درويش..لاترحل تماما

أسير التحدي

الشعر والخواطر
ها رحل عملاق الشعر الثوري العربي ،الشاعر الفلسطيني (محمود درويش) يوم أمس إثر عملية جراحية على مستوى القلب..ها تصاعدت روحه إلى الرفيق الأعلى (رحمه الله واسكنه فسيح جنانه) لكن قصائده النابضة بالثورة،بالحلم،بالرفض،بالسمو،تبقى خالدة في ذاكرة الأجيال ،مجسدة ثورة القلم ضد همجية الغطرسة الصهيونية،ثورة الشاعر والمثقف الفاعل في مواجهة آلة الدمار وطواغيت الإستبداد والهمجية.......إن الشاعر محمود درويش ،وان توفي يوم أمس ،إلا أنه لم يرحل تماما،لأنه خلف ثورة أدبية زاخرة ،معبأة برائحة الحرية والحياة..لأنه أحد الرجال القلائل الذين اسمعوا صوت فلسطين في كل المحافل الدولية،وغرسوا في أذهان أجيال كاملة معنى القضية المحورية للامة متمثلة في قضية فلسطين المسلوبة،بلغة عالمية وصلت إلى كل الآذان في جميع أصقاع المعمورة...وقد كان له الفضل -بعد الله سبحانه وتعالى-رفقة الشيخ الشهيد(أحمد ياسين) في تكوين شخصيتي الأدبية والفكرية،فكانت معظم قصائدي ثورية تغرف من هموم الأمة،وتستمد حروفها المدماة بالألم من جرح الأمة في فلسطين...
وهذه نافذة أفتحها لكم إخواني أعضاء المنتدى لكي تخلدوا ذاكرة الشاعر العربي الكبير،المناضل الفاضل الذي علمنا معنى النضال حتى الرمق الأخير،وذلك بأية طريقة تجدونها معبرة(شعر ،مقالات،أدعية....إلخ) وهي مرثية مفتوحة لكل من يمر من هنا.
إنا لله و إنا إليه راجعون
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
تغمده الله برحمته و جعل له في الجنة مقاما و غفر له
 
