سلسلة مهمة ملهمة للقديرة المتفردة د. كفاح أبو هنود
من على صفحتها من على الفيس بوك (هنا) نفع الله بها
رمضان .. في صُحبةِ الأسماءِ الحُسنى الجزء/3
آثرت عرضها في قسم الدعاء باعتبار رمضان موسم وإن انقضى
سنظل نتعلم أدب الدعاـء وننهل من وحي أسماء الله الحسنى
في صُحبةِ الأسماءِ الحُسنى
اللَّيـ 1 ــلةُ الأولى الله
الحَمدُ لله على انهمارِ الفَــرج ..
الحَمدُ لله على رمَضان ..
رمضـان إنّـا مُشتاقون ..
رمَضـان إنّـا مُـتعَـبُون !
إيــه كَـم في القلـب مِن وجعٍ عَـتيق ..
لاشَـي هنـا .. لاشـيء يا مولاي إلا رمضَـان ..
فخُذنا يا مولاي من حالِ الأسى ؛ واسقِنا الفضلَ عطاءً يا سميع !
يا خفـيّ الّلطف ..
انقُلنا من فقـرِ البُعد إلى غنـى الوصـل يَـا كَـريم
يا أبنائي ..
مَن شغَل رمَضان بِعمارة الأوقاتِ واجتناب الغَفلات
أخرَجه الله مِن مَضيق العُسر إلى فَضاء اليُسر ..
وتَدارَكته المَعونة بالمِنَح المَكنونة !
بهذه الكلمات ..
افتتَح الشَيخ مجلس رمضان !
كانت الغُيوم مبتلّة بأنفاسِ الملائكة ، وأصوات المآذن تفيضُ ؛ كأنّها موّال عِشق ..
والشيخ قامةٌ مِن نور ، فلمّا تكلّم أخَذ قلوبنا إليه :
يا أبنائي ..
كُل الأمنيات الصّائمة هذا أوانُ إفطارها
وكلّ المواعيد حانَ حانَ قطافها ..
هذه ليالٍ هي آمَـاد البَسط وقَد حارَ العَطاء بِسرّها !
فقـــولوا :
الّلهمّ اجعلْ رمضان أوّله توبة وآخره غَيثا
و أوّله سُؤالاً وآخره نَوالا.
يا أبنائي ..
رمَضان بالفَضل مَبدوءٌ ومُختَتم
في رمضان ؛ الخَواتيم مَجهولة ، وساحة الكَـرم وسيعة
ولا قَيد في حَضرة الواهب إذ { يفعلُ اللهُ ما يَشاء } .. فاغنَم زمَانك ..
وقُـل : حيَّ على زمنٍ تكتملُ فيه الأمنيات.
ومن سَلِـم له رمضان سَلِـم له عامَـه كلّه
ومَن عَبد فيه أُيِّـد بالمَدد ..
فقُل:ياربّ اجعل كُلي بكلّي معك !
هو الله ما أقربنا إليه به .. إذا وعَد وفّـى
وإذا أعطَى ؛ زادَ على مُنتهى الرّجا
ولا يُبالي كمْ أعطى ، ولا لِمن أعطى !
وإنْ رُفعت حاجةٌ إلى غيره لا يرضى
وإنّما تَفقِد الأيدي صوتها إذا امتَدت فارغةً مِن يقينها ..
فَهُـزّ مقاليدَ العَرش بِـ : يَـا الله !
الله اسمٌ ..
مَن أخَذه بِشَرطه ؛ ناله !
يا أبنائي ..
إنّ للهُ عِبَادًا يُنْفِقُونَ مِن الأمَـل عَلَى قدر حُسْنِ الظَّنِّ بِهِ
فَأُولَئِكَ أُولَئِكَ ..
أولئك مَن مُنِحوا !
فاخلَع ظُنونك ؛ إنّك بوادي الغِنى ..
ورَدّد: وَسّـِع الّلهم لنا المَدى ، ولا تَدع لنا أمنيةً سجينة الشّفاه.
يَـا أبنائي ..
إنّ صوت الدُّعاء يَهزم الألم ..
يَهدم جِـدار المَنع ؛ وَيبسط لك ما ضاقت عنه الحِـيَل !
وكلّما غِبتَ في الدّعاء ؛ نبتتْ في الإجابة سُنبلة !
كُـل الهُموم لها رِتـاج .. فإنْ كان الله ؛ كان لها انفراج فرَدِّد :
يَـا الله على الجِراح التي تنتحب.
وإذا رأيتَ الاتّجاهات كلّها غَـرق فلا يُرعبك الطّوفان
من كان مع الله رأيتَ الأمواج عنه تُقاتِل
ومَهـر الحُـب أن تحيا لله في كلّ المراحل ..
أن يراكَ الله معنى التّنزيل وعمرك لله فرضٌ ونوافل !
أن يراكَ نخلة لله ما هزّتها فِتن المَعاول
أن يراكَ غابةَ الزيتونِ ؛ ومِن زَيتك مِـيلاد المَشاعل !
أنْ تُنفق العُمر لله مِئذنةً ؛ ما مسّ صوتها عُقمٌ ، والصَدى لله في كل الأماكن ..
أن ترحل إلى الله أمّـة ؛ ويراكَ صِبغة الله ربّـانيّ الشَّمائل !
