الاحصائيات المتقدمة

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

:::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • Font Size
    #31
    رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

    المجلس الثامن والعشرون: في زكاة الفطر
    الحمد لله العلي الحكيم، العلي العظيم، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأحكم شرائعه ببالغ حكمته بياناً للخلق وتبصيراً. أحمده على صفاته الكاملة، وأشكره على آلائه السابغة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب والمصير، وسلم تسليماً.


    إخواني: إن شهركم الكريم قد عزم على الرحيل ولم يبق منه إلا الزمن القليل، فمن كان منكم محسناً فليحمد الله على ذلك، وليسأله القبول، ومن كان منكم مهملاً فليتب إلى الله، وليعتذر من تقصيره، فالعذر قبل الموت مقبول.
    إخواني: إن الله شرع لكم في ختام شهركم هذا أن تؤدوا زكاة الفطر قبل صلاة العيد.
    وسنتكلم في هذا المجلس عن حكمها وحكمتها، وجنسها ومقدارها، ووقت وجوبها، ودفعها، ومكانها.
    فأما حكمها: فإنها فريضة، فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وما فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فله حكم ما فرضه الله تعالى أو أمر به، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}، وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.


    وهي فريضة على الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، من المسلمين، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "



    فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين" متفق عليه.ولا تجب عن الحمل الذي في البطن، إلا أن يتطوع بها فلا بأس، فقد كان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يخرجها عن الحمل. ويجب إخراجها عن نفسه، وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب، إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم، لأنهم المخاطبون بها أصلاً.ولا تجب إلا على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته، فإن لم يجد إلا أقل من صاع أخرجه، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه.

    وأما حكمتها: فظاهرة جداً، ففيها: إحسان إلى الفقراء، وكف لهم عن السؤال في أيام العيد؛ ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به، ويكون عيداً للجميع. وفيها: الاتصاف بخلق الكرم وحب المواساة. وفيها: تطهير الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم. وفيها: إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه.

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود وابن ماجه.
    وأما جنس الواجب في الفطرة: فهو طعام الآدميين، من تمر، أو بر، أو رز، أو زبيب، أو أقط، أو غيرها من طعام بني آدم، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير" وكان الشعير يومذاك من طعامهم، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر"رواه البخاري.
    فلا يجزئ إخراج طعام البهائم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طعمة للمساكين لا للبهائم.ولايجزئ إخراجها من الثياب والفرش والأواني والأمتعة، وغيرها مما سوى طعام الآدميين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها من الطعام، فلا تتعدّى ما عيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
    ولا يجزئ إخراج قيمة الطعام، لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد" وفي رواية: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه مسلم، وأصله في الصحيحين. ومعنى "رد": مردود.