التعديل الأخير:
كتب الشاعر طلعت سقيرق


كأنما كان عليه قبل التوجه إلى أمريكا لإجراء عملية في القلب أن يودع شعبه بأمسية هنا وأمسية هناك ..كان في الفترة الأخيرة مسكونا بعطاء استثنائي سريع مما جعل قراءه ومحبيه يستغربون هذا التواتر السريع في صدور كتبه بشكل متلاحق .. عاد إلى الوطن أو الوطن المجتزأ ليشاهد ناسه وأهله ثم يرحل هناك في أحد مستشفيات أمريكا مساء اليوم 9/8/2008 بعد أن أزالوا أدوات الإعاشة بناء على توصية منه قبل إجراء العملية فما أراد أن يعيش معاقا أو شبه معاق ..ترجل الفارس ، فارس الشعر العربي والفلسطيني ، تاركا بصمة بحجم العصر الحديث كله رفعت اسم فلسطين عاليا في كل مكان كونه الشاعر الأكثر ترجمة إلى اللغات العالمية والأكثر حصولا على الجوائز العالمية المرموقة بين الشعراء العرب في العصر الحديث ..
رحل ابن البروة الذي ولد يوم 13/3/1941 بعد أن كحل عينيه برؤية والدته حورية التي كتب له أجمل قصيدة كتبت للأم " أحنّ إلى خبز أمي /وقهوة أمي ".. وهي القصيدة القديمة الجديدة التي ظلّ محافظا على دفئها ورونقها ورومانسيتها رغم كل التطور الذي أحدثه في شعره وفي حركة الشعر العربي بشكل عام ..فقصيدة درويش التي جمعت الآلاف دائما من الحضور الذي شكل ظاهرة عربية فريدة في زمن انصرف الناس فيه عن كل ما هو أدبي وثقافي لفتت الانتباه والدهشة ، كون أمسيات محمود درويش كانت الأكثر حضورا بل كثافة جماهيرية في كل العواصم العربية ..كان شاعرنا الكبير يشدّ الجمهور بالآلاف ليلتفوا مأخوذين بصوته وشعره ونبرته وطريقة إلقائه ..وهو الشاعر الذي شكل مدرسة شعرية أثرت في الشعر العربي كله لا الشعر الفلسطيني فحسب . . كان متنبي العصر بامتياز كونه لم يتخل عن عمق القصيدة وجديتها ووطنيتها مع المحافظة على الجماهيرية المطلقة .. ونعرف أنّ شعراء كثرا دغدغوا عواطف الجمهور ليصلوا إلى الامتداد والانتشار ، بينما بقي درويش صاحب عمق وأصالة وتجديد جعله يأخذ الجمهور إليه رافعا إياه إلى عالم القصيدة الملتزمة بفنها فحقق أروع معادلة عجز عن تحقيقها الكثيرون إن لم نقل الجميع إلا فيما ندر ..
كان شاعرنا الكبير محمود درويش من أشد الشعراء انتباها لفنه ولغته وشعره ..ومن يقرأ دواوينه " عصافير بلا أجنحة "19660 .."أوراق الزيتون " 1964 .."عاشق من فلسطين " 1966 .."آخر الليل نهار " 1967.. " يوميات جرح فلسطيني " 1969ثم ما صدر من دواوين في العام 1970مما يدل أنه كان ينهي مرحلة شعرية ما ارتبطت بوجوده في الداخل قبل خروجه في العام 1970 سيجد أنّ هذا الشاعر كان واعيا لقصيدته منتبها لها منذ البدايات ..وهذه المرحلة الأولى لم تكن عادية أو قريبة من العادية بأي حال ، فدرويش يسجل في هذه المجموعة من الدواوين قفزة نوعية تشكل أرضية حقيقية لتطوره اللاحق الذي سيكون إنجاز الشعر العربي بكامله فيما بعد ..
