التصفح للزوار محدود

حكايات اطفال المحار .. التوحد ولغة الجسد

لطيف الحبيب

Well-known member
حكايات اطفال المحار 2
التوحد ولغة الجسد ..

. الكاتب التوحدي ديتمار تسوللر يروي معاناته
نشر في الشرق الاوسط


برلين / لطيف حبيب
27.2.2021
الاضطرابات التوحدية لم تتضح معالمها بعد رغم جهد الدراسات التي يبذلها عدد كبير من العلماء والباحثين لسبر غور هذه الظاهرة التي تكاد تكون كونية آخذة بالانتشار كوباء، وحتى الاجتهادات والتكهنات التي بدأت منذ 1911 على يد العالم (بلوليرايغون) لتشخيص هذه الاضطرابات الغريبة، كانت قاصرة على تحديد الملامح والأعراض التوحدية. في الأربعينات على يد العالم الأميركي كانر وبعده العالم النمساوي اشبيرغر شخصت أولى أعراض وملامح هذه الاضطرابات عبر سلسلة من البحوث الميدانية والاستبيانات العائلية.

فالتوحد هو اضطراب جذري في الفهم والإدراك والعلاقات الاجتماعية والتواصل اللغوي. بعد اكتشاف طريقة التواصل الميسر في أواخر السبعينات واستخدامها بنجاح في التخاطب مع التوحدي، إضافة الى وسائل التواصل الأخرى لغوية أو غير لغوية، تيسّرت له الكتابة التي عبرها تم فتح ثغرة في قوقعة التوحدي العملاقة، وتمكنا أخيرا من التمعن في دواخل التوحدي ومعرفة بعض أشكال سلوكه وتصرفه، انكب العلماء والباحثون على دراسة كل صفحة يكتبها التوحدي. ففي السنوات الأخيرة، صدر عدد لا بأس به من أدبيات التوحد، يكتبها التوحدي عن ذاته في السيرة والذكريات والقص والشعر. وضحت مشاعرهم وأحاسيسهم واضطراباتهم. كيف تبدأ وكيف تنتهي.
عبروا عن علاقاتهم الاجتماعية وأسباب ودوافع قصورها. أصبحت هذه الكتب مصادر ومراجع مهمة جدا ومعينا لا ينضب، ادى الى تطور طرق وأساليب العمل التربوي لتوجيه التوحدي في مدارس إعادة تأهيل المعوقين، والكشف عن مواد تربوية جديدة تستخدم في الدروس، وطرق علاج طبيعية متعددة.أهم ما صدر من هذه الكتب كتاب بعنوان رئيسي «التوحد ولغة الجسد»، وعنوان ثانوي هو اضطرابات توظيف الإشارة بين الرأس والجسد.
والكتاب للتوحدي ديتمار تسوللر، الذي يصف ويحلل، في إطار علمي دقيق، العطب الذي يعانيه في بعض وظائف ومهارات جسده المتخصصة. ويستعرض دقائق التفاصيل المسببة لفشل وعطب الوظائف الجسدية، التي لا يمكن أن تحدث عند الأطفال غير التوحديين . يعتبرالكتاب من الطروحات المهمة لفهم عملية توجيه وقيادة الجسد وتعبيراته ، وقائع سربت إلينا من جسد أنهكه الاضطراب التوحدي.
كتاب تسوللر، نداء الى كل توحدي يرشده الى المساعدة الهائلة التي تقدمها طريقة التواصل الميسر الخطابية، التي تحد من الاضطراب في الادراك، وتعيد بعض قدرة وكفاءة أعضاء الجسد، وتمكنها من التحكم بالإشارة الى الحروف والصور، لإنجاز بعض الأفعال الاعتيادية التي هي عصية على التوحدي، مثل الأكل والشرب وتنظيم بعض حاجياته. أوضح تسوللر طبيعة الصراع بين الرأس والجسد، بين الأمر والتنفيذ عند التوحدي.
