نعم لقد ضاقت الدنيا في عيني
وأصبحت أيامي كالحة بلا ألوان
ومذاقها مر أو قل بلا طعم
ولم يعد لي صديق سوى هذا الكرسي المتحرك
الذي أصبحت أشفق على حاله
فلقد أذلته الحفر والمطبات التي يقطعها
ولكني أخذت في إعفائه من العناء وتحمل المشاق
فوضعته في طرف الغرفة التي اتقاسمها معه
وصرنا لا نخرج إلا لحاجة ضرورية
وصرت أفضل المكوث داخل الغرفة
وصار لي صديقاً وصاحباً
أسامره وأتحاور معه
ووجدته مسكيناً لديه هموم وعنده مشاعر
حتى المعادن تتأثر !
لكن هذا قدري وقدره
أن نجتمع معاً ونعاني معاً
وفي ليلة باردة ظلماء
بينما كنت أعاني فيها من الأرق وعدم القدرة على النوم
" وبينما أنا غارق في بحر من الأفكار وتعصف بي الخواطر شرقاً وغرباً
كنت في هذه الأثناء أسمع أنيناً ولكني لم أكن أدري من أي مكان يأتي
وظللت متجاهلاً لذلك الأنين ولكنه زاد حتى أصبح بكاء "
لا أدري كيف بدأت تنهار الدموع ثم بدأت بالبكاء
لقد انزلقت عن السرير بطريقة عجيبة وخررت ساجداً على الأرض
وكأني أسمع صوتاً بداخلي يقول :
يا من ألح عليه الهم والفكر
وغيرت حاله الأيام والغير
أما سمعت لما قد قيل في مثل
عند الإياس فأين الله والقدر
إذا ابتليت فثق بالله وأرض به
إن الذي يكشف البلوى هو الله
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه
لا تيأسن فإن الصانع الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
فما ترى حيلة فيما قضى الله
فقلت سامحني يا رب واغفر لي على ما أسرفت فيه على نفسي وأعني على أن أصبر على ما أصابني
وتلفظت بأدعية ما كنت أحكيها أو أدعوها من قبل وكان لساني قد انفلت من عقاله ...
وكأني أسمع صوتاً يردد قائلاً :
تصبّر أيها العبد اللبيب
لعلك بعد صبرك ما تخيب
وكل الحادثات إذا تناهت
يكون وراءها فرج قريب
شعرت في هذه اللحظات أن جبلاً كبيراً قد زال عن صدري
وكأن الدموع قد أطفأت نيران الغضب المستعر بداخلي
وبأنها قد غسلت سواد قلبي فتركته أبيضاً ناصعاً
وكأن نوراً شديداً قد انطلق من داخله فأضاء جنبات نفسي
فأنشرح فؤادي وشعرت بسعادة غريبة لم أتذوقها من قبل
وعلمت أن هذه الدنيا أتفه من أن أتحسر عليها
وأن أبذل عليها دمعة حسرة أو ندامة
فكل نعيم في هذه الدنيا زائل لا محالة
وكأن هناك من يقول لي لا تقلق ولا تحزن وكن واثقاً
هون عليك وكن بربك واثقاً
فأخو التوكل شأنه التهوين
طرح الأذى عن نفسه في رزقه
لما تيقن أنه مضمون
قررت أن تكون هذه اللحظة -بإذن الله - نقطة التحول من الألم إلى الأمل
المستنير بمصباح الإيمان المهتدي بنور القرآن
وانتفض جسمي كالنسر الذي نهشته ضعاف الطيور فرفض الاستسلام
فقررت أن أتوكل على الرحمن
وأن أكظم جراحاتي وأتحلى بالصبر الجميل وبالإيمان
مردداً قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : المؤمن القوي خير ٌ من المؤمن الضعيف ...
لكني قررت أني لن أعود لنفسي ولن أرمم ذاتي فحسب بل سأكون أكثر إيثاراً من ذلك ....
وأنا أعلم مسبقاً أنني سأحمل عبئاً ثقيلاً وسأوجه تحديات شتى
فكم من شخص أصابه ما أصابني ولا يجد مغيثاً يمد يده إليه ليرفعه من حفرة اليأس
إلى فسحة الفرج
فكم من المعيقات والتحديات تحول دون تورق الأشجار ونمو الأزهار ونضوج الثمار .
فأن ترسم البسمة على الشفاه الحزينة وتدخل الفرح إليها فهذا عمل عظيم
وخير الناس أنفعهم للناس
لقد دعوت الله أن يكون غداً يوماً مشرقاً في حياتي
وأن أبدأ بخوض غمار الحياة من جديد
ولكن بطاقة عظيمة ليس لها قدمين بل لها أجنحة ...
وأن يعينني على ما سأرى وأواجه ....
فهذه الدنيا متنوعة الأحوال ومختلفة الألوان فلا حزن يدوم ولا سرور
وكان الغد يوم جمعة ...
وللقصة بقية
تعليق