِ القلبِ الذي فاضَ بالطُّهْرِ
هؤلاءِ هُم منْ يَستحقونَ الرُّؤيةَ.
هؤلاءِ منْ عَمَرُوا باطنَهم بالمراقبةِ
هؤلاءِ مَن لم تبقَ لهم يومَ القيامةِ إلا المُكاشَفةُ !
فحدِّثْ حينَها عن المُناجاةِ كيف تَتدفّقُ
وعن المَلائكةِ كيفَ تَعْجَبُ.
إنّ نُورَ اللهِ لا يَهْبِطُ إلا في القُلوبِ المَصقولةِ
لِذا قيلَ: " من صَفّى صُفِّيَ له " حتّى يرى بنورِ اللهِ ما لا نَرى.
طهِّرْ قلبَك من دَبيبِ الرِّياءِ مِن مَحْمَدَةِ الناسِ
من صوتِ الجَماهيرِ في عُمقِكَ ، من عَتمةِ الكَراهيةِ،
ومِنْ وَسْوسةِ الحَسَدِ.
ثمّ قالَ الشيخُ :
إنْ سَلَبَتْكَ ذُنوبُك البِداياتِ فأذكرْ مَرارةَ النّهاياتِ.
مَرارةَ أن يَرمِدَ قلبُك أعواماً فلا تُعالجَه
ولو رَمِدَتْ عينُك يوماً لعَجِلْتَ إليها.
يا بُنيّ .. لو لم يَكنْ إلا أن يَرى اللهُ قَلبَك مُقيماً على بواطِنِ الذُّنوبِ
فَيُخْليكَ اللهُ وَما تُريدُ، و يَكِلَكَ إلى نَفْسِك، ثمَّ تَفقِدَهُ عِندَ مُفترَقِ الطّريقِ.
يا وَلدي.. خَطيئةُ القُلوبِ يَراها اللهُ بِعينِه
فَارحَلْ إليه الليلةَ بما يُحبُّ
ارحَلْ إليه مِثلَ ريشةٍ في الرِّيحِ
فبالطَّهارةِ تَبلغُ المُستحيلَ .
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الثالثة
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
كانَ الشّيخُ ظَمِئاً في دُعائِه فأطالَه حتّى ارتويْنا
ثم ظلَّ يُلحُّ على اللهِ أنْ يكتبَ الأمنَ لغزة
استدارَ الشّيخُ وقد تجمَّعَتْ دموعُ الثّكالى في عَينيه مثلَ الغَمامِ
ثمّ قالَ للجَمْعِ الخاشِع:
يا أبنائي.. فَرَدَ الإسلامُ جناحيه بِهَيْبةٍ في فُتوحاتِ العِراقِ والشّامِ
إلّا أنّ فِتنةَ احتكارِ القرارِ أصابتِ القائدَ فقُتِلَ الخِيرةُ
وانكسرَ الجيشُ كلُّه على " الجِسرِ " في العراقِ؟
وكُنّا مثلَ غَيمةٍ ترشُّ الحزنَ والدَّمَ على خارطةِ الإسلامِ !
كان يومَها " عُمَرُ " بينَنا وكانت مَهمّةُ عُمَرَ في الإسلامِ
أن لا يأذَنَ للهزيمةِ أن تنبُتَ بيننا.
أن يكسِرَ الحِرابَ قبل أن تنغرسَ في آمالِنا
أن لا يأذَنَ للمعاركِ أن تهُزَّ المصاحفَ فينا.
فأمَر بمعركةِ ( البويبِ ) بالقرُبِ من الكوفةِ وسلّمَ الرايةَ " للمثنى الشَيْبانيّ "
ذاكَ الذي أعدَّ خطّةً مُحكمةً، وأصرَّ قبلَ المعركةِ أن تَصُفَّ الصُّفوفُ مثلَ صُفوفِ الصّلاةِ دونَ ثغراتٍ
ثم صاحَ المثنى في الصُّفوفِ حينَ استَوَتْ :
(لا تَفضحُوا المُسلمينَ اليومَ).
يا اللهُ !
أكانَ المثنى يرى خلَلَـنا في الصّلاةِ هو بدايةَ الفضيحةِ ؟
أكان يَرى ارتعاشتَنا في الوُقوفِ هو عتبةَ الفَضيحةِ !؟
أكان يرى غَفوةَ الأجيالِ خَيبةً
وفراغَ جُعْبتِنا من السِّهامِ الربانيّةِ فضيحةً !
نحنُ يا غزة .. من باعَ نفسَه في ساحةِ المزادِ للحُشودِ الفاسدةِ
يومَ قَبِلْنا تقاعسَ الخَطْوِعن القُدومِ للهِ .
فصفوفُ الصّلاةِ هي مِقبَضُ النُّورِ للنّصرِ
الواقفون في العزيمةِ لا يُرهقُهم نزيفُ الأقدامِ في القيامِ .
الحارِسون للحروفِ المَتلُوَّةِ يتهجّون منها معانيَ التغيير
ويكتبون بها خارطةَ الفتَحِ الجديدةَ.
أولئكَ الذين لا يترجّلُون عن القيادةِ.
قدرُنا أن تبدأَ جُذورُنا في الصّلاةِ
وأنْ يكونَ نَموُنا بالقرآنِ مثلَ نَبتةٍ في مَجرى النّهرِ.
كان " المُثنّى " يُدركُ رسالةَ صُفوفِ الصلاةِ فينا
يدركُ أنّ الثّغرةَ تبدأُ من المَسجدِ
مِنْ تخالُفِ قلوبِنا في مَوطِنِ الاجتماعِ على اللهِ
من مشهدِ صلواتِنا
يَسرِقُنا الشّيطانُ
فتَظلُّ الصّلاةُ أدَاءً لا يَبلُغ التَّحليقَ
قال الشّيخُ :
إنّ (الفُرسَ الكَفرةَ ) لا تصيدُ المُحلِّق نحو السَّماء
إنّ الفُرسَ تَبلُغُ فقط الخَافضينَ رؤوسَهم مثِلَ النَّعامِ
اهتزَّ التّلميذُ في حضْرةِ الكلماتِ فقالَ له الشّيخُ :
لا تَرتعشْ .. وامحُ عنّا تَلكُّؤَنا واسترْ عَورتَنا !