يتحدث من تجارب عالمه الداخلي عن عطب أجزاء من جسده الكامن فعلها، والمضطربة وظائفها. كيف يسمع؟ ومشكلة الإصغاء. كيف يكتب، كيف يتعلم النظر؟ ويحل إشكالات الإدراك البصري. وتحدث ايضا، عن اضطراب علاقاته الاجتماعية وتأثير الأجواء المحيطة.
يقول تسوللر:«عندما يرغب المرء بكتابة حرف (أ) يقوم دماغه بإعداد صورة الحرف في ثناياه، ويوعز لليد بخط الحرف على الورق أو في مكان آخر. لكن يدي تلجم عن تنفيذ رغبتي، وترفض تنفيذ أوامر الدماغ الصادرة، ويقوم جسمي بحركات لا تمت بصلة لرغبتي في كتابة الحرف. إني اشك فيما اسمع وأرى وأشم. أقول في بعض الأحيان، ان من غير الطبيعي أن أعيش في هذا الخراب الذي يتفاقم يوما بعد يوم. سلوكي التوحدي نتيجة عطب ولادي في الدماغ أعاق نموه الطبيعي منذ الطفولة. اضطرابات الوعي والإدراك في جميع الحواس، أعاقت تطوري وأحالت حياتي الى صراع يومي حاد بين رأسي وجسدي». ديتمار تسوللر، مصاب باضطرابات التوحد، اضطراب الادراك وما يعقبه من فعل ليس له القدرة على توجيهه.
كتب التوحدي ديتمار تسوللر قصة «حديقة أمي»، أوجز فيها الصراع الحاد بين رأس وجسد التوحدي. يقول: - (انشغلت أمي بتعليق الغسيل في حديقة منزلنا. فجأة اصطفق الباب مخلفا أمي في الحديقة. دون جدوى حاولت الدخول. كنت مضطجعا على فراشي في الطابق الثاني، مسترخيا في داخلي وأحلم بي.
بدأ صوت نداء يتضح شيئا فشيئا، يصرخ باسمي: «ديتمار، انزل وافتح الباب، نسيت المفتاح في الداخل». تردد الصوت عدة مرات. بدأ يضعف يخفت ويتلاشى، ثم يتكرر بأشكال مختلفة. سمعت همس أمي وتوسلها اليائس. رد فعل عاطفي في داخلي «أمي المسكينة» اعتقدت هكذا، لم أقم بفعل أي شيء. مرت فترة قبل أن أستطيع النهوض لهبوط السلم. في باحة الدار نسيت كل شيء. نسيت ماذا كان علي فعله.
قادتني قدماي إلى غرفة السكن، إلى مكاني المحبب، جلست هناك . فجأة اشتد طرق عنيف على زجاج النافذة، أيقظني من حلم ,أبعدني عن منزلنا. تطلعت إلى النافذة، رأيت وجه أمي المحتقن حزنا. لاحظت حركة شفتيها، وصر في أذني صوت غريب، ميزت اسمي «ديتمار أرجوك مرة أخرى، افتح الباب!»، تضرّعت إلي بهدوء حزين «إني اعرف تماما انك قادر على فتح الباب»، لم افعل شيئا. كنت مشغولا في ترتيب ملامح وجهها، وفرز مقاطع صوتها. إعادة تركيب صورة أمي تطلب مني وقتا طويلا. أكملت استيعاب الحدث، وعدت إلى واجبي الأول.
انطلقت نحو الباب وفتحته. كانت أمي غاضبة جدا. لم أفهم سبب غضبها. حدقت طويلا في داخلي لفهم هذا الغضب. ماذا حدث؟ وماذا جرى لأمي؟ أجهدني كثيرا فهم عواطفها. تتصاعد أنفاسي بسرعة. لم أرد إيلامها وتركها خارج الباب. فهم المشاعر والعواطف، وإيضاحها لنفسي يشل حركة فعلي وتصرفي. انطوي وأنكص إلى داخلي حين ابدأ بالتركيز على شيء ما. أود أن أكمل بعض التفاصيل.
عندما كنت مسترخيا على الكنبة، قبل أن أرى وجه أمي الحزين عبر النافذة، وأسمع الطرق على زجاجها، كنت مستعدا للقيام بفعل فتح الباب. كان هدفي من النزول إلى باحة الدار هو أن افتح الباب. احتاج إلى وقت طويل للابتداء. كنت استطيع إنجاز واجبي الذي هممت به، لكن الطرق على النافذة شغلني، وأصبح من المستحيل تنفيذ مرامي.