    ولأن إخراج القيمة مخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم ، حيث كانوا يخرجونها صاعًا من طعام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
    ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين، كما لا يجزئ إخراجها في غير الوقت المعين.
    ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عينها من أجناس مختلفة وأقيامها مختلفة غالباً، فلو كانت القيمة معتبرةً لكان الواجب صاعاً من جنسٍ، وما يقابل قيمته من الأجناس الأخرى.
    ولأن إخراج القيمة يخرج الفِطرة عن كونها شعيرة ظاهرة بين المسلمين إلى كونها صدقة خفيّة، فإن إخراجها صاعاً من طعامٍ يجعلها ظاهرة بين المسلمين، معلومة للصغير والكبير، يشاهدون كيلها وتوزيعها، ويتبادلونها بينهم، بخلاف ما لو كانت دراهم يخرجها الإنسان خفيّة بينه وبين الآخذ.
    وأما مقدار الفطرة: فهو صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يبلغ وزنه بالمثاقيل: أربعمائة وثمانين مثقالاً من البر الجيد. وبالغرامات: كيلوين اثنين وخمسي عُشر كيلو من البر الجيد. وذلك لأن زنة المثقال: أربعة غرامات وربع، فيكون مبلغ أربعمائة وثمانين مثقالاً: ألفي غرام وأربعين غراماً. فإذا أراد أن يعرف الصاع النبوي فليزن كيلوين وأربعين غراماً من البر، ويضعها في إناء يقدرها بحيث تملؤه، ثم يكيل به.
    وأما وقت وجوب الفطرة: فهو غروب الشمس ليلة العيد، فمن كان من أهل الوجوب حينذاك وجبت عليه وإلا فلا.
    وعلى هذا: فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب الفطرة، وإن مات بعده ولو بدقائق وجب إخراج فطرته، ولو ولد شخص بعد الغروب ولو بدقائق لم تجب فطرته، لكن يسن إخراجها كماسبق، وإن ولد قبل الغروب ولو بدقائق وجب إخراج الفطرة عنه.
    وإنما كان وقت وجوبها غروب الشمس من ليلة العيد لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان، وهي مضافة إلى ذلك، فإنه يقال: "زكاة الفطر من رمضان"، فكان مناط الحكم ذلك الوقت.
    وأما زمن دفعها: فله وقتان: وقت فضيلة، ووقت جواز.
    فأما وقت الفضيلة: فهو صباح العيد قبل الصلاة، لما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نخرج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام". وفيه أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة" ورواه مسلم وغيره.
    وقال ابن عيينة في تفسيره، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: "يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته، فإن الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}.
    ولذلك كان من الأفضل: تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتسع الوقت لإخراج الفطرة.
    وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ففي صحيح البخاري عن نافع قال: "كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان يعطي عن بنيّ، وكان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين".
    ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها عن صلاة العيد بلا عذر لم تقبل منه، لأنه خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".
    أما إن أخّرها لعذر فلا بأس، مثل أن يصادفه العيد في البر ليس عنده مايدفع منه، أو ليس عنده من يدفع إليه. أو يأتي خبر ثبوت العيد مفاجئاً بحيث لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة، أو يكون معتمداً على شخص في إخراجها فينسى أن يخرجها، فلا بأس أن يخرجها ولو بعد العيد، لأنه معذور في ذلك. والواجب: أن تصل إلى مستحقيها أو وكيله في وقتها قبل الصلاة، فلو نواها لشخص ولم يصادفه ولا وكيله وقت الإخراج، فإنه يدفعها إلى مستحق آخر، ولا يؤخرها عن وقتها.
    وأما مكان دفعها: فتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج، سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين، لا سيما إن كان مكاناً فاضلاً كمكة والمدينة، أو كان فقراؤه أشد حاجة. فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه، أو كان لا يعرف المستحقين فيه، وكَّل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحق.والمستحقون لزكاة الفطر: هم الفقراء ومن عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها، فيعطون منها بقدر حاجتهم. ويجوز توزيع الفطرة على أكثر من فقير، ويجوز دفع عدد من الفطر إلى مسكين واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدّرالواجب ولم يقدّر من يدفع إليه.
    وعلى هذا: لو جمع جماعة فطرهم في وعاء واحد بعد كيلها، وصاروا يدفعون منه بلا كيل ثان، أجزأهم ذلك، لكن ينبغي إخبار الفقير بأنهم لا يعلمون مقدار ما يدفعون إليه، لئلا يغتر به فيدفعه عن نفسه وهو لا يدري عن كيله. ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص أن يدفعها عن نفسه، أو أحد من عائلته إذا كالها، أو أخبره دافعها أنها كاملة، ووَثِقَ بقوله.