قالَ التّلميذُ .. كيف ؟!
فردّ الشّيخُ : لا تفضحِ المسلمينَ !
لا تخشَ عِبءَ الحَمْلِ للقَولِ الثّقيلِ
وجاهِدْ رُوحَك كيْ تَستقيمَ
لا تُفاوِضْ على أن ترتديَ دينَكَ نِصفَ ثوبٍ
فلبِاسُ التّقوى لا يَحتملُ هذا التَّرقيعَ؟
رتّلْ تاريخَك .. واذكُرْ أنّ على ضِفافِ الفُراتِ في رمضانَ تمَّ تَصحيحُ الخَطيئَةِ
و أَوْقِفْ عُريَّ عَقلِكَ .. أوقِفْ عُريَّ رُوحِكَ .. وامتَشِقْ رمضانَ
رمضانُ .. يُعلِّمُكَ كيفَ تَمتطي الخيلَ للفردوسِ الأعلى
دون رجفةٍ أو خُمُولِ.
ثمّ أكمَلَ الشّيخُ الحكايةَ ..
جَمعَ المُثنّى كلَّ منِ ارتَدَّ عن الإسلامِ ، وعاد تائباً إلى الجَيشِ وقال لهم
( هذا زمنُ الكَفّارةِ )
وقد كانَ؛ إذ استَبسلَ المُرتدّون، واحتَضنَتِ السّماءُ خَطوتَهم الجديدةَ .
أقبلَ الفُرْسُ في ثلاثةِ صفوفٍ، مع كلِّ صفٍّ فيلٌ
ولهم زَجَلٌ وصِياحٌ فقال المُثنّى لأصحابِهِ :
" إنّ الذي تسمعونَ فَشَلٌ فالزَموا الصَّمتَ "
يا لَرَوْعةِ الفَهمِ !
لقد أدركَ المُثنّى أنّ للموتِ حَشْرَجَةً وتلكَ كانتْ أصواتُها
نحنُ إذا لم ترْتدَّ أيدِينا قبلَ ألسِنتِنا عن التَّكبيرِ
نحنُ إذا لم تَرتدَّ خُطواتُنا قبلَ أصواتِنا عن التّكبيرِ
نحنُ إذا وقفْنا في الصّلاةِ كأنّ الأقدامَ على الصِّراطِ
واللهُ يَسألُنا عن أمانةِ الدِّينِ.
نحنُ إذا نَزعْنا الوَهَنَ وأخذْنا معانيَ "الكِتابِ بِقوّةٍ " حينَها
سنَسمعُ صوتَ الفشَلِ في الرّاياتِ الظّالمةِ.
فالزَموا الصّمتَ
فأنتُمْ حينَها في صلاةٍ يَمدُّها اللهُ بالمَدَدِ !
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الرابعة
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
رمضانُ تتبَعه المواسم والفُصول، ويظلّ يُزهر ما حَييت
وفي الموت هو الرّفيق ثمّ في القيامة يسقيك
كلّا وربّ الرَّيان إنَّه يرويك
فاكتُب تواريخ ميلادك مِن جديد
واقرأ فاتحة البَدء من عمرك في رمضان.
هنا أول الوصل
و رَوض يتضوّع من آلاف المِنَح
لا الصُّبح يُشبه رمضان
ولا النّجم ولا حتّى القمر
رمضان يا ولدي هو الجنّة.
لو كانَ قلبك حاضِراً
لرأى السّكينة والليالي بالملائك مُقمرة .
لو كان سَمعك عالياً لتناغم صوت اصطفاق
أبواب الجِنان في المَسامع واضحاً !
كاد التّلميذ أن يبكي فتداركه الشّيخ بقوله:
تعلم كيفَ تختم رمضان
فإنّ ما تختم به يُبعث معك كيْ يشهد لك وعلَيك.
قال التّلميذ .. كيف أختم رمضان ؟!
قال الشّيخ : كمال النّهايات دلالة التوفيق في البدايات
فالخَواتيم المُشرقة؛ إنّما تكون لِمن "أسَّس بُنيانه على" التقوى
النهّاية دوماً هي قصّتك الحقيقية
فمن أشرَقت بدايته بإحكامِ أصولها
أشرَقت نهايته بالعُثور على مَحصولها.
و لقد قالها الصّالحون :
( قُرب بَيتك من الله في الآخرة
كَقُرب قلبك منه في الدّنيا )
فاقتَرب منه اليوم حتّى لا يبقى بينك وبينه إلا قُرب الآخرة .
اسعَ إليه سَعياً واذكر أنّك لو جِئته مشياً لآتاك هَرولة
" لآتاكَ ".. أوّاه لو تتَملاها يا بُنيّ لَطِرتَ إليه
وطَويتَ الرّوح في جَنبيْه .. وبلَّلت قلبك بدمع المُحبّ
وإنْ ذُقت وصلاً به فَهِمتَ لماذا بكى إبراهيم
حتّى قال العَليُّ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ"
يابُنيّ .. قد قيل: " مأوى روحك ما هَويت "
فانظر بالله عليك ماذا عَشِقت
صَلِّ له اليوم بِهرولة القدوم على الحَبيب ..
صَلِّ له مُتوضئا بالشّوق
واعبُر من الفَرش المُسجّى تحتكَ
ماشياً، وراكضاً، ومتعجِّلاً
وقلْ له :" وعَجِلتُ "
إيّاك أن تَحبو
إيّاك أن تتَعثّر
ربّما تبدو لك كلّ خَطوة ولادة عَسيرة
لا بأسَ يا بُنيّ .. فبعدَها ستلهَث الجَداول في إثْرِك
وسيَغيض البَحر اذا قورن بِفَيْض المُنى عليك
كأنّها جُود السّحائب مِن عليِّين إليك !
صدّقني ..