 
التعديل الأخير:
رد: حكايات اطفال المحار .. التوحد ولغة الجسد

قصة رائعة ومعبرة للغاية لقد مررت بالموقف نفسه تماما عندما كانت ابنتى في الرابعة والنصف من عمرها واغلقت على باب المطبخ بالمفتاح وعبثا حاولت لمدة ساعة ونصف تقريبا ان احثها على فتح الباب واستخدمت شتى الطرق ولكن عبثا فقد كانت وقتها لا تستطيع تنفيذ الاوامر ولا كانت تفهم اللغة
ولكن هل هذه القصة حقيقية ؟ وما عمر الكاتب وقت حدوثها ؟
شكرا على الموضوع الرائع جزاك الله خيرا
 
رد: حكايات اطفال المحار .. التوحد ولغة الجسد

قبل تشخيص ابني باضطراب التوحد اي في عمر سنتين و نصف اغلق على نفسه باب المطبخ و المفتاح كان داخل الباب اي معه في المطبخ عندما حاول الخروج لم يستطع فتح الباب فبدأ بالصراخ اسرعت اليه و انا اكلمه من وراء الباب و اطلب منه ان يدير المفتاح و لكن لم يفهمني و من شدة الذعر و الخوف و الصراخ لم يستطع ان يسمع كلامي و ينفذه خطوة خطوة و رغم ذلك كان في كل مرة يحاول فتح الباب و لكن لم يستطع و المطبخ كانت له نافذة تطل خاج المنزل فخرجت و كنت انظر اليه يقفز و يصرخ من شدة الخوف فطلبت منه ان ينزع المفتاح من الباب و يعطيني اياه من النافذة فهم المطلوب و نفذ الامر و لكن كان المسكين صغير يقف على اطراف اصابعه لتصل يده الى يدي ليناولني المفتاح و لكن كان في كل مرة يسقط المفتاح من يده و يحمله مرة اخرى و يعيد الكرة و اخيرا طلبت منه ان يرمي بالمفتاح من تحت الباب جهتي ففهم الامر و التقطت المفتاح و فتحت الباب و كان هذا بعد جهد كبير و خوف و بكاء مني و من ابني
 
رد: حكايات اطفال المحار .. التوحد ولغة الجسد

قصة مؤثرة جدا
مساكين أطفالنا
كم تربكهم مشاعر الآخرين
ما يعانون منه لا تحتمله الجبال
كان الله في عونهم

شكرا لك أخي لطيف الحبيب على ما تبذله من أجل مرضى التوحد
 
رد: حكايات اطفال المحار .. التوحد ولغة الجسد

الاخوة والاخوات الاعزة
مساء سعيد
كل الشكر والود لكم لاهتمامكم بالموضع , صدر كتاب ديتمار تسولر عام 2001 من مطبعة فيدلر وكتب قصة حديقة امي عام 1999 وهي واقعة حقيقية وكان حينها فتا يافعا, صدرت ضمن مجموعة رسائل في مدينة شتوتغارت بعنوان " من وجهة نظرهم " , حاولت الاتصال في ذلك الوقت وقت صدور الكتاب في المطابع العربية لترجمة الكتاب من اللغة الالمانية ونشره باللغة العربية ولكني لم احصل على نتيجة , اشكر كل الاخوة والاخوات الذين كتبوا عن ابنائنا التوحدين وهي مبادرة رائعة لتاسيس ارشيف للاطفال التوحدين العرب" اتمنى ان يأخذ فيها المنتدى" , لان محيطهم ومناخاتهم وعاداتهم وتقاليدهم تختلف عن الاطفال الاخرين , وهذا ما تحتاجه الدرسات الميدانية للخروج بمناهج وطريق تعليم تتناسب وبيئة الطفل التوحدي العربي معتمدة على اسس البرامج العلمية وتطورها في مختلف انحاء العالم
لكم طيب التحية
لطيف الحبيب
 
رد: حكايات اطفال المحار .. التوحد ولغة الجسد

بارك الله فيك .. قصة مؤثرة ، غريب ما يحدث في عقول أبنائنا ، أتساءل هل كل طفل منهم يفكر بالطريقة ذاتها
 
رد: حكايات اطفال المحار .. التوحد ولغة الجسد

اشكرك استاذي العزيز على هذه القصه الاكثر من رائعه
اتمنى ان اقراء هذا الكتاب واستفيد من القصص والمعلومات الاخره فيه
 

عودة
أعلى