ومَن كَــان لله كما يُريد
كَــانَ الله له فوقَ ما يريد
شُـدّ الخُطى بالله ؛ تمشي الأمّـة على إيقاعِ خُـطاك
وقُـل لَـه :
كُـل الطُرق إليكَ ؛ ومُنتهاي بين يديكـ
أحبّـك يَا الله ؛ فارفعني إليكـ
إن كنتَ لله ؛ فاضرب بعصَاك المُستحيل
واسأل ما شِئت مِن قَـدر !
هو الله..له الغَيم وبيده يسقي جفاف الأحلام مَـا شاء من مَطر !
هو الله..يطوي الطَريق لأمنيةٍ بلا سِبب ولا سَــفَـر !
قال تلميذ :
يا سيّدي .. كَم دعوة لله طَـال وُقوفها ؟
قال الشيخ :
فتّش عمّا يَحجبها وافهَم عنّي ..
إنّ لِكُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُ ، وَأَوَّلُ الْخَيْرِ الِاسْتِغْفَارُ
ومن أدام الاستغفار فُتحت له المَغاليق
ومَن تمسّك بالمفتاح لابُد أنْ يُفتح !
يَـا بُـني ..
مَن طَـلب الأنوار ؛ فَليخلَص مِن الأكدار ..
فاستَغفر إثماً ما زال مُستترا ..
استَغفر إثماً به النِّعم تَحتضر !
يَـا بُني ..
ما بين "اسجُدوا لآدم " وبيـــن "اهبِطوا منها"
كانت مَعصية !
كانَ آدَم يَـرفل في حُللٍ وإستبرق، فلمّا عصَى صارَ يخصِف على عَورته الوَرق !
إنّ الذّنوب تورِث الهُموم .. فَقل :
ياربّ إنَّـا تائِهون فاهْدِ الخُطى طُرقاتها ..
ورُدّ على السَّـواقي ماءَها ؛ فقد تصدّعت الجِـرار مِن جَفافها !
ياربّ ..
وخَيل الشّهوة عاديَةٌ فاكبَح الّلهمّ جِماحَها
وإن راودَتنا فِتنةُ الهَوى ؛ فلا تَدعنا لإثمها
قال التلميذ :
الّلهمّ إنَّـا نبتدأ رمَضان بالاستغفار !
قال الشيخ :
بناء السُّـدود أولَـى مِن مُدافعة السُّـيول
فاجعَل رمضانك كلّه في سِياج دينك ؛ تَثبيتاً و تَرميماً و دعـاء !
يا بُـنيّ ..
إنّما يتسوّر الشّيطان سدّاً ناقِصا ..
سَيِّـج الحِصن لا يبلُغك الُّلصوص !
تهدّج صَوت تلميذ وهو يقول :
ياربّ رمضان .. ما تبقّى لي لديك ؟!
ياربّ هذا القلب بالهَم مَركوم !
قال الشيخ :
يا بُـنيّ.. خَـفّ مَحملنا ؛ إن كان بالله هذا الحمل مَشدود ..
الناس في وهْـن الخُيوط وأنت بحبل الوصْل مَسنود !
يا بُـنيّ ..
وَضَعُ العارفون مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا ؛ فَلَمْ تُفَتَحْ
فَوَضَعُوا عَلَيْهَا مَفَاتِيحَ الْآخِرَةِ ؛ فَانْفَتَحَتْ !
أسرج الدعـَاء واشتعِل توسّلاً بالأسماء
فإنّ حاجَـاتك آنَ آنَ تَمامها !
وقُـل :ياربّ بك لا بِنا بَـلِّغنا مقاصدنا
قال تلميذ :وحقّك يا الله إنّي قد نَويت ..
و(أخشَى أنْ أموتَ وما ارتويت) ..
تأخّرتُ ؛ وهل بعضُ البُعد يُقضى ؟!
تنهّـد الشيخ ثمّ قال: مَن تمنَّ القُـرب ؛ لم يتأنَّ ..
سابق .. وقُل لله : لتَـرينّ ما أصنَع !
لئـن صَدَقت ..
فإنه سَيسقيك مِن سائِـغ البُشرى
ما يَجري به الدَّمع على المَجرى.
في صُحبةِ الأسماءِ الحُسنى
اللَّيـ 2 ــلةُ الثانية القُدُّوسُ
(مِن النّاس مَن يُساق ؛ ومنهم مَن يُهرول لله بالأشواق)
وكل عبور بدون الله شاق ..
ولكن عند الوصولِ تُنسى المشقة ..
و على قَدر القُرب يكون الوَهْب ..
وكُلّ تَعب في رمَضان له عِوض ..
نهرُ الريانِ بين يديكَ فلا تكن ذاك الذي ظمِئا !
كان النّاس جُلوسٌ كُـلٌّ قَدْ ألقى سِتره على وَجعه
فقال الشيخ : كل المَضائق مَوصول بها الفَرج ؛ فإذا هَبّت ريحُ رمضان .. فقُل:
يا آخِـر الأحزان هذا أوانك !
ثَلاثون ليلة ( كضِمَادة ضمّت إلى جُرحها برأها ) ..
ثلاثون ليلةً اجتمعتْ فاتّسعتْ ..
وأبوابُ الله بِزِحام النّاس تتّسع ..
والمَواهب في خزائنه أوسَع ..
قال تلميذ :
ياربّ .. أشتاقُ يَـاء النِّـداء .. فَهبني يَـاءً بعدها القُرب !
قال الشيخ :يابُـني .. طابت النفوس إذا اتّصلت بالقُدّوس.
وإنْ نأت الروح ؛ خسِرت (واو) المعيّة
وكمْ مِن عَطاء تعثّر في معصية !