    اللهم وفقنا للقيام بطاعتك على الوجه الذي يرضيك عنا، وزكِّ نفوسنا وأقوالنا وأفعالنا، وطهرنا من سوء العقيدة والقول والعمل، إنك جواد كريم.وصلى الله وسلّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين

    تعليق


    • Font Size
      #32
      رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::



      المجلس التاسع والعشرون: في التوبة

      الحمد لله الذي نصّبَ من كل كائن على وحدانيته برهاناً، وتصرّف في خليقته كما شاء عزاً وسلطاناً، واختار المتقين فوهب لهم أمناً وإيماناً، وعم المذنبين بحلمه ورحمته عفواً وغفراناً، ولم يقطع أرزاق أهل معصيته جوداً وامتناناً، روّح أهل الإخلاص بنسيم قربه، وحذّر يوم الحساب بجسيم كربه، وحفظ السالك نحو رضاه في سربه، وأكرم المؤمن إذ كتب الإيمان في قلبه، حكم في بريته فأمر ونهى، وأقام بمعونته فأضعف ووهّن، وأيقظ بموعظته من غفل وسها، ودعا المذنب إلى التوبة لغفران ذنبه، ربٌ عظيم لا يُشبه الأنام، وغني كريم لا يحتاج إلى الشراب والطعام، الخلق مفتقرون إليه على الدوام، ومضطرون إلى رحمته في الليالي والأيام.أحمده حمد عابدٍ لربه، معتذرٍ إليه من تقصيره وذنبه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مخلصٍ من قلبه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى من حزبه، صلى الله عليه وعلى أبي بكر خير صحبه، وعلى عمر الذي لا يسير الشيطان في سربه، وعلى عثمان الشهيد لا في صف حربه، وعلى عليٍّ معينه في حربه، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، وسلّم تسليماً.

      إخواني: اختموا شهر رمضان بالتوبة إلى الله من معاصيه، والإنابة إليه بفعل ما يرضيه، فإن الإنسان لا يخلو من الخطأ والتقصير، وكل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون.
      وقد حث الله في كتابه، وحث النبي صلى الله عليه وسلم في خطابه، على استغفار الله تعالى، والتوبة إليه، فقال سبحانه: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، والآيات في ذكر التوبة كثيرة.



      وأما الأحاديث:
      فمنها: عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مئة مرة" رواه مسلم.
      وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" رواه البخاري.
      وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم، كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح" رواه مسلم. وإنما يفرح سبحانه بتوبة عبده لمحبته للتوبة والعفو، ورجوع عبده إليه بعد هربه منه.
      وعن أنس وابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحبّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" متفق عليه.
      فالتوبة: هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته، لأنه سبحانه هو المعبود حقاً، وحقيقة العبودية: هي التذلل والخضوع للمعبود محبة وتعظيماً، فإذا حصل من العبد شرود عن طاعة ربه، فتوبته: أن يرجع إليه، ويقف ببابه موقف الفقير الذليل الخائف المنكسر بين يديه.
      والتوبة واجبة على الفور، لا يجوز تأخيرها ولا التسويف بها، لأن الله أمر بها ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأوامر الله ورسوله كلها على الفور والمبادرة، لأن العبد لا يدري ماذا يحصل له بالتأخير، فلعله أن يفاجئه الموت فلا يستطيع التوبة، ولأن الإصرار على المعصية يوجب قسوة القلب، وبعده عن الله عز وجل، وضعفإيمانه، فإن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان، ولأن الإصرار على المعصية يوجب إلفها والتشبث بها، فإن النفس إذا اعتادت على شيء صَعُبَ عليها فراقه، وحينئذٍ يَعْسُر عليه التخلّص من معصيته، ويفتح عليه الشيطان باب معاصٍ أخرى أكبر وأعظم مما كان عليه، ولذلك قال أهل العلم وأرباب السلوك: "إن المعاصي بريد الكفر، ينتقل الإنسان فيها مرحلة مرحلة حتى يزيغ عن دينه كله" نسأل الله العافية والسلامة.
      والتوبة التي أمر الله بها هي التوبة النصوح التي تشتمل على شرائط التوبة، وهي خمسة:
      الأول: أن تكون خالصة لله عز وجل، بأن يكون الباعث لها حب الله وتعظيمه، ورجاء ثوابه والخوف من عقابه، فلا يريد بها شيئًا من الدنيا، ولا تزلفاً عند مخلوق، فإن أراد هذا لم تقبل توبته، لأنه لم يتب إلى الله، وإنما تاب إلى الغرض الذي قصده.
      الثاني: أن يكون نادماً حازناً على ما سلف من ذنبه، يتمنى أنه لم يحصل منه، لأجل أن يُحْدِثَ له ذلك الندم إنابةً إلى الله، وإنكساراً بين يديه، ومقتاً لنفسه التي أمرته بالسوء، فتكون توبته عن عقيدة وبصيرة.
      الثالث: أن يقلع عن المعصية فوراً. فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال. وإن كانت المعصية بترك واجب فعله في الحال؛ إن كان مما يمكن قضاؤه كالزكاة والحج. فلا تصح التوبة مع الإصرار على المعصية، فلو قال: إنه تاب من الربا مثلاً وهو مستمر على التعامل به، لم تصح توبته، ولم تكن توبته هذه إلا نوعَ استهزاء بالله وآياته، لا تزيده من الله إلا بعداً. ولو تاب من ترك الصلاة مع الجماعة وهو مستمر على تركها لم تصح توبته.
      وإذا كانت المعصية فيما يتعلق بحقوق الخلق لم تصح التوبة منها حتى يتخلص من تلك الحقوق، فإذا كانت معصيته بأخذ مال للغير أو جحده لم تصح توبته حتى يؤدي المال إلى صاحبه إن كان حياً، أو إلى ورثته إن كان ميتاً، فإن لم يكن له ورثة أداه إلى بيت المال، وإن كان لا يدري من صاحب المال؛ تَصَدَّق به له، والله سبحانه يعلم به.
      وإن كانت معصيته بغيبةمسلم وجب أن يستحله من ذلك إن كان قد علم بغيبته إياه، أو خاف أن يعلم بها، وإلا استغفر له وأثنى عليه بصفاته المحمودة في المجلس الذي اغتابه فيه، فإن الحسنات يذهبن السيئات.


      وتصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، لأن الأعمال تتبعض، والإيمان يتفاضل، لكن لا يستحق الوصف المطلق للتوبة، وما يستحقه لتائبون على الإطلاق من الأوصاف الحميدة، والمنازل العالية حتى يتوب إلى الله من جميع الذنوب.
      الشرط الرابع: أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل إلى المعصية، لأن هذه ثمرة التوبة، ودليل صدق صاحبها، فإن قال: إنه تائب وهو عازم أو متردد في فعل المعصية يومًا ما، لم تصح توبته، لأن هذه توبة مؤقتة يَتَحَين فيها صاحبها الفرص المناسبة، ولا تدل على كراهيته للمعصية، وفراره منها إلى طاعة الله عز وجل.
      الشرط الخامس: أن لا تكون بعد انتهاء وقت قبول التوبة، فإن كانت بعد انتهاء وقت القبول لم تقبل.
      وانتهاء وقت القبول نوعان: عام لكل أحد، وخاص لكل شخص بنفسه.
      فأما العام: فهو طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها لم تنفع التوبة، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}، والمراد ببعض الآيات: طلوع الشمس من مغربها، فسّرها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
      وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال التوبة تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل" قال ابن كثير: "حسن الإسناد".
      وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" رواه مسلم.
      وأما الخاص: فهو عند حضور الأجل، فمتى حضر أجل الإنسان وعاينالموت لم تنفعه التوبة، ولم تقبل منه، قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن}.


      وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يقبل توبة العبد مالم يُغَرْغِر" يعني: بروحه. رواه أحمد والترمذي وقال: "حديث حسن".
      ومتى صحت التوبة باجتماع شروطها وقُبلت، محا الله بها ذلك الذنب الذي تاب منه وإن عَظُم، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
      وهذه الآية في التائبين المنيبين إلى ربهم، المسلمين له، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً}.