العابرون سنين القَحط لمْ يَعبروا إلى رَمضان
ربّما بلّغهم الهلال !
لكنَّهم حُجبوا عن لطائفِ وعطايا الشَّهر .!
فبالقلوبِ المُهرولة إلى الله
يمهرُ الله الأكفّ المُنتظرة .
تمَلمل التّلميذ ثمّ اتّكأ على ركبَته
وفي العين سؤالٌ يخشى البَوح به
فأكمَل الشّيخ : يا ولدي أنت من أهل ( الذي دُمتٓ فيه )
وهو لا يحبّ الآفلين.
تنبّه لذلك
اذ التَقط إبراهيم المَعنى في الشّمس الرّاحلة .. والنَّجم إذا يغيبُ
فقال :" لا أحبُّ الآفلين"
فلا تكُن آفلاً .
وكُن مع الله يابنيّ دائماً
قال التّلميذ متوجِّعا:
قلبي يظلّ يتقَلّب !
قال الشّيخ : استغفِر الله مِن فِعل قَلبك ؛ يكفّك تقلُّبه ..
استغفِر مَن بِيَده قلوبُ العباد و دعهُ يسمع أنين استغفارِك.
يا ولدي .. فِعل القلب أصلٌ لِفعل البَدن.
فانظُر ماذا تغرِس !؟ وانظُر الغرس حينها ماذا يُثمر ؟
اجعل همَّك كلّ ليلة غرساً جديداً ازرعه في قلبِك
في خَفاء الّليل .. في يقينِ مَن يعلم أن البذار يُحصَد في حقولِ الفَرح
فذاكَ وعدُ الله
لِمن جعلَ شُغله قلبٌ يستحقّ تجلِّي أنوار الكَريم .
يا ولَدي ..
عينُ مَقامِك عندَ الله همّك
فانظُر كلَّ ليلةٍ ما أهمَّك ؟!
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الخامسة
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
"لعَلّكم تَتَّقُون" تَلا الشيّخُ الآيةَ ثمّ قالَ :
يا ولَدي .. هل التّقوى أولويةٌ في حياتِك؟!
هل تشعرُ بالذَّنبِ إذْ يصيبُك مثلَ شَوكةٍ تَخدُشُك
حتّى يسيلَ الدّمعُ منك !
هل ترى الذنبَ انكسارَ السفينةِ والنأيَ عن المراسي
وطوقَ الظُلْمَةِ الذي لا يزولُ ؟!
هل تدري كيف وصفَ عمرُ التّقوى حين سُّئِلَ فقال:
" أرأيتَ لو أنّك بطريقٍ ذي شوكٍ ماذا تفعلُ ؟
فردَّ السّائلُ : أُشَمِّرُ وأَحذَرُ ..
فأجابَ عمرُ : تِلك التّقوى " .
التّقوى ..
أن تخشى أن يُصيبَك رَذاذُ المُستنقعِ ..
أن تحميَ بساطَ قلبِك مِن غبارِ التلوثِ ..
أن تُباعِدَ بين أنفاسِك وأنفاسِ الفِتنةِ !
أن تُشيحَ بعينِك عن وجهِ امرأةٍ حتّى لا يَشيخَ قَلبُك.
فالذّنبُ
وَهَنُ القلبِ !
أنْ تقبِضَ كفَّك أمامَ درهمٍ حرَامٍ حتّى لا ينقبضَ قلبُك
ولا تجدَ فيه للشّرْحِ مُتّسعاً !
أن تتعثّرَ الكلمةُ مرّاتٍ ومرّاتٍ في فَمِك خَشْيةَ أنْ تهويَ بك في سَخطِ اللهِ
وحيِنَها لن ينْتَشِلَك أحدٌ !
التّقوى ..
أنْ تُدركَ أنّ الذّنبَ هو الخُذلانُ وأنّه العَتمةُ التي تَلتهمُ التوفيقَ
وتبقيك عارياً في التِّيهِ.
واحفَظْ عَنّي :
( إنّ عرَجَ الأرواحِ وحدَهُ
مَنْ يَمنعُ الأقدامَ مِن الوُصولِ )
إنّ الذُّنوبَ جِراحاتٌ
ورُبَّ جُرحِ وقَع في مَقْتلٍ .
فاحذَرِ الذّنبَ أن يكبُرَ فيك
فتموتَ به ولا تَدري.
أن تتشوّهَ
أو تتَبعثرَ به !
ومِن العسيرِ : أن تجدَ من يُلملِمُ بعدَها شَتاتَك !
وتنبَّهْ يا بنيَّ لآثارِ الذّنوبِ في خُطواتِك
فقد قيلَ:
إنّ (وقوعَ الذَّنْبِ على القلبِ كوُقُوعِ الدُّهْنِ على الثَّوبِ
إمَّا أنْ تُعَجِّلَ غَسْلَه وإلّا انبسطَ )
لذا تعلّمْ حِميةَ الإيمانِ في رَمضانَ.
قال التّلميذُ : ما هِي ؟
فقال الشّيخُ: اجعَلْ بينَك وبينَ الحَرامِ حاجزاً مِن الحَلالِ
ودَعْ عنك ما تَشابَهَ مِن الإثمِ
واعلَمْ
أنَّه إذا غَرقَ القلبُ في التّوسّعِ في الحلالِ أظلَمَ
فكيفَ به إن غرِقَ في الشُّبُهاتِ والآثامِ.
و خَفْ ذنباً يَهدمُ حسناتِك
وخَفْ ذنباً يَبني ذُنوبَك
فإنّ للذنوبِ دبيباً لا يسمَعُه إلا عالِمُ السِّرِ وأَخْفى.
ولها تَبِعاتٌ خفيّةٌ تنخِرُ القَواعدَ !
حتّى إذا خرَّ السّقفُ على صاحِبِه وسَقطَتْ (مِنسَأتُه ) تلَفَّتَ جَزِعاً
فلم يَجدْ إلا سُوسَ خَطيئتِه تأكلُ قوتَ أيّامِهِ.
