أحوال المحتضر ..

رد: أحوال المحتضر ..


المبحث الثامن : وجوب إحسان الظن بالله تعالى وبخاصة عند الموت .



يجب على المسلم أن يحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى في جميع أحواله، ويتأكد ذلك عند الموت .

روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول:" لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله .

قال أبو سليمان الخطابي : إنما يحسن بالله الظن من حسن عمله، فكأنه قال : أحسنوا أعمالكم يحسن ظنكم بالله، فإن من ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون أيضاً حسن الظن بالله من ناحية الرجاء، وتأميل العفو، والله جواد كريم .

وقال النووي : قال العلماء : هذا تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة، قال العلماء معنى حسن الظن بالله تعالى : أن يظن أنه يرحمه، ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفاً راجياً، ويكونان سواء، وقيل يكون الخوف أرجح؛ فإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء، أو محضه؛ لأن مقصود الخوف : الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذه الحال، فاستحب إحسان الظن، المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له، ويؤيده الحديث المذكور بعده ،يبعث كل عبد على ما مات عليه ، ولهذا عقبه مسلم للحديث الأول، قال العلماء: معناه يبعث على الحالة التي مات عليها، ومثله الحديث الآخر بعده ، يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم :" إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم "

وروى البغوي في باب حسن الظن بالله تعالى، من كتاب الجنائز عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال:" كيف تجدك ؟ " فقال : والله يا رسول الله، إني لأرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف "

وروى البغوي عن ابن عباس أنه قال :" إذا رأيتم الرجل بالموت فبشروه؛ ليلقى ربه وهو حسن الظن به، وإذا كان حياً، فخوّفوه بربه عز وجل "

وقال القرطبي : حسن الظن بالله تعالى ينبغي أن يكون أغلب على العبد عند الموت منه في حال الصحة، وهو أن الله تعالى يرحمه، ويتجاوز عنه، ويغفر له، وينبغي لجلسائه أن يذكروه بذلك حتى يدخل في قولـه تعالى :" أنا عند ظن عبدي بي " وفي حديث آخر ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن الله تعالى يقول :" أنا عند ظن عبدي بي، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر "

وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" يقول الله سبحانه وتعالى :" أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني "

قال ابن حجر : وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر، ويؤيد ذلك حديث:" لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " ولكن ظاهر الحديث لا يدل على تقييده بالمحتضر، بل في جميع أحوال العبد .

ويقول ابن الجوزي: وأما حسن الظن فهو مستحب في هذا الوقت أي عند الاحتضار، وقد وردت الأخبار بفضل حسن الظن بالله تعالى .

فينبغي على المريض، مع إحسان ظنه بالله تعالى أن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف عقاب الله على ذنوبه، ويرجو رحمة ربه، وقد جاء في الحديث :" إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله تعالى ، ولعلّ ذلك لحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى .

ومما ينبغي أن يعلم أنه لا بد من حسن العمل مع إحسان الظن، فلا معنى لحسن الظن مع سوء العمل، إذ قد يمنعه سوء عمله من إحسان الظن بربه، وأسوأ من ذلك سوء الظن بالله مع سوء العمل فإن قوماً أساءوا الظن بالله فقال لهم سبحانه وتعالى ( وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

يقول ابن القيم : ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان؛ فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات؛ فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبداً؛ فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظناً بربه أطوعهم له، وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات، وهو السر من القول ( وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيراً مما يعملون كان هذا إساءة لظنهم بربهم فأرداهم ذلك الظن، فتأمل هذا الموضع وتأمل شدة الحاجة إليه، وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاقي الله وأن الله يسمع ويرى مكانه ويعلم سره وعلانيته ولا يخفى عليه خافية من أمره وأنه موقوف بين يديه ومسؤول عن كل ما عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره مبطل لحقوقه، وهو مع هذا يحسن الظن به، وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني .

ويشهد لهذا ما رواه أبو أمامة بن سهل قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير يوماً على عائشة، فقالت: لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في مرض ٍمرضه، وكان له عندي ستة دنانير أو سبعة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أفرّقها، فشغلني وجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله، ثم سألني عنها فقال:" ما فعلت الستة ؟ قال : أو السبعة ؟ قلت: لا والله، لقد كان شغلني وجعك، قالت: فدعا بها، ثم صفها في كفه فقال :" ما ظن نبي الله لو لقي الله عز وجل، وهذه عنده " يعني ستة دنانير أو سبعة، أنفقيها "

يقول ابن القيم تعليقاً على هذا الحديث: فيالله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله، إذا لقوه ومظالم العباد عندهم؛ فإن كان ينفعهم قولهم : حسناً ظنوننا بك لم يعذب ظالم ولا فاسق، فليصنع العبد ما شاء وليرتكب كل ما نهاه الله عنه وليحسن ظنه بالله فإن النار لا تمسه، فسبحان الله ما يبلغ الغرور بالعبد، وقد قال إبراهيم لقومه ( أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) أي ما ظنكم أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره، ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه؛ فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أن يجازيه على أعماله، ويثيبه عليها، ويتقبلها منه فالذي حمله على العمل حسن الظن، فكلما حَسُنَ ظنه حسُنَ عمله، وإلا فحسن الظن مع إتباع الهوى عجز، وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع إنعقاد أسباب النجاة، وإما مع إنعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن .

فإن قال قائل : بأن إحسان الظن يتأتى مع سوء العمل، وذلك راجع إلى سعة مغفرة الله ورحمته التي سبقت غضبه .
فالجواب عليه بأن يقال : الأمر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم، ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به؛ فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والإنتقام، وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة، فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر، والمؤمن والكافر، ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه، وتعرض للعنته، وأوقع في محارمه، وانتهك حرماته، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع، وبدل السيئة بالحسنة، وأستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن، فهذا حُسْنُ ظن، والأول غرور .

وقال الخطابي : إنما يحسن بالله ظن من حسن عمله، فكأنه قال : أحسنوا أعمالكم يحسن بالله ظنكم؛ فإن من ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون حسن الظن أيضاً من ناحية الرجاء، وتأميل العفو، والله جواد كريم .

 
رد: أحوال المحتضر ..



المبحث التاسع : تخيير الأنبياء عند الموت .


روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة " وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بُحّة شديدة فسمعته يقول :" مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً " فعلمت أنه خُيّر .

وعنها رضي الله عنها قالت: كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخيّر بين الدنيا والآخرة، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه، وأخذته بُحّة، يقول " مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً " فظننت أنه خيّر .

وفي رواية عنها قالت: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم المرض الذي مات فيه جعل يقول:" في الرفيق الأعلى "

وفي رواية أخرى قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول:" إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يُحيّا، أو يُخيّر فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال :" اللهم في الرفيق الأعلى " فقلت : إذاً لا يختارنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدّثنا وهو صحيح .

فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم :" ما من نبي يمرض إلا خُيّر بين الدنيا والآخرة " أي خيره الله تعالى بين الإقامة في الدنيا والموت ،لتكون وفادته على الله وفادة محب مخلص مبادر، ولتقاصُر المؤمن عن يقين النبي صلى الله عليه وسلم تولى الله الخيرة في لقائه؛ لأنه وليه، ألا ترى إلى خبر :" ما ترددت في شيء ترددي في قبض روح عبدي المؤمن " ففي ضمن ذلك إختيار الله للمؤمن لقاءه؛ لأنه وليه، يختار له فيما لا يصل إليه إدراكه .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال :" إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله " قال : فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقيّن في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر "

قال ابن حجر : فهم عائشة من قوله صلى الله عليه وسلم :" في الرفيق الأعلى " أنه خيّر، نظير فهم أبيها رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم :" إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده " أن العبد المراد هو النبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى .

وقال بدر الدين العيني ت855ه : قول " خُيّر " على صيغة المجهول : أي خيّر بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة صلى الله عليه وسلم .

هذه الأحاديث الصحيحة تدل على أنه ما من نبي يمرض إلا خُيّر بين البقاء في الحياة الدنيا والموت .

