قصتي مع استشهاد والدتي وأختي .... حكاية من قلب الثورة السورية
بدأت حكايتي عندما أزهر الرُّمان وفاح عبير الياسمين والريحان
وغردت طيور الجنان تناشد الحور الحسان لتزُف شهداء الإيمان.
من هنا من قلب دوما الأبية أرسم لكم إحدى لوحات الحريّة المرصعة بدم
الشهادة والإنسانية والملونة بألوان الظلم والقهر الرمادية .
نعم ، الظلم وأيُّ ظلمٍ أخرجنا من ملاذنا الأمن إلى مكانٍ نحتمي فيه من غدر حاكم ظالم وخائن
تجرّد من الضمير والإنسانيَّة وردَّ علينا بالدبابة والمدفعية ، نعم فهما ثمن الحرية !.
ففي يوم من أيام الثورة السورية أُجبرنا على مغادرة بيتنا بعد عامٍ ونيف من اشتعال ثورة
الحرية التي استنشقنا عبيرها من عبارات المظلومين ورأينا طريقها في أعينهم
فشعرنا بالأنس معهم والمكوث بينهم ولم تثني عزائمنا أصوات رصاصهم الغدار
وقناصهم الفاجر ودباباتهم المدمرة ، وهكذا الى أن كشف فرعون سورية
عن صورته الحقيقية فظهر عدو الله والإنسانية
وقدر الله أن نقيم بعد خروجنا في منزل وسط المدينة إلى برهة من الزمن عسى أن يأذن الله
بالنصر القريب . ومضت الأيام ومكثنا هناك أنا ووالدتي وأختي ،والوضع يزداد
سوءاً ،والسرطان الأسدي ينتشر في جسد مدينتنا الحبيبة ، وخلال أقامتنا وسط المدينة قرابة
الشهر تلقينا فيهم نبأ استشهاد أبن أختي" نسائم الامل " البطل حمزة البالغ من
العمر خمسة عشر ربيعاً ثم أرتقاء ابن خالي وثلاثة أبطال أخرين من أقارب
والدي ، فتسموا معنويتنا بفضل الله وبقوة الإيمان ، وتعتصر أفئدتنا وتئن من ألم
الفقدان والفراق ومن الحال الذي وصلنا إليه ، وعندها عزمنا الرحيل خارج المدينة
والألم يعتصر قلوبنا ولكن لم يبقى أمامنا خيار بعد أن أضطر سكان المدينة للنزوح
إلا القليل منهم ولم يبقى لنا أحد فيها .
بدأت حكايتي عندما أزهر الرُّمان وفاح عبير الياسمين والريحان
وغردت طيور الجنان تناشد الحور الحسان لتزُف شهداء الإيمان.
من هنا من قلب دوما الأبية أرسم لكم إحدى لوحات الحريّة المرصعة بدم
الشهادة والإنسانية والملونة بألوان الظلم والقهر الرمادية .
نعم ، الظلم وأيُّ ظلمٍ أخرجنا من ملاذنا الأمن إلى مكانٍ نحتمي فيه من غدر حاكم ظالم وخائن
تجرّد من الضمير والإنسانيَّة وردَّ علينا بالدبابة والمدفعية ، نعم فهما ثمن الحرية !.
ففي يوم من أيام الثورة السورية أُجبرنا على مغادرة بيتنا بعد عامٍ ونيف من اشتعال ثورة
الحرية التي استنشقنا عبيرها من عبارات المظلومين ورأينا طريقها في أعينهم
فشعرنا بالأنس معهم والمكوث بينهم ولم تثني عزائمنا أصوات رصاصهم الغدار
وقناصهم الفاجر ودباباتهم المدمرة ، وهكذا الى أن كشف فرعون سورية
عن صورته الحقيقية فظهر عدو الله والإنسانية
وقدر الله أن نقيم بعد خروجنا في منزل وسط المدينة إلى برهة من الزمن عسى أن يأذن الله
بالنصر القريب . ومضت الأيام ومكثنا هناك أنا ووالدتي وأختي ،والوضع يزداد
سوءاً ،والسرطان الأسدي ينتشر في جسد مدينتنا الحبيبة ، وخلال أقامتنا وسط المدينة قرابة
الشهر تلقينا فيهم نبأ استشهاد أبن أختي" نسائم الامل " البطل حمزة البالغ من
العمر خمسة عشر ربيعاً ثم أرتقاء ابن خالي وثلاثة أبطال أخرين من أقارب
والدي ، فتسموا معنويتنا بفضل الله وبقوة الإيمان ، وتعتصر أفئدتنا وتئن من ألم
الفقدان والفراق ومن الحال الذي وصلنا إليه ، وعندها عزمنا الرحيل خارج المدينة
والألم يعتصر قلوبنا ولكن لم يبقى أمامنا خيار بعد أن أضطر سكان المدينة للنزوح
إلا القليل منهم ولم يبقى لنا أحد فيها .