وقد قالها عليٌّ _رضي اللهُ عنه_ مُنذُ زمنٍ :
( تَعطّرُوا بالاستغفارِ، لا تفضَحنَّكُم رَوائحُ الذُّنوبِ )
فإنْ أبيتُم
كانَتِ الذنوبُ ريحاً تَهُزُّ العُروشَ ..
وربَّما البُيوتَ .. أو الأَرزاقَ .. أو العِيالَ.
ورَدِّدْ طوالَ لَيلتِكَ ..
اَللّهُمَّ .. اغْفِرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ .
اَللّـهُمَّ .. اغْفِـرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ .
اَللّهُمَّ .. اغْفِرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ
اَللّـهُمَّ.. اغْفِرْ لنا الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ.
اغرِسْ في قلبِك بُذورَ التّقوى
حتّى تَلقى
قال التِّلميذُ .. ألقَى ماذا ؟!
قال الشّيخُ: حتّى تلقَى رمضانَ
وما خَبّأ اللهُ لك في الّليلِ المَسدولِ من وعدِ الوصلِ
حتّى تَلقى فيضَ العَشرِ وتُكرَمَ بعَطاءِ الخَلوةِ
فَتفهمَ حينَها أنَّ التَّقوى صفاءٌ وهي الدّربُ إلى الجَلْوةِ.
الَّليلةُ الأُولى
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
كانَ أولُ ما نَطقَ به الشّيخُ الّليلةَ قولَه تعالى "يا أيُّها الَّذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصِّيامُ"
ثم قالَ : يا بُنيَّ.. الإيمانُ عُمرٌ‘ والصِّيامُ امتِدادٌ
يَنحِتُ الصِّيامُ المَعنى فلا يَظَلُّ جُوعاً عارِياً لا يَليقُ ببابِ الرَّيانِ
لذا كانَ البَدْءُ في آياتِ الصِّيامِ بالنّداءِ "يا أيُّها الذين آمنوا"
حيثُ العبورُ مِن الجُوعِ إلى الصيامِ لا يكونُ إلا على قَنطرةِ الإيمانِ
الجائِعُ يا ولدي يَشيخُ‘ أمّا الصّائمُ فيمتدُّ في العُمرِ دُهوراً !
هل تَعلمُ يا ولدي أنَّنا نَنْبُتُ في الزَّمنِ الممتلئِ بالأَجرِ.
قال التّلميذُ: فما إيمانُ الصّائمِ ؟
ردَّ الشّيخُ:الإيمانُ هو النَّذْرُ المُقدّسُ أن لا نَغيبَ عن الغَيْبِ.
أن يظلَّ صوتُ الوضوءِ في ضمائِرِنا قوياً
أن تُمهِرَ الجنّةَ صَبرَك‘ وتَكتبَ مِن جِبّلةِ الطّينِ حرفاً سماويّاً كأنّه لافتةُ الفِردوسِ الأعلى
قال التّلميذُ: دُلّني كيف أبلُغُ الصّيامَ ؟
قال العالِمُ الربّانيُّ: احفَظْ للهِ نهارَك يحفظِ اللهُ لك لَيلَك
احفَظْ للهِ قلبَك يحفظِ اللهُ لكَ غَرسَك
فالبِذارُ الذي لا يُسقى بماءِ الطّهارةِ منذُ البَدءِ لا يُنبِتُ.
إنّ العبدَ يتردّى في داخِلِه قبلَ أن يَسقطَ من شاهِقِ الذّنبِ
يَهوي في عُمْقِهِ أولاً قبلَ أن يجترِحَ الذّنبَ
الذّنبُ هو جنازةُ القلبِ !
صلِّ الّليلةَ صلاةَ العائِدِ المُنيبِ وقُلْ:
" يا ربُّ إنّي أعودُ إليكَ مُعتذراً .. أُمطِرُ سِجادتِي دَمعاً فَتَسْقِيني
يا ربُّ إنّي أعودُ إليكَ مُغترباً .. أُسْرِجُ لكَ الرّوحَ أرجُو أنْ لا تُطْفيها "
قالَ التّلميذُ: قدْ غَلّتِ الخَطايا إقبالي، وأَبْقتْ لي إدباري
ربما يُطِلقُ الشّيطانُ الّليلةَ يا شَيخي الأُسارى، لكنّ انطفاءاتِ الخَطايا تَلهَثُ في الأرواحِ مثلَ أصواتِ الشّظايا
انتَفضَ الوَجَلُ في عيْنِ الشّيخِ ثمّ قالَ:
فـِرَّ إلى اللهِ في رمَضانَ
فَفي رَمضانَ لا مَسافةَ بينَك وبين اللهِ حتّى تطويَها.
قُمْ إلى اللهِ .. تتبّعْ سبباً مُوصِلاً إليه
ودَعْ رَمضانَ يَنزِعُ عنك أدرانَك.
يا ولدي..
(إنّ الرّجلَ لَيَنقَطِعُ إلى بعضِ المُلوكِ فيُرى أَثرُهم عليه فكيفَ بمنْ ينْقطِعُ إلى مَلكِ المُلوكِ)
وهذا زمنُ الانقطاعِ إليه. قلْ:
يا مَولى رمضانَ هبْ لي بِضاعةً غيرَ مُزجاةٍ
تُبلِّغُني مَقامَ الحالِّ في الإيمانِ بِلا ارتِحالٍ.
و نادِ :
يا أيُّها الطُّهرُ أدرِكْ خُطوتِي.
ثُمّ تَضلَّعْ من رمضانَ فإنَّ الحسناتِ يُذهِبْنَ السيئاتِ
واعْلَمْ أنَّ التّوبةَ تَرُدُّ على عِقالِك ما شُرِّدَ مِن حَسناتِك
و تَرُدُّ عليكَ استغفارَ الأَسحارِ، ودَهشةَ الفرحِ إذْ يُجابُ الدُّعاءُ
وتَرُدُّ عليك لِجامَ التَّقوى حتّى تنفِرَ من مَجالسِ الغِيبةِ
وتَشُمَّ مِن ريحِ الذُّنوبِ ؛ ما لا يَشمُّ القومُ إذْ يَخوضُون !