المستوى الذي وصل إليه محمود درويش في " كزهر اللوز أو أبعد " 2005 كان تطورا لا نقول إنه طبيعي في مسيرة شعر الشاعر أو مسيرة الشعر العربي .. كان المنجز الشعري عند درويش في صعود دائم وبما يشكل قفزات تشعرك بأن هناك ما يشبه الفجوات كون الشاعر يقفز قفزات سريعة وطويلة جعلت حضوره الشعري لا مثيل له .. حيث استوعب الشريحة المثقفة كما الشريحة العادية لتتواصل معه مؤمنة انه صوتها الأكثر إخلاصا للمنجز الشعري العربي ..فكانت من دواوينه : «مطر ناعم في خريف بعيد» 1971, «أحبك أو لا أحبك» 1972, «جندي يحلم بالزنابق البيضاء» 1973, «الأعمال الشعرية الكاملة», «محاولة رقم7» 1974, «تلك صورتها وهذا انتحار العاشق» 1975, «أعراس» 1977, «مديح الظل العالي» 1982, «هي أغنية.. هي أغنية» 1985, «ورد أقل» 1985, «حصار لمدائح البحر» 1986, «أرى ما أريد» 1990, «أحد عشر كوكباً» 1993, «لماذا تركت الحصان وحيداً» 1995.
سيكون في " لماذا تركت الحصان وحيدا" شيء من العلاقة الخفية التي تربط الشاعر بديوان " كزهر اللوز أو أبعد " مع اختلاف شديد في التركيب والموسيقى والصور وشكل القصيدة وحتى الرتم داخلها ..وإذا كنا في مرحلة "لماذا تركت الحصان وحيدا " نتحدث عن الديوان الأخير – وهو اجتهاد شخصي – في المرحلة الثانية ، فهذا لا يعني انقطاعا عن المرحلة الثالثة التي بلغت ذروتها في " كزهر اللوز أو أبعد " فالشاعر الذي كان يغني ويطيل الغناء أبقى على أدوات غنائه لكنه صار أكثر اقتصادا في النشيد والصورة والرومانسية ..الشاعر هنا يبحث عن اليومي والعادي والذات والخصوصيات التي تمر في دقائقنا وثوانينا ..بمعنى آخر انتباه درويش الشديد إلى شاعرية شعره ، وأهمية فنه ، وأرقه من اجل قصيدة لا تكرر سابقتها وديوان لا يكون مشابها لما سبق كل ذلك جعله يغير في الشكل والصورة والموضوع والرتم والموسيقى والبناء اللغوي بشكل يدهش الدارس ويضعه في حيرة حقيقية ..فمحمود درويش هو محمود درويش بأنفاسه وعاطفته وجزء من رومانسيته ، لكن القصيدة ليست هي السابقة بالتأكيد ، هناك انقلابات تشبه انقلابات الطبيعة بين فصل وفصل ، فالصيف غير الشتاء ، والخريف غير الربيع ، لكن كل الفصول في النهاية تعود إلى مصبها ..كذلك قصائد محمود درويش في تطورها الزمني المذهل المدهش تشكل انقلابات كثيرة ثم تعود لتصب في مصبها بكل أناقة وجمال .. من الأعمال الشعرية في هذه الفترة كانت "." جدارية " 2000 .. " حالة حصار " 2002.."و.. لا تعتذر عما فعلت " 2004. إضافة لديوانه " كزهر اللوز أو أبعد " ..
رحم الله شاعرنا الكبير محمود درويش وألهم الله أهله وشعبه ومحبيه الصبر والسلوان.. كان شاعرا كبيرا استثنائيا استطاع أن يصل بقضيتنا الفلسطينية إلى كل مكان في العالم من خلال الكلمة التي كانت قنديلا لا ينطفئ
..
 