سبحانه هو السَّـلام القُدّوس .. المنزه
فنَـزّهه عن تُهمة الشّك و رتِّـلها إذا قَدَرٌ زَلزلك !
سُـبّـوح قُدّوس ..
نَـزّه الله عن سوء الظنِ ، فَربما دَفَع البَـلاء بالبلاء كيْ يُنقذك ..
سُـبّوح قُدّوس ..
وفي عتمة الجُـبّ ثبّتْ خُطاك فهذا البلاء كَي يَصقلك !
ورُبَّ أمرٍ تكرهه فيهِ نجاتك ..
وَرُبَّ أمرٍ تؤثرهُ ؛ فيهِ هلاكك !
هو القُدّوس ..
فنزهه عن الشّك واخَلع على العتبات ظنّك ..
وَقُـل ؛ أدرِكنا بالُّلطف إذا نزل القضا ..
أسدِل علينا العَطا ، وداوِ قلباً ظنُّـه بك ( عسَـى)
"عسَى الله أنْ يأتي بالفَتح" فيكشِف الكُرَب الثِّقال.
قال تلميذ :
يـاربّ .. شُـدّ قلبـي بالرّضى
حتّى أنَـام مِـلء جُفوني مهما جَـرى ..
ارحَم عِباداً كلّهم ذا النُّـونِ !
قال الشيخ :
قُدّوس .. أتيناكَ على فَقرٍ فَعِدنا بقميصٍ و بِشارة
تنزّهْتَ عن النّقص .. لكنْ مَن تعثّر في الحُجُب وزَحمة الخَطايا وزحفتْ على قلبه آفات الذّنوب ؛ كيف يَفهم مُراده ؟
يابُـنيّ ..
هو القدوس الطاهر الطيب المبارك ..
ولا يَطأ العبد بِساط القُدّوس إلا بعمل تَقدَّس
كأنْ تمشي إليه بفقرك حاسِـرًا ؛ ومن الشّهوات حافيًا ..
كأنْ تُـنَـزِّه حَسنتكَ عن أعين الناس ؛ فَتبقيها خافية ..
كأنْ ترحَـل إليه بقلبٍ ؛ ما زال صَافيا ..
كأنْ تمشي في مَناكبها ؛ فلا تبلُغك الفتنة بعاصفة !
أولئك الهارِبون بدينهم من شاهِقٍ لشاهق ..
ولِربّهم قطَعوا العوائق ..
شَـدّوا النّطاق على القلوب وعُمرهم عُـمر المعارك !
ردد قُدّوس قُدّوس ..
احتَرِس بها من بريق البَريق ؛ إذا هَيّـأت لك الفتنة سُلَّـما !
قال التلميذ .:
يَـاربّ .. مُتعثّـر ؛ وأحبو لبابِك مُثقَـلا ..
رَبَّـاهُ ؛ لا تردّ الآتي بصِفْرِ اليَد.
قال الشيخ :
يا ولدي .. معيّة القُدّوس لا تُبلَغ إلا بتنزيه النُّفوس ..
ومَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْعَافِيَةِ ؛ مَلَأَ الله حِضْنَهُ بالْعَافِيَةَ.
فإياك وآفات النوايا وأمراض الصدور ..
اترك خلفك ما يُفنيك ..
وبالإثم ؛ يَسكنك الخَراب ويَمحوك التُّـراب ..
الإثمُ لا يبقي لنا أثَـرا ..
طريق القدوس أوله التّقديس
وآخره القَبول.
يابُـنيّ .. مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْبِقَ الدَّائِبَ الْمُجْتَهِدَ ؛ فَلْيَكُفَّ عَنِ الذُّنُوبِ
وحَسبكَ ؛ أنّ الطّهارة تطوي المَسافة إليه ..
فإذا دنَـا الفؤاد تبوّأ مِن الفَضل حيثُ يشَـاء !
هو القُدّوس ..
إذا قَبِلـك ؛ أحبّكَ واجتباكَ ؛ ثمّ حبّبهم إيّـاك !
قال تلميذ.:
يَـاربّ .. قادِمٌ مِن هناك قدْ ملَـلتُ البُعدا
وخَطوي يَـبعُد كلّما أوشَـك ! أوصلني إليكـ
هو القُدّوس الطاهر الطيب
فدلنا ياشيخي كيف نصل إليه !؟
قال الشيخ :
يابُـنيّ ..(سَيئاتك في الخَلا ؛ تنسِف حسناتك في المَـلا )
فاحذر مابينك وبينه في الغيب !
وأخسُّ النّقص أنْ لا ينفي المَرء عن نفسه قَذى النقص ..
فكُن للفرائض حافِظاً وللمعَـاصي رافضا.
وَإِذَا حَفِظْتَ لِسَانَكَ؛ فَقَدْ حَفِظْتَ جَمِيعَ جَوَارِحِكَ !
يابُـنيّ ..
اذكُـر إذا تعثّر الناس بكلماتهم على الصّراط ، وأمسكتْ بأقدامهم الخلوات
وعَوى ضجيج سَيئاتهم من هاوية النار ، وارتجت الآه من حَسيسها
والتفَتَ القلبُ ؛ فلا عاصَم إلا الله.
حينها تعلم ؛ مَرارَ أنْ تُنفق بَياض العُمر في سُـود اّلليالي ..
مرارة أن تضل الخطى معراجها للسماء.
في الحَشر لَـن تخلَص النُّفوس إلا إذا استقرّ فيها اسم القُدّوس !
