آيديولوجيا الجسد
هذا الهوس بشكل اللحم وسيرته المفتوحة... علامة على تدهور العقلانية... على تراجع العقل، ليتقدم الجسد، لتتقدم الإثارة والأحاسيس، وخاصة النرجسية وهي درب انحطاط. انتصار الجسد هو تهديد بقتل السياسة كفكر وتعبئة للمواطنين للنهوض والتوجه نحو هدف يوجد هناك.
محمد بنعزيز
ما الذي حصل في نهاية القرن الماضي؟
أجاب ريجيس دوبرية: 'حدث نوع من الانهيار لما كان من استقلال في الجهاز الجامعي، تمركز في الوسائل الإعلامية، انحطاط فيما هو سياسي، تدني الدولة أمام السوق والذاكرة الوطنية أمام الذاكرة المسماة 'عالمية'، وهي ذاكرة أمريكية بشكل واسع'.
عرفنا ما الذي انهار، أي المنظومة القيمية التي افتخر به الجيل السابق لانهيار جدار برلين، فما الذي حل محله لدى الأجيال الصاعدة؟
للتلصص على ذلك، فتحت صفحة على الفايسبوك وضممت عشرات الأصدقاء الفوريين هم عينة بالنسبة لهذا المقال، وبذلك صارت لي إطلالة على مقر حزب افتراضي يضم أكثر من 15 مليون عربي لم يبلغ ثلثاهم 25 سنة. لنلق نظرة على النشاط اليومي للجمهور الرئيسي على الفايس:
'أحب هذه الصورة'، هكذا علق صديق إلكتروني على صورتي، وهذا 'تعليق وضع منذ ست ساعات'، الآن التاسعة صباحا، أي أن المعلق وهو طالب كان أمام حاسوبه في الثالثة صباحا.
هذا وضع يظهر أن التلفزة لم تعد قادرة على إجبار الأفراد على الجلوس أمامها ساعات طويلة على بعد ثلاثة امتار من شاشتها، الآن تعتصم الأجيال الشابة على بعد 30 سنتمتراً من شاشة الحاسوب.
بعد دردشات ساخنة مع العينة صغت الإشكال:
ما هو الجسد لدى المراهق؟ ماذا يفعل به؟
وكيف يمكن قراءة ذاك الاعتصام من الناحية الاجتماعية والسياسية؟
ما هي الايديولوجية التي تهيمن على الأجيال الصاعدة؟ كيف تتجلى في الفن ووسائل الإعلام؟ كيف تساهم في صوغ الرأي عام؟
بالنظر إلى صفحات الفايس، يحتل الجسد الصدارة. والدليل؟ الصور التي يلتقطها المراهقون لأنفسهم بكاميرا الجوال، صور عن قرب، تتيح إبراز أدق التفاصيل.
تعرض الصور لقطات للجسد الذكوري والأنثوي من مختلف الزوايا.
تعرض الانثى نفسها كنجمة، وتتصرف على هذا الأساس في طريقة لباسها وسيرها
وظيفة اللباس هي أن يعصر زوايا معينة من الجسد، أن يبرز حجم النهدين وسعة المساحة بينهما... لأن الصدر هو الهدف الثاني للعملية الجنسية، وهذه غواية فادحة...
وظيفة السير، بأنفة وكبرياء، على طريقة المارش العسكري، هي تأكيد أن الجسد مشدود كالقوس... تلتقط الصور بوضع الكاميرا على مستوى الحوض... ليس الوجه هو الأهم بل الخصر الأهيف... يجري المارش في البيت، لا تستطيع نجمتنا المراهقة الخروج بنفس المظهر للشارع، لا تحتاج أن ترى، لا تحتاج مرآة، المرآة زجاج بلا رد فعل... الفايسبوك تفاعلي... ستقوم الكاميرا بالمراقبة وسيتيح الفايسبوك للآلاف التعبير بتعاليق غزل كتابي... وبرموز أيضا، قُبل حمراء و قلوب متناثرة... ستلتذ نجمتنا الافتراضية بصورها 'سيكسي' وبالغزل الإلكتروني وسترد بمودة على كلمات المعجبين... الذين يتأملون جسدا افتراضيا يسبب وجعا جنسيا حقيقيا للأصدقاء والأعداء. أتأمل صورة مراهقة ترتدي الأحمر وتجلس على ركبتيها وتعرض فخذين رخاميين بيضاوين منفرجين... وابتسامة جانبية أشبه بنداء... فجأة وجدت نفسي أنتقل من حياد السوسيولوجي المراقب إلى طرف يتدخل في المادة التي يلاحظها، كتبت للمراهقة رسالة
'صورة مثل هذه ستعرض سلامتك للخطر، شخص مهووس سيجن بك، وقعت حالات اعتداء بسبب صورة... أرى في هذه الصورة مصيبة محتملة تسببينها لنفسك'.
