التصفح للزوار محدود

الامير المجاهد محمد عبد الكريم الخطابي

امال

التميز
تمهيد:
)من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه( منهم المجاهد الكبير الشيخ محمد عبد الكريم الخطابي، أحد رجال السلسلة الذهبية في الجهاد والتحرير والنهوض في أواخر القرن التاسع عشر، ومنتصف القرن العشرين، فقد قدم هذا المجاهد الكبير كل ما لديه من طاقات في الدفاع عن أرضه وشعبه وإسلامه ولم يأل جهداً في البذل والعطاء في سائر ميادين الكفاح الدامي، والإصلاح، حتى صار هذا الشيخ علماً من أعلام الجهاد، وقدوة في التضحية بالمال، والراحة، والوقت، والروح، وزعيم ثورة عرفت باسمه في شمال المغرب، بل هو "أحد أولئك الذين يولدون زعماء في أزمنة مختلفة بين الأمم، ليكونوا مصيرها، ويتركوا آثارهم في تاريخ العالم".
المولد والنشأة:
ولد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي –وهذا هو اسمه- في مدينة (أجدير) المغربية، على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بين تطوان ومليلة، عام 1299هـ- 1882م في بيت علم وجهاد، من قبيلة (ورياغل) إحدى كبريات القبائل البربرية في جبال الريف.
وهو من حفدة السلالة الإدريسية وينتسب إلى السلالة العمرية الكريمة، سلالة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
حفظ القرآن الكريم وهو فتى يافع، ثم أرسله أبوه إلى جامع (القرويين) في مدينة (فاس) وبعد أن أنهى تعليمه فيه، عاد إلى الريف، وأقام في (مليلة) وتولى منصب القضاء فيها.
عصره:
شب الأمير في ظروف الصراع بين شعبه المغربي من جهة، وبين الغزاة من الإسبان والفرنسيين من جهة أخرى. فقد امتد احتلال الإسبان من مليلة وتطوان، إلى شفشاون، فأظهر عبد الكريم- والد الأمير محمد- معارضة لهم، وكان من وجهاء قبيلته والقبائل المجاورة، فانتقم الإسبان منه بعزل ابنه محمد من منصب القضاء، واعتقاله في سجن (كبالرزا) سنة 1920 حيث أمضى أحد عشر يوماً في زنزانة انفرادية، ثم حاول الفرار من المعتقل في قلعة (مليلة)، فسقط من فوق سوره العالي، وكسرت ساقه، وأعيد إلى السجن، وقبع في أقبائه أربعة أشهر.
وبعد الإفراج عنه، انطلق إلى أبناء قبيلته وجمع الأنصار حوله، ثم آلت قيادتها له، بعد وفاة أبيه المجاهد عبد الكريم، ليخوض بهم معارك طاحنة ضد الغزاة الإسبان ثم الفرنسيين، وحقق نصراً عظيماً في معركة (أنوال) في جبال الريف، في تموز 1921 (أواخر سنة 1339هـ) فقد استرد هذا المركز الحصين من الإسبان، وأفنى حاميته وغنم كل ما كان فيه من ذخائر ومؤن، ولم يكن مع الأمير عبد الكريم حين هاجمه سوى مدفع واحد غنمه في معركة سابقة مع الإسبان الأعداء.
وكان من نتائج هذه المعركة المظفرة، أن اهتزت إسبانيا فزعاً من هذا القائد المحنك، وحشدت له جيشاً جديداً مؤلفاً من مئة ألف مقاتل، لتطبق به على بلدته (أجدير) من الشرق والغرب.
وتصدى لهم البطل الخطابي، وتتابعت معاركه وانتصاراته المذهلة، فاستعاد مدينة شفشاون من أيدي الإسبان الذين سبق لهم أن احتلوها، وحاول استعادة تطوان من أيدي المحتلين، وأرسل من جنوده من يهدد مدينة (تازة) وقدر جيشه بمئة ألف مقاتل، وأنشأ جمهورية الريف، فخاف الفرنسيون من امتداد الثورة الخطابية من الشمال إلى الداخل الذي يسيطرون عليه، وتحالفوا مع الإسبان لمواجهة الثائر المجاهد الشيخ محمد عبد الكريم.