فقل .. أنت القدوس فطهر الصحائف والأحوال
قال تلميذ : كيفَ يستقر في القلب معنى القدوس ؟
قال الشيخ :
إذا سَكنت الخَشية في القَـلب وُهِبـت الجَوارح التوفيق ..
فاجعل التّقوى الأساس وراقِب الخَواطر والأنفاس ..
واجعل تقويم عُمرك ما نَفضّتَ مِن الغُبـار.
وإن مَدّت الزّينة إليك شَهواتها ؛ فقُل:" معـاذ الله إنّه ربّي أحسَن مَثواي "
أنت القدوس الطاهر فطهر أعمارنا ..
يابُـنيّ ..
خالِف النّفس واحذَر من الشّيطان الَّلبس !
قال التلميذ :
وأُشْـهِـدُ اللهَ ما شَـقّ لي قميصُ تُـقى ..
وأنّي سَترتُ ضجيج الهَـوى ..
أنتَ المُطّـلِع على غَيبِ قلبي وما فيه استَـتر
قال الشيخ :
مَن تطهّر من دسَائس النّفس ؛ أمِن مِن النَّكس ..
قُـل :
أعـوذُ بك مِن قَدم النُّكوص ..
أعـوذُ بالله من الفَقد في زمَن الوَجد ..
أعـوذُ بالله مِن حِرمان المِنَن في زمَن المَنح !
يابني..
طَـهّر حَـرم قلبك فهو مَوطن نظَـر ربّك ..
اقرأ لوحَ قلبك يُنبيكَ بمـآل أمرك ..
والعَبد حيث وقفَ قلبه بلَـغ مَقرّه !
قال التلميذ :
سُبّـوح قُـدّوس ربُّ الملائكة والرُّوح
باسمك الطاهر الطيب
ارزقنا طهارة الخطى وبياض الصحف.
قال الشيخ :
هيأ الله لك الإياب في رمضان فلا تخذل صحائفك .
يابني ..
ضاقَ الجَواب على السُّؤال
إنْ قال الربُّ في الحساب يَـا عبدي طَـال الغيِـاب ولا إيَـاب !
في صُحبةِ الأسماءِ الحُسنى
اللَّيـ 3 ــلةُ الثالثة القَيّوم
كان الشَّيخ يصلّي مُسبلاً قلبه ..
مُستسلماً للتلقّي .. وفي غمرة الاشتياق يرتجي المَددا !
فلمّا سلّم؛ قال :
اللهُمّ هبني اسمك الذي تُقضى به الحوائج ..
اسمكَ الذي يجدُ به الواجد فوقَ ما وجد .. ويجدُ به الفاقدُ كل ما فقد ..
قال التلميذ: إلهي كيف يصلك من يطلبك ؟
قال الشيخ:
يابني صِلْ مـن يبقـى واهجـر مـن يَفنْـى، تَصفـو وتـرقى !
الصّـلاة هي مِعراجك .. (قَـلّ عَددها وكَـثُر مَددها .. تُخلّصك كي تُخصّصك) ..
فإذا سَجدْتَ على بِساط الفقر دنوتَ فَقُل :
يا مَن والَى علينا المِنن وغَمرنا بألطافِ المِنَح
دبِّـر لنا فإنّـا لا نُحسن التّدبير.
قال التلميذ :
يامولاي .. يدي مَمدودةٌ
فانشلني مِن كدرِ السفح للقمّة.
قال الشيخ:
يابُـنيّ .. إنْ أَفْرَدْتَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ أَفْرَدَكَ بِالْعِنَايَةِ ..
وإذا رعــاكَ ؛ سيّـرَك
وحاشا لمن اتصل به أن ينقطع ..
هو الحي القَيّوم ..
يكفيكَ ما يَخفى عليك !
هو الحيّ القَيّـوم ..
فَمُـدّ بساط اليـاء حتى آخر الأُفق؛ وقُل :
أنت القَيّـوم ؛ اجْـلُ ظُلمة الغَسق !
هو القَيّـوم ..
إنْ عرفته سكَنتَ وإن جَهِلْـته جَـزعت ..
له التّمحيص بما يشَـاء والتّخصيص لِـمَـا يشَـاء
وأقداره تجري في أليقِ الأزمان لها
فلا يَسرق نَبضك القلق !
يابني .. إنْ شيّـد لك الشيطان خَيمة الأحزان ، وكنت فراشةً في قَوس نـارٍ
فاذكُـر نبيّك في ليلة بدر يَذوب نبضاً بعد نبضٍ في :
يـا حيّ يـا قَيّـوم برحمتك أستغيث !
كَـان اللهج بالقَـيّوم فاتحـة الدُّعـاء
فكَـان النّصـر : آمـِـينا !
فاجعل ليلتك ليلة بدر.
قل .. يا قَيّـوم السَّموات والأرض ..
قوّم لنا الدّنيا ؛ وقوِّ لنا الدّين.
ياحـَيّ يا قَيّـوم ..
قوّم لنا الطُـرق حتى تدنو إلينا الأماني البعـيدة.
يَـا قَيّـوم ..
قوِّم لنا سُبل السعادة ..
مملوءةٌ أيامنا بالضّنَـك .
ياحيّ يا قَيّـوم ..
يا مَرفأ الروح ؛ هذا الحزن يُغرقني !
يا بُـنيّ ..
كُـل هـَمٍّ دفَعْته بالقيّـوم حَريّ ألّا يعود !
فيا مهمومًا بنفسه .. لو ألقَيتها إليه ؛ لاسترحت.