طُوبى لِمنْ أحسَنَ مَدَّ الحِبالِ في رمضانَ
وأطالَ زمنَ الوصْلِ
وعَبرَ مِن أثقالِ الثَّأرِ إلى صَلاةِ التَّسامحِ
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الثانية
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
قالَ الشيخُ:
(طَهِّرْ قَلبَكَ مِن العَيْبِ ، يُفتَحْ لك بابُ الغَيبِ)
تمَلملَ التّلميذُ في مَجلسِهِ كأنَّ الكلماتِ مَسّتْهُ بِنورِها.
فكرّرَ الشّيخُ ( يُفتحْ لك بابُ الغَيبِ ) ثمّ قالَ :
أيُّ غَيْبٍ تُرى هذا الذي سَتُشرَعُ لك أبوابُهُ يا ولدي ؟!
أهُوَ غيْبُ الإجابةِ.. حتّى كأنّك أنتَ منْ يُرتِبُ تفاصيلَ الحُلُمِ
تَلتقِطُه يُسَاقَطُ عليك ثمرُهُ رُطَباً جَنِيّاً.
أهُوَ غيبُ العِلمِ والفَهمِ حتّى كأنّك صاحبُ موسى
قَد آتاهُ اللهُ العلمَ من لدنْه هبةً عُليا !؟
أم تُراهُ دهشةُ الغيبِ المَكنونِ تَلمِسُهُ حتّى كأنَّه عِيانٌ مَرئيٌّ !
يا بنيَّ .. لا يَتيهُ صوتُ المَحزونين في رمضانَ
لا تَذبُلُ توَسُّلاتُهم المَسكوبةُ في السُّجودِ
لا سَرابَ يَلتَمِعُ في عيونِهم الباحثةِ عن فَيضِ الخَزائنِ الإلهيّةِ
أصغِ في عُمْقِ الأسحارِ لأصواتِ الأبوابِ وهي تُفتحُ
لِصّريرِ المُغلَقِ كيفَ يُشرَعُ، لزَحزحةِ الأبوابِ الثَّقيلةِ
يَرتفعُ صَدى صوتِكَ في السّماواتِ
وتَشتدُّ الملائكةُ على إثْرِ خُطواتِ الدُّعاءِ
تتحرّكُ لك سِلسلةُ الإجابةِ.
ثمّةَ لُغة ٌغَيبيةٌ للأبوابِ المُوصَدةِ يَهَبُكَ اللهُ إيّاها إنْ طَهَّرْتَ القلب
ثمّةَ لغةٌ غيْبيةٌ يَفيضُ بها لسانُك فتهتزُّ لها أبوابُ السّماواتِ
ثمّةَ لغةٌ لا يَنضُبُ ماؤُها تُسْتَمْطَرُ بها الرَّحَماتُ.
لا تَحملْ همَّ الإجابةِ يا وَلدي
إنْ وَهبَكَ اللهُ الدُّعاءَ.
طهّرْ قلبَكَ
ثمّ انظُرْ كيف يَفيضُ الغَيبُ عليك في رَمضانَ
قالَ التِّلميذُ :
يا للهِ .. كيفَ لقلبٍ أنْ يَطْهُرَ مِن صورةِ الذّاتِ
مِن جَذْبةِ الطّين .. مِن شَهْوةِ الكِبْرِ الخَفيّةِ .. مِن لذّةِ الرِّياءِ
ومِن شَهوةِ البُروزِ للأكوانِ !
دُلَّني كيف أرحلُ مِن أكداري !؟
قالَ العالمُ الربانيُّ:
اذكُرْ أنّ الأنفاسَ المَرويّةَ بالطّهارةِ
هي التي تستحقُّ الرُّؤى.
تعلَّمْ كيف تَغتسِلُ في رَمضانَ
كيف تَغمُرُ خَطايا قلبِك في غَيثِ الشَّهرِ فلا يبقى بعدَها شُؤمٌ ولا أثَرٌ .
تَضلَّعْ مِن رمضانَ
حتّى كأنَّه ماءُ زَمزمَ يُشْرَبُ فَتُقضى به حوائجُ العُمُرِ كلُّها.
سلِّم قَلبَك من الكَدَرِ حّتى يَسلمَ لك رَمضانُ
ويَتَسلّمُه اللهُ مِنك مقبولاً.
يا ولدي إنّ للهِ عباداً إذا سَجدوا أضاءَتْ أنوارُ قُلوبِهِم مدارجَ الدَّعواتِ
يَستهدي الدُّعاءُ في بُلوغِ العَرشِ بنورِ القلبِ الذي فاضَ بالطُّهْرِ
هؤلاءِ هُم منْ يَستحقونَ الرُّؤيةَ.
هؤلاءِ منْ عَمَرُوا باطنَهم بالمراقبةِ
هؤلاءِ مَن لم تبقَ لهم يومَ القيامةِ إلا المُكاشَفةُ !
فحدِّثْ حينَها عن المُناجاةِ كيف تَتدفّقُ
وعن المَلائكةِ كيفَ تَعْجَبُ.
إنّ نُورَ اللهِ لا يَهْبِطُ إلا في القُلوبِ المَصقولةِ
لِذا قيلَ: " من صَفّى صُفِّيَ له " حتّى يرى بنورِ اللهِ ما لا نَرى.
طهِّرْ قلبَك من دَبيبِ الرِّياءِ مِن مَحْمَدَةِ الناسِ
من صوتِ الجَماهيرِ في عُمقِكَ ، من عَتمةِ الكَراهيةِ،
ومِنْ وَسْوسةِ الحَسَدِ.
ثمّ قالَ الشيخُ :
إنْ سَلَبَتْكَ ذُنوبُك البِداياتِ فأذكرْ مَرارةَ النّهاياتِ.
مَرارةَ أن يَرمِدَ قلبُك أعواماً فلا تُعالجَه
ولو رَمِدَتْ عينُك يوماً لعَجِلْتَ إليها.