الحركة الجهادية:
ظهر التنظيم العسكري الجهادي بقيادة البطل القائد عبد الكريم الخطابي عام 1921 بقوة، واكتسحت بعضَ القطعات العسكرية الإسبانية بصورة مفاجئة لم يعهدها الإسبان فيما خاضوا من معارك مع المغاربة، وخاصة أبناء المدن، الأمر الذي جعل بعض الأقلام الإسبانية تنادي بالانسحاب من المغرب، قبل أن تستفحل الأمور، وتكثر الخسائر بالأرواح والأعتدة.
أسباب المقاومة:
زعم الفرنسيون الغزاة أن المجاهدين بقيادة عبد الكريم، إنما يقاتلون بدوافع اقتصادية بحتة، ولكنهم لم يلبثوا طويلاً حتى يعترفوا أن الدوافع الإسلامية والوطنية هي التي تدفع أولئك الرجال إلى الاستبسال في القتال، لنوال النصر، أو الفوز بالشهادة في سبيل الله.
جهاد وسياسة:
كان القائد الخطابي يجاهد في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله، ونصرة المسلمين، ومن أجل حرية بلاده، وتخليصها من الغزاة الإسبان والفرنسيين.
وقد عانى، في جهاده المقدس هذا، ما عاناه شعبه من آلام الحروب ومصائبها، من دون أن تحبط همته، أو تلين عزيمته، أو تخور قواه.
كان يقاتل الإسبان المعتدين من جهة، ويقيم دعائم دولته الوليدة من جهة أخرى، فيطلب من الفلاحين أن يلتفتوا إلى أعمالهم الزراعية، ويعنوا بأرضهم، ولكن دولة الفرنسيين الجائرة، بعد أن رأت جيشه وكتائبه المظفرة تسحق جيش الإسبان اللئيم، بادرت إلى التحالف مع الإسبان، وأغارت على الريف الثائر " نجدة لجارتها المخذولة، بدافع العصبية الملية، وعملاً بتقاليد السياسة الأوربية القائلة بوجوب تألب الدول الإفرنجية على الأمم الإسلامية" حسب تعبير الخطابي.
"فدولتا فرنسا وإسبانيا قد اتفقتا على أمرنا اليوم، مثل ما اتفقت من قبل دول الإنكليز والطليان والفرنسيين واليونان على إخواننا الأتراك، واحتلوا الآستانة وإزمير و.. و.. وأرادوا أن يقضوا على دولتهم الإسلامية قضاء مبرماً.."
إنه لا يقاتل ويحارب حباً بالقتال والحرب، أو رغبة في إراقة الدماء، بل لتحرير البلاد والعباد من الغزاة الفرنسيين والإسبان.
"وأما إذاعة هاتين الدولتين رغبتهما في عقد الصلح، فما هي إلا مخاتلة ودسيسة سياسية، تتوسلان بها لإلقاء تبعة تلاشي عقد الصلح على عاتقنا، ولتضليل الرأي العام الإسلامي، ومخادعة أمّتيهما اللتين قد تدمرتا مما أنزلنا بهما من البطش والتنكيل بهذه الحرب التي أظهرنا فيها قدرتنا العظيمة، وبأسنا الشديد. ثم إنهما لو كانتا صادقتين في دعواهما، لما كنا نرى الآن تتابع سوق الجيوش وحشدها على حدود بلادنا، فمن يريد الصلح لا يزيد الحرب وطيساً، ولا يبدأ باستعمال قنابل الغازات الخانقة، ويرميها بالطيارات على الأسواق والمدن المسالمة في الليل والنهار، فتقتل النساء والصبيان الآمنين في مساكنهم.. إن من يريد الصلح لا يتكالب على حرق المزروعات، وقتل الأنعام، ظناً منه أن هذه الوسائل تميتنا جوعاً، فنذعن إلى الخضوع والاستسلام.."
