التصفح للزوار محدود

البرج العاجى

(البرج العاجي)
متى ضربت قدميه الحياة؟ منذ نعومة أظفاره أكان يريد الحياة أم كانت تريده ؟ هذا أو ذاك سواء عنده لا يكترث سوى بتلك اللحظات التى يسرقها من الزمن خارج أسوار المصنع أو شوارع القرية التى يأتي منها... طالما تسائل منذ هبوطه للعمل بالقاهرة وهو يركب هذا الميكروباص أهى التى تسير أم هو ...لقد رأى من خلال نافذة الميكروباص أن الأرصفة والمبانى الشاهقة تمر وتُطوى فى صفحات نسيان كل راكب ولعل البعض لا ينتبه لأنه يغط فى النوم .... لم تكن هى المرة الأولى التى يولج من الميكروباص فى هذا الوقت المبكر قبل شروق الشمس ولم يختلف المكان لا يزال الكوبرى شامخا كما رآه منذ أشهر ... عندما اعتلاه رأى من سحره الخاص .... هذه العبارات التى تمر وسط الترعة يميناً ويساراً وذاك الضباب الرقيق الذى يغزو سطح الترعة ...يمتد بصره نحو شاطئي الترعة ليرى العمارات الشاهقة وقد غزا أسطحها أطباق الدش .... وما أكثرها أعلى هذه العمارة الشامخة وكأنها تمثال العصر الحديث وهى تملك هذا الكم من الأطباق ويسقط نظره حياء من النظر إليها ليرى على جانبي الترعة السيارات التى لا تتوقف عن السير يميناً أو يساراً ....هؤلاء البشر المتزاحمين خلفه تضرب الأكتاف الأكتاف وتتصفح الوجوه الوجوه دون أدنى تحية ...يلمح نفس الوجوه يوميا مع اختلافها لكنها أصبحت مألوفة لديه لم يصبح نفس طعم الغربة الأول عندما انحدر من قريته للعمل بالقاهرة ... لا يزال متسمرا مكانه يتأمل تمثاله العصرى الذى تعود أن يعطه إشارة أمل ليوم جديد بشروق الشمس من خلفه كما كان يراها فى قريته .... هاهي إشارة الأمل المنتظرة تبزغ لعلها إشارة له وحده ....فى قريته مع هذا البزوغ تضرب أقدام أهل القرية شوارعها وحاراتها الضيقة وتسمع أصوات مختلطة للبقر والجاموس والحمير وبين الحين والحين ينطلق صوت الراعى مع شقشقة العصافير وتسابيح الطيور .... يرى وهو فى حقله استسلام الندى للتبخر مع حرارة الشمس والنسمات الخفيفة المداعبة التى تسرى بين النباتات فتهتز وتبتسم أوراقها وتفغر الأزهار فاها لاستقبال النور ....إستقلبها ماء الترعة بابتسامة هادئة بعدما هتكت الضباب لتنفذ إلى رحم الترعة وابتسمت وعكست أشعتها وأطفأت الأنوار ....ومازالت الأقدام تزرع الكوبرى ذهاباً وإياباً والصمت يملأ الجميع وكأنما قد سيق إلى سقر وما يجول بخاطره سوى سؤال قديم منذ هبوطه إلى القاهرة للعمل لكنه حتى لحظة وقوفه أعلى الكوبرى لم يجد له إجابة وإن وجدها فلا تكتمل فتذوب فوق الشفاه وترتبك فى العيون وتبدو جلية فى النظرات .
هل هزمتهم الحياة أم هزموها ؟!
جرفه تيار البشر إلى أسفل الكوبرى الذى لا يتوقف عن التمدد فى الجانبين بكل قوة وما هو إلا غريق فى وسطه ولعله سيصبح جزء منه ذات يوم عندما يجد الإجابة التى يبحث عنها او يتجاهلها كالكثير من هؤلاء ......بعدما تخلص من انجذابه وسط التيار الجارف مد بصره نحو تلك الحجرة الصفراء التى تعود أن يتكشف أمرها كل يوم لعله تأخر هذه المرة فى رؤية الولوج الأبدى لهذا الرجل وظله وهما يخرجان من بين تلك الصخرة ...بدا يسوى هندامه العسكرى يجول بيده داخل الجاكتة ثم البنطلون بحثا عن صافرته ويده الأخرى تقبض على أوراقه وقلمه ....اخذ صديقه هو الآخر يسوى من شعر جسده الذى يقترب من اللون البنى يلعقه وينفض جسده ويمط جسده ويهز زيله ...يعتدل ويقترب من حافة الرصيف الخالى من الوقوف ثم يتبول ويعاود مط جسده ....يتابع خطوات صاحبه بالقفز واللعب مع شعر جسده تارة وتارة أخرى مع النسمات العابرة لا يعبأ ببذلة صديقه البنية أو أن يرى وجهه فى حذاءه الأسود اللامع .
صباح الخير يا أم نهاد .
صباح الخير يا أستاذ .....شاى أم حلبة ؟
شاى .
افترش الحصير على الرصيف الغاص بالسيارات التى تنتظر دورها فى جلب الركاب استوى فى جلسته ....أخذ يتأمل هذا الوجه الذى ضربته أمواج الحياة وأزبدت وأرغت ما شاءت ....الرأس معصوب بالإشرب الأسود والوجه القمحى المخطوط الجبهة ...لم يدر بخلده سؤالها كم عمرك يا أم نهاد ؟ لكنه خمن بفطنة لعلها تكون صادقة أنها فى الأربعين من عمرها .... لم يبق من شبابها الفتى سوى تلك البسمة الرقيقة التى تبعثها للزبائن كل صباح .. لم يكن هناك مذياع ...لكن الضوضاء كانت بمثابة المذياع المحلى للموقف ...ندائات السائقين وضربات الأطباق الآتية من بائعى الفول والأرز باللبن والوقوف والجلوس الذين يتراسلون بكلمات مختلطة لا يود استبيانها يذهب البعض ويأتى البعض الآخر .... أخذ يرشف شايه فى تلذذ ويملئ جوفه سؤال ترتفع حرارته مع حرارة الشاى الهابط إلى جوفه .
هل تدهم هؤلاء الباعة الذين هم دائماً مبتسمين الأحزان العامة ؟
هل أصابك الحزن قبل ذلك يا أم نهاد ؟
أجابته وهى تفترش الرصيف لغسل الأكواب المتراصة .
الأحزان واردة على الجميع فى كل مكان ؟
انفرجتا شفتاه عن ابتسامة باهتة وعاد ليبدى سؤاله أكثر .
أقصد ما يحدث اليوم فى فلسطين العراق كل دول الإسلام ؟
خرج الحزن من خلف ستاره عندما أعلن له الظهور على مسرح كل البشر وبدا ميلاده بزيادة التجاعيد