29/6/2012 صباح يوم الجمعة انسحب الجيش الحر
من المدينة فاعتلى القناصون اسطح المباني ودخلت تعزيزات الجيش مدعومة بجميع أنواع
الأسلحة تقودها شبيحة النظام ، كما بدأت مروحيات النظام الغادر بالقصف العنيف
على المدينة وعندها كاد صبر والدتي الحبيبة أن ينفذ وشعرت بالحزن يعتصر قلبها
الغض الندي ، لاخوفاً على نفسها ولكن خوفا علينا أنا وأختي ، وتصر زهرة عائلتنا
أختي الأصغر "أماني" وهي في العقد الثاني من عمرها على الرحيل عند
هدوء القصف ، وفي الوقت ذاته يحاول أخي الدخول إلينا لإخراجنا من هناك محاولاً
من جميع الطرق الفرعية ولكن دون جدوى فلم يستطيعوا يومها أنقاذنا من
بين هؤلاء الوحوش المرتزقة .
وفي حوالي السابعة والنصف مساءاً هدأ القصف برهة من الزمن فحزمنا
أمتعتنا وعزمنا على الرحيل مع أحد أبناء خالتي والذي أصر على بقائه معنا رغم
خطورة الوضع ، ركبنا السيارة بعد أن توكلنا على الله وسرنا بااتجاه الطريق المؤدي
إلى أحد مناطق الريف الدمشقي ، كان الطريق يخيم عليه
هدوء مخيف وخالٍ من أي حركة . الزجاج المحطم يملأ الشوارع والأرصفة ،والمباني
المهجورة تصدر أصوات فزع وهلع تعتصر أفئدتنا حزناً
وألماً وخوفاً،بدت المدينة لي وكأنها مدينة أشباح ،فرائحة الموت تملأ المكان والجثث
المرمية على الأرصفة لم تجد من يواريها الثرى!! فلم نجد إلا بذكر الله راحة
وسكنا ، كانت أختي تمسك بيدي بقوة فشعرت بالخوف يكاد ان يقتلع قلبها من
مكانه وهي تتمتم "يارب مالنا غيرك" وأنا لاأخفيكم أني شعرت بالخوف ولكن شيئاً
من الطمأنينة يسري في قلبي لإني لم أخرج من البيت إلا بعد أستخارة الله أكثر
من مرة ،وكنت على يقين أنه لن يصيبنا إلا ماكتبه الله لنا لأني بفضل الله لا أقدم
على شيء مصيري إلا واستخرت الله فيه وأرتاح لما يقضيه الله لي لإن الله لن يختار
إلا الخير لعباده ، وماهي إلا لحظات قليلة قطعتها السيارة حتى صوب علينا وحوش
النظام برشاشاتهم الغادرة وأطلقوا علينا وابل من الرصاص لتخترق أول
رصاصة قلب أمي لتنال في لحظتها شرف الشهادة ، مسكت بيدها والتي طالما شعرت
بدفئها يسري في حنايا قلبي لأجدها باردة، فناديتها أمي أمي ولكن لامجيب ! والتفت إلى
أختي على جانبي الآخر لأجدها غارقة في دمها من أثر رصاصة أخترقت صدرها فناديتها " أماني "
ردت علي بصوت منخفض أنا أموت! أطمئن قلبي قليلاً أني لن أفقدها هي الأخرى لإن الرصاصة
اخترقت صدرها من الجهة اليمنى وبعيدة عن القلب .