كان الخطابي واعياً بما يدور حوله من تآمر وتحالفات، ويعرف دوافعها، وما ترمي إليه، ولا يقع فريسة الخداع والتضليل..
لقد حدد الهدف، ورسم الاستراتيجية، وأعدّ واستعد، ثم عزم وتوكل على الله.
"فقدرته سبحانه وتعالى، لا يعز عليها أن تنصرنا على هاتين الدولتين الجائرتين" كان يعلم أن الغزاة المستعمرين يزجّون بأبناء الجزائر وتونس الخاضعتين للاستعمار، في هذه الحرب، بل إن أربعة أخماس الجنود الذين يقاتلون بهم أبناء الريف المغربي، هم من الجزائريين والتونسيين ولذلك وجه رسالة إلى إخوانه هؤلاء دعاهم فيها إلى أن يمتنعوا عن قتال إخوانهم المغاربة، ودعاهم إلى الانضمام إلى إخوانهم، وتوجيه أسلحتهم إلى الاستعمار:
"يا أيها المسلمون التونسيون والجزائريون إن الأمر الذي يشق علينا تحمُّله هو أن نرى أبناءكم يساقون قهراً لمحاربتنا، كما أنه يشق علينا أن نرانا ملتزمين لأجل الدفاع عن استقلالنا، أن نتقابل في ساحة القتال مع إخواننا في الجنس والدين. إنها حالة، والله لتتنغص منها نفوسنا حسراً، ولتتفتت منها نفوسنا كمداً. ألم يقل الله عز وجل: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه ولعنه)؟
كان الخطابي يثير في أولئك الجنود الحمية العربية والأخوة الإسلامية، ويذكرهم بقول الرسول القائد صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وكان لنداءاته ورسائله هذه أثرها في نفوس من وصلت إليه من الجنود، فانحازوا إليه، وقاتلوا في صفوفه، واستبسلوا للتكفير عما ارتكبوه، واستشهدوا، رحمهم الله تعالى.
كان يقول لهم:
"إن في هلاكنا هلاككم، وفي خلاصنا خلاصكم، فلنكن عصبة واحدة ولنتكاتف تكاتف أجدادنا في العهد الإسلامي الأول، لمحاربة الأعداء، وسوف نوفق لإنقاذ أمتنا الإسلامية من عيشة الذل والهوان، وننال حريتنا واستقلالنا، فدولة الفرنسيين التي تجند اليوم أبناءكم بالجبر، وتسوقهم لقتالنا بالرغم، فإن تمّ لها النصر، وتغلبت علينا في هاته الحرب –لا سمح الله- فهي ستجند غداً أولادنا حتماً، وتقودهم لمحاربتكم، إذا أنتم عمدتم يوماً ما على الانقضاض عليها، تخلصاً من نيرها الاستعماري الهالك".
كانت ثقة الخطابي بالله ثم بالأمة كبيرة، وأن الأمة العربية والإسلامية إذا هبت في وجوه المستعمرين الذين غزوها وانتهكوا حرماتها، ونهبوا ثرواتها، فإنها سوف تتغلب على أولئك الغزاة، كما جاء في الرسالة التي وجهها إلى الأشقاء الجزائريين والتونسيين الذين يساقون إلى محاربة إخوانهم المغاربة المجاهدين الثائرين، في أجدير (أوط 1925 الموافق 26 محرم الحرام 1344هـ).
كان للمقاومة الباسلة التي قادها القائد الشيخ محمد عبد الكريم آثارها البعيدة في إسبانيا، وفرنسا، وإنكلترا، وألمانيا، ظهرت في صحافة هذه الدول، وفي مباحثات قادتها السياسيين وقادتها العسكريين، وتخوُّفِ الكثيرين من امتدادات عبد الكريم وتأثيراته في القبائل المغربية، وفي الشعب المغربي كله، بل وفي الوطن العربي كله، بعد أن عرفوا إيمانه بالوحدة العربية، فقد كان في كثير من أقواله يصرح بإيمانه بضرورة الوحدة العربية، وثقته بها:
"نحن نحب السلام، ونأبى المذلة، والضيم، وقد عاهدنا الله والعرب، أن ندافع عن استقلالنا الذي يهدده الأجنبي الغاصب".