فقُـل ؛ ياحَـيّ يا قَـيّـوم لا تَكلني إلى نفسي !
سُبحَـانَــه ..
اختارك عبداً فاختَـره صَـاحِـباً ..
اسكُـن لما في يديه ولا تختر عليه !
افتَح بصيرتك على قيّوميّته ..
وافهَم ؛ إن أعبَـاء التّدبير لا تحملها إلا الرُّبوبية ، ولا تقوى عليها البشرية
فقُل.
قال التلميذ:
في الطُّرقات يا مَـولايَ فوضًـى وأنتَ ملاذنا في كل فَوضى.
سُبحانكـ أسمِعتني ليلاً أريقُ مدامعي ..
أسمِعتني في ظُلمة الحزن ؛ وستَـائري مَرخيّة على جُرحي
أسمِعتني وأنا السَّـاكن على عتبة الوَعْـد
أسمِعتني ونحيبُ الروح يُثقلني !
قال الشيخ :
قد سَـمِع الله
قد سَـمِع !
يابُنـيّ ..
أنت في جَـزع وشكوى
وهو يدبّـر الأمر بمسالك لا تُـرى ..
إنْ وكَلته ما كان كَـدرًا صَـار صَفوًا !
فقل ..
يا حَـيّ يا قَيـّوم برحمتك أستغيث ..
إن استغثت بهذا الاسم جاءَك مَـدٌّ ليس له جَـزر.
حتى تقول :
كادَ العمر أن يكون عبوساً لولا أن تداركه القيّوم بالفرج.
فقل: الّلهمّ تَداركني كما تدراكت صالحا في ثمود.
يا بُـنَـيّ ..
( العبدُ بين نفحةٍ ولَفحة ، ومِنحة ومِحنة
وسَلبٍ وجَلب ، ونَصـرٍ و كَـسر ) !
سبحانه قال عن سليمان : "نعم العبْدُ إنّه أوّاب"في مقام النعمة
وعن أيّوب "نِعْم العبدُ إنّه أوّاب"في مقامِ المِحنة !
هو القَيّـوم ..
يَغسلك بالبَـلاء ؛ ثمّ يهديكَ إليه ..
ابتلاكَ ليعرّفك عليه !
فَقُـل ..
يَـا حَـيّ يا قيّوم .. اختبارَك وِسْـعَ طاقتنا ..
لكنّنا نسألك العافية.
إنَّكَ سألتنا من أنفسنـــاَ مـا لا نملِكُ إلاَّ بك
اللهم فأعطِنـا من أنفُسنا ما يُرضيك عنَّــا.
هوَ هو ، و أنتَ أنت ..
قام بـه الوجود ؛ فكيفَ عليك لا يَجُـود !
فاطمئـنّ إلى التّصريف
وانشَغِل بالتّكليف !
و عَـظِّـم لله الحُرمة
وانشَغِـل بالخدمة
فهو القيّوم على أمرك !
قال تلميذ :
أشتهي لو أطمأن ..
ياسيدي كيف أَثبُـتُ وأعاصير المُنى تجتاحني ؟
أشتهي أنْ آوي إلى فَـرج
ويغتالُ يومي انتظار الغَـد ..
كأنّ ضِـرع المُنى قد جفّ أو يَـبس ..
ومالي إلا جذوة الهَمّ ..
ياربّ هذا الدمع يبتهلُ ..
فهبني إجابة تروي عَطش الحلم.
قال الشيخ :
تضلّـع مِـن ؛ يا حيّ يا قيّـوم ..
وقل توكْـأتُ مِن ضَعفي على قُوّتك ..
سبحانه .. من دخلَ عليه بالفقر ؛ وهَبه الغِـنى !
وإذا أردتَ المواهب أنْ تنهمرَ عليك ؛ فَصحِّـح الفَقر لديك ..
اخرج مِن الأنا والسَبب وقُـل:
ياحَـيّ يا قيّـوم دبّـر لي فإني لا أحسِن التّدبير !
فقُل :
اختَر لي فإنّـي لا أُحسِن الاختيار ..
والخير يا قلـب مايختاره الله ..
فإنْ تُهنا فلمْ ندرِ { أشَـرّ أريدَ بمن في الأرضِ أمْ أرادَ بهم ربهم رُشدا } ..
فاجعَل عاقبةَ أمرنا رَشَدا !
قال التلميذ :
شَتات قلبـي يُعذّبني .. كـأنّ نبضـي مَجبـولٌ على قَلـقِ
عَرجتُ فوق طِيني ؛ فَدلّـني كيف العبور إليك !؟
قال الشيخ :
ادخل بفقرك واخلع رداء الأنا .. فقدْ قيل:
إنْ جئتَ بلا أنَـا ؛ قَـبِلناك ..
وإن جئت بالأنَـا حَجبناك !
قال التلميذ :
أواه .. يالعلة قلبي
نظرتُ إليَّ ؛ فبَعُدت المَسافات عَليَّـا !
قال الشيخ :
يابُنـيّ .. إِنْ صَححَّتْ النوايا صَافَوْكَ .. وَإِنْ خَلَطْتَ خَلَّوْكَ
ولو صَـحّ الأصلُ لصَـحّ الفَـرع !
إنّ سبَب عَدم إقبالك عدم استعدادك
لذا .. لا يكن همّك كَـثرة الأعمال بل تَصحيحُ الأحوال !
صحّح إيمانك بالأسماء وفوّض الأمر إليه ..