من باب العناد أجابت أن تلك الصورة المثيرة هي للأصدقاء فقط، والصداقة على الفايسبوك عجب، ففي كل يوم تعقد صداقات وهمية لإخفاء حقيقة تزايد عزلة الفرد عن محيطه الاجتماعي. في دردشة مع صديقة إلكترونية سألتها ماذا ينقصك؟
قالت: الاهتمام.
لديها 800 صديق وتشكو لأنه يسهل استخدام تعابير صداقة حب على الفايس، كلمات بدون أي قوة مغناطيسية عاطفية، لا تمس ولا تؤثر وهي تعوض فقرا وجدانيا حقيقيا لأن الأفراد في حياتهم الواقعية، يجدون صعوبة في مخاطبة بعضهم بذلك... يقول سقراط 'كن بطيئا في عمل صداقة ولكن عندما تعقدها كن حازما وثابتا'، تقول جدتي 'كثرة الأصحاب تتركك بلا صاحب'.
هذا حال المراهقة، أما المراهق فيلتقط جل صوره في الشاطئ، هذا امتياز لا يتوفر لأنثى، لأنه كلما تزايد التعري على النيت تزايد الجدل على البرقع في الواقع... تناقض غريب بين قانون الحميمي والعام، لم يعد الجسد شأنا حميميا خاصا، صار الخاص مكشوفا.
لذلك، يعد المراهق علنا جسده ليتلاءم مع توقعات مراهقة تبحث عن فارس أحلام إلكتروني.... ينضبط لمعايير جمالية تحكم العرض والطلب العاطفي...
من حسن حظ المراهق أن الطبيعة والعمر في صفه، لذا يلتذ بأن يلتقط لنفسه عددا من الصور أكثر من كل الصور التي أنتجتها الإنسانية قبل القرن 19. أما بالنسبة للذين خيبت الطبيعة والزمن أملهم، تجدهم في مصحات جراحة التجميل، في زيارة استطلاع لدكان الجمال يجلس الزبناء على أرائك متقابلة، يحرص كل واحد أن يفحص الآخر ويحذر في نفس الوقت ألا تلتقي النظرات... كان هناك إحساس يرفرف في الجو على أن كل واحد يقر أنه غير راض على شكله... وقد جاء ليُقطّع لحمه ويعدّل أنفه...
لا يقتصر هذا الوضع على المواطن العادي، بل صار الزعماء السياسيون يعدلون أشكالهم أسوة بزعيمة الأمة في المجال، هيفاء وهبي التي كانت سباقة لتعديل مناطق مختلفة من جسدها... وهذا وضع مفهوم، إذ يتحدث بيير بورديو عن الاستعراض المضبوط للجسد الأنثوي كدليل على 'التحرُّر'. .. استعراض يبرز جسدا جاهزا للفتنة والإغواء... ليستجيب جسد الأنثى التوقعات الذكورية.
فهل أصابت عدوى الاستعراض السياسيين؟
نعم.
لقد أدرك السياسيون أنهم ما عادوا يصنفون تبعا لمواقفهم بين ليبرالي ويساري... فالأيديولوجيات لم تعد تحتل الواجهة... تراجعت وخلفت خواء يملأه الشكل... شكل صار بقيمة المحتوى المفقود... قديما قال المتنبي 'وليس الحسن في وجه الفتى شرفا له'، لكن السياسيين الحاليين ليسوا من طينة المتنبي... لذا نجد زعماء تجاوزوا الثمانين بشعر أسود وخد مشدود... حتى الدعاة يزرعون الشعر لإخفاء صلعتهم... التنافس على أشده في هذا المجال للعودة بـ 'نيو لـــوك'. ..