وقد رسم المعلقون والخبراء السياسيون لشخصية الأمير الخطابي صورة واضحة الملامح حين قالوا:
" إن عبد الكريم رجل حرب وجلاد، وزعيم يعرف كيف يجعل الجماهير تنقاد إليه، حتى صار الناس في الهند وبغداد والقاهرة وسواها، يرون فيه قائداً جباراً، فإذا أصبح –والحالة هذه- في مركز يدعو فيه إلى الجهاد في إفريقيا الشمالية، وبلاد العرب، والأناضول، فإن إنكلترا، وفرنسا، وإيطاليا سوف تتعرض لأخطار جسيمة".
خطة المقاومة:
كانت للقائد الخطابي خططه الحكيمة في دخول المعارك وكسبها، مستفيداً من الخطط الحربية الغربية، ومن واقع الأرض التي ستجري فوقها، والقبائل التي سوف تعاني منها..
كان يدرس الأرض دراسة القائد الخبير بها، فيحفر الخنادق ليستخدمها في الهجوم، وفي الانسحاب إذا اضطر إليه، ليتفادى أكبر قدر من الخسائر، ويقيم المتاريس، ويستفيد من التبّات والتلال والحواجز الطبيعية، ويرافق هذا النشاط وقد تسبقه دعاية نشطة في كل أسواق المنطقة، تستثير أبناء الريف ضد الغزاة الإسبان والفرنسيين.
تثير فيهم حمية الرجال في الحفاظ على الأعراض، والدين، والقيم، وعلى الأرض، والأموال، والشرف، وما إلى ذلك من قيم النخوة، والمروءة، والشجاعة، والنجدة، بحيث يكونون في حالة تعبئة نفسية وروحية عالية، ترفع معنوياتهم، وليكونوا إلى جانب المجاهدين الذين يبذلون كل شيء من أجلهم.. من أجل الشعب، والأرض، والدين.. وإذا كان المجاهدون يضحون بأرواحهم، فعلى أبناء القبائل أن يعينوهم في جهادهم، ويكونوا معهم، ولا يكونوا عليهم مع الغزاة، كما يفعل الخونة والعملاء الذين باعوا شرفهم وأهلهم ودينهم للمستعمرين الإسبان والفرنسيين..
ومن الخطط الحربية الهجومية الحكيمة للقائد عبد الكريم، أنه كان يحاصر المواقع العسكرية المعادية، دون الهجوم عليها هجوماً جدياً، بل كان يكتفي بتشديد الحصار عليها، ليترك المجال إلى تحرك النجدات إليها من القطع العسكرية، عند ذلك يتصدى لتلك الكتائب والنجدات، ويفرض عليها القتال في ظرف يلائمه هو ولا يلائمها، وعلى أرض لا تعرف عنها الكثير، فتُمْنَى بخسائر كبيرة.
ولأن القائد محمد عبد الكريم حقق انتصارات مذهلة على الغزاة الإسبان خاصة، فإن الصحف الإسبانية ومن قبيل حفظ ماء الوجه، زعمت أن هناك جنرالاً ألمانيا يعمل مستشاراً عسكرياً مع القائد محمد عبد الكريم، وأن هناك عدداً من الضباط الألمان يقاتلون مع عبد الكريم، الأمر الذي دعا الحكومة الألمانية إلى الاحتجاج والاستفسار من الحكومة الإسبانية التي اعترفت بكذب تلك الادعاءات والمزاعم الصحفية.