صوتك المحزون عند ربك "وما كانَ ربّـك نَسِيّـا"
قال تلميذ :
قلبي أرَقٌ على أرَقُ ..
يا مُؤنِس الفُـقراء إنّ القمحَ يحترقُ
أعوذ بِلُـطفك أنْ أموتَ مُنتَظِـرا !
قال الشيخ :
حاشا للأيدي المَمدودة أنْ تظلّ فارِغـة !
لكنه القيوم وله التدبير كله ومواقيت الإجابة
سبحانه ..
لو أُذِن لك أنْ تُدبّـر ؛ كـان يجبُ أن تَستحي مِن أنْ تُدبِّـر !
وكيفَ وقد أمرَكَ ألا تُـدبِّـر !
ومن تدبيره أوجاعك
فلا تخش أوجاعَكـ !
إن البِساط الذي لا تُوضَـع عليه الأثقَـال
تَـأخُـذه الـرّيح بَغتة
فاحْـمَد اللهَ على أوجاعِـك
فبها ثبَّـتَ بِساطـك.
في صُحبةِ الأسماءِ الحُسنى
اللَّيـ 4 ــلةُ الرابعة القَابِضُ البَاسِطُ
مِن هَـاهُنا ابتدأَ المقام ..
هُنا البداية وهُنا الختام !
اسـمٌ ..مَن عكف به في أسحارِ القُرب تعرّض لسَعة الوَهب !
القابضُ الباسِط ..
يَعبر بك مِن الضّيق فتّتسِع .. ومِن الجَفاف فتُزهر !
يقبضُ بالعدل
وَيبسُط بالفضل.
يقبضُ حتى لا طاقة
ويبسطُ حتى لا فاقَة
وإذا بسطَ كان أقلّ ما أعطى كثير ويخفّ ماكان مَحمله ثقيل
وترى العطايا بُكرة وأصيلا !
يُضنيك الدّمع ومـا طَواه
فإذا بسَط رتّلَـت الأسباب: آمِـينا !
يغشى الخُطى ارتباكها ..
فإذا بسَط استوت المراكب على الجوديّ !
تضيق ..
فإذا استعنت بالله فاض لك البسط !
لا تسأله بصوتٍ يائس
قُل لـه :
يا من قال "وَيَقْدِرُ" اخرِجني مِن لاء العَدم إلى دَيمومة النّعم
وما كان بعيداً هناك اجعله هنا.
إذا بسطَ كفّه ؛ رأيت الفضل مُلقى على الفضل ، وصارت النِّقم أنعُما ..
حينها ؛ ما ماضَـرّ الحوائج لو نأت عنها الأسباب !
سُبحانه .. يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ
إذا بسطَ أعطاك مُبتدرا قبل السؤال نوالَ مالم يخطُر في البال !
ابسُط لله كفّك فيَداه مبسوطتان وقُل :
يا باسِط اليدين بالعطايا
ابسُط لنا طريق الفرج.
سبحانه ..
إن بسَط طوّع لك الأحلام ليناً وتمكينا ..
فقُل :
يامَن "لك مقاليدُ السّماوات والأرض تبسُط الرِّزق لمن تشاء وَتقْدِر"
ابسُط لنا من الرّزق ما توصلنا به إلى رحمتك.
سبحانه ..
إنْ قبض نعمةً كان أقربها منك أبعَدها ..
ولربّما تمشي أطولَ الطريق ولا تلقى العناوينَ ..
ولربّما جادَ السّحاب ثمّ رأيت أرضَك لا تورِق ..
ولربّما يمّمتَ فإذا المدائن منفًى من منافينا !
وإذا قبَض رأيت زورقك حائِـراً بلا مِـينا ..
حينها لك من الريح مجراها ولله مراسيها !
يابُنـيّ ..
نـارُ القبض حَـرّها حَـرٌّ يسرُج الوجعا !
قال تلميذ :
ياسيّدي .. ما حكمة القَبض ؟
قال الشيخ:
يابُـنيّ ..في قبضهِ حكمه وفي بَسطه رحمة
تنبسط المواهب لك ؛فَتطغى
فيطويها عنك بالقَبض حتى ترقى !
ربما أقبلتْ نعمة وبِدينك أدبرتْ
فلا تسأله ماليس لك به عِلم !
فهو القابض الباسِط ..
وما يُعرَف البَسط إلا بِقَبض..
وقد يسبقُ القبض ظُلمٌ مِن العبد
إذ مَن أنكر ما يجد؛ حُرِم بركة ما وجَـد
فاشكُر ما بسط لك من نِعَم عسَاك لا تفقدها
وإذا انزاحَت الحُجب ؛ انصبّت عليك القُـرب !
يابّنـيّ ..
( إنّ الله يبسُط يده بالليل ليتوب مُسيء النّهار
ويبسُط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ) ..
و إذَا بَسَطَ الْجَلِيلُ في القيامة بِسَاطَ الْفضل
دَخَلَت ذُنُوبُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي حَاشِيَةٍ مِنْ حَوَاشِيهِ
فاستغفِر ؛ يُـبسَط لك !
قال التّلميذ :
الّلهمّ عَفوكـ
الّلهمّ اجعلنا في كرامة "سبَقت لهم مِـنّا الحُسنى"
ولا تجعلنا في خُذلان "غلبتْ علينا شَقوتنا"
قال الشيخ :
إذا أردته أرادك ..
إذا اتّسعت النيّة انبسط المَدد
ومن في الطريق سلك فبالتأييد مَلك ..
ومن ثبـتَ ؛ اتَّســع !
