تأمَّلت ما ورد في القرآن والسنَّة والمأثور من كلام العرب فيما أطلق وأريد به مصطلح (الوسطيَّة)، فتوصَّلت إلى أن هذا المصطلح لا يصحّ إطلاقه إلا إذا توافرت فيه صفتان:
1- الخيريَّة ، أو ما يدلّ عليها كالأفضل والأعدل أو العدل.
2- البينيَّة ، سواء أكانت حسِّيَّة أو معنويَّة.
فإذا جاء أحد الوصفين دون الآخر فلا يكون داخلا في مصطلح الوسطيَّة.
والقول بأن الوسطيَّة ملازمة للخيريَّة - أي أنّ كلّ أمر يوصف بالخيريَّة فهو (وسط) - فيه نظر، والعكس هو الصّحيح، فكل وسطيَّة تلازمها الخيريّة فلا وسطيَّة بدون خيريَّة، ولا عكس.
فلا بدَّ مع الخيريَّة من البينيَّة حتى تكون وسطًا.
وكذلك البينيَّة - أيضًا - فليس كل شيء بين شيئين أو أشياء يُعتبر وسطيًّا وإن كان وسطًا. فقد يكون التوسّط حسيًّا أو معنويًّا، ولا يلزم أن يوصف بالوسطيَّة كوسط الزمان أو المكان أو الهيئة ونحو ذلك.
ولكن كل أمر يوصف بالوسطيَّة فلا بد أن يكون بينيًّا حسًّا أو معنى.
ومن هنا نخلص إلى أنَّ أيَّ أمر اتَّصف بالخيريَّة والبينيَّة جميعًا فهو الذي يصحْ أن نُطلق عليه وصف: الوسطيَّة، وما عدا ذلك فلا (2) .
وسأذكر بعض الأمثلة التي توضّح ذلك
1- جاء وصف هذه الأمة بالوسطيَّة في قوله - تعالى -: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (البقرة: من الآية 143) وصح عنه، صلى الله عليه وسلم أنَّه فسَّر الوسط هنا بالعدل وفي رواية: (( عدولا )). والمعنى واحد.
وإذا نظرنا إلى العدل وجدناه يتضمَّن معنى الخيريَّة، والعدل كذلك يُقابله الظّلم، والظّلم له طرفان، فإذا مال الحاكم إلى أحد الخصمين فقد ظلم، والعدل وسط بينهما، دون حيف إلى أي منهما
2- عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم « ثلاث من فعلهنَّ فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أنَّه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيّبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرة ولا المريضة، ولا الشّرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإنَّ الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشرّه » رواه أبو داود .
وهنا نجد أن الوسطيَّة واضحة في هذا التَّوجيه النبويّ، فالبينيَّة صريحة في الحديث، أمّا الخيريَّة فهي ظاهرة لمن تأمَّل من خلال ما يلي:
1- أمر الرَّسول ، صلى الله عليه وسلم بذلك دليل على هذه الخيريَّة، فلا يأمر، صلى الله عليه وسلم إلا بخير، { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } (الأعراف: من الآية 29). وهل أمرُ الرسول، صلى الله عليه وسلم إلا وحي يُوحى.
2- أنَّنا عندما نُريد أن نستخرج معنى الخيريَّة لا ننظر من طرف واحد فقط، فإذا نظرنا إلى مصلحة الفقير فقط قلنا: إنَّ الخيريَّة في السّمينة السّليمة الأفضل مما هو من أجود الأغنام وأغلاها.
وإذا نظرنا إلى خيريَّة الغني - في الدنيا - قلنا إن الأسهل عليه أن يُخرج الضعيفة الهزيلة ونحوها.
ولكن الخيريَّة الكاملة أن ننظر إلى مصلحة الفقير ومصلحة الغني - صاحب المال - جميعًا، دون ترجيح لإحدى المصلحتين على الأخرى، وهذه هي الوسطيَّة، وذلك باستخراج ما بين أفضلها وأضعفها - وهي الوسط - وذلك مثل قوله - تعالى -: { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } (المائدة: من الآية 89).
وهنا اتَّضح لنا التَّلازم بين الخيريَّة والبينيَّة في تحقيق معنى الوسطيَّة.
وأختم هذا المبحث بكلام جيد يتَّفق مع ما ذكرتُ وقرّرتُ، ذَكَرَهُ الدكتور / زيد في كتابه: (الوسطيَّة في الإسلام). وكان مما قال:
الوسط من كل شيء أعدله، فالوسط إذن ليس مجرّد كونه نقطة بين طرفين، أو وسطيَّة جزئيَّة، كما يقال فلان وسط في كرمه، أو وسط في دراسته، ويُراد أنَّه وسط بين الجيد والرّديء، فهذا المفهوم وإن درج عند كثير من الناس، فهو فهم ناقص مجتزأ، أدَّى إلى إساءة فهم معنى الوسطيَّة المقصودة.
وعلى هذا فالوسط المراد والمقصود هنا، هو العدل الخيار والأفضل، إلى أن قال: وبالتالي لم يبق معنى الوسطيَّة مجرَّد التّجاور بين الشيئين فقط، بل أصبح ذا مدلول أعظم، ألا وهو البحث عن الحقيقة، وتحصيلها والاستفادة منها.
ثم يقول: وهو معنى يتَّسع ليشمل كل خصلة محمودة لها طرفان مذمومان، فإنَّ السّخاء وسط بين البخل والتّبذير، والشّجاعة وسط بين الجبن والتَّهوّر، والإنسان مأمور أن يتجنَّب كل وصف مذموم، وكلا الطرفين هنا وصف مذموم، ويبقى الخير والفضل للوسط.