يا بُنيّ .. لو لم يَكنْ إلا أن يَرى اللهُ قَلبَك مُقيماً على بواطِنِ الذُّنوبِ
فَيُخْليكَ اللهُ وَما تُريدُ، و يَكِلَكَ إلى نَفْسِك، ثمَّ تَفقِدَهُ عِندَ مُفترَقِ الطّريقِ.
يا وَلدي.. خَطيئةُ القُلوبِ يَراها اللهُ بِعينِه
فَارحَلْ إليه الليلةَ بما يُحبُّ
ارحَلْ إليه مِثلَ ريشةٍ في الرِّيحِ
فبالطَّهارةِ تَبلغُ المُستحيلَ .
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الثالثة
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
كانَ الشّيخُ ظَمِئاً في دُعائِه فأطالَه حتّى ارتويْنا
ثم ظلَّ يُلحُّ على اللهِ أنْ يكتبَ الأمنَ لغزة
استدارَ الشّيخُ وقد تجمَّعَتْ دموعُ الثّكالى في عَينيه مثلَ الغَمامِ
ثمّ قالَ للجَمْعِ الخاشِع:
يا أبنائي.. فَرَدَ الإسلامُ جناحيه بِهَيْبةٍ في فُتوحاتِ العِراقِ والشّامِ
إلّا أنّ فِتنةَ احتكارِ القرارِ أصابتِ القائدَ فقُتِلَ الخِيرةُ
وانكسرَ الجيشُ كلُّه على " الجِسرِ " في العراقِ؟
وكُنّا مثلَ غَيمةٍ ترشُّ الحزنَ والدَّمَ على خارطةِ الإسلامِ !
كان يومَها " عُمَرُ " بينَنا وكانت مَهمّةُ عُمَرَ في الإسلامِ
أن لا يأذَنَ للهزيمةِ أن تنبُتَ بيننا.
أن يكسِرَ الحِرابَ قبل أن تنغرسَ في آمالِنا
أن لا يأذَنَ للمعاركِ أن تهُزَّ المصاحفَ فينا.
فأمَر بمعركةِ ( البويبِ ) بالقرُبِ من الكوفةِ وسلّمَ الرايةَ " للمثنى الشَيْبانيّ "
ذاكَ الذي أعدَّ خطّةً مُحكمةً، وأصرَّ قبلَ المعركةِ أن تَصُفَّ الصُّفوفُ مثلَ صُفوفِ الصّلاةِ دونَ ثغراتٍ
ثم صاحَ المثنى في الصُّفوفِ حينَ استَوَتْ :
(لا تَفضحُوا المُسلمينَ اليومَ).
يا اللهُ !
أكانَ المثنى يرى خلَلَـنا في الصّلاةِ هو بدايةَ الفضيحةِ ؟
أكان يَرى ارتعاشتَنا في الوُقوفِ هو عتبةَ الفَضيحةِ !؟
أكان يرى غَفوةَ الأجيالِ خَيبةً
وفراغَ جُعْبتِنا من السِّهامِ الربانيّةِ فضيحةً !
نحنُ يا غزة .. من باعَ نفسَه في ساحةِ المزادِ للحُشودِ الفاسدةِ
يومَ قَبِلْنا تقاعسَ الخَطْوِعن القُدومِ للهِ .
فصفوفُ الصّلاةِ هي مِقبَضُ النُّورِ للنّصرِ
الواقفون في العزيمةِ لا يُرهقُهم نزيفُ الأقدامِ في القيامِ .
الحارِسون للحروفِ المَتلُوَّةِ يتهجّون منها معانيَ التغيير
ويكتبون بها خارطةَ الفتَحِ الجديدةَ.
أولئكَ الذين لا يترجّلُون عن القيادةِ.
قدرُنا أن تبدأَ جُذورُنا في الصّلاةِ
وأنْ يكونَ نَموُنا بالقرآنِ مثلَ نَبتةٍ في مَجرى النّهرِ.
كان " المُثنّى " يُدركُ رسالةَ صُفوفِ الصلاةِ فينا
يدركُ أنّ الثّغرةَ تبدأُ من المَسجدِ
مِنْ تخالُفِ قلوبِنا في مَوطِنِ الاجتماعِ على اللهِ
من مشهدِ صلواتِنا
يَسرِقُنا الشّيطانُ
فتَظلُّ الصّلاةُ أدَاءً لا يَبلُغ التَّحليقَ
قال الشّيخُ :
إنّ (الفُرسَ الكَفرةَ ) لا تصيدُ المُحلِّق نحو السَّماء
إنّ الفُرسَ تَبلُغُ فقط الخَافضينَ رؤوسَهم مثِلَ النَّعامِ
اهتزَّ التّلميذُ في حضْرةِ الكلماتِ فقالَ له الشّيخُ :
لا تَرتعشْ .. وامحُ عنّا تَلكُّؤَنا واسترْ عَورتَنا !
قالَ التّلميذُ .. كيف ؟!
فردّ الشّيخُ : لا تفضحِ المسلمينَ !
لا تخشَ عِبءَ الحَمْلِ للقَولِ الثّقيلِ
وجاهِدْ رُوحَك كيْ تَستقيمَ
لا تُفاوِضْ على أن ترتديَ دينَكَ نِصفَ ثوبٍ
فلبِاسُ التّقوى لا يَحتملُ هذا التَّرقيعَ؟
رتّلْ تاريخَك .. واذكُرْ أنّ على ضِفافِ الفُراتِ في رمضانَ تمَّ تَصحيحُ الخَطيئَةِ
و أَوْقِفْ عُريَّ عَقلِكَ .. أوقِفْ عُريَّ رُوحِكَ .. وامتَشِقْ رمضانَ
رمضانُ .. يُعلِّمُكَ كيفَ تَمتطي الخيلَ للفردوسِ الأعلى
دون رجفةٍ أو خُمُولِ.
ثمّ أكمَلَ الشّيخُ الحكايةَ ..