هو الباسطُ .. لمن لم يَطفوا مع الزّبَـد، لمن رَفعوا سبّـابة الثّبات للأبد
لمن في أعالي النُّور مامسّ بصيرتهم رمَد.
يابُـنيّ ..
لا يكن سَعيك في الّلواحق
وقد كنت قادرًا أن تكون في السوابق.
قال التلميذ:
سَبقْنا القوم على خيلٍ دُهْـم.
قال الشيخ:
إن كنتَ على طريقهم فما أسرع الَّلحاق بهم
وكم مِن عَرجاء سبقت
ضعْ دَلوك بين الدِّلاء وقُـل:
ياواهب الفضل لولا العَون لم نَصِلِ
لا تحرمني فَيض عطائكـ
"إنّما قولنا لشيء إذا أردنَـاه أن نقولَ له كُن فيكون"
قال التلميذ:
آميــنَ آميــن
لا أرضَـى بواحدةٍ بَـل
ألف آمـين في ألفَي آمـينا !
ياربّ ..
أمْـري في قبضة التّدبير تقبضه وتبسطه
لك التّصرف في الفعل و فاعله ..
أصلِحني ياشافي مِن العِلل.
قال الشيخ:
قُـل: الّلهمّ عافيـــــــة إلى الأبد مَع دَوام المَدد.
يابُـنيّ ..
اسأله مـاعنده بأسمائـه
عنده لا كيفَ ولا أنّى
قُل لَـه :
لو لمْ تشَأ العطَاء ما أطلقتَ في لساني المَـقال
لو لم تُرِد لي القَبول ما علّـمتني السُـؤال.
يابُنَـيّ ..
أيامٌ تبدو مِثل القَبض
فإن استعنت بالله فاض لك البَـسط.
يقبض ويبسط في الأرزاق فقل:
يا باسط اليدين بالعطايا
حبَسَتنا الهُموم فأطلِق أنت سَراحنا ولا تجعلْ لها عَلينا سَبيلا.
قال التلميذ :
ألوذ بك إنْ طالت عَتمة الإنتظار وارتهن القلب للحُـلم
وظَـنّ أنّه صارَ نسيًا منسيًا في زحمة اليأس
ألوذ بِـك ..
إذا استندَ الدّمع على الدّمع
واتّـقد الدُّعـاء بأوجاعِ التّعب وصارَ آخِـر الحُـزن أوّله.
ألوذ بِـك وأرتِجيكـ
فهل لهذا الّليل مِن صُبح
قال الشيخ :
لا تشيخ ُدعواتنا ..
لا تَبلى ولا تندثرُ وسُقياها الإلحَـاح !
سُبـحانَـه ..
باسِـطٌ يَده لك بالعَطايا
فإن قبض عنكَ جَزعت !
قال التلميذ :
بَـابُ الوصْـل عنّـي قَصِيّـا
وتأوُّه الصَّـبر المُقيّـد فِـيّ !
قال الشيخ: ردِّد ورائـي
ياربّ .. جِئناك حُفاة القُـلوب، جِـياع الفَـرَج
حنانيكَ يكفينا ما مَـرّ بنا
جئتكُ طالباً ؛ فاجعلني واجِـداً.
هو الباسِـط ..
فإنْ أوجعَتك قُيود أُمنيةٍ قُـل :
يا باسِـط أنتَ لها
ولكلّ قَيْـدٍ أنَّ مِن القَبضِ.
في صُحبةِ الأسماءِ الحُسنى
اللَّيـ 5 ــلةُ الخامسة الخَالِقُ
سَخيّةٌ ليالي رمضان وفيها دَهشة الفرح ..
ليالٍ ؛ هي رغيفُ الجائعين فليتَ زمانها لا ينتهي
وما انفرط من زمانها ليس له عوض
تبذُر الملائكة هَمس الذِّكر في الجنة ويُرفع الكَلِـم لله
ويَجتبي الله قلباً في خِفّة الحُب يَعرُج
أوَ تدري أنّ الصَومَ نوعان
صومٌ يَسقُط به الفَرض .. وصومٌ يَحصل به الفضل
ومابينهما فوق الخيال
فإنْ مسّكَ الشّوق للفَضل
فدونَك الصحُف فاملَأها، ودونَك المَوازين فأثقِلها
و دونَك الليل فقد جعله الله بساط السائلين.
ولا تكن مغلولَ القُوى وعندك صَهوة المستحيل ..
توشّح بـمكنونِ الأسماء الحُسنى
فإنّها مِفتاحٌ ما ضاقت به الحِـيَل.
سبحانه هو الخالِق
نستدلُّ به عليه ..
فاضَ إناءُ الوجود بفطرةِ الشهود أنْ لا خالِقَ إلا الله ..
وكان الكون بذرةً عذراء فلَقَها باريها
فلا تجعلها بلا خالِقها فكرةً عَرجاء.
سبحانه ..
اختارَك عبدًا ؛ فاقبَل اختياره
هو الخالِق مِن ضَباب العدم ؛ أبدَع للحُلم نهاره
ومِن عَتمة الفَناء شقَّ عن الكون سِتاره
شاء الوجودَ وشاءنا اختباره
فإن اشتَـدّ فيك القلق على أمرٍ قد انغلقَ فقُل :
أنت الخالقُ ربُّ الفَـلق.
سُـبحانــه ..
"أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا"
سُبحانَـه ..
هو المُنفرد بالخلق والتّصوير، وهو المُنفرد بالحُكم والتّدبير
سُبحانَـه ..