1- الخيريَّة ، أو ما يدلّ عليها كالأفضل والأعدل أو العدل.
2- البينيَّة ، سواء أكانت حسِّيَّة أو معنويَّة.
فإذا جاء أحد الوصفين دون الآخر فلا يكون داخلا في مصطلح الوسطيَّة.
والقول بأن الوسطيَّة ملازمة للخيريَّة - أي أنّ كلّ أمر يوصف بالخيريَّة فهو (وسط) - فيه نظر، والعكس هو الصّحيح، فكل وسطيَّة تلازمها الخيريّة فلا وسطيَّة بدون خيريَّة، ولا عكس.
فلا بدَّ مع الخيريَّة من البينيَّة حتى تكون وسطًا.
وكذلك البينيَّة - أيضًا - فليس كل شيء بين شيئين أو أشياء يُعتبر وسطيًّا وإن كان وسطًا. فقد يكون التوسّط حسيًّا أو معنويًّا، ولا يلزم أن يوصف بالوسطيَّة كوسط الزمان أو المكان أو الهيئة ونحو ذلك.
ولكن كل أمر يوصف بالوسطيَّة فلا بد أن يكون بينيًّا حسًّا أو معنى.
ومن هنا نخلص إلى أنَّ أيَّ أمر اتَّصف بالخيريَّة والبينيَّة جميعًا فهو الذي يصحْ أن نُطلق عليه وصف: الوسطيَّة، وما عدا ذلك فلا (2) .
وسأذكر بعض الأمثلة التي توضّح ذلك
1- جاء وصف هذه الأمة بالوسطيَّة في قوله - تعالى -: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (البقرة: من الآية 143) وصح عنه، صلى الله عليه وسلم أنَّه فسَّر الوسط هنا بالعدل وفي رواية: (( عدولا )). والمعنى واحد.
وإذا نظرنا إلى العدل وجدناه يتضمَّن معنى الخيريَّة، والعدل كذلك يُقابله الظّلم، والظّلم له طرفان، فإذا مال الحاكم إلى أحد الخصمين فقد ظلم، والعدل وسط بينهما، دون حيف إلى أي منهما
2- عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم « ثلاث من فعلهنَّ فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أنَّه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيّبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرة ولا المريضة، ولا الشّرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإنَّ الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشرّه » رواه أبو داود .
وهنا نجد أن الوسطيَّة واضحة في هذا التَّوجيه النبويّ، فالبينيَّة صريحة في الحديث، أمّا الخيريَّة فهي ظاهرة لمن تأمَّل من خلال ما يلي:
1- أمر الرَّسول ، صلى الله عليه وسلم بذلك دليل على هذه الخيريَّة، فلا يأمر، صلى الله عليه وسلم إلا بخير، { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } (الأعراف: من الآية 29). وهل أمرُ الرسول، صلى الله عليه وسلم إلا وحي يُوحى.
2- أنَّنا عندما نُريد أن نستخرج معنى الخيريَّة لا ننظر من طرف واحد فقط، فإذا نظرنا إلى مصلحة الفقير فقط قلنا: إنَّ الخيريَّة في السّمينة السّليمة الأفضل مما هو من أجود الأغنام وأغلاها.
وإذا نظرنا إلى خيريَّة الغني - في الدنيا - قلنا إن الأسهل عليه أن يُخرج الضعيفة الهزيلة ونحوها.
ولكن الخيريَّة الكاملة أن ننظر إلى مصلحة الفقير ومصلحة الغني - صاحب المال - جميعًا، دون ترجيح لإحدى المصلحتين على الأخرى، وهذه هي الوسطيَّة، وذلك باستخراج ما بين أفضلها وأضعفها - وهي الوسط - وذلك مثل قوله - تعالى -: { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } (المائدة: من الآية 89).
وهنا اتَّضح لنا التَّلازم بين الخيريَّة والبينيَّة في تحقيق معنى الوسطيَّة.
وأختم هذا المبحث بكلام جيد يتَّفق مع ما ذكرتُ وقرّرتُ، ذَكَرَهُ الدكتور / زيد في كتابه: (الوسطيَّة في الإسلام). وكان مما قال:
الوسط من كل شيء أعدله، فالوسط إذن ليس مجرّد كونه نقطة بين طرفين، أو وسطيَّة جزئيَّة، كما يقال فلان وسط في كرمه، أو وسط في دراسته، ويُراد أنَّه وسط بين الجيد والرّديء، فهذا المفهوم وإن درج عند كثير من الناس، فهو فهم ناقص مجتزأ، أدَّى إلى إساءة فهم معنى الوسطيَّة المقصودة.
وعلى هذا فالوسط المراد والمقصود هنا، هو العدل الخيار والأفضل، إلى أن قال: وبالتالي لم يبق معنى الوسطيَّة مجرَّد التّجاور بين الشيئين فقط، بل أصبح ذا مدلول أعظم، ألا وهو البحث عن الحقيقة، وتحصيلها والاستفادة منها.
ثم يقول: وهو معنى يتَّسع ليشمل كل خصلة محمودة لها طرفان مذمومان، فإنَّ السّخاء وسط بين البخل والتّبذير، والشّجاعة وسط بين الجبن والتَّهوّر، والإنسان مأمور أن يتجنَّب كل وصف مذموم، وكلا الطرفين هنا وصف مذموم، ويبقى الخير والفضل للوسط.
من كتاب
الوسطية في ضوء القران الكريم
ناصر بن سليمان العمر
(بتصرف)
الوسطية في ضوء القران الكريم
ناصر بن سليمان العمر
(بتصرف)
تعليق