جَمعَ المُثنّى كلَّ منِ ارتَدَّ عن الإسلامِ ، وعاد تائباً إلى الجَيشِ وقال لهم
( هذا زمنُ الكَفّارةِ )
وقد كانَ؛ إذ استَبسلَ المُرتدّون، واحتَضنَتِ السّماءُ خَطوتَهم الجديدةَ .
أقبلَ الفُرْسُ في ثلاثةِ صفوفٍ، مع كلِّ صفٍّ فيلٌ
ولهم زَجَلٌ وصِياحٌ فقال المُثنّى لأصحابِهِ :
" إنّ الذي تسمعونَ فَشَلٌ فالزَموا الصَّمتَ "
يا لَرَوْعةِ الفَهمِ !
لقد أدركَ المُثنّى أنّ للموتِ حَشْرَجَةً وتلكَ كانتْ أصواتُها
نحنُ إذا لم ترْتدَّ أيدِينا قبلَ ألسِنتِنا عن التَّكبيرِ
نحنُ إذا لم تَرتدَّ خُطواتُنا قبلَ أصواتِنا عن التّكبيرِ
نحنُ إذا وقفْنا في الصّلاةِ كأنّ الأقدامَ على الصِّراطِ
واللهُ يَسألُنا عن أمانةِ الدِّينِ.
نحنُ إذا نَزعْنا الوَهَنَ وأخذْنا معانيَ "الكِتابِ بِقوّةٍ " حينَها
سنَسمعُ صوتَ الفشَلِ في الرّاياتِ الظّالمةِ.
فالزَموا الصّمتَ
فأنتُمْ حينَها في صلاةٍ يَمدُّها اللهُ بالمَدَدِ !
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الرابعة
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
رمضانُ تتبَعه المواسم والفُصول، ويظلّ يُزهر ما حَييت
وفي الموت هو الرّفيق ثمّ في القيامة يسقيك
كلّا وربّ الرَّيان إنَّه يرويك
فاكتُب تواريخ ميلادك مِن جديد
واقرأ فاتحة البَدء من عمرك في رمضان.
هنا أول الوصل
و رَوض يتضوّع من آلاف المِنَح
لا الصُّبح يُشبه رمضان
ولا النّجم ولا حتّى القمر
رمضان يا ولدي هو الجنّة.
لو كانَ قلبك حاضِراً
لرأى السّكينة والليالي بالملائك مُقمرة .
لو كان سَمعك عالياً لتناغم صوت اصطفاق
أبواب الجِنان في المَسامع واضحاً !
كاد التّلميذ أن يبكي فتداركه الشّيخ بقوله:
تعلم كيفَ تختم رمضان
فإنّ ما تختم به يُبعث معك كيْ يشهد لك وعلَيك.
قال التّلميذ .. كيف أختم رمضان ؟!
قال الشّيخ : كمال النّهايات دلالة التوفيق في البدايات
فالخَواتيم المُشرقة؛ إنّما تكون لِمن "أسَّس بُنيانه على" التقوى
النهّاية دوماً هي قصّتك الحقيقية
فمن أشرَقت بدايته بإحكامِ أصولها
أشرَقت نهايته بالعُثور على مَحصولها.
و لقد قالها الصّالحون :
( قُرب بَيتك من الله في الآخرة
كَقُرب قلبك منه في الدّنيا )
فاقتَرب منه اليوم حتّى لا يبقى بينك وبينه إلا قُرب الآخرة .
اسعَ إليه سَعياً واذكر أنّك لو جِئته مشياً لآتاك هَرولة
" لآتاكَ ".. أوّاه لو تتَملاها يا بُنيّ لَطِرتَ إليه
وطَويتَ الرّوح في جَنبيْه .. وبلَّلت قلبك بدمع المُحبّ
وإنْ ذُقت وصلاً به فَهِمتَ لماذا بكى إبراهيم
حتّى قال العَليُّ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ"
يابُنيّ .. قد قيل: " مأوى روحك ما هَويت "
فانظر بالله عليك ماذا عَشِقت
صَلِّ له اليوم بِهرولة القدوم على الحَبيب ..
صَلِّ له مُتوضئا بالشّوق
واعبُر من الفَرش المُسجّى تحتكَ
ماشياً، وراكضاً، ومتعجِّلاً
وقلْ له :" وعَجِلتُ "
إيّاك أن تَحبو
إيّاك أن تتَعثّر
ربّما تبدو لك كلّ خَطوة ولادة عَسيرة
لا بأسَ يا بُنيّ .. فبعدَها ستلهَث الجَداول في إثْرِك
وسيَغيض البَحر اذا قورن بِفَيْض المُنى عليك
كأنّها جُود السّحائب مِن عليِّين إليك !
صدّقني ..
العابرون سنين القَحط لمْ يَعبروا إلى رَمضان
ربّما بلّغهم الهلال !
لكنَّهم حُجبوا عن لطائفِ وعطايا الشَّهر .!
فبالقلوبِ المُهرولة إلى الله
يمهرُ الله الأكفّ المُنتظرة .
تمَلمل التّلميذ ثمّ اتّكأ على ركبَته
وفي العين سؤالٌ يخشى البَوح به
فأكمَل الشّيخ : يا ولدي أنت من أهل ( الذي دُمتٓ فيه )
وهو لا يحبّ الآفلين.
تنبّه لذلك
اذ التَقط إبراهيم المَعنى في الشّمس الرّاحلة .. والنَّجم إذا يغيبُ
فقال :" لا أحبُّ الآفلين"
فلا تكُن آفلاً .
وكُن مع الله يابنيّ دائماً
قال التّلميذ متوجِّعا:
قلبي يظلّ يتقَلّب !
قال الشّيخ : استغفِر الله مِن فِعل قَلبك ؛ يكفّك تقلُّبه ..
استغفِر مَن بِيَده قلوبُ العباد و دعهُ يسمع أنين استغفارِك.
يا ولدي .. فِعل القلب أصلٌ لِفعل البَدن.