وقد ثبت أن ملك الموت عليه السلام جاء إلى موسى عليه السلام فخيّره بين الموت والحياة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" جاء ملك الموت إلى موسى، فقال له أجب ربك، قال : فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، قال : فرجع الملك إلى الله عز وجل، فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فردّ إليه عينه، قال : ارجع إلى عبدي فقل له: الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما وارت يدك من شعرةٍ فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه ؟ قال : ثم تموت، قال : فالآن من قريب، قال : ربّ أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر " وهذا الحديث ثابت، وقد أنكره بعض المبتدعة قائلين: إن كان موسى عليه السلام عرفه فقد إستخف به، وإن كان لم يعرفه فلماذا لم تقتص له من فقء عينه ؟

قال بعض أهل العلم : إن الله لم يبعث ملك الموت لموسى، وهو يريد قبض روحه حينئذٍ، وإنّما بعثه إليه إختباراً، فلطمه موسى عليه السلام لأنه رأى آدمياً داخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، فقد جاء في رواية :" كان ملك الموت يأتي الناس عياناً فأتى موسى فلطمه " وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة البشر فلم يعرفاهم إبتداءً، وقد أباح الشارع فقءعين الناظر في دار المسلم بغير إذنه، كما جاء في الحديث :" من إطلع في بيت قوم بغير إذنهم حل لهم أن يفقؤوا عينه " وعلى فرض أنه عرفه فلا دليل على مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر، ولا دليل على أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له، ثم رد الله عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه من عند الله فلهذا استسلم حينئذ .

ونقل النووي أنه لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة إمتحاناً للملطوم .

وقال ابن حجر : وقال غيره، أي غير النووي: إنما لطمه؛ لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخيره، لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخير، فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن، قيل : وهذا أولى الأقوال بالصواب، وفيه نظر؛ لأنه يعود أصل السؤال، فيقال : لم أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط ؟ فيعود الجواب أن ذلك وقع إمتحاناً، وزعم بعضهم أن معنى قوله " فقأ عينه "أي أبطل حجته، وهو مردود بقوله في نفس الحديث " فرد الله عينه " وبقوله " لطمه وصكّه " وغير ذلك من قرائن السياق ، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية؛ ليرجع إلى موسى على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره .

وكذا ذكر المناوي ت1031هـ أن موسى عليه السلام لطم موسى عليه الصلاة والسلام لما جاءه؛ لكونه لم يخيّر قبل ذلك .

 
رد: أحوال المحتضر ..


المبحث العاشر : الأعمال بالخواتيم .



المطلب الأول : الأدلة على أن الأعمال بالخواتيم .


ذكر البخاري في كتاب القدر من صحيحه " باب العمل بالخواتيم " وساق بسنده حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أحدهما :" عن سهل بن سعد أن رجلاً من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، فاتبعه رجل من القوم، وهو على تلك الحال من أشدّ الناس على المشركين، حتى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً فقال : أشهد أنك رسول الله، فقال : وما ذاك ؟ قال : قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك، فلما جرح إستعجل الموت فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إن العبد ليعمل عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم "

وفي موضع آخر ذكر البخاري " باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها " وذكر فيه الحديث السابق عن سهل بن سعد الساعدي وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :" إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة، وإنه لمن أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها "

قال ابن بطال : في تغييب الله عن عباده خواتيم أعمالهم حكمة بالغة وتدبير لطيف؛ وذلك أنه لو علم أحد خاتمة عمله لدخل الإعجاب والكسل من علم أنه يختم له بالإيمان، ومن علم أنه يختم له بالكفر يزداد غياً وطغياناً وكفراً، فاستأثر الله تعالى بعلم ذلك؛ ليكون العباد بين خوف ورجاء، فلا يعجب المطيع لله بعمل، ولا ييأس العاصي من رحمته، ليقع الكل تحت الذل والخضوع والافتقار إليه .

وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن أحدكم أو الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غيرُ باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها .

يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ لقرب أجله ووفاته، فيسبق عليه الكتاب الأول، الذي كتب أنه من أهل النار، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وقد دل الحديث السابق ذكره، وهو : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار " على أن عمله بعمل أهل الجنة هو فيما يبدو للناس وليس حسناً، وكذلك الرجل الثاني الذي يعمل بعمل أهل النار، فيمن الله عليه بالتوبة والرجوع إلى الله عند قرب أجله فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها، ومن أحسن العمل في قلبه وظاهره؛ فإن الله تعالى لا يضيع أجره، قال تعالى ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً )

وقال ابن دقيق العيد : وأما الحديث:" إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار" فإنه لم يكن عمله صحيحاً في نفسه، وإنما كان رياءً وسمعة، وقوله صلى الله عليه وسلم :" فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، إلى قوله : فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها " المراد : أن هذا قد يقع في نادر من الناس، لا أنه غالب فيهم، وذلك من لطف الله سبحانه وسعة رحمته؛ فإن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور، ولله الحمد والمنة على ذلك .

فقوله صلى الله عليه وسلم :" وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ... إلخ " ظاهر الحديث يدل على أن هذا العامل كان عمله صحيحاً، وأنه قرب من الجنة بسبب عمله، حتى بقي له على دخولها ذراع، وإنما منعه من ذلك سابق القدر الذي يظهر عند الخاتمة؛ فإذاً الأعمال بالسوابق لكن لما كانت السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة جاء في الحديث :" إنما الأعمال بالخواتيم " يعني عندنا، بالنسبة إلى إطلاعنا في معنى الأشخاص وفي بعض الأحوال .

وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له؛ فإن العامل يعمل زماناً من دهره، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبد خيراً إستعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه "

وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله " فقيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟! قال :" يوفقه لعمل صالح قبل الموت "

وروى الإمام أحمد بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إذا أراد الله بعبد خيراً عَسَلَه، فقيل : وما عسله ؟ قال :" يفتح له عملاً صالحاً بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله " وفي رواية قال : يفتح له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه "

نخلص مما مضى إلى أن الشقاوة والسعادة قد سبق بهما الكتاب الأول، وأنهما مقدرتان بحسب خواتم الأعمال، وكلٌ ميسّر لما خلق له، ومن مات على شيء حكم له به من خير أو شر، مع الجزم بأن أصحاب الكبائر غير الكفر تحت المشيئة .



المطلب الثـاني : حسـن الخاتمة وأبرز علاماتها .


حسن الخاتمة هو أن يموت العبد على حال ترضي الله سبحانه وتعالى، وقد دل كتاب الله تعالى على أهمية حسن الخاتمة، في آيات، منها قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) وقوله جل وعلا ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) فلا بد من الإلتزام بالعبادة والتقوى حتى الموت؛ فإن ذلك من أعظم أسباب حسن الخاتمة ،ولا شك أن من أعظم أسباب حسن الخاتمة الحرص على سلامة العقيدة ،مما قد يشوبها من البدع والضلالات وسؤال الله تعالى أن يحسن الخاتمة، ويميت على الإيمان والتقوى مع إخلاص النية في جميع الأعمال لله تعالى وإصلاح الأعمال وجعلها تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمبادرة إلى التوبة النصوح من كل مخالفة .

ولحسن الخاتمة علامات دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، وذكرها بعض أهل العلم، ومن ذلك :

1- أن يكون آخر كلامه من الدنيا ( لا إله إلا الله ) لقوله صلى الله عليه وسلم :" من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "

2- الموت برشح الجبين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" المؤمن يموت بعرق الجبين "

3- الإستشهاد في ساحة القتال من أجل إعلاء كلمة الله، لقوله تعالى ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) وقوله صلى الله عليه وسلم :" للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويُحلَّى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه .

4- الموت في الغزو في سبيل الله لقوله صلى الله عليه وسلم :" ما تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال:" إن شهداء أمتي إذاً لقليل"، قالوا: فمن هم يا رسول الله، قال:" من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد "

5- الموت بداء البطن، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق " ومن مات في البطن فهو شهيد "

6- الموت بالطاعون، لقوله صلى الله عليه وسلم :" الطاعون شهادة لكل مسلم "

7 - 8- الموت بالغرق، وكذلك بالهدم لقوله صلى الله عليه وسلم :" الشهداء خمسة : المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله "

9 – 10- 11- الموت بالحرق، وبذات الجنب، وهي الدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل، كما في النهاية ص 168، وموت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، لما رواه جابر بن عتيك مرفوعاً :" الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله : المطعون شهيد والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمع5 شهيدة "