جمهورية الريف:
أنشأ القائد المظفر محمد عبد الكريم جمهورية الريف، ولم تصرفه أعماله الحربية عن القيام بالإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد، وفي سائر الميادين، فنشر الأمن والاستقرار، ونظم الأمور المالية، وأصلح الإدارة، ونظم التجارة والزراعة، وأسس المدارس، وأرسل البعثات العلمية إلى أوربا، واعتنى بالأمور الصحية، وعبَّد الطرق، وربط بعضها ببعضها الآخر، وما إلى ذلك من شؤون الحكم، وأنشأ مصلحة استعلامات متقنة، كانت تأتيه بأسرار حركات الجيش الإسباني واستعداداته، وترصد الأحوال الداخلية في إسبانيا، وما فيها من تيارات مؤيدة ومعارضة للحرب.
وكان الأمير يقظاً ساهراً على شؤون هذه الجمهورية الوليدة، شديد الحذر في تنفيذ خططه التي ما كان يطلع أحداً عليها إلا عند التنفيذ.
وكان يمكن لهذه الجمهورية أن تكون مشروع نهضة واعية في بلاد المغرب، لولا تكالب الأعداء عليها من الخونة في الداخل، ومن الاستعمار في الخارج، فقد تألب عليها عدد من شيوخ القبائل الخونة، وانحازوا إلى الغزاة، وشكلوا شرخاً في الداخل استعصى على الحل، نتيجة الأطماع والحسد وحب الزعامة.
لقد فرح العرب والمسلمون بقيام هذه الجمهورية، وجاءت وفود المهنئين من مدن: فاس، ومكناس، ومراكش، وتطوان، ومن غيرها من مدن وقرى المغرب الأقصى، ومن طرابلس الغرب، ومن مصر، وفلسطين، وسورية، والعراق، وتركيا، والهند، وسواها، وبلغت الأمير ثقة الشعوب العربية والإسلامية به وبجيشه وبجمهوريته الريفية، وقدمت له بعض الإسعافات المادية والمعنوية.
وكان يستقبل الوفود التي جاءت تبايعه وتهنئه، في غرفة لا تزيد مساحتها عن عشرين قدماً مربعاً، وارتفاع جدرانها ستة أقدام، وقد نشرت على جدرانها خريطتان إسبانيتان لمناطق الريف، أما أرض الغرفة، فمفروشة ببساط، وفيها كراسي ومنضدة من الخشب، عليها رسائل وتقارير وجرائد ومجلات عربية وأجنبية، ويجلس الأمير أمام هذه المنضدة، ولا يساعده في أعماله سوى شقيقه.
الاستسلام:
بعد أن تحالف الإسبان مع الفرنسيين ضد ثورة الريف وقائدها البطل عبد الكريم، خاض الخطابي ضد الدولتين معارك طاحنة، أجهدته وأجهدت جيشه الذي صار يقاتل دولتين وعلى جبهتين، حتى أنهك، فاضطر البطل إلى الاستسلام إلى الفرنسيين في 12/11/1344هـ-25/5/1926م، بعد أن وعدوه بإطلاقه، ولكنهم كعادتهم، كانوا أهل غدر ولا يعرفون للوفاء بالعهود والمواثيق معنى، وكانوا قد غدروا –من قبل- بالمجاهد الأمير عبد القادر الجزائري، وبغيره من القادة قبل خمس وسبعين سنة، ونفوه وأخاه وبعض أقاربهما إلى جزيرة (رينيون) في بجر الهند شرقي إفريقية، حيث مكثوا هناك عشرين عاماً في المنفى.
نفوه إلى تلك الجزيرة النائية التي أعدتها فرنسا لنفي الأبطال المجاهدين، ومنعت عنه الصحف والمجلات والكتب، وقاسى فيها مع أهله مرارة النفي والتعذيب، ولكنه اتجه إلى العبادة طوال تلك المدة في المنفى.
اللجوء إلى مصر:
أراد الفرنسيون نقل الأمير الأسير وأهله إلى فرنسا، ليكون على مقربة منهم إذا احتاجوا إلى اتخاذ قرار ما ضد سلطان المغرب.. أرادوه أن يكون ورقة في أيديهم يتلاعبون بها كيفما شاؤوا وشاءت لهم مصالحهم الخسيسة، فحملوهم في الباخرة، سنة 1366هـ-1947م.