محمود درويش فراقك كفراق وطن..// بقلم : ســـامي الأخرس
بقلم : سامي الأخرس​
1218364016.jpg



سجل... انا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف
واطفالي ثمانية
وتاسعهم سيأتي بعدصيف
فهل تغضب؟!
أه يا دموع تتحشرج بالقلب ، فكلما اسدلت ستارة سوداء ، وكلما تجاوزنا صفعة قاسية من الزمان ، دثرتنا أهازيج الفرح بدموع أصبحت تسري في وادي قاحل هجرته طيور النورس ، وألحان الصباح وتغريبة المساء ، تسمعنا نحيب ونحيب ، نحيب من الفجر للفجر ، ومن المساء للمساء ، نحيب لا زال يحمل خيمة ثائرة باسم " أنا عربي " خيمة أوتادها من حبر بلون الدم ، وبداخلها طفلٌ يغني لفلسطين ، صرخ وصدح بالآه مع كل تغريبة شوق وشجون تبحث عن لحن يعزف موسيقاه الحزينة في بهاء الدار الواسع ...
سجل... انا عربي
... واعمل مع رفاق الكدح في محجر
واطفالي ثمانية
اسلّلهم رغيف الخبز والأثواب والدفتر
من الصخر
ولا اتوسل الصدقات من بابك
ولااصغر امام بلاط اعتابك
فهل تغضب ؟!
أراك وأن تسجل هويتنا تهاجر مع طيور العنقاء ، تلوح لنا بالبقاء بصوت حاني تحلم فلسطين في سماء توشحت بالسواد وبالآه ، وبالفراق ، ونحن نـأمل بعيون شاحبة ، صامتة لا ضوضاء حولها سوي نبضات قلب تعزف سمفونية ألم ، وتشدو لحن قاسي على أوتار قيثارة الفاجعة ..... الآن الآن بدأنا نرتل سجل أنا عربي ، ونرتل معها قداس في كنائس تقرع أجراسها حزنا ، ومساجد تكبر مآذنها بكاءاً ، ونحن نبحث عن لوحة مزتانة بألوان زيت الزيتون ، وقصيدة كتبت بحبر الأرض .
فماذا سنسجل اليوم يا فارسنا المرتحل ونحن نعيش في ضوضاء الغربان ؟
سرقوا منا كل شيء ، حتى أنت سرقك الفراق منا ، كما سرق سيمفونية الحب لشهرزاد التي احتضنتها في قصائدك وعشقتها في ثورتك ، وصاحبتها في سفرك وترحالك ، وغربتك وفراقك .
سجل
برأس الصفحة الأولى
أنا لا اكره الناس، ولا اسطو على احد
ولكني... اذا ما جعت، آكل لحم مغتصبي
حذار... حذار... من جوعي ومن غضبي
آه أيها الوجع الذي اغتصبتنا مئات المرات ، فاليوم اغتصبتنا باشد قسوة ، فكيف سنآكل اللحم ونشبع الجوع ونخفف الغضب ، ونحن أُغتصبنا من فراقك ؟ لم تترك لنا في الدار سوي وجعاً يجثم على وجعنا ، وغضباً يتمرد على غضبنا ، وصخور تتآوه ألماً عليك .
أفتقدناك أيها المحمود درويش ... افتقدناك ونحن ننبش في قصائدك عن وطن كبير يتسع للوجودية التي بحثت عنها دوماً ولا زلت تبحث حتى توقف قلبك دون عناء في هيوستن ، وأنت تسجل لنا ثورة ووطن وقضية ....
افتقدناك ..........
محمود درويش شاعر الوطن والقضية والمقاومة ، ريشة لم تسقط أبداً بل صنعت ثورة تحديثية في الشعر العربي الحديث مزج به الحب بالوطن ، والثورة بالإنسان ، والقضية بالأدب ، ثورة أنبتت لنا الآه مع الفرح كما كان غسان في أم سعد وعائد غلي حيفا ......
إنه اليوم والميعاد الذي أعدتنا به لسنوات نستذكر غسان ونفتقد محمود درويش الإنسان ابن الجليل الأعلي ذو السبعة والستون عام الذي هاجر مع أسرته إلى لبنان بعد تدمير قريته سنة 1948م ولكنه عاد ليعيش هموم الأرض ويتذوق القهر ويحتضن زنزانة العدو ويشارك القيد قصة بقاء ووجود ، ويغادر مرة أخري ليبدأ رحلة العودة لأم حنون ....
فقيدنا ..... وشاعر ثورتنا محمود درويش :
استطاع أن يسجل لنا حقبة تاريخية من الصراع الأدبي و بمعركة الوجود واللاوجود التي خاضها شعراً وأدباً مع الاحتلال ، ليمتص كل ما هو جديد في التجريب الشعري الحديث ويسخره في المسار السياسي النضالي ليبلور لنا تجربة فريدة متميزة عن جل الشعراء الذين عاصروه من شعراء النضال والكفاح والمقاومة ، ويبقي محمود درويش خلاصة فريدة لحدثاً ثقافياً فريداً مع كل ديوان أو قصيدة يطلقها .
هضم التاريخ والفلسفة والأديان والأساطير ، وحرر الشعر الفلسطيني من وطأ الأيديولوجيا وبراثن التقزيم ، ليجعل منه ثورة ووطن تتسع للجميع ، نعيش بها وتعيش فينا ، ونسافر معها مع أبجديات ثائرة بريشة شاعر ثائر .
فارسنا ... وفقيدنا محمود درويش :
الفارس الذي ترجل اليوم التاسع من آب وهو على فراش المرض ليغادرنا ويترك الحزن لنا ، والذكري فينا ، وقلوب مفجوعة مكلومه لم يعد لها زاد يشبع جوعها ، أو ماء يطفئ عطشها
إنه فارسنا الذي استجمعت كل قواي لكي أرثيه فلم أستطع أن أقف لحظة أمام جسده المسجي .. فذرفت الدموع وتاهت الكلمات ، وتلعثم اللسان ، وتمرد القلم .... ونزف القلب ... وارتحلت مع أحزاني لأستقر في قاموس الذكري ونبدأ من جديد بالبحث عن محمود درويش
الرحمة للشاعر الأديب المناضل محمود درويش ، والعزاء للأم المكلومه فلسطين
 
إنا لله و إنا إليه راجعون
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
تغمده الله برحمته و جعل له في الجنة

مقاما و غفر له ..

وبالفعل كان شاعراً عملاقاً من عمالقة المبدعين
رحمك الله يا درويـــش ..
 
إنااااااااااااااااا لله وإنا إليه راااااااااااااااااااجعون
الله يرحمه ويرحم جميع أمة محمد
بنت التحدي
 
اللهم اغفر له وارحمه .. وعافه واعف عنه .. وأكرم نٌزلـه ... ووسع مٌدخله ..

