قديما كان الموت المبكر بفعل الأزمات القلبية يحصد عددا كبيرا من أفراد بعض العائلات، إذ كان الأخوة والأخوات، وأبناء العمومة والأعمام والأخوال، وكلا الوالدين يقضون نحبهم في عمر الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين بينما يظل عدد قليل منهم على قيد الحياة حتى عمر مديد غير متأثرين بهذا البلاء.
وقد تم اكتشاف حالة ارتفاع الكوليسترول المرضى الوراثي لأول مرة من قبل إخصائيي الأمراض الجلدية في العشرينات عندما قاموا بفحص عدد من المرضى الذين يعانون من تورمات في مفاصلهم أو كعب أخيل (التهاب الوتر المتصل بكعب القدم). وأدرك الأطباء أن تلك التورمات مكونة من الكوليسترول الفائض عن حاجة الجسم وأن هذه الحالة تنتقل وراثيا. إضافة إلى ذلك أكدت الفحوصات الطبية وجود نسب مرتفعة جدا من الكوليسترول في الدم.
يقول البروفيسور بول نيكولز، أستاذ الطب بالمستشفى الملكي في بلفاست: 'تزيل المستقبلات في الكبد الكوليسترول في مجرى الدم، وتعمل على تفتيته'. غير أننا نجد أنه في بعض العائلات تعاني هذه المستقبلات من خلل ما، مما يؤدي لارتفاع نسبة الكوليسترول إلى ضعف نسبته الطبيعية مما يجعله ينتقل في الدم مكونا ترسبات على جدران الشرايين الرئيسية. وتقوم هذه الترسبات الدهنية بسد مجرى الشرايين تدريجيا مما يزيد من خطر الاصابة بالأزمة القلبية.
وهناك ما يقدر بعشرة ملايين شخص يعاني من ارتفاع الكوليسترول الوراثي في العالم، مما يؤدي إلى الإصابة المبكرة بأمراض القلب إضافة إلى حالات الوفاة بين النساء والرجال في منتصف العمر عندما لا يتم تشخيص المرض أو علاجه بشكل صحيح. وهناك نوع آخر من هذا المرض أقل انتشارا يسمى ارتفاع الكوليسترول الوراثي الذي تتطابق فيه نسخ الجينات، إذ يورث الجين المريض من كلا الوالدين، وقد تؤدي الاصابة بهذا المرض في مرحلة الطفولة، الى الوفاة أو يصعب علاجها، لكنها لا تصيب سوى أقل من 1% لكل مليون شخص. ويعد هذا المرض النادر أكثر انتشارا في المجتمعات المحدودة الجينات أو التي ينتشر بها الزواج من الأقارب من الدرجة الأولى.
حاليا يتم علاج ارتفاع الكوليسترول الوراثي بالستاتينات أي الأدوية التي تخفض نسبة الكوليسترول إلى قرب المعدل الطبيعي، مما يسمح للأشخاص بالعيش لمدة طويلة، أما في الثمانينات فقد كان العلاج المتوفر غير فعال إذ كانت احتمالات إصابة الذكور بارتفاع الكوليسترول المرضي تبدأ من سن 20 وحتى 40 سنة، مما يؤدي الى الاصابة بأمراض القلب، لكن هذه النسب في احتمال الاصابة بأمراض القلب تنطبق أيضا على الأشخاص الذين لم يشخصوا بهذا الخلل في المستقبلات، إذ يصاب بعض الأفراد المرضى بارتفاع الكوليسترول الوراثي بمرض من أمراض القلب فجأة دون أن يشعروا بأي وهن ودون ان تبدو عليهم أي آثار للوهن أو التعب، ونادرا ما تظهر لدى هؤلاء الأفراد أورام قبل عمر الثلاثين تشير إلى وجود هذا المرض.
ويمثل القوس القرني مؤشرا آخر على الاصابة بالمرض، وهو عبارة عن قوس أبيض يظهر حول قزحية العين، وبقع صفراء أسفل وحول الجلد القريب من العين، علما بأن بعض الأشخاص يمكن أن تكون لديهم تلك العلامات دون وجود مشكلة في الكوليسترول.
ويضيف نيكولز: 'الآن يوجد علاج فعال لهذا المرض، لذا يجب الوصول إلى هؤلاء المصابين قبل حدوث تلك الأحداث الدرامية. لقد تعرفنا على 20% إلى 25% من الأشخاص المصابين في المملكة المتحدة، لكن يبقى هناك احتمال اننا وجدنا هؤلاء المعرضين أكثر للخطر بسبب أخذهم الحيطة نتيجة تاريخهم العائلي من الوفيات المبكرة'. وأردف قائلا: 'لا يزال هناك العديد من الأشخاص لم يكتشفوا بعد والفحص الشامل لكافة المواطنين أمر مكلف جدا، لكنه تم اكتشاف حالات من المرض عن طريق برامج الفحص الدوري في عيادات الصحة الأسرية'.
وأضاف: 'إن الفحص الجيني للعائلات التي يعاني عدد من أفرادها من نسبة كوليسترول تساوي 8 مللي مول/ لتر، أو أعلى، يمكنه أن يوضح موضع الخلل في الجين المستقبل للكوليسترول الضار. إذ انه بمجرد الوصول إلى موضع الخلل الجيني، يمكن بسهولة فحص موضع الخلل المطابق له.
ولا يظهر الأطفال المصابون بهذا المرض أي أعراض للإصابة به، ولا يمكن تشخيص حالتهم إلا بفحص دمهم، وحتى عند حدوث ذلك ليس من السهل دائما تشخيص ما إذا كان هؤلاء الأطفال قد ورثوا الخلل الجيني نفسه أم لا عن طريق فحص الكوليسترول في الدم، لذا فالفحص الجيني هو الأكثر دقة.
ويجب أن تقدم للمصابين نصائح خاصة عن الغذاء ونوعية الحياة، إذ ينصح الأطفال بعدم البدء في التدخين مهما كان ضغط أصدقائهم المراهقين، وتظهر ترسبات الكوليسترول على جدران الشرايين في الأطفال الذين لم يخضعوا للعلاج في سن مبكر قد يصل إلى 10 سنوات، وذلك عند فحصهم بالموجات فوق الصوتية.
ويستطيع الجيل الحديث من الأدوية تخفيض معدل الكوليسترول إلى معدلات مقبولة، إذ يستطيع عدد متزايد من الأطفال البدء بتناول الستاتينات لمنع حدوث الأمراض.
ويضيف نيكولز قائلا: 'يستطيع الأطفال ممارسة حياة طبيعية نشطة وممارسة الألعاب المختلفة، وذلك مع وجوب تناولهم غذاء متوازنا من الدهون والكربوهيدرات وتجنب الدهون المشبعة'.
'وقد يسمح أحيانا بالنهم في بعض المناسبات، مثل أعياد الميلاد إذ يمكن للطفل تناول البيتزا والمعجنات والهمبرغر والأيس كريم والمثلجات، لكن ليس بصورة يومية، ونأمل أن يستطيع الفحص الدوري لأقرباءالمصابين بمرض ارتفاع الكوليسترول الوراثي التعرف على الأفراد المعرضين للخطر ووضعهم تحت إشراف علاجي فعال قبل حدوث أي كارثة'.
وقد صرح بنوعين من الستاتينات للأطفال، وتسمى البرافاستاتين، إذ يمكن البدء في العلاج بها عند سن الثامنة أو العاشرة.
منقــــــــــــــــول للفائدة و الأهمية
تعليق