في عيونهم أأأأأأألـــم…(1)

منتهى التحدي

Well-known member
إنها التاسعة صباحاً.. وقفت سعاد أمام بوابة المستشفى ودموع الأسى والحزن ترافق خطواتها.. نامت ليلتها البارحة وهي تتقلب على جمر من نار.. أغمضت جفنيها على صورة شبح المرض والهزال.. كان قلبها يرتجف كورقة شجر هزيلة زارها الخريف لينذرها باقتراب السقوط والإنتهاء.. لم تتخيل تلك الفتاة التي لم تكمل عامها الرابع والعشرين أنها ستقع فريسة لمرض خبيث يأكل جسدها وينهشها نهشا.. كل من حولها أخبروها بأنها مصابة بذلك المرض المخيف الذي ما أن يصيب جسد الانسان حتى يعيث به الفساد والدمار.. أفكارٌ وهواجس كثيرة تلاحقها.. لم يكن وضع عائلتها المادي يحتمل استيعاب فكرة مرض ابنتهم.. فهذا المرض يحتاج لأموال ومصاريف كثيرة فكيف يمكن لوالديها تأمين كل ذلك؟.. سترفض العلاج.. أجل هذا ما قررته.. لن تخضع لأي علاج.. ستجعل جسدها يموت بهدوء دون أن يتعرض لخطر الإشعاعات والمواد الكيماوية.. سيزداد وجعها وألمها وعذابها.. ولكن ذلك أفضل بكثير من أن تجعل والديها يجمعان لها الأموال ويتحملان وطأة الدين وذله لأجل أن تعيش عاماً أو عامين ثم تموت بعد ذلك.
كم كرهت نفسها.. وكرهت ذلك المرض الذي ستتأكد من نتيجته اليوم.. لماذا يحدث لها ذلك؟؟.. لقد جاهد والداها لجعلها تكمل تعليمها الجامعي وكان حلمهما يتلخص بتأمين مستقبل باهر لها.. فهل جزاؤهما بعد كل تلك الأعوام الدراسية هذا المرض اللعين؟!.. هل ستكون مكافأتها لهما الكثير من الديون والضغوط النفسية والمادية.. عدا عن خوفهما الشديد وقلقهما عليها.
كانت خطواتها تتراجع كلما اقتربت من غرفة الطبيب الذي طالبها بإجراء عدد من الفحوصات والصور الإشعاعية.. تأخر الطبيب عن موعده فجلست منتظرة إعلان حكم الإعدام عليها بهذا المرض اللعين.
عادت الدموع لتنهمر من عينيها.. وأخذت تبكي وتنتحب بصوت خفيض.. وتسأل الله أن يرحمها ويجعلها تموت بهدوء دون أن تعيش الألم ومرارة العذاب .. مرت الدقائق ببطء شديد.. بينما عادت بها الذكريات إلى أجمل وأسعد أيام حياتها.. تذكرت اللحظات الجميلة التي قضتها مع عائلتها وأصدقائها ومعارفها.. لم تتخيل أن المرض سيسرق منها كل بهجة وكل ضحكة كانت تزيدها شباباً وحياة.. بعد ذلك أخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها وأخذت تنظر إلى وجهها الجميل وعينيها اللوزيتين.. هل سيذبل ويفنى كل هذا الجمال!!.. أمسكت بشعر رأسها وازداد بكاؤها على هذا الشلال الأسود المنسدل على كتفيها.. لم تحتمل فكرة تساقط شعرها ورموشها سريعاً نتيجة العلاجات الكيماوية والإشعاعية.. ازداد إصرارها أكثر على رفض الخضوع لأي علاج مهما افترسها الألم.. لن تسمح لأي علاج أن يحولها إلى مومياء شاحبة هزيلة ذابلة لا روح فيها ولا حياة.. بكت كثيراً حتى سمع كل من جلس حولها صوت بكائها.. وأخيراً جاء الطبيب.. فنادت الممرضة على اسمها وطالبتها بالذهاب إليه.
نظر إليها الطبيب وسألها عن حالها.. فانهارت أمامه وارتفع صوت بكائها ونشيجها.. ثم قالت: أنا أعرف أيها الطبيب.. أعرف أني مريضة بهذا الداء الخبيث.. وسوف أموت قريباً.. أرجوك لا تحاول أن تُخفي عني الأمر.. أنا مستعدة لتلقي هذه المأساة.. لا أملك سوى الخضوع والاعتراف بهذه الحقيقة التي لا مفر لي منها.. إنها إرداة الله ويجب أن أرضى بذلك..
حاول الطبيب تهدئتها وطلب منها الجلوس والتوقف عن البكاء.. ثم أخذ منها الأوراق ونتائج الفحوصات وبدأ يقرأ بهدوء والابتسامة تعلو شفتيه.
نظرت إليه بحزن شديد وقالت معاتبة: لمَ هذه الابتسامة.. أنني أموت أمامك وأنت تبتسم!.
فقال لها الطبيب معتذراً: ومن قال لك أنكِ تموتين؟!
قالت: الجميع أخبرني بذلك.
قال: ومن هم هؤلاء (الجميع)؟؟..هل هم أطباء!!
قالت: كلا.. إنهن صديقاتي.. لقد قالوا لي إن الورم الذي ظهر في صدري دلالة على إصابتي بالسرطان.