واغسلـه بالماء والثلج والبَرَد .. ونقـه من الخطايا كما نقيـت الثوب الأبيـض من الدنـس
 
هل مات محمود؟..// للشاعر: عمر حكمت الخولي
عظم الله أجرنا جميعاً في رحيل الفقيد الثائر محمود درويش

قصيدة: هل مات محمود؟
للشاعر: عمر حكمت الخولي

شعر : عمر حكمت الخولي​
1218358465.jpg

هَلْ مَاتَ مَحْمُوْدٌ؟ فَذِي الأَرْوَاحُ
وَقَضِيَّةٌ حُبْلَى هُنَا سَتُبَاحُ

(رِيْتَّا) تُصَلِّي، وَالخَدِيْجَةُ أَغْلَقَتْ
أَبْوَابَ مَنْزِلِهَا، فَلا تَرْتَاحُ

وَدَمٌ لأَحْمَدَ قَدْ بَكَى، وَضَفَائِرٌ
تَشْكُو زَمَانَاً بِالغَرَامِ يُزَاحُ

وَالعَازِفُ المُتَجَوِّلُ الأَسْمَى غَدَا
غِيْتَارُهُ يَبْكِي، وَصَاحَ سِلاحُ

الشِّعْرُ في هَذَا المَسَاءِ كَقَهْوَةٍ
وَالكُلُّ في فِنْجَانِهِ نَوَّاحُ

سَرْحَانُ في الكَافْتِيْرِيَا، أُمِّي، أَنَا
يَافَا، وَحَيْفَا وَالهَوَى المَدَّاحُ!

قَدْ مَاتَ مَحْمُوْدٌ، فَيَا شِعْرُ اشْتَكِ
إِنَّ القَصَائِدَ لِلمَنُوْنِ وِشَاحُ

* * *

كَمْ حَنَّ لِلأُمِّ الَّتِي ابْتَعَدَتْ! وَكَمْ
غَنَّى لِمَنْ خَبَزُوا الهُيَامَ وَرَاحُوا!

وَكَمِ اشْتَكَى مِنْ عَالَمٍ حُلْوٍ غَدَا
وَطَنَ السَّوَادِ، فَنَاحَتِ الأَشْبَاحُ!

يَا أَلْفَ أُغْنِيَةٍ، وَأَلْفَ مُقَاوِمٍ
هَلْ يَخْتَفِي مِنْ بَعْدِكَ التُّفَاحُ؟

هَلْ يَخْتَفِي اللَّيْمُوْنُ وَالطَّرْخُوْنُ؟ هَلْ
يَا سَيِّدِي تَنْسَى النِّضَالَ جِرَاحُ؟

مَرِضَ الفُؤَادُ فَفِيْهِ أَلْفُ مَدِيْنَةٍ
تَعْرَى لَهُ، وَمَدِيْنَةٌ تَجْتَاحُ!

فِيْهِ الهَوَى، وَقَبَائِلٌ عَرَبِيَّةٌ
فِيْهِ الرَّسُوْلُ، زِيَادُ، وَالسَّفَّاحُ

فِيْهِ الطَّرِيْقُ لِعَوْدَةٍ تُقْنَا لَهَا
وَقَصَائِدٌ أَلْفٌ، هَوَىً، وَصَلاحُ

أَرْضَاً فِلَسْطِيْنِيَّةً أَمْسَى، وَلَنْ
يَنْسَى العُرُوْبَةَ عِنْدَمَا يَرْتَاحُ

فَعَلامَ نَبْكِي وَالدَّرَاوِيْشُ اهْتَدَتْ
في سِجْنِ صُهْيُوْنٍ، وَزِيْدَ سَمَاحُ؟

وَلِمَ العَزَاءُ عَلَى شَهِيْدٍ زُعْزِعَتْ
في حَرْبِهِ العَبَرَاتُ وَالأَتْرَاحُ؟

هَلْ مَاتَ مَحْمُوْدٌ؟ مُحَالٌ، فَالرُّبَا
فِيْهَا الخُلُوْدُ لِثَائِرٍ، وَصَبَاحُ!
 
عن المنفى" // آخر نص كتبه الشاعــر محمود درويش
كتب محمود درويش هذا النص في نيسان "إبريل" عام 2008 ونشرته "المجلة الثقافية" التي تصدر عن الجامعة الأردنية.