فانظُر ماذا تغرِس !؟ وانظُر الغرس حينها ماذا يُثمر ؟
اجعل همَّك كلّ ليلة غرساً جديداً ازرعه في قلبِك
في خَفاء الّليل .. في يقينِ مَن يعلم أن البذار يُحصَد في حقولِ الفَرح
فذاكَ وعدُ الله
لِمن جعلَ شُغله قلبٌ يستحقّ تجلِّي أنوار الكَريم .
يا ولَدي ..
عينُ مَقامِك عندَ الله همّك
فانظُر كلَّ ليلةٍ ما أهمَّك ؟!
رَمَضانُ الوَصْلِ
الَّليلةُ الخامسة
ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙ˇ▽˙
"لعَلّكم تَتَّقُون" تَلا الشيّخُ الآيةَ ثمّ قالَ :
يا ولَدي .. هل التّقوى أولويةٌ في حياتِك؟!
هل تشعرُ بالذَّنبِ إذْ يصيبُك مثلَ شَوكةٍ تَخدُشُك
حتّى يسيلَ الدّمعُ منك !
هل ترى الذنبَ انكسارَ السفينةِ والنأيَ عن المراسي
وطوقَ الظُلْمَةِ الذي لا يزولُ ؟!
هل تدري كيف وصفَ عمرُ التّقوى حين سُّئِلَ فقال:
" أرأيتَ لو أنّك بطريقٍ ذي شوكٍ ماذا تفعلُ ؟
فردَّ السّائلُ : أُشَمِّرُ وأَحذَرُ ..
فأجابَ عمرُ : تِلك التّقوى " .
التّقوى ..
أن تخشى أن يُصيبَك رَذاذُ المُستنقعِ ..
أن تحميَ بساطَ قلبِك مِن غبارِ التلوثِ ..
أن تُباعِدَ بين أنفاسِك وأنفاسِ الفِتنةِ !
أن تُشيحَ بعينِك عن وجهِ امرأةٍ حتّى لا يَشيخَ قَلبُك.
فالذّنبُ
وَهَنُ القلبِ !
أنْ تقبِضَ كفَّك أمامَ درهمٍ حرَامٍ حتّى لا ينقبضَ قلبُك
ولا تجدَ فيه للشّرْحِ مُتّسعاً !
أن تتعثّرَ الكلمةُ مرّاتٍ ومرّاتٍ في فَمِك خَشْيةَ أنْ تهويَ بك في سَخطِ اللهِ
وحيِنَها لن ينْتَشِلَك أحدٌ !
التّقوى ..
أنْ تُدركَ أنّ الذّنبَ هو الخُذلانُ وأنّه العَتمةُ التي تَلتهمُ التوفيقَ
وتبقيك عارياً في التِّيهِ.
واحفَظْ عَنّي :
( إنّ عرَجَ الأرواحِ وحدَهُ
مَنْ يَمنعُ الأقدامَ مِن الوُصولِ )
إنّ الذُّنوبَ جِراحاتٌ
ورُبَّ جُرحِ وقَع في مَقْتلٍ .
فاحذَرِ الذّنبَ أن يكبُرَ فيك
فتموتَ به ولا تَدري.
أن تتشوّهَ
أو تتَبعثرَ به !
ومِن العسيرِ : أن تجدَ من يُلملِمُ بعدَها شَتاتَك !
وتنبَّهْ يا بنيَّ لآثارِ الذّنوبِ في خُطواتِك
فقد قيلَ:
إنّ (وقوعَ الذَّنْبِ على القلبِ كوُقُوعِ الدُّهْنِ على الثَّوبِ
إمَّا أنْ تُعَجِّلَ غَسْلَه وإلّا انبسطَ )
لذا تعلّمْ حِميةَ الإيمانِ في رَمضانَ.
قال التّلميذُ : ما هِي ؟
فقال الشّيخُ: اجعَلْ بينَك وبينَ الحَرامِ حاجزاً مِن الحَلالِ
ودَعْ عنك ما تَشابَهَ مِن الإثمِ
واعلَمْ
أنَّه إذا غَرقَ القلبُ في التّوسّعِ في الحلالِ أظلَمَ
فكيفَ به إن غرِقَ في الشُّبُهاتِ والآثامِ.
و خَفْ ذنباً يَهدمُ حسناتِك
وخَفْ ذنباً يَبني ذُنوبَك
فإنّ للذنوبِ دبيباً لا يسمَعُه إلا عالِمُ السِّرِ وأَخْفى.
ولها تَبِعاتٌ خفيّةٌ تنخِرُ القَواعدَ !
حتّى إذا خرَّ السّقفُ على صاحِبِه وسَقطَتْ (مِنسَأتُه ) تلَفَّتَ جَزِعاً
فلم يَجدْ إلا سُوسَ خَطيئتِه تأكلُ قوتَ أيّامِهِ.
وقد قالها عليٌّ _رضي اللهُ عنه_ مُنذُ زمنٍ :
( تَعطّرُوا بالاستغفارِ، لا تفضَحنَّكُم رَوائحُ الذُّنوبِ )
فإنْ أبيتُم
كانَتِ الذنوبُ ريحاً تَهُزُّ العُروشَ ..
وربَّما البُيوتَ .. أو الأَرزاقَ .. أو العِيالَ.
ورَدِّدْ طوالَ لَيلتِكَ ..
اَللّهُمَّ .. اغْفِرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ .
اَللّـهُمَّ .. اغْفِـرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ .
اَللّهُمَّ .. اغْفِرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ
اَللّـهُمَّ.. اغْفِرْ لنا الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ.
اغرِسْ في قلبِك بُذورَ التّقوى
حتّى تَلقى
قال التِّلميذُ .. ألقَى ماذا ؟!
قال الشّيخُ: حتّى تلقَى رمضانَ
وما خَبّأ اللهُ لك في الّليلِ المَسدولِ من وعدِ الوصلِ
حتّى تَلقى فيضَ العَشرِ وتُكرَمَ بعَطاءِ الخَلوةِ
فَتفهمَ حينَها أنَّ التَّقوى صفاءٌ وهي الدّربُ إلى الجَلْوةِ.
تعليق