وتقف السيارة ويتوجه نحونا إحدى شبيحة النظام ممن انتزعت الرحمة من قلوبهم
ليصوّب سلاحه في وجهي ويطلب منا بصيغة الأمر ان ننزل من السيارة ، فقلت له :
أمي توفيت وأختي بين الحياة والموت وأنا من ذوي الإعاقة ولا يمكنني النزول من السيارة
بمفردي فلم يبقى أمامهم إلا السائق الذي كان يقود السيارة أنزلوه منها وأشبعوه شتائم
وأذاقوه أنواعا من الذل وهو يتوسل إليهم أن يتركوه ولكن لاجدوى من توسلاته !
فااقتادوه أمامهم وتم إعتقاله وإلى اليوم لم نسمع عنه أي خبر ولاندري بأي المعتقلات
وضعوه، بربكم ماالذنب الذي ارتكبه ليستحق عليه هذا الجزاء؟!، هل لإنه
حاول إنقاذ خالته وبناتها وإخراجهم من المدينة لمكان آمن!.
وبقينا في السيارة لبرهة من الزمن ننتظر من ينقذنا مما نحن فيه ومضت علينا لحظات
لانحسد عليها وكاد الظلام أن يخيم علينا، وكان قد دخل وقت صلاة المغرب سمعت
صوت المؤذن من بعيد وكنت قد نويت الصيام فأفطرت على قليل من الماء ودعوت
الله أن يخرجنا مما نحن فيه ، وإذ بشابين يبدو عليهما مظهر الشهامة يتوجهان ألينا بكل
لهفة سألوني مابكِ أختي فأخبرتهم بأن أمي استشهدت بعد أن أُطلق النار علينا
وأختي أصيبت وهي تنزف وفي حالة خطرة فطلبت منهم أن ينقذوا أختي لأنه لم
يبقى لي معين غيرها في الدنيا، فحملوها إلى إحدى المشافي الميدانية ، ونقلونا أنا
وأمي إلى ذلك المكان ، وكانت تعمل فيه ممرضتان فقامتا بنزع الرصاصة من صدر
أختي ولقلة خبرتهما الطبية لم تستطيعا إقفال الجرح بشكل جيد وحاولتا وضع
المحاليل الطبية لها فلم تفلحا في ذلك أيضاً!! وعندما شَعَرَتا بالخيبةِ والفشل حاولتا
التملص من مسؤليتهما وأسرعتا في الهروب إلى بيتهما متجردتان من الرحمة والإنسانية
وكانت أختي تتوسل إليهم أن يحاولوا إنقاذها من أجلي فأخبرونا أنهم
سيتصلوا بأحد الأطباء في العاصمة لعله يستطيع الدخول في الصباح ومساعدتها!
وتركوني مع أختي وهي تنزف وتئن من الألم . ونحن على هذا الحال دخل
علينا صاحب البناء ليخبرنا انه يجب علينا الخروج من المكان وإلا لو أتى
شبيحة النظام ووجدوا جثمان والدتي وأثار الدم الذي يسيل من أختي سيقصف
المبنى بما فيه فقال لي انه يجب علينا وضع والدتك على أحد الأرصفة بعيداً عن
المبنى ! فدارت بي الدنيا هل هذا حقها علينا أن تبيت على الرصيف وهي من هي
؟كانت لنا الأم الرؤم والتي ضحت بأغلى مالديها من أجل أن تحمينا
لقد كانت لنا الأم والأب ، أبعدَ كل هذا أُوافق على وضعها على الرصيف ؟! ولكن
لم يكن أمامي خيار آخر فنحن نتعامل مع نظام ظالم وغدار، لم تعرف الإنسانية
طريقاً إلى قلبه! وافقت وقلبي كاد أن ينفطر حزناً عليها .