إنه التنافس لتبديل جيولوجيا الجسد، لمنحه تضاريس جديدة، لكن لأي هدف؟
بحثا عن نجومية تشبه نجومية ملكة جمال تصبح مغنية مشهورة في يوم واحد، والنجومية هنا لا ترتبط بإنجاز معين، بل تنحصر في الشكل المكيف ليتلاءم مع معايير الموضة.
يتلاءم هذا التصور مع ثقافة الصورة المهيمنة على العصر، فما عاد للمتلقي وقت للتأمل والبحث، يريد الحصول على طلبه دفعة واحدة، مثل فاست فود، والصورة تقدم له ما يطلب... تقدم الشكل الجميل... الذي يفسر على أنه علامة على الذكاء والتفوق والنجاح... ليس في الإنجاز بل في إلهاب الأحاسيس... في الإغواء.. في افتعال كاريزما لا وجود لها لدى الزعيم إلا بتدخل مبضع جراح التجميل... صارت الوسامة شرفا للسياسي... كتعويض له عما انهار في قولة ريجيس دوبريه...
لقد صعد الجسد الساحة الايديولوجية... الجسد ايديولوجية خفية تصعب مقاومتها... وهو ايديولوجيا باردة تستفز التيارات الدينية المحافظة... كانت زليخة امرأة العزيز أشهر من اكتوى به، وقد دعت نساء المدينة لرؤية يوسف فقطعن أيديهن...
الجسد يرى ويلمس، لا يحتاج جهد الفكر بل لذة الغريزة، وهذا يناسب التسطيحية الثقافية والإعلامية السائدة، فالجريدة التي تبحث عن العمق والدقة تفقد المتابعة المكثفة... بينما أي برنامج بالخط الأحمر العريض يستخدم الإيحاءات الجنسية يحتل الصدارة من يومه ...
هذا الهوس بشكل اللحم وسيرته المفتوحة... علامة على تدهور العقلانية... على تراجع العقل، ليتقدم الجسد، لتتقدم الإثارة والأحاسيس، وخاصة النرجسية وهي درب انحطاط. انتصار الجسد هو تهديد بقتل السياسة كفكر وتعبئة للمواطنين للنهوض والتوجه نحو هدف يوجد هناك.
' كاتب مغربي
القدس العربي
هذا الهوس بشكل اللحم وسيرته المفتوحة... علامة على تدهور العقلانية... على تراجع العقل، ليتقدم الجسد، لتتقدم الإثارة والأحاسيس، وخاصة النرجسية وهي درب انحطاط. انتصار الجسد هو تهديد بقتل السياسة كفكر وتعبئة للمواطنين للنهوض والتوجه نحو هدف يوجد هناك.
محمد بنعزيز
ما الذي حصل في نهاية القرن الماضي؟
أجاب ريجيس دوبرية: 'حدث نوع من الانهيار لما كان من استقلال في الجهاز الجامعي، تمركز في الوسائل الإعلامية، انحطاط فيما هو سياسي، تدني الدولة أمام السوق والذاكرة الوطنية أمام الذاكرة المسماة 'عالمية'، وهي ذاكرة أمريكية بشكل واسع'.
عرفنا ما الذي انهار، أي المنظومة القيمية التي افتخر به الجيل السابق لانهيار جدار برلين، فما الذي حل محله لدى الأجيال الصاعدة؟
للتلصص على ذلك، فتحت صفحة على الفايسبوك وضممت عشرات الأصدقاء الفوريين هم عينة بالنسبة لهذا المقال، وبذلك صارت لي إطلالة على مقر حزب افتراضي يضم أكثر من 15 مليون عربي لم يبلغ ثلثاهم 25 سنة. لنلق نظرة على النشاط اليومي للجمهور الرئيسي على الفايس:
'أحب هذه الصورة'، هكذا علق صديق إلكتروني على صورتي، وهذا 'تعليق وضع منذ ست ساعات'، الآن التاسعة صباحا، أي أن المعلق وهو طالب كان أمام حاسوبه في الثالثة صباحا.
هذا وضع يظهر أن التلفزة لم تعد قادرة على إجبار الأفراد على الجلوس أمامها ساعات طويلة على بعد ثلاثة امتار من شاشتها، الآن تعتصم الأجيال الشابة على بعد 30 سنتمتراً من شاشة الحاسوب.