      فبادروا رحمكم الله أعماركم بالتوبة النصوح إلى ربكم، قبل أن يفجأكم الموت فلا تستطيعون الخلاص.اللهم وفقنا للتوبة النصوح التي تمحو بها ما سلف من ذنوبنا، ويسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين في الآخرة والأولى، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

      تعليق


      • Font Size
        #33
        رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::



        المجلس الثلاثون: في ختام الشهر
        الحمد لله الواسع العظيم، الجواد البر الرحيم، خلق كلّ شيء فقدّره، وأنزل الشرع فيسره، وهو الحكيم العليم، بدأ الخلق وأنهاه، وسَيَّر الفُلْك وأجراه، {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.أحمده على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى.وأشهد أنه لا إله إلا هو الملك العلي الأعلى، الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، وهو بكل شيء عليم. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى على العالمين، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أفضل الصديقين، وعلى عمر المعروف بالقوة في الدين، وعلى عثمان المقتول ظلماً بأيدي المجرمين، وعلى عليٍّ أقربهم نسباً على اليقين، وعلى جميع آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً.

        إخواني: إن شهر رمضان قرب رحيله، وأَزِفَ تحويله، وإنه شاهد لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك، وليبشر بحسن الثواب، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ومن أودعه عملاً سيئاً فليتب إلى ربه توبة نصوحاً، فإن الله يتوب على من تاب.
        ولقد شرع الله لكم في ختام شهركم عبادات تزيدكم من الله قرباً، وتزيد في إيمانكم قوة، وفي سجل أعمالكم حسنات. فشرع الله لكم زكاة الفطر، وتقدّم الكلام عليها مفصلاً.
        وشرع لكم: التكبير عند إكمال العدة، من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
        وصفته: أن يقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد".

        ويُسَنُّ جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت، إعلاناً بتعظيم الله، وإظهاراً لعبادته وشكره. ويَسِرّ به النساء، لأنهن مأمورات بالتستر والإسرار بالصوت.
        ما أجمل حال الناس وهم يكبرون الله تعظيماً وإجلالاً في كل مكان، عند انتهاء شهر صومهم، يملأون الآفاق تكبيرًا وتحميداً وتهليلاً، يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه !.
        وشرع الله سبحانه لعباده: صلاة العيد يوم العيد، وهي من تمام ذكر الله عز وجل. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أمته رجالاً ونساءً، وأمره مطاع، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد، مع أن البيوت خيرٌ لهن فيما عدا هذه الصلاة. هذا دليل على تأكيدها، قالت أم عطية رضي الله عنها: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيَّض وذوات الخدور. فأما الحيَّض فيعتزلن المصلى، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: "لتلبسها أختها من جلبابها" متفق عليه. الجلباب: لباس تلتحف فيه المرأة، بمنزلة العباءة.
        ومن السنة: أن يأكل قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر تمراتٍ وتراً؛ ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر من ذلك يقطعها على وتر، لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمراتٍ، ويأكلهن وتراً" رواه أحمد والبخاري.


        ويخرج ماشياً لا راكباً إلا من عذر كعجزٍ وبُعدٍ، لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً" رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
        ويُسَنّ للرجل أن يتجمّل ويلبس أحسن ثيابه، كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أخذ عمر جبة من إستبرق أي: حرير تباع في السوق، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه، يعني: اشترها تجمّل بها للعيد والوفود. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هذه لباس من لا خلاق له" وإنما قال ذلك لكونها حريراً.
        ولا يجوز للرجل أن يلبس شيئاً من الحرير أو شيئاً من الذهب، لأنهما حرام على الذكور من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما المرأة فتخرج إلى العيد غير متجمّلة ولا متطيّبة، ولا متبرجة ولا سافرة، لأنها مأمورة بالتستر، منهية عن التبرج بالزينة، وعن التطيّب حال الخروج.
        ويؤدي الصلاة بخشوع وحضور قلب، ويكثر من ذكر الله ودعائه، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، ويتذكر باجتماع الناس في الصلاة على صعيد المسجد اجتماع الناس في المقام الأعظم بين يدي الله عز وجل في صعيد يوم القيامة، ويرى إلى تفاضلهم في هذا المجتمع فيتذكر به التفاضل الأكبر في الآخرة، قال الله تعالى {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}، وليكن فرحاً بنعمة الله عليه بإدراك رمضان، وعمل ما تيسر فيه من الصلاة والصيام، والقراءة والصدقة، وغير ذلك من الطاعات، فإن ذلك خير من الدنيا وما فيها: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، فإن صيام رمضان وقيامه إيماناً واحتساباً من أسباب مغفرة الذنوب، والتخلص من الآثام، فالمؤمن يفرح بإكمال الصوم والقيام، لتخلصه به من الآثام، وضعيف الإيمان يفرح بإكماله لتخلصه من الصيام الذي كان ثقيلاً عليه، ضائقاً به صدره، والفرق بين الفريقين عظيم.