وأودعوني أنا وأختي أحد الأقبية القريبة من المشفى الميداني ، كانت الكهرباء
قد قطعت عن المدينة منذ عدة أيام فجلسنا على ضوء الشمعة ! وأختي ممدة أمامي
وجرحها مازال ينزف وزاد أنينها، ولم يكن بإمكاني الإتصال بإخوتي خارج المدينة
لإن خطوط الجوال كانت مقطوعة عدا الهاتف الثابت فطلبت من صاحبة القبو
الإتصال بإحدى أقاربنا خارج المدينة وأعلمناهم بما حدث معنا ، ومضى على هذا
الحال قرابة الأربع ساعات وأختي مازالت تنزف وحالها يزداد سوءاً وحالتها
تتدهور أمامي وأنا أقف عاجزة عن مساعدتها سوى التضرع إلى الله ليخفف
عنا آلامها كنت أضع يدي على رأسها وأقرأ ماتيسر من القران فكان هذا
يريحها جدا فطلبت مني أن لا أرفع يدي عن جبهتها وأن أواصل تلاوة
أيات من القران الكريم، وبدأت أطرافها تبرد شيئاً فشيئاً ! ياألله ساعدني ماذا أفعل
لها أختى ستموت بين يدي وأنا لاحول لي ولاقوة! هذا ماكان ينطق به لسان حالي،
وقلبي يعتصر ألماً وحزناً عليها ، بدأ صوتها ينخفض ولم تعد تسمعني جيداً وسمعتها
تتمتم وتقول : "شهيدة " فأيقنت أنها تحتضر فأمسكت بيدها
ولقنتها الشهادة، وكان آخر مانطقت به ( لا إله إلا الله ) وفاضت
روحها الطاهرة إلى بارئها لتنال بذلك شرف الشهادة.
وكان قد مضى على استشهاد والدتي حوالي الخمس ساعات .
وشعرت بأن الله أمدني بقوة عجيبة في تلك الليلة وجلست أنظر إليها وكأنها ملاك ممدد أمامي
وبقيت على هذا الحال إلى أن أَذِنَ الله بميلاد فجر جديد ، وفي الصباح الباكر
استطاع أخوتي مع شابين من أقاربنا الدخول إلى مدينة دوما لإخراجنا منها وعلى
الطريق أوقفنا أحد الحواجزالأمنية وقاموا باعتقال الشابين المرافقين لإخوتي
ولا ندري إلى الآن ما هي التهم الموجهة لهما,وتابعنا طريقنا إلى أن استطعنا
الخروج من المدينة إلى إحدى بلدات الريف الدمشقي وهناك يكرم شهدائنا ويوارى
جثمانهم الطاهر الثرى وزاد من حزني حزناً أنهم منعونا من دفنهم في مدينتنا الحبيبة .
فطوبا لشهدائنا وإن شاء الله في الجنة لقائنا
والنصر لثورة الكرامة والحرية والتي لم تزل في مخاضها أبية
ومن هنا بدأت معاناة جديدة بفقدان عائلتي الصغيرة وبنزوحي عن مدينتي الحبيبة................
من المدينة فاعتلى القناصون اسطح المباني ودخلت تعزيزات الجيش مدعومة بجميع أنواع
الأسلحة تقودها شبيحة النظام ، كما بدأت مروحيات النظام الغادر بالقصف العنيف
على المدينة وعندها كاد صبر والدتي الحبيبة أن ينفذ وشعرت بالحزن يعتصر قلبها
الغض الندي ، لاخوفاً على نفسها ولكن خوفا علينا أنا وأختي ، وتصر زهرة عائلتنا
أختي الأصغر "أماني" وهي في العقد الثاني من عمرها على الرحيل عند
هدوء القصف ، وفي الوقت ذاته يحاول أخي الدخول إلينا لإخراجنا من هناك محاولاً
من جميع الطرق الفرعية ولكن دون جدوى فلم يستطيعوا يومها أنقاذنا من
بين هؤلاء الوحوش المرتزقة .