بعد دردشات ساخنة مع العينة صغت الإشكال:
ما هو الجسد لدى المراهق؟ ماذا يفعل به؟
وكيف يمكن قراءة ذاك الاعتصام من الناحية الاجتماعية والسياسية؟
ما هي الايديولوجية التي تهيمن على الأجيال الصاعدة؟ كيف تتجلى في الفن ووسائل الإعلام؟ كيف تساهم في صوغ الرأي عام؟
بالنظر إلى صفحات الفايس، يحتل الجسد الصدارة. والدليل؟ الصور التي يلتقطها المراهقون لأنفسهم بكاميرا الجوال، صور عن قرب، تتيح إبراز أدق التفاصيل.
تعرض الصور لقطات للجسد الذكوري والأنثوي من مختلف الزوايا.
تعرض الانثى نفسها كنجمة، وتتصرف على هذا الأساس في طريقة لباسها وسيرها
وظيفة اللباس هي أن يعصر زوايا معينة من الجسد، أن يبرز حجم النهدين وسعة المساحة بينهما... لأن الصدر هو الهدف الثاني للعملية الجنسية، وهذه غواية فادحة...
وظيفة السير، بأنفة وكبرياء، على طريقة المارش العسكري، هي تأكيد أن الجسد مشدود كالقوس... تلتقط الصور بوضع الكاميرا على مستوى الحوض... ليس الوجه هو الأهم بل الخصر الأهيف... يجري المارش في البيت، لا تستطيع نجمتنا المراهقة الخروج بنفس المظهر للشارع، لا تحتاج أن ترى، لا تحتاج مرآة، المرآة زجاج بلا رد فعل... الفايسبوك تفاعلي... ستقوم الكاميرا بالمراقبة وسيتيح الفايسبوك للآلاف التعبير بتعاليق غزل كتابي... وبرموز أيضا، قُبل حمراء و قلوب متناثرة... ستلتذ نجمتنا الافتراضية بصورها 'سيكسي' وبالغزل الإلكتروني وسترد بمودة على كلمات المعجبين... الذين يتأملون جسدا افتراضيا يسبب وجعا جنسيا حقيقيا للأصدقاء والأعداء. أتأمل صورة مراهقة ترتدي الأحمر وتجلس على ركبتيها وتعرض فخذين رخاميين بيضاوين منفرجين... وابتسامة جانبية أشبه بنداء... فجأة وجدت نفسي أنتقل من حياد السوسيولوجي المراقب إلى طرف يتدخل في المادة التي يلاحظها، كتبت للمراهقة رسالة
'صورة مثل هذه ستعرض سلامتك للخطر، شخص مهووس سيجن بك، وقعت حالات اعتداء بسبب صورة... أرى في هذه الصورة مصيبة محتملة تسببينها لنفسك'.
من باب العناد أجابت أن تلك الصورة المثيرة هي للأصدقاء فقط، والصداقة على الفايسبوك عجب، ففي كل يوم تعقد صداقات وهمية لإخفاء حقيقة تزايد عزلة الفرد عن محيطه الاجتماعي. في دردشة مع صديقة إلكترونية سألتها ماذا ينقصك؟
قالت: الاهتمام.
لديها 800 صديق وتشكو لأنه يسهل استخدام تعابير صداقة حب على الفايس، كلمات بدون أي قوة مغناطيسية عاطفية، لا تمس ولا تؤثر وهي تعوض فقرا وجدانيا حقيقيا لأن الأفراد في حياتهم الواقعية، يجدون صعوبة في مخاطبة بعضهم بذلك... يقول سقراط 'كن بطيئا في عمل صداقة ولكن عندما تعقدها كن حازما وثابتا'، تقول جدتي 'كثرة الأصحاب تتركك بلا صاحب'.
هذا حال المراهقة، أما المراهق فيلتقط جل صوره في الشاطئ، هذا امتياز لا يتوفر لأنثى، لأنه كلما تزايد التعري على النيت تزايد الجدل على البرقع في الواقع... تناقض غريب بين قانون الحميمي والعام، لم يعد الجسد شأنا حميميا خاصا، صار الخاص مكشوفا.
لذلك، يعد المراهق علنا جسده ليتلاءم مع توقعات مراهقة تبحث عن فارس أحلام إلكتروني.... ينضبط لمعايير جمالية تحكم العرض والطلب العاطفي...