        إخواني: إنه وإن انقضَى شهر رمضان فإن عمل المؤمن لا ينقضي قبل الموت، قال الله عز جل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات العبد انقطع عمله" فلم يجعل لانقطاع العمل غاية إلا الموت.
        فلئن انقضى صيام شهر رمضان فإن المؤمن لن ينقطع من عبادة الصيام بذلك، فالصيام لا يزال مشروعاً ولله الحمد في العام كله، ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".
        وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله" رواه أحمد ومسلم. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث" وذكر منها: صيام ثلاثة أيام من كل شهر. والأولى أن تكون أيام البيض، وهي: الثالثَ عشَر، والرابعَ عشَر، والخامسَ عشَر، لحديث أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة" رواه أحمد والنسائي. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: "يُكَفِّر السنة الماضية والباقية". وسئل عن صيام عاشوراء فقال: "يُكَفِّر السنة الماضية". وسئل عن صوم يوم الإثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه، أو أنزل عليّ فيه".وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصيام أفضل بعد شهر رمضان ؟ قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم". وفي الصحيحن عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل شهرًا قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان" وفي لفظ: "كان يصومه إلا قليلاً".وعنها رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام الإثنين والخميس" رواه الخمسة إلا أبا داود فهو له من حديث أسامة بن زيد.
        وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" رواه الترمذي.
        ولئن انقضى قيام شهر رمضان فإن القيام لا يزال مشروعاً ولله الحمد، في كل ليلة من ليالي السنة، ثابتاً من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله. ففي صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلي حتى ترمَ قدماه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً ؟".وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح".
        وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللهعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".
        وصلاة الليل تشمل التطوع كله والوتر، فيصلي مثنى مثنى، فإذا خشيَ الصبح صلّى واحدةً فأوتر ما صلّى، وإن شاء صلّى على صفة ما سبق في المجلس الرابع.
        وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له ؟، من يسألني فأعطيه ؟، من يستغفرني فاغفر له ؟".
        والرواتب التابعة للفرائض اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر، فعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يُصلّي لله تعالى كل يوم ثنتي عشرة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة"، وفي لفظ: "من صلّى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت فيي الجنة" رواه مسلم.
        والذكر أدبار الصلوات الخمس أمر الله به في كتابه، وحثّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}.
        وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلّم استغفر ثلاثاً، وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سَبّحَ الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكَبّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. غُفِرَت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" رواه مسلم.
        فاجتهدوا إخواني في فعل الطاعات، واجتنبوا الخطايا والسيئات، لتفوزوا بالحياة الطيبة في الدنيا، والأجر الكثير بعد الممات، قال الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

        اللهم ثبتنا على الإيمان والعمل الصالح، وأحينا حياة طيبة، وألحقنا بالصالحين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

        تعليق


        • Font Size
          #34
          رد: :::: حياكم :::: مجالس رمضانية " يومية " :::

          الشكر الجزيل لكل من مر بمتصفحي ، جمعني الله واياكم مع شيخنا " العثيميين "
          رحمه الله في الفردوس الاعلى ... اللهم آمين



          عيدكم مبااااااك



          تعليق

          Loading...


          يعمل...
          X