نشر بصحيفة "الحياة" اللندنية 11 أغسطس 2008


عن : شبكة الإعلام العربية​
1218491738.jpg


للمنفى أسماء كثيرة ووجهان، داخليّ وخارجيّ. المنفى الداخلي هو غُرْبَة المرء عن مجتمعه وثقافته، وتأمُلّ عميق في الذات، بسبب اختلاف منظوره عن العالم وعن معنى وجوده عن منظور الآخرين، لذلك يشعر بأنه مختلف وغريب، وهنا، لا تكون للمنفى حدود مكانية. إنّه مقيم في الذات المحرومة من حريتها الشخصية في التفكير والتعبير، بسبب إكراه السّلطة السياسية أو سلطة التقاليد. يحدث هذا في المكان المضادّ، تعريفاً للمنفى. يحدث هذا داخل الوطن.

المنفى الخارجيّ هو انفصال المرء عن فضاء مرجعي، عن مكانه الأول وعن جغرافيته العاطفية. إنه انقطاع حادّ في السيرة، وشرخٌ عميق في الإيقاع، هنا، يحمل المنفيّ كُلَّ عناصر تكوينه: الطفولة، والمشاهد الطبيعية، الذاكرة، الذكريات، مرجعيات اللغة، دفاعاً عن خصوصيته وهُويّته، ويأخذ التعبيرُ عن حنينه إلى الوطن شكل الصلاة للمُقدّس. هنا يُطوّر المنفيّ اختلافه عن الآخرين لأنه يخشى الاندماج والنسيان. ويعيش على الهامشِ الواسع بين «هنا» و «هناك» يرى أن أرضه البعيدة هي الصلبة، وأنّ أرض الآخرين غريبة ورخوة.

المنفيّ هو اللامُنتَمي بامتياز. لا ينتمي إلى أي مكان خارج ذاكرته الأولى. تصبح الذاكرة بلاداً وهُوية، وتتحوّل محتوياتُ الذاكرة إلى معبودات. وهكذا يضخّم المنفيُّ جماليات بلاده ويُضفي عليها صفات الفردوس المفقود. وحيث ينظر إلى التاريخ بغضب لا يتساءل: هل أنا ابنُ التاريخ، أم ضحيّته فقط؟

يحدث ذلك عندما يكون المنفى إجباريّاً، بسبب الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الاضطهاد السياسي أو الاحتلال أو التطهير العرقي.

وهناك منفى اختياريّ، حيث يبحث المنفيُّ عن شروط حياة أخرى.. عن أفق جديد. أو عن حالة من العزلة والتأمل في الأعالي والأقاصي، واختبار قدرة الذات على المغامرة والخروج من ذاتها إلى المجهول، والانخراط في التجربة الإنسانية، باعتبار الوجود الإنساني كلّه شكلاً من أشكال المنفى، منذ أن عوقبنا نحن أحفاد حواء وآدم بالتاريخ!

وهناك أدباء اختاروا المنفى لتكون المسافة بينهم وبين ماضيهم مرآةً لرؤية أوضح لأنفسهم وأمكنتهم. وهناك أُدباء، اختاروا المنفى اللغويّ بحثاً عن حضور أكبر في ثقافات اللغات الأكثر انتشاراً.. أو للانتقام من السيّد بلغته السائدة.

وهناك أدباء لم يجدوا مكاناً أفضل من المنفى للدمج بين غربتهم الذاتية وغربة الإنسان المعاصر، فاخترعوا المنفى للتعبير عن الضياع البشري. وأقنعونا أيضاً بأن أدب المنفى عابر للحدود الثقافية، وقادر على صهر التجربة الإنسانية في بوتقة واحدة تعبيراً عن تفاعل الثقافات. ودفعونا الى التساؤل من جديد عن مفهوم «الأدب الوطني» وعن مفهوم «الأدب العالمي» في آن واحد. هؤلاء الأدباء ألغوا الحدود، وانتصروا على خطر المنفى، وأثروا هُويتهم الثقافية بتعدُّديّة المكونات.

لكن، إذا كان الحظّ قد حالف مواهب هؤلاء الأدباء، ووفر لهم طريقة لتطوير التجارب الأدبية الإنسانية، فإن الأمر لا ينطبق على جميع المنفيّين، فليسوا كلّهم كتاباً.