من حسن حظ المراهق أن الطبيعة والعمر في صفه، لذا يلتذ بأن يلتقط لنفسه عددا من الصور أكثر من كل الصور التي أنتجتها الإنسانية قبل القرن 19. أما بالنسبة للذين خيبت الطبيعة والزمن أملهم، تجدهم في مصحات جراحة التجميل، في زيارة استطلاع لدكان الجمال يجلس الزبناء على أرائك متقابلة، يحرص كل واحد أن يفحص الآخر ويحذر في نفس الوقت ألا تلتقي النظرات... كان هناك إحساس يرفرف في الجو على أن كل واحد يقر أنه غير راض على شكله... وقد جاء ليُقطّع لحمه ويعدّل أنفه...
لا يقتصر هذا الوضع على المواطن العادي، بل صار الزعماء السياسيون يعدلون أشكالهم أسوة بزعيمة الأمة في المجال، هيفاء وهبي التي كانت سباقة لتعديل مناطق مختلفة من جسدها... وهذا وضع مفهوم، إذ يتحدث بيير بورديو عن الاستعراض المضبوط للجسد الأنثوي كدليل على 'التحرُّر'. .. استعراض يبرز جسدا جاهزا للفتنة والإغواء... ليستجيب جسد الأنثى التوقعات الذكورية.
فهل أصابت عدوى الاستعراض السياسيين؟
نعم.
لقد أدرك السياسيون أنهم ما عادوا يصنفون تبعا لمواقفهم بين ليبرالي ويساري... فالأيديولوجيات لم تعد تحتل الواجهة... تراجعت وخلفت خواء يملأه الشكل... شكل صار بقيمة المحتوى المفقود... قديما قال المتنبي 'وليس الحسن في وجه الفتى شرفا له'، لكن السياسيين الحاليين ليسوا من طينة المتنبي... لذا نجد زعماء تجاوزوا الثمانين بشعر أسود وخد مشدود... حتى الدعاة يزرعون الشعر لإخفاء صلعتهم... التنافس على أشده في هذا المجال للعودة بـ 'نيو لـــوك'. ..
إنه التنافس لتبديل جيولوجيا الجسد، لمنحه تضاريس جديدة، لكن لأي هدف؟
بحثا عن نجومية تشبه نجومية ملكة جمال تصبح مغنية مشهورة في يوم واحد، والنجومية هنا لا ترتبط بإنجاز معين، بل تنحصر في الشكل المكيف ليتلاءم مع معايير الموضة.
يتلاءم هذا التصور مع ثقافة الصورة المهيمنة على العصر، فما عاد للمتلقي وقت للتأمل والبحث، يريد الحصول على طلبه دفعة واحدة، مثل فاست فود، والصورة تقدم له ما يطلب... تقدم الشكل الجميل... الذي يفسر على أنه علامة على الذكاء والتفوق والنجاح... ليس في الإنجاز بل في إلهاب الأحاسيس... في الإغواء.. في افتعال كاريزما لا وجود لها لدى الزعيم إلا بتدخل مبضع جراح التجميل... صارت الوسامة شرفا للسياسي... كتعويض له عما انهار في قولة ريجيس دوبريه...
لقد صعد الجسد الساحة الايديولوجية... الجسد ايديولوجية خفية تصعب مقاومتها... وهو ايديولوجيا باردة تستفز التيارات الدينية المحافظة... كانت زليخة امرأة العزيز أشهر من اكتوى به، وقد دعت نساء المدينة لرؤية يوسف فقطعن أيديهن...
الجسد يرى ويلمس، لا يحتاج جهد الفكر بل لذة الغريزة، وهذا يناسب التسطيحية الثقافية والإعلامية السائدة، فالجريدة التي تبحث عن العمق والدقة تفقد المتابعة المكثفة... بينما أي برنامج بالخط الأحمر العريض يستخدم الإيحاءات الجنسية يحتل الصدارة من يومه ...
هذا الهوس بشكل اللحم وسيرته المفتوحة... علامة على تدهور العقلانية... على تراجع العقل، ليتقدم الجسد، لتتقدم الإثارة والأحاسيس، وخاصة النرجسية وهي درب انحطاط. انتصار الجسد هو تهديد بقتل السياسة كفكر وتعبئة للمواطنين للنهوض والتوجه نحو هدف يوجد هناك.
' كاتب مغربي
القدس العربي
تعليق