للشَجرة هو ساقيها ..
سبحانه..
للخليقة هو باريها ويَكفيها أنّـه كافيها ومكافيها !
فلا تَجزع .. أمَـا يكفيك أنّـه يكفيك !
وما كان مِن رزقك أتاكَ على ضعفِك
وما كانَ مَمنوعا عليكَ لن تملكه بقُوّتِك.
يابنـيّ ..
"الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ"
قال تلميذ :
خالقٌ وَوكـيل .. ما المعنى ؟
قال الشيخ :
له خيلُ المقادير متى ماشاء يربطها ومتى شاء يوريها
فارحَل إلى أقصَى اليقيـن !
يابُـنيّ ..
مَن شقّ عتمة الأسباب ؛ نوديَ مِن أقاصي النار "إنّي أنا الله" .." خالقُ كُلِ شيء"
فآنِس مِن الله الإشارة وقُـل :
يا مَـن وهبْتَ الكونَ نبضه .. ما مُورقٌ إلا الذي منك ابتدا
ما واصلٌ إلا الذي منك دَنا .. فاجعلْ بَـدئي أنت وأنت المُنتهى
سبحانَــه ..
"هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ والأرضِ"
تداركْ يقينك
واعرُج إلى قمّة الانعتاق.
أتدري مايحتاجُ قلبك ؟
أنْ ينبض باليقين. أنّك بالله لن تخطئ المستحيل ..
وعلى جُرفِ هاويةٍ تفهم أنك المؤمن المُمتَحَـن ..
فلا ريحُ الشكِّ تَـهبُّ في قلبك، ولا تُزلزلك الأسئلة !
أتدري ما يحتاج قلبكَ ؟
أن تؤمنَ أنه متى كان الإيجاد فعلىَ الله دوام الإمداد
متى كان الخَـلق ؛ فعليه سبحانه دوام الرزق !
أيُطالبك بحقِّه ويمنعك وجود رزقه ؟!
أيُبرزك لكونه ويَمعنك وجود عونه ؟!
أيُخرجك إلى الوجود ؛ ويَمنعك الجود ؟!
مابين المجـرّة والمجـرّة بيـن يديه
فاسأله ما يُعجزك
ثقْ بالخالق الرازق
وخَـلِّ عنك الخلائق.
اسأله وقُـل :
بأمرك الذي أودعته في (كُــن ) اقضِ حاجتي
أنت خالِقنا ولك أمرنا.
يابُنـيّ ..
مَن لم يسأل الخالق ابتلي بسؤال الخلْـق !
تنهّـد تلميذ قائلاً :
كأنّ أحلامي جُبلت على لاءٍ نافية !
قال الشيخ :
وضِّـئ قلبك بالثّقة يقطُـر لك الغيم عافية
وتوشّح بالأسماء فإنها وربّي كافية.
اجعل ذِكـرك "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر"
ولا تكن بيـن و بيـن بل مُـدّ اليدين ولا تسأل كيفَ و أيـن ؟
وإنْ طُردتَ عن حِياض الماء.. وإن نبَذوك في العراء.. وشَاؤوكَ وراءَ الوراء
"قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ "
هوِّن عليك وكُـن بربّك وقُل: " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ "
يختار ممّن شدّ على الحقّ نواجذه وأغارَ على العَجَل رغم هطول الفتن !
يابُنـيّ .. " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ"
شاءَك الله انهيار المستحيل فلا تأتِه منكسر الصّليل
شاءك أبعد من حدود الطّيـن .. فإن أضعتَ الطريق إليه فقد أضعتَ الطريق إلى اختيارك
اترُك وراءك ما تُحيي به أثرك .. تدهش الملائكة من عبد ظل حياً حتى تكاد تقول:
قل لي بربك من كملك !!
اسمع لقول الصالحين: أيها العَـبد ..
ما آمَن به من نازعه، ولا وَحَّدَه من دَبَّرَ معه
ولا رضي به مَن شَكا ما أنزل به إلى غيره " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ "
وليس مع تقديره اختيار
تخيَّره ولا تتخير عَلَيهَ .. ولربما اختار المَـرء هلاكه !
قال تلميذ :
سُبحانك سُبحانك ..
أنت الخالِـق وأنا العبدُ الآبِـق
قال الشيخ :
" أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ "
فاستلِبْ زمانك فهو مَسلوب ..
وغالب الهوى ولا تكن مغلوب ..
وحاسب نفسك فالعمر محسوب ..
وامحُ قبيحك ولا تلقَه مكتوب..
ما في المقابر مِن دَفِـين ؛ إلا وهو يئِـنُّ مِـن (سَـوفِ)
يظلّ الشيطان يُدافعك عن الآخرة ، ويمنّيك بالغَـد !
يابنـيّ ..
إِنَّ مِنْ إِعْرَاضِ اللهِ عَنِ الْعَبْدِ
أَنْ يَشْغَلَهُ بِمَا لَا يَنْفَعُهُ !
قال التلميذ :
اللهُـمّ عُمراً مليئاً بسنابل مَـلأى حَصادها لا ينتهي ..
اللهُـمّ وأجوراً تفيضُ بحقولها حتى يُقال هذا الفِردوس فاهنَـأ.
قال الشيخ:
قَضى اللهُ بالرَّحْمَة لِمَنِ اهْتَمَّ لِأَمْرهِ ..
فاجعَـل عُمرك أمْـرَه
تضلع من زمزم الأجر واتمم له مكارم الحب.
تعليق