وفي حوالي السابعة والنصف مساءاً هدأ القصف برهة من الزمن فحزمنا
أمتعتنا وعزمنا على الرحيل مع أحد أبناء خالتي والذي أصر على بقائه معنا رغم
خطورة الوضع ، ركبنا السيارة بعد أن توكلنا على الله وسرنا بااتجاه الطريق المؤدي
إلى أحد مناطق الريف الدمشقي ، كان الطريق يخيم عليه
هدوء مخيف وخالٍ من أي حركة . الزجاج المحطم يملأ الشوارع والأرصفة ،والمباني
المهجورة تصدر أصوات فزع وهلع تعتصر أفئدتنا حزناً
وألماً وخوفاً،بدت المدينة لي وكأنها مدينة أشباح ،فرائحة الموت تملأ المكان والجثث
المرمية على الأرصفة لم تجد من يواريها الثرى!! فلم نجد إلا بذكر الله راحة
وسكنا ، كانت أختي تمسك بيدي بقوة فشعرت بالخوف يكاد ان يقتلع قلبها من
مكانه وهي تتمتم "يارب مالنا غيرك" وأنا لاأخفيكم أني شعرت بالخوف ولكن شيئاً
من الطمأنينة يسري في قلبي لإني لم أخرج من البيت إلا بعد أستخارة الله أكثر
من مرة ،وكنت على يقين أنه لن يصيبنا إلا ماكتبه الله لنا لأني بفضل الله لا أقدم
على شيء مصيري إلا واستخرت الله فيه وأرتاح لما يقضيه الله لي لإن الله لن يختار
إلا الخير لعباده ، وماهي إلا لحظات قليلة قطعتها السيارة حتى صوب علينا وحوش
النظام برشاشاتهم الغادرة وأطلقوا علينا وابل من الرصاص لتخترق أول
رصاصة قلب أمي لتنال في لحظتها شرف الشهادة ، مسكت بيدها والتي طالما شعرت
بدفئها يسري في حنايا قلبي لأجدها باردة، فناديتها أمي أمي ولكن لامجيب ! والتفت إلى
أختي على جانبي الآخر لأجدها غارقة في دمها من أثر رصاصة أخترقت صدرها فناديتها " أماني "
ردت علي بصوت منخفض أنا أموت! أطمئن قلبي قليلاً أني لن أفقدها هي الأخرى لإن الرصاصة
اخترقت صدرها من الجهة اليمنى وبعيدة عن القلب .
وتقف السيارة ويتوجه نحونا إحدى شبيحة النظام ممن انتزعت الرحمة من قلوبهم
ليصوّب سلاحه في وجهي ويطلب منا بصيغة الأمر ان ننزل من السيارة ، فقلت له :
أمي توفيت وأختي بين الحياة والموت وأنا من ذوي الإعاقة ولا يمكنني النزول من السيارة
بمفردي فلم يبقى أمامهم إلا السائق الذي كان يقود السيارة أنزلوه منها وأشبعوه شتائم
وأذاقوه أنواعا من الذل وهو يتوسل إليهم أن يتركوه ولكن لاجدوى من توسلاته !
فااقتادوه أمامهم وتم إعتقاله وإلى اليوم لم نسمع عنه أي خبر ولاندري بأي المعتقلات
وضعوه، بربكم ماالذنب الذي ارتكبه ليستحق عليه هذا الجزاء؟!، هل لإنه
حاول إنقاذ خالته وبناتها وإخراجهم من المدينة لمكان آمن!.
وبقينا في السيارة لبرهة من الزمن ننتظر من ينقذنا مما نحن فيه ومضت علينا لحظات
لانحسد عليها وكاد الظلام أن يخيم علينا، وكان قد دخل وقت صلاة المغرب سمعت
صوت المؤذن من بعيد وكنت قد نويت الصيام فأفطرت على قليل من الماء ودعوت
الله أن يخرجنا مما نحن فيه ، وإذ بشابين يبدو عليهما مظهر الشهامة يتوجهان ألينا بكل
لهفة سألوني مابكِ أختي فأخبرتهم بأن أمي استشهدت بعد أن أُطلق النار علينا
وأختي أصيبت وهي تنزف وفي حالة خطرة فطلبت منهم أن ينقذوا أختي لأنه لم
يبقى لي معين غيرها في الدنيا، فحملوها إلى إحدى المشافي الميدانية ، ونقلونا أنا
وأمي إلى ذلك المكان ، وكانت تعمل فيه ممرضتان فقامتا بنزع الرصاصة من صدر
أختي ولقلة خبرتهما الطبية لم تستطيعا إقفال الجرح بشكل جيد وحاولتا وضع
المحاليل الطبية لها فلم تفلحا في ذلك أيضاً!! وعندما شَعَرَتا بالخيبةِ والفشل حاولتا
التملص من مسؤليتهما وأسرعتا في الهروب إلى بيتهما متجردتان من الرحمة والإنسانية
وكانت أختي تتوسل إليهم أن يحاولوا إنقاذها من أجلي فأخبرونا أنهم
سيتصلوا بأحد الأطباء في العاصمة لعله يستطيع الدخول في الصباح ومساعدتها!