لذلك، ليس من حقّ الكاتب أن ينسى البؤس والآلام والكوارث التي يعيش فيها الملايين من اللاجئين والمنفيّين والمُهجّرين والمشرّدين، المحرومين من حق العودة إلى بلادهم من ناحية، والمحرومين من حقوق المواطنة في البلدان التي يُقيمون فيها، من ناحية أخرى. إنهم بَشَرٌ عائمون مُهمّشون، مُقْتَلعون... لا يستطيعون النظر إلى أمام، لأنّ المستقبل يُخيفهم. ولا يستطيعون العودة إلى وراء لأن الماضي يبتعد. إنهم يدورون حول حاضرهم دون أن يجدوه، في ضواحي البؤس الخالية من الرحمة والأمل.

وفي حالتنا الفلسطينية، تعرّضت أكثرية الشعب الفلسطيني إلى جريمة الاقتلاع والتهجير والنفي منذ ستين عاماً. ما زال الملايين من اللاجئين يعيشون في مخيمات المنافي والدياسبورا، محرومين من شروط الحياة الأولية ومن الحقوق المدنية، ومحرومين من حق العودة. وعندما تُدمّرُ مخيماتهم، وهذا ما يحدث في كل حرب صغيرة أو كبيرة، يبحثون عن مُخَيّم مُؤقت في انتظار العودة لا إلى الوطن.. بل إلى مُخيّم سابقٍ أو لاحق.

ومن المفارقات المأسوية، أن الكثيرين من الفلسطينيين الذين يعيشون في بلادهم الأصلية، ما زالوا يعيشون في مخيمات لاجئين، لأنهم صاروا لاجئين في بلادهم بعدما هُدّمت قراهم وصودرت أراضيهم، وأقيمت عليها مستوطنات إسرائيلية. إنهم مرشحون لأن يكونوا هنوداً حمراً من طراز جديد. يُطلّون على حياتهم التي يحياها الآخرون، على ماضيهم الجالس أمامهم دون أن يتمكنوا من زيارته لذرف بعض الدموع أو لتبادل الغناء الحزين. هنا، يصبح المنفى في الوطن أقسى وأشدّ سادية.

الاحتلال منفى. يبدأ منفى الفلسطيني منذ الصباح الباكر: منذ أن يفتح النافذة حواجز عسكرية. جنود. ومستوطنات.

والحدود منفى. فلم تعرف أرض صغيرة أخرى مثل هذا العدد الهائل من الحدود بين الفرد ومحيطه. حدود ثابتة وحدود متنقلة بين خطوتين. حدود حمولة على شاحنات أو على سيارات جيب. حدود بين القرية والقرية. وأحياناً بين الشارع والشارع. وهي دائماً حدود بين الإنسان وحقه في أن يحيا حياة عادية. حدود تجعل الحياة الطبيعية مُعجزةً يومية. والجدار منفى. جدار لا يفصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين.. بل يفصل الفلسطينيين عن الفلسطينيين وعن أرضهم. جدار لا يفصل بين التاريخ والخرافة.. بل يوحّدهما بامتياز.

غياب الحرية منفى، وغياب السلام منفى. ليس المنفى دائماً طريقاً أو سفراً. إنّه انسدادُ الأفق بالضباب الكثيف. فلا شيء يُبشّرنا بأن الأمل ليس داءً لن نشفى منه. نحن نُولَدُ في منفى، ويولد فينا المنفى. ولا يُعَزّينا أن يُقال إن أرض البشر كُلّها منفى، لكي نضع منفانا في مَقُولةٍ أدبية.

منذ طفولتي عشتُ تجربة المنفى في الوطن، وعشت تجربة المنفى الخارجي. وصرت لاجئاً في بلادي وخارجها. وعشت تجربة السجن. السجن أيضاً منفى. في المنفى الداخلي حاولتُ أن أحرّر نفسي بالكلمات. وفي المنفى الخارجي حاولتُ أن أحقّق عودتي بالكلمات. صارت الكلمات طريقاً وجسراً، وربما مكان إقامة. وحين عُدْتُ، مجازاً، كان المنفى الخارجي يختلط مع المنفى الداخلي، لا لأنه صار جزءاً من تكويني الشعري، بل لأنه كان كذلك واقعيّاً.

لم تكن المسافة بين المنفى الداخليّ والخارجيّ مرْئيّة تماماً. في المنفى الخارجي أدركت كم أنا قريب من البعيد.. كم أن "هنا" هي "هناك"، وكم أن "هناك" هي "هنا".