12- الموت بداء السلّ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" القتل في سبيل الله شهادة، والنفساء شهادة، والحرق شهادة، والغرق شهادة، والسلّ شهادة، والبطن شهادة "

13 - 14 – 15- 16- الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس والأهل، والمال المراد غصبه، لقوله صلى الله عليه وسلم :" من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد "

17- الموت رباطاً في سبيل الله تعالى؛ لحديث " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتّان "

18- الموت على عمل صالح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" من قال : لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله خُتم له بها، ودخل الجنة، ومن صام يوماً إبتغاء وجه الله ختم له بها، دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة إبتغاء وجه الله، ختم له بها، دخل الجنة "

19- من قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله الإمام الجائر؛ لحديث:" سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله "

20- وعدّ بعض أهل العلم من علامات حسن الخاتمة : الموت ليلة الجمعة أو نهارها، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر "

21- الثناء بالخير على الميت في جمع من المسلمين الصادقين ذوي الصلاح والعلم، لقوله صلى الله عليه وسلم :" أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " قلنا : وثلاثة، قال : وثلاثة، قلنا : وإثنان، قال: وإثنان، ثم لم نسأله في الواحد "

22- أن يموت محرماً بحج، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً كان واقفاً مـع رسـول الله صلى الله عليه وسلم بعرفه فأوقصته راحلته وهو محرم فمات، فقـال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً "




المطلب الثالث : سوء الخاتمة وأبرز أسبابها .



تبين مما سبق أن بعض الناس يعملون بعمل أهل الجنة، فيسبق عليهم الكتاب فيختم لهم بخاتمة سيئة، وقد يظهر على بعض المحتضرين علامات تدل على سوء خاتمتهم، مثل الامتناع عن النطق بلا إله إلا الله، أو التحدث بالمحرمات، وترديد السيئات، وإظهار التعلق بالمنكرات، ونحو ذلك، وقد ذكر بعض أهل العلم أسباباً للخاتمة السيئة، منها :


1- الإنحراف في العقيدة : فإنه مظنة سوء الخاتمة، أما فساد العقيدة فقد أخبر الله تعالى عن هلاك من يكفر بآيات الله ولقائه، وإن عملوا الصالحات، قال تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاًالَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ) وهذه الآيات كما يقول ابن كثير : عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية، يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ، وعمله مردود، وهذا مثل قوله تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ) وقوله ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ) وقوله ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئا ) وقوله ( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ) أي أن عملهم يبطل ويحبط، فيصير كالهباء والسراب والرماد، ومع ذلك فهم يعتقدون أن عملهم حسن مقبول عند الله .

2- ضعف الإيمان : المتضمن لحب الدنيا والركون إليها، وطول الأمل، فإن من يضعف إيمانه يضعف حب الله تعالى في قلبه، ويقوى فيه حب الدنيا ويستولي عليه، فإذا حضر الموت فقد يزداد حب الله ضعفاً في قلبه لما يرى أنه يفارق الدنيا، محبوبته التي يفارقها، بل قد ينقلب ذلك الحب الضعيف بغضا، فيختم له بخاتمة سوء، ولهذا يقول ابن كثير: والمقصود أن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة قال الله تعالى ( وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً ) بل قد وقع سوء الخاتمة لخلق لم يفعلوا فاحشة اللواط، وقد كانوا متلبسين بذنوب أهون منها، وسوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله وصدق في أقواله وأعماله؛ فإن هذا لم يسمع به .

3- الإصرار على المعاصي : كالتهاون بأركان الإسلام وواجباته، والإستمرار على فعل المحرمات كشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وأذى المسلمين، قال السيوطي : قال بعض العلماء : الأسباب المفضية لسوء الخاتمة، والعياذ بالله، أربعة: التهاون بالصلاة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وأذى المسلمين .

ومن المعلوم أن من يُصّر على المعاصي يألف الطاعات يألفها، وما يألفه الإنسان في حياته يعود ذكره عند موته، فإن ألف الطاعات في عمره كان أكثر ما يحضره عند الموت ذكر الطاعات، وأن ألف المعاصي والمحرمات كانت أكثر ما يحضره عند تلك الساعة الحرجة، ومن ثم فقد تغلب عليه شهوة من الشهوات والمخالفات عند نزول الموت به، فيختم له بخاتمة سيئة، قال ابن القيم: “ولهذا والله أعلم ، كثيراً ما يعرض للعبد عند موته لهجه بما يحبه، وكثرة ذكره له، وربما خرجت روحه، وهو يلهج به .