نزل الأمير عبد الكريم في عدن، واحتفل به العرب المقيمون هناك، وبعثوا، بناء على طلب الأمير نفسه، برقيات لكثير من المجاهدين في مصر، ومن هؤلاء: المجاهد الفلسطيني محمد علي الطاهر- صاحب جريدة الشورى- والشيخ محمد الخضر حسين- رئيس جمعية الهداية الإسلامية- والإمام حسن البنا- المرشد العام للإخوان المسلمين- وإلى سواهم، وكانت البرقيات تخبر بوصول الأمير إلى عدن، وموعد خروجه منها، والموانئ التي سيمر بها، وتاريخ وصول الباخرة إلى السويس وبور سعيد.
فبادر المغاربة المقيمون في مصر إلى تشكيل وفد لاستقباله، والترحيب به باسم مراكش كلها، ووضع الوفد نفسه تحت تصرف الأمير. كما أوفد الملك فاروق محافظ السويس لإبلاغ الأمير تحياته والترحيب به على أرض مصر، وصعد وفد من الإخوان المسلمين برئاسة الأخ الأستاذ طاهر منير رئيس الإخوان في السويس إلى الباخرة، وحيّوا الأمير، وقد أدلى الأمير إلى الصحفيين بتصريحات كثيرة، قال في بعضها: إنه لو خُيِّر لاختار البقاء في مصر، وأعرب الأمير عن رغبته بزيارة مصر، وتحية مليكها، ثم كتب رسالة إلى رئيس الديوان الملكي جاء فيها:
"وأعرب لجلالتكم عن سروري العميق بوجودي في هذا البلد العربي، بعد غيابي في المنفى عشرين سنة بعيداً عن وطني الذي هو جزء لا يتجزأ من العالم العربي، وقد شعرت وأنا هنا أنني حقاً في وطني".
ونزل الأمير إلى البر، وزار محافظة الميناء، وبلّغه المحافظ تحية الملك فاروق وشُكْره للأمير على الرسالة الرقيقة التي بعثها إليه بمناسبة مروره بالمياه المصرية، وحينئذ أعرب الأمير لممثل الملك، عن رغبته في اللجوء إلى مصر، فراراً من الاستمرار في الأسر الفرنسي، وليتمكن من تعليم أولاده اللغة العربية، فوعده المحافظ بتبليغ طلبه للملك وللحكومة المصرية، ثم عاد الأمير ومن معه إلى الباخرة.
وفي اليوم التالي (في الثاني من حزيران) بلغه المحافظ قبول الملك التجاءه، طالباً منه أن يعتبر نفسه وأسرته في ضيافته، في قصر إنشاص.
وزاره الملك فاروق في قصر إنشاص في الخامس من حزيران، ودعاه إلى الغداء معه على المائدة الملكية، حيث استمع الملك طويلاً لحديث الأمير البطل العالمي عن الحرب الريفية، ولاحظ الملك تراجع صحة الأمير، فدعاه إلى الإقامة بمستشفى فؤاد الأول في الإسكندرية بضعة أسابيع تحت عناية الأطباء، ورعاية الملك فاروق نفسه.
وقد حبَّرت الصحافة المصرية عشرات المقالات ، وعلى مدى شهرين، عن هذا البطل العالمي، وعن حرب الريف المغربي، وعن القضية المغربية وجهاد رجالها.
وقد ساء هذا الاستقبال وقبول اللجوء الحكومة الفرنسية، فاحتجت لدى الحكومة المصرية، واتهمتها بأنها هي التي أغرت الأمير باللجوء إليها.
والحقيقة أن اللجوء كان بمحض إرادة الأمير ورغبته، ولم يقنعه أحد به، لا الملك فاروق، ولا الحكومة المصرية، ولا المغاربة المقيمون في مصر، وغضبُ فرنسا كان بسبب الحد الذي وضعه الأمير في وجه مطامعها فيه، ليكون ورقة يشهرونها في وجه ملك المغرب.