قال لها: ليست كل الأورام تدل على وجود السرطان.. ها هي نتائج فحوصاتك أمامي.. لقد كنت واثقاً من عدم إصابتكِ بالسرطان.. ولكني انتظرت النتائج كي أتيقن أكثر.. وها هي النتائج تؤكد سلامتكِ من هذا المرض.
فقالت غير مصدقة: أنت.. أنت تحاول أن تخفي عني الأمر.. لا تريد أن تزيدني انهياراً وتزداد حالتي سوءا.. أرجوك ألا تخفي عني الحقيقة.. أرجوك.
فقال الطبيب موضحاً: الورم الذي أصابكِ يسمى الورم الغدي الليفي وهو ورم حميد يصيب الثدي ونستطيع إزالته عن طريق الجراحة.. فلا تقلقي لأن الأمر ليس بالبشاعة التي تتخيلين.
نظرت إلى الطبيب بذهول.. ولم تصدق ما قاله.. فقالت مستفهمة: لم أفهم شيئاً مما قلته.. أرجوك أن تشرح لي أكثر.
فأخذ الطبيب يحدثها عن هذا المرض وأسباب حدوثه وكيفية معالجته وطمأنها بأن ما تعرضت له لا علاقة له بالسرطان والأورام الخبيثة.
وأخيراً عادت الروح إليها.. وعاد وهج الحياة في عينيها.. انهمرت دموعها مجدداً ولكنها كانت دموع عذبة تحمل الفرح والإحساس بالراحة.. لقد مر عليها أسبوعان وهي تصارع القلق والخوف والفزع من ذلك المرض الخبيث.. منذ أن تنبهت لوجود الورم وهي تخشى الذهاب إلى الطبيب.. كانت تتهرب من مواجهة الحقيقة.. لقد عاشت أياماً صعبة ومؤلمة وحزينة.. ولكن الآن.. وبفضل الله ورحمته.. أعلن الطبيب براءتها من هذا الداء الخبيث.. وأكد لها بأن ذلك الورم ليس سرطاناً.. حمدت الله كثيراً وشكرت الطبيب ومن ثم حددت معه موعداً لتحديد موعد الجراحة.. بعد ذلك خرجت من غرفة الطبيب وعيناها تشرقان بالفرحة والأمل.. كل من كان يجلس في غرفة الانتظار شاركها الابتسامة.. وهو يدعو الله أن يخرجه من غرفة الطبيب وهو يحمل ذات الإشراقة التي ارتسمت على محياها.
 
التعديل الأخير:
رد: في عيونهم أأأأأأألـــم…(1)

أعاذنا الله واياكم من كل شر
يعطيك العافية عزيزتي ع النقل الطيب ..وفقك الله وحقق أمنياتك
 
رد: في عيونهم أأأأأأألـــم…(1)

رسمتِ لنا بقلمك صورة الفرح بولادة ثانيةٍ لتلك الفتاة التي عاشت لحظات الجحيم .
كم كنتِ موفقة بألوان ريشتكِ فأخرجتِ لنا لوحةً , جعلتِنا نبتسم بفرحٍ مع بطلتكِ .
كم أحسنتِ استخدام الوان قوس قزح في هذه القصة .
تابعي الرسم وألحان الحكايات ..
01c399c92eddbab237e4a03393d05ebd.jpg
 
رد: في عيونهم أأأأأأألـــم…(1)

رسمتِ لنا بقلمك صورة الفرح بولادة ثانيةٍ لتلك الفتاة التي عاشت لحظات الجحيم .
كم كنتِ موفقة بألوان ريشتكِ فأخرجتِ لنا لوحةً , جعلتِنا نبتسم بفرحٍ مع بطلتكِ .
كم أحسنتِ استخدام الوان قوس قزح في هذه القصة .
تابعي الرسم وألحان الحكايات ..
01c399c92eddbab237e4a03393d05ebd.jpg
و الأجمل منها نفض غبار منتشر بربوع هذه الحكايات ، أخي شكرا جزيلا لمد قوة أخرى لهذا القسم و لمرورك مر الكرام بلطف الكلام و رنة التدقيقات حول القصة و إبراز مكامن جمالها ، لك كل التحايا الخالصة ولا تحرمنا من فن كلماتك
 
رد: في عيونهم أأأأأأألـــم…(1)

جعلتني اعيش تلك القصة بكل لحظه
حفظنا الله و اياكم من هالمرض الفتاك
اختيار موفق غاليتي
بارك الله فيك
 
رد: في عيونهم أأأأأأألـــم…(1)

قصة رائعة تحمل بين طياتها الأمل بالله دائماً
ما اجملها من حكاية أعادت الأمل والحياة لذلك الفتاة التي كانت تحمل نبضات من اليأس والحزن
يسلمووووووووو على الاختيار القيم
احترامي
 

عودة
أعلى