لم يعد أيُّ شيء عامّاً من فرط ما يمسُّ الشخصي. ولم أعرف أيّنا هو المهاجر: نحن أم الوطن. لأن الوطن فينا، بتفاصيل مشهده الطبيعي، تتطوّر صورته بمفهوم نقيضه المنفى. من هنا، سَيُفَسّر كل شيء بضدّه. وستحلّ القصيدةُ محلّ الواقع. ستحاول أن تلملم شظايا المكان. وستمنحني اللغة القدرة على إعادة تشكيل عالمي وعلى محاولة ترويض المنفى. وهكذا، كلما طال منفى الشاعر توطدت إقامته في اللغة، وصارت وطنه المجازيّ... صارت وسيلته وجوهره معاً، وصارت بيته الذي يدافع عنه به.

الابتعاد عن الوطن، بوصفه منبَع الإلهام وطفولة اللغة، قد يُدمّر الشاعر. فهذا الابتعاد هو امتحان عسير للقدرة على اختراع ألفَةٍ مع مكان جديد، واختراع صداقة مع حياة لسنا مُؤهّلين لها، والمشي على شوارع لا نعرفها، والتكيّف مع مناخ مختلف، والسُّكنى في حيّ لا تربطنا فيها علاقة ببائع الخبز والصيدلية والمطعم ومغسلة الثياب. وباختصار، هو تدريب الذات على أن تولد من نفسها بلا مساعدة، وأن تستعدّ لمواجهة الموت وحدها. ولكن، إذا لم يُدمّرْكَ المنفى ستصبح أقوى، لأنك استخدمت طاقاتك القصوى وحريتك الداخلية لا لتأتلف أو لتجد مساواةً ما، بل لتصالح نفسك، ولتتفوّق عليها وعلى الخسارة. وعندها، قد يسألك أحدٌ ما: لولا المنفى، هل كُنْتُ سأستمع إليك؟ لن تعرفَ كيف تُجيب. وقد تقول: لولا تلك الأرض التي وُلِدْتُ عليها ومنها، هل كنتُ ما أنا عليه اليوم؟ هل كُنْتَ ستسألُني؟

للمنفى أسماء كثيرة، ومصائرُ مُدمّرة قد لا ينجو منها إلا بعض الأفراد الذين لا يُشكّلون القاعدة. أما أنا، فقد احتلّني الوطن في المنفى. واحتلّني المنفى في الوطن.. ولم يعودا واضحين في ضباب المعنى. لكني أعرف أني لن أكون فرداً حراً إلا إذا تحرَّرَت بلادي. وعندما تتحرَّر بلادي، لن أخجل من تقديم بعض كلمات الشكر للمنفى.

** منشور بصحيفة "الحياة" اللندنية 11 أغسطس 2008
 
لا كلمات لا حروف تفيه حقـّه
ذاكَ القلم الشامخ،المتمرد
سـَ يحيا في القلوبِ أبدا و لن يرحـل
سـَ تبقـى فلسطين مرفوعةَ الهامـة
لأنها أنجبتـه

يا ثائرا في وجهِ العدوان
يا حاملَ روحَ القضيـة
لكَ جنة َ السماء

رحمهُ الله رحمةً واسعة أحسنَ الله عزاءنا وعزاءَك
\

اميرة الاحساس
 
حقا فلن ترحل

حقا فلن ترحل

كيف ترحل وانت ف القلب محفور
كيف ترحل وانت ف الدم تجري وف النبض تسري
انت لن ترحل عن دنيانا فالروح والكلمات باقيه
قد حفرها التاريخ
وهما انطوت القراطيس فانت انت يا درويش
ولكن لانستطيع الا ان نقول (انا لله وانا اليه راجعون)ونسأل الله لك واسع الجنات والرحمات
ولكن لا عزاءف الشهداء
 
درويش

درويش

إنا لله و إنا إليه راجعون
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
تغمده الله برحمته و جعل له في الجنة
مقاما و غفر له ..

وبالفعل كان شاعراً عملاقاً من عمالقة المبدعين
رحمك الله يا درويـــش ..
إلتفاتة طيب منك يا أسيييييييييييير.
 

عودة
أعلى