وقال ابن كثير : وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقداً، وظاهره عملاً، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينْزل به الموت قبل التوبة، فيجب على كل مسلم أن ينَزه نفسه عن المعاصي وأن يبتعد عن الكبائر وأن يحذر من التسويف بالتوبة، بل يسارع إليها، فالتوبة تجب ما قبلها .

4- العدول عن الاستقامة : فإن من كان مستقيماً على شرع الله تعالى ثم تحول عنه، وحصل منه مخالفات ووقوع في المحرمات فإنه معرض لسوء الخاتمة والعياذ بالله، كبلعام بن باعورا، الذي آتاه الله آياته فانسلخ بإخلاده إلى الدنيا وأتبع هواه وكان من الغاوين، وكبرصيصا العابد الذي قال له الشيطان أكفر فلما كفر، قال ( إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) فإن الشيطان أغراه على الكفر، فلما كفر تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك، كما قال تعالى ( فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ )

 
رد: أحوال المحتضر ..

الخـاتمة



الحمد لله الذي أعان على إتمام هذا البحث، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .


وبعد: فقد تبيّن لنا من المباحث السابقة مسائل مهمة، منها :

أولاً : أنَّ للموت سكراتٍ وكرباً وشدائد عظيمة، تصيب المحتضر؛ بسبب نزع روحه، وأن هذه السكرات حاصلة لكل مخلوق، كما دلت عليه النصوص الشرعية، من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،إلا أنها تشتدّ على الكافر، وتُيسّر على المؤمن، وقد تشتّد على المؤمن تكفيراً لسيئاته، أو رفعاً لدرجاته .

ثانياً : أن لملك الموت أعواناً من الملائكة تعينه على قبض روح المحتضر، فتبشر المؤمن برضوان الله ورحمته حين الإحتضار، فيفرح بذلك، كما أن الملائكة تضرب وجوه الكفار وأدبارهم حين نزع أرواحهم وتبشرهم بعذاب الحريق .

ثالثاً : أن التوبة تنقطع إذا حضر الموت، وحينئذ يتمنى المحتضر الرجعة إلى الدنيا؛ إن كان كافراً ليؤمن ويتبع؛ وإن كان صالحاً ليزداد من الأعمال الصالحة .

رابعاً : أن الشيطان يحضر عند العبد في شأنه كله؛ لإغوائه وإضلاله، ومن ذلك حضوره عند الإحتضار، في ذلك الوقت الذي هو أحوج ما يكون إلى السلامة من وساوسه وشروره، فعلى المؤمن أن يتحصن منه بالإيمان والعمل الصالح في وقت الإمهال وقبل حضور الموت .

خامساً : مشروعية تلقين المحتضر : لا إله إلا الله؛ ليكون آخر كلامه من الدنيا نطقه بشهادة التوحيد، وفي ذلك أعظم الأسباب لدخول الجنة .

سادساً : وجوب إحسان الظن بالله تعالى في جميع الأحوال، ويتأكد ذلك عند حضور الموت، وإنما يحسن بالله الظن من حسن عمله .

سابعاً : ثبت في الحديث الصحيح أنه ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة .

ثامناً : أن الأعمال بالخواتيم، فعلى المسلم أن يتعرف على أسباب حسن الخاتمة؛ ليعمل بها وينهجها، ويتعرف على أسباب سوء الخاتمة ليحذرها ويتجنبها .



هذا والله تعالى أعلم وصلّ ِ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .










ملتقى أهل الحديث ..
 
التعديل الأخير:
رد: أحوال المحتضر ..

اللهم احسن خاتمتنا وتوفنا وأنتَ راضٍ عنا
اللهم آمين
جزاك الله خيراً اخي الصيفي
اسأل الله العظيم ان يجعل هذا العمل فى ميزان حسناتك
دمت بحفظ الرحمن
 
التعديل الأخير:

عودة
أعلى