كان الأمير الخطابي قد لجأ إلى مصر وقد بلغ الخامسة والستين ولكن تقدم السن لم يؤثر على مواصلة جهاده في القاهرة، فقد بادر فور استقراره في القاهرة، إلى تشكيل لجنة لتحرير كل الشمال الإفريقي من الاستعمار، وإيجاد نواة لجيش التحرير الذي كان الشرارة الأولى لانطلاق الثورة المسلحة ضد الاستعمار، واستمر في جهاده إلى أن توفي بالسكتة القلبية في القاهرة، في السادس من شباط 1963م-1385هـ وهو يردد أنه يلقى الله مستريحاً بعد جهاده الطويل، فقد عاش حتى رأى الوطن العربي يتحرر من الاستعمار.
ولحبه مصر، أوصى أن يدفن في القاهرة، وكان له ما أراد، رحمه الله رحمة واسعة.
خاتمة:
لقد أعطى الأمير الخطابي بانتصاراته المذهلة، الدليل والبرهان، على أن الإنسان المسلم يستطيع أن يواجه الاستعمار، ويلحق به الهزائم المنكرة، فقد كان لانتصاراته الأسطورية، تأثير عظيم على الحركات التحررية في الوطن العربي، والعالم الإسلامي، بل في العالم كله، فانطلقت تقاتل المستعمرين وظلمهم وظلامهم، وقد كتب الكاتبون الأجانب، مقالات تحليلية، وكتباً في سيرة البطل عبد الكريم، وفي انتصاراته على دولتين لهما جيوش نظامية حديثة.. انتصر على الجيوش الإسبانية والفرنسية برجاله القليلين، وعتاده المتواضع، فلم تكن لديه طائرات ولا دبابات ولا مدرعات، وكان عنده إيمان يعمر قلبه وقلوب رجاله، وعزائم وإرادات، وأفاض الكتاب الأجانب في شرح جوانبه التنظيمية، والإدارية، والعسكرية.. كتبوا عن معاركه التي صارت تدرس في الأكاديميات العسكرية، وعدّوه صاحب مدرسة خاصة في تكتيك الحروب التحريرية، بما امتازت به من سرعة الحركة، وقوة المفاجأة، والمراوغة، انتصر بها على جيوش نظامية قوية.. وقالوا: إنه كان يتخذ القرار المناسب، وبمنتهى السرعة، تحت تأثير أي ظرف.
كان الأمير عبد الكريم يتسم بالإحساس الإنساني. كان ينشد الحق والعدل، ولهذا ثار على الظلم، وثار من أجل حق الإنسان، وكانت إنسانيته العميقة هي السحر الذي جذب إليه قلوب رجاله، وكان يكره التطرف والتعصب، ويتمسك بتعاليم الإسلام، فالدين –في نظره ونظرنا- رحمة وحركة دؤوب من أجل عدالة إنسانية تظلل البشرية جمعاء..
لم يسع إلى زعامة، ولا يحب التسلط بل نذر نفسه جندياً للحق والعدل والحرية، ووقف بصلابة في وجه كل طاغية ومستبد في الداخل والخارج.

اسفة اخواتي ان قمت باطالة الموضوع
اختكم امال
 
أسعدتني المعلومات الثرية عن المجاهد الخطابي
وعرفت نبذة عن الأمازيغ وعن حياتهم وتاريخهم
وأتمنى في المرات القادمة ان تكون المواضيع
قصيرة وفي اجزاء حتى يتسنى قراءتهن وفهمهن
بشكل أوسع وأعمق وان تبقى المعلومة في الذاكره
شكرا لك أختي الفاضلة على المعلومات وعلى
صدرك الرحب
واتمنى لك السعادة الأبدية
بأذن الله
تقبلي تحياتي

الم الامل
z3.gif

ا
 
الم الامل
اخي اشكرك وهذا اهداء خاص لحضرتك
اعلمني فقط ماذا تريد ان تقراء وستفيد منه
واكون جاهزة باذن الله
تقبل مني تحياتي
اختك امال
 

عودة
أعلى