وتركوني مع أختي وهي تنزف وتئن من الألم . ونحن على هذا الحال دخل
علينا صاحب البناء ليخبرنا انه يجب علينا الخروج من المكان وإلا لو أتى
شبيحة النظام ووجدوا جثمان والدتي وأثار الدم الذي يسيل من أختي سيقصف
المبنى بما فيه فقال لي انه يجب علينا وضع والدتك على أحد الأرصفة بعيداً عن
المبنى ! فدارت بي الدنيا هل هذا حقها علينا أن تبيت على الرصيف وهي من هي
؟كانت لنا الأم الرؤم والتي ضحت بأغلى مالديها من أجل أن تحمينا
لقد كانت لنا الأم والأب ، أبعدَ كل هذا أُوافق على وضعها على الرصيف ؟! ولكن
لم يكن أمامي خيار آخر فنحن نتعامل مع نظام ظالم وغدار، لم تعرف الإنسانية
طريقاً إلى قلبه! وافقت وقلبي كاد أن ينفطر حزناً عليها .
وأودعوني أنا وأختي أحد الأقبية القريبة من المشفى الميداني ، كانت الكهرباء
قد قطعت عن المدينة منذ عدة أيام فجلسنا على ضوء الشمعة ! وأختي ممدة أمامي
وجرحها مازال ينزف وزاد أنينها، ولم يكن بإمكاني الإتصال بإخوتي خارج المدينة
لإن خطوط الجوال كانت مقطوعة عدا الهاتف الثابت فطلبت من صاحبة القبو
الإتصال بإحدى أقاربنا خارج المدينة وأعلمناهم بما حدث معنا ، ومضى على هذا
الحال قرابة الأربع ساعات وأختي مازالت تنزف وحالها يزداد سوءاً وحالتها
تتدهور أمامي وأنا أقف عاجزة عن مساعدتها سوى التضرع إلى الله ليخفف
عنا آلامها كنت أضع يدي على رأسها وأقرأ ماتيسر من القران فكان هذا
يريحها جدا فطلبت مني أن لا أرفع يدي عن جبهتها وأن أواصل تلاوة
أيات من القران الكريم، وبدأت أطرافها تبرد شيئاً فشيئاً ! ياألله ساعدني ماذا أفعل
لها أختى ستموت بين يدي وأنا لاحول لي ولاقوة! هذا ماكان ينطق به لسان حالي،
وقلبي يعتصر ألماً وحزناً عليها ، بدأ صوتها ينخفض ولم تعد تسمعني جيداً وسمعتها
تتمتم وتقول : "شهيدة " فأيقنت أنها تحتضر فأمسكت بيدها
ولقنتها الشهادة، وكان آخر مانطقت به ( لا إله إلا الله ) وفاضت
روحها الطاهرة إلى بارئها لتنال بذلك شرف الشهادة.
وكان قد مضى على استشهاد والدتي حوالي الخمس ساعات .
وشعرت بأن الله أمدني بقوة عجيبة في تلك الليلة وجلست أنظر إليها وكأنها ملاك ممدد أمامي
وبقيت على هذا الحال إلى أن أَذِنَ الله بميلاد فجر جديد ، وفي الصباح الباكر
استطاع أخوتي مع شابين من أقاربنا الدخول إلى مدينة دوما لإخراجنا منها وعلى
الطريق أوقفنا أحد الحواجزالأمنية وقاموا باعتقال الشابين المرافقين لإخوتي
ولا ندري إلى الآن ما هي التهم الموجهة لهما,وتابعنا طريقنا إلى أن استطعنا
الخروج من المدينة إلى إحدى بلدات الريف الدمشقي وهناك يكرم شهدائنا ويوارى
جثمانهم الطاهر الثرى وزاد من حزني حزناً أنهم منعونا من دفنهم في مدينتنا الحبيبة .
فطوبا لشهدائنا وإن شاء الله في الجنة لقائنا
والنصر لثورة الكرامة والحرية والتي لم تزل في مخاضها أبية
ومن هنا بدأت معاناة جديدة بفقدان عائلتي الصغيرة وبنزوحي عن مدينتي الحبيبة................
تعليق