حقيقه و فلسفه و عقيده حزب البعث الذى حكم العراق بتفصيل..

البوتاني

التميز
فلسفة "حزب البعث العربي الاشتراكي" ومذهبيته:
يقول ليونارد بايندر: "يمثل عرض عفلق للفكرة القومية من منظوره البعثي خليطاً من الفلسفات الغربية الشائعة، فهو يأخذ من هيردرمقولته: "أن لكل أمة رسالة خاصة بها، عليها أن تؤديها، وأن في وسع كل أمة أن تسهم عن طريق هذه الرسالة في تحقيق الانسجام العالمي"، ويضمَّن عفلق عرضه – أيضاً - تأكيد هيجل على التاريخ وعلى الوجود القومي فيه، لكنه يستعيض عن جدل هيجل المنطقي، بمفهوم "الحلقة التاريخية" في الصعود والهبوط. وتظهر في كتابات عفلق– أيضاً - نظرية ماركس في الصراع الطبقي، كما يضمنها تأكيداً كبيراً على الأساس الاقتصادي للسياسة، ولكنه يرفض "الحتمية" التي تبناها ماركس، كما يرفض "التفسير المادي" رفضاً كاملاً. وكانت الاشتراكية التي تبناها عفلق جزءاً من فكرته القومية البعثية. تماماً كما كانت صهيونية بورسوف جزءاً من اشتراكيته، وأخيراً نجد في كتاباته شيئاً من "المذهب الحيوي" الذي نادى به برجسون
ويشرح بايندر كيف قام عفلق بانتقاء وتلفيق مركب مذهبيته من هؤلاء الأربعة: فيقول: "ومن المفيد إلقاء بعض الضوء على نظرية عفلق القومية البعثية ما دام بصياغته هذه يكاد يخلو من المعنى (على حد تعبير الكاتب)، وقد أخذ من هيجل مذهبه بعد تطويره. فالمذهب الجدلي عند هيجل فحواه: أن الحياة العقلية منفصلة تمام الانفصال عن التاريخ الواقعي، ولذلك استعاض عنه بمفهوم "الحلقة التاريخية في الصعود والهبوط" وهذا المفهوم يمثل رؤية عفلق للتاريخ العربي وتمثيله بحلقات يبلغ فيها أوج مجده ثم ما يلبث أن يتردى إلى الحضيض، والمعيار لديه في هذا الارتفاع والانخفاض، هو نقاء العنصر باعتباره المقياس الوحيد، ويلعب تفسيره هذا للتاريخ دوراً أساسياً في نظريته القوميّة البعثّية، ولذلك عارض التفسير المادي للتاريخ.
وبتلك التعبيرات والنظريات الملفقة المزيج عن "القومية العربية البعثية" استطاع عفلق أن يصوغ مذهبية الحزب بعد أن انتقى من تلك الأفكار انتقاءًا بحيث لواها كي تلتئم في نسيج واحد للتعبير عما أراده، فلقد لفق وطرح تصورات وحذف أخرى وحوّر وحرّف فيما حذف وفيما أخذ، نعم إنه فعل، ولكن في مثل هذا المجال، وهو مجال فلسفي هل يحق للفيلسوف أن يعرَّف الشيء أو الحدث كما يريد أو يتصور؟ جواب عفلق: نعم، ولذلك تبنى عفلق هذه الفكرة وهي:"أن الفكر يتصلب فيعند، ومن يعند ينتهي إلى أن يلوي الأشيـاء، وفقـاً لفكرته بدلاً من تنظيم فكره وفقـاً للأشيـاء"ولذلك فإن القائد المؤسس قد لوى عنق الفكر القومي كله ثم الفكر الإسلامي كله ليقدم لمن يغتر بفكره من أنصاف المتعلمين تلك الخلطة العجيبة المتنافرة من الأفكار.
Aflaq%20painting.jpg

حتمية الانتماء إلى البعث:
تتلخص رؤية عفلق في النظرية القومية البعثية أن مرحلة الانحطاط التي عاشها العرب في عصر تأسيس الحزب ولا يزالون يعيشونها في الوقت الراهن جعلت كثيراً منهم لا يفهمون حقيقة أنفسهم ولا حقيقة قوميتهم ولا يدركون في الحقيقة هويتهم، فصاروا غير مدركين أنه ليس أمامهم مجال لاختيار أن يكونوا غير بعثيين، لأن القومية العربية البعثية موجودة فيهم من غير أن يكون للإنسان العربي دخل في تقبّله الإيجابي والاختياري لها لأنها يعني "القومية العربية البعثية" شبيهة باسمه أو صورته، فهي جزء ثابت وفطري في ماهيته نابت فيه حتى قبل مولده، وكما أن من العبث أن يضيع الإنسان حياته في التألم، لأنه لم يولد في أسرة غير أسرته، أو يحمل صورة غير صورته، فإن من العبث أن يحاول تحرير نفسه مما يربطه بأمته أو يشده إليها، ويكرر القائد المؤسس هذا المعنى في أكثر من كتيب من كتاباته

5_b.jpg

رفض عفلق التحليل واعتماد الرؤية:
ومن هذه الرؤية يعتقد أن مسألة القوميّة البعثيّة لا تحتاج إلى تحليل مقوَّماتها أو عناصرها، فهي بديهيّة أوليّة لا تحتاج إلى برهان، فكأنها من البديهيات أو مسلمات ما قبل المنهج، وهو في هذا يأخذ عن برجسون قوله: "إن التحليل إنما هو تفكيك للأشياء إلى عناصر ثابتة، غير أنه تفكيك لن يفضي إلا إلى عالم مجرد أجوف" ويصف عفلق "التحليل" بأنه يعري الأمور من لحمها ودمها، ويقود إلى عدم الدقة، وإظهار المتناقضات بمظهر المتشابهات، وتحويل الحقائق إلى مجرد كلمات فكلاهما هنا عفلق وبرجسون يرفضان الاستقراء والاستنباط ويعتمدان "الرؤية" لأن الرؤية- في نظرهما - تنفذ إلى الأشياء دون وسيط، وما هو أوّلى لا يحتاج إلى برهان، خلافاً لما هو نظري أو كسبي – عند عفلق – أما الأولى فهو نقطة البداية لأي برهان وعندما يرفض عفلق "التحليل" فإنه من الجهة الأخرى يتمسك بـ "الأيديولوجية".
[FONT=Simplified Arabic, Traditional Arabic, Tahoma][FONT=Simplified Arabic, Traditional Arabic, Tahoma]
32_b.jpg
[/FONT]
[/FONT]

الحزب هو الأمة:
يقول عفلق: "الأمة ليست مجموعة عدديّة وإنما هي أيديولوجيّة تتجسدّ في تلك المجموعة أو جزء منها والجزء المقصود من المجموعة هو طلائع الأمة العربية أي "الحزب" الذي يقع على عاتقه عبء تعبئة الأمة وراء الفكرة القومية البعثية وقيادتها في أداء رسالتها الخالدة. وهنا يصبح الحزب هو الأمة، ودور الأمة لا يعدو أن يكون في جعلها تنكبّ على متابعة فكر الحزب صماً وعمياناً في حالة تقليد ومتابعة لا تبالي إذا كانت تلك المتابعة تحدث للأمة قناعة بذلك الفكر أو لا تحدث.
ويعلق ليونارد على ذلك بقوله: "ليس من العسير أن يكون وراء هذا الرأي إيمان بالجماعية الصارمة ونزعة سلطوية ترغم الناس على الحرية!! أو تجبرهم على إدراك مصائرهم الصحيحة مهما كانت معتقداتهم الواعية، فالمشكلة في رأيه مثل كل شيء حملُ العربيّ على الإحساس بطبيعته الأصلية، فهو يفترض القبول على أساس الإيمان"
إن عفلق وضع تصوراً جديداً للفكرة القومية البعثية ينسجم والمذهب القومي الخاص بالبعثيين الذي صاغه باقتباساته المشار إليها، والواقع أنه توخى بذلك نقطتين مهمتين في العقيدة البعثية هما:
- إعادة صياغة فكرة القومية العربية البعثية لتكون إطار مناسباً للمذهبية وخصوصياتها، ولفصل البعثيين عن بقية الفصائل القومية، فلا تنطبق عليها انتقادات المسألة القومية بعامة، فهي مختلفة عن القومية الغربية في شقيها الماركسي والتقليدي من ناحية، وغلق الباب أمام تحليل القوميين العرب الذين وصفهم عفلق بالرجعيين الذين يقحمون الدين عنصراً أو مقّوماً من مقومات هذه القومية.
- وأكد أن الطليعة هي وحدها التي تعي قوميَّتها في مرحلة الانحطاط، وتستوعب قيمها، وقد ألهمت الإيمان بدور قوميتها إلهاماً، فهي تتولى قيادة ثورة البعث، وثورة البعث هي إجراء البذل الفطري والخلقي.


البعثيون وتبديل القيم العربية:
ولقد أجاب عفلق على سؤال عن ماهية البعث وأهدافه فقال: "إن الهدف هو تبديل القيم الاجتماعية للعرب، لذا فإنه هدف بعيد المدى، إذ أن الثورة يجب أن تتناول طريقة الناس في التفكير"ضافة إلى الأفكار ذاتها.

الطلائع والقسوة والاستبداد:
لذلك فالطليعة من حقها أن تتحدث باسم المجموع، ولكي تقوم بدورها فإن على هذه الطلائع أن تحتفظ بحبها للجميع وإذا قدر لها أن تقسو في معاملتها على الآخرين، فإنما تفعل ذلك رغبة منها في إعادتهم إلى أنفسهم، وعندما يقسو الآخرون عليها فإن هذا يعني أن هؤلاء ينكرون أنفسهم وينكرون ذاتهم، فإرادتهم الحقيقية مع هذه الطلائع وإن كانت خفية وكامنة، وإن ظهروا بمظهر الذين يعملون ضدها. إذن فإن هذه القسوة على الآخرين إنما هي من أجلهم فهي تحتفظ بحبها للجميع، وبذلك شرع عفلق للقسوة والاضطهاد واعتبر الطغيان مشروعاً للطلائع، لها الحق أن تمارسه على الأمة وفي مصلحتها، وذلك قد يفسر ظاهرة استخدام الفنانين والأدباء، شعراء وكتاباً، محامين وأطباء وطلبة، ومعظم مثقفي الحزب، للتنويه بالقسوة والاضطهاد والإشادة بهذا الحق، حق القسوة، بهدوء ولذة، ومن لم يستطع منهم الممارسة فليمتع نفسه بالفرجة على الضحايا. أما القسوة إذا صدرت عن غير الطلائع فهي وحشية وإرهاب حزبيّ يفعله قوم هم أعداء أنفسهم قبل أن يكونوا أعداء تلك الطلائع. وتلقى قضية الطلائع في عقيدة القائد المؤسس عفلق اهتماماً خاصاً، وخير ضمان لتقويتها - في نظره - هو الاحتفاظ بنقائها وصفائها وذلك برعايتها منذ عهد الطفولة وهي ما تزال بذوراً لم تلوثها البيئة الاجتماعية؛ خاصةً وأن الهدف البعيد الذي يتوخاه الحزب هو تبديل قيم العرب الاجتماعية وتغيير طريقتهم في التفكير، وإبدال أفكارهم بغيرها، بحيث تنتهي بإحلال أفكار الحزب محلها، ولذلك فإن التوجيه العقائدي ينبغي أن يتركز في الطفولة المبكرة ليؤدي ثماره.

قيم حزب البعث والجاهلية:
ولكن ما هي القيم الجديدة التي عمل عفلق وطليعته على تجسيدها في العراق الذي ابتلي بحكمهم؟ وما هي طريقة التفكير القومية البعثية الجديدة التي حاول "حزب البعث العربي الاشتراكي" إرساء دعائمها في العراق المنكوب؟ يتحدث مطاع صفدي في مؤلفه "حزب البعث" عن آراء عفلق: بأنها "تنصب على الوصف والمبالغة، وصف عظمة الأمة العربية، ورفعها إلى مستوى الوجود الخارق، وإضفاء مختلف القدرات الفردية والخطابية عليها، وتنزيهها عن أية مفسدة أو نقيصة، وقد مهد عفلق أذهان أتباعه للاعتزاز بمرحلة "الجاهلية" من تاريخ العرب خاصة، واعتبار هذه الجاهلية بمثابة الأصالة الكاملة للوجود العربي، والقائد المؤسس يبدو تلميذاً فاشلاً وهو يحاول إسقاط فكرة "العصبية" الخلدونية ويعبر عنها بأفكاره. وبالمقابل حاول فكر عفلق إضعاف المرحلة الإسلامية، ولو بطريقة غير مباشرة واعتبارها مرحلة تساهل أدت إلى خلط العرب بغيرهم وإضعاف بعض خصائصهم إلى حد كبير ولذلك أعاد تفسير الإسلام، وفسره كما فسر القومية العربية تفسيراً بعثياً يتناسب وذلك التوجه.
فلم يكن لدى البعثي ما يتعارض مع انتمائه الإسلامي حسب ذلك التفسير حتى لو رفض الإسلام شريعة وعقيدة وتبنى الماركسية اللينينية بديلاً عنه، وتأمل قول شاعرهم:

آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني

أو ما قاله شاعر بعثي آخر لصدام حسين:

تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله ينضح بالجلال

ويقول القائد المؤسس:"إن تأثر الشباب بالأدب والحماسة الشعرية والأساليب الخطابية المباشرة أقوى من تأثره بالدراسة الجادة"، فانطلق المثقفون الثوريون من الصفر في تاريخ أمتهم، ومازال تاريخ العرب مجهولاً حتى اليوم عند هؤلاء المثقفين البعثيين


الحزب والثقافة الغربية:
لقد نقل عفلق تقليد الإعجاب بالثقافة الغربية إلى البعثيين، وأصبح الإقبال على قراءة "اندريه جيد" و"برجسون" أساساً عقائدياً، ويلاحظ أن الكاتب "مطاع صفدي" رغم أنه كان من قيادات الحزب لم يستطع فهم هذه النزعة وتفسير دوافعها، فهو يقول: "إن عفلق ينادي بالبساطة وبذلك يمنع التعمق، وينادي بالإيمان فيمنع التحليل والمقارنة، ولذلك صار الثوريون يأنفون من طرح الأسئلة حتى على أنفسهم، لأن ذلك – في نظر عفلق - يوحي بالتشكيك" ولكن لو عدنا لفلسفة عفلق في "التاريخ وتفسيره للتاريخ العربي" وتناولنا مقولته: في أن التاريخ يتألف من حلقات تتراوح بين الصعود والهبوط لأدركنا على الفور أن تمجيده الحماسة والشعر والخطابة في الأدب لأنها كانت فعلاً بعض مميزات "الجاهلية" عهد ما قبل الإسلام، وأن إشاعته الثقافة الفرنسية، ودراسته فلسفة برجسون، لأن عفلق أخذ منه صياغة مذهبه في عدم الاعتراف بالتحليل. وبذلك يحقق عفلق عدة أهداف أولها: إحداث قطيعة بين الشباب العربي والإسلام والتراث الإسلامي، وتعويضهم عنه بالتراث الجاهلي، ثم العبور بهم من الجاهلية إلى ما انتقاه من فلسفة برجسون وهيغل وهردر وماركس. فالإسلام ملوم – في نظر عفلق – لأنه فتح الباب لخلط العرب بسواهم "ألم يكتب طلفاح "خال صدام حسين والقيم على تربيته" كتاباً يلوم فيه الخالق تبارك وتعالى لأنه خلق الفرس والأكراد والذباب". وأنه- سبحانه وتعالى - عمّا قال خال صدام علواً كبيراً كان مخطئاً في ذلك.
ويرى عفلق أن مرحلة العهد الجاهلي قد شهدت اتحاد العرب ووحدتهم الحقيقية في مجموعات عرقيّة متجانسة عبرت عن نفسها على الصعيد الثقافيّ في الشعر واللغة والخطابة، وتحقق المثال العربي الأصيل لفترة قصيرة في صدر الإسلام (وهي فترة بني أمية في نظره) ولكن لما انتشر الإسلام بين الشعوب غير العربية اختفت الفروق بين الأجناس، وفقد العرب إحساسهم بالوحدة القومية، وتبع ذلك مرحلة الضعف، وشرع العرب في إضاعة وحدتهم القومية. يعلق ليونارد على هذه الرؤية الجديدة في التاريخ العربي قائلاً:
"إن القومية – كما يفهمها عفلق - هي الأساس وإن عفلق يرى أن الدين هو الذي كان يقرر طبيعة الأمة العربية في وقت من الأوقات، ولكن هذا الاتجاه "المرجعية الدينية" أدى إلى كثير من المتاعب، فمن الواجب تطور الدين مع العروبة، فكلاهما – على حد تعبير عفلق - ينبعان من القلب العربي ويسيران طبقاً لمشيئة الله، لا سيما وأن الدين عبقرية الفكرة القومية البعثية، وفي هذا إنكار للوحي وللغيب وتكريس للرؤية الماركسية في وضعية الدين وبشريته، وتفسير "الوحي" بأنه انعكاس للمؤثرات المادية على دماغ ذلك الإنسان الذي يدعي بعد ذلك النبوة أو الرسالة بناءً على ذلك. فالدين – كما يفسره - ليس إلهي المصدر ولا وحي ولا نبوة ولا غيب في عقيدته البعثية، يمكن أن ينساب مع طبيعتها
ويقول عفلق في كتابه "في سبيل البعث": "يجب أن لا تنغلق القومية أو الدين ضمن إطارات من التحديد الضيّق، كما حاول علماء الكلام أن يفعلوا في العصور السابقة، لا سيما وأن القومية العربية ترفض بعث الأمور التي لم يعد لها جدوى من أمور الماضي" فهو كما تصرف في مفهوم "القومية" تصرف في مفهوم "الدين" ولعل القائد المؤسس بناءً على ذلك اختار أن يكنى "أبا محمد" فهو مسلم بمقتضى التفسير البعثي للإسلام.

البعث والشريعة الإسلامية:
إن حزب البعث يعارض آراء التقليدين والأصوليين معاً!! ولا يولي أهمية للشريعة الإسلامية في نظامه، ويرى أن تفسير الإسلام "أي من قبل العفلق" هو التفسير الصحيح، وأن نظرته إليه ترفض شيئاً اسمه "العقيدة أو الشريعة الإسلامية" كما يتجاهل النظم الإسلامية الأساسية كافةً، وكل ما بني عليها، والآراء المتعلقة بها، ويرى أن الإسلام ليس العامل الوحيد في تكوين أخلاق العرب الفردية، بل هو عامل من العوامل ذات الأثر السلبي– كما تقدم - وعموماً فإن عفلق لا يأخذ من الإسلام أية فرائض أو نظماً أو سنناً اجتماعية، ويرجع سائر المزايا التاريخية في المحيط العربي إلى القومية حسب تفسيره لها وفي المحيط الإسلامي إلى تأثير العرب، بحيث لا تنتفي صفة العروبة عن غير المسلمين ولا يستطيع المسلمون الآخرون من غير العرب أن يدعوا لأنفسهم أية ميزة تجعلهم في مستوى العرب، فإن هم فعلوا، كانوا خونة لقيمهم الإسلامية.
أما بالنسبة لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فقد كتب القائد المؤسس كتيباً في ذكرى المولد مرة عنونه "ذكرى الرسول العربي" وفيه نزع عن رسول الله صفتي النبوة والرسالة، واعتبره زعيماً قومياً، وكان عهده تجسيداً لأمال العرب، وعلى كل عربي أن يجسد محمداً، وقد لخص عفلق رؤيته في النبوة والرسالة بذلك الشعار الذي لا يزال البعثيون يرفعونه باعتزاز "كان محمد كل العرب، فليكن اليوم كل العرب محمداً"!!.
يتبين لنا من هذا العرض الوجيز أن مفهوم الأيديولوجية للبعث العربي الاشتراكي إنما هو مسألة قومية وأن هذه القومية – بمفهومها البعثي - هي العرق العربي ونقاؤه ثم تخدم بقية عناصر المذهب البعثي هذا الغرض، ولكن نقاء العرق مسألة نسبية وظاهرية، وذلك يعني عدم إمكانية التحقق العلمي من صدق نقاء عرق ما خاصة في بلد مثل العراق.
إن الحزب بالرغم من ضجيجه العالي حول التنظير والفكر والمعرفة، والنظر الاستراتيجي لم يتعظ بما أعقب عناد الرئيس القائد وتهوره الأرعن في احتلال الكويت، ونسي سائر الدروس التي كان المفروض أن يأخذها منها، بل لم يستطع الحزب تحديد الحد الأدنى الذي لا يستطيع النزول عنه في مجالات التنازلات، فعرض التنازل عن كل شيء، إلا عن كرسيه لكسب الأمريكان، ولم يدرك أن ذلك لا جدوى منه. لقد قاد حزب البعث العراق والعرب إلى البوار والهلاك والدمار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فهل يستطيع من أوتي مثقال ذرة من عقل أو حكمة أو دين أو رشاد أن يؤيد حزباً كهذا أو يربط مصير أية مجموعة بشرية به. وهل فقد "أهل السنة والجماعة" صوابهم ليؤيدوا نظاماً كالذي أقامه حزب البعث في العراق أو قيادة مثل قيادته؟ إنني أرى مجرد الظن بأن "أهل السنة" يمكن أن يفعلوا ذلك يمثل جهلاً بطبيعتهم وظلماً كبيراً لهم.
إن صداماً وزمرته والملتفين حوله من البعثيين قد ظلموا العراقيين بشمولية عجيبة، ولم يعدلوا بينهم إلا في شيء واحد هو توزيع الظلم والاضطهاد على كل العراقيين بكل طوائفهم ومذاهبهم وقومياتهم وسائر انتماءاتهم. وقد ثبت من عرضنا لنشأتهم ومعتقداتهم، أنهم لا دين لهم ولا مذهب إلا دين حزب البعث ومذهبيته، لذلك لم يبالغ شاعرهم حين قال:

آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني

بعد هذا العرض الموجز لتاريخ حزب البعث ومذهبيته، هل يمكن أن يدعي من له مسحة عقل أن هذا الحزب سني، وأن نظام الحكم الذي أقامه ملطخاً بكل الطرق المشبوهة، هو نظام سني؟

موقف الإسلام منه

وبعد كل هذا نرى جليا عدم تحكيمهم لشرع الله ولا نرى في خطاباتهم شيئا يبين أنهم مسلمون حتى ان الهدف من تأسيس الحزب ليس لأقامة شرع الله في أرضه.

قال تعالى
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
[المائدة:50].


قال ابن كثير:
"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم، المشتمل على كلّ خير، الناهي عن كل شر، وعدَل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، الذي وضع لهم (الياسق)، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير"([1]).
وقال أيضاً:
"فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر؛ فكيف بمن تحاكم إلى (الياسق) وقدّمه عليها؟! ومن فعل ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين"([2]).
قالشيخ الإسلام ابن تيمية:
"والإنسان متى أحلّ الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه؛ أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً، باتفاق الفقهاء"([3]).
وقال أحمد شاكر:
"إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح لا خفاء ولا مداورة، ولا عذر لأحدٍ ممن ينتسب للإسلام ـ كائناً من كان ـ في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها"([4]).
وقال محمد بن إبراهيم:
"إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربيٍ مبين في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59]"([5]).
وقال محمد حامد الفقي:
"من اتخذ كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصرّ عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أيّ اسم تسمّى به ولا أيّ عملٍ من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها"([6]).
وقال عبد العزيز بن باز:
"إن الدعوة إلى القومية العربية والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بدّ إلى رفض القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة.
وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله"([7]).
وقال أيضاً:
"وقد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكم الله أو أن غير هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحدٍ من الناس الخروج على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أو تحكيم غيرها فهو كافر
ضال"([8]).


وليس البعث فحسب بل كل حكم وضعي ودساتير غير دين الله هي كفر بواح


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 
التعديل الأخير:
رد: حقيقه و فلسفه و عقيده حزب البعث الذى حكم العراق بتفصيل..

اخي الكريم
اتمنى التركيز في طرح مواضيع تهم ذوي الاعاقه وكما تعلم لا نفضل طرح اي مواضيع عن المذاهب والاحزاب كما تمنى طرح مواضيع تهم الجميع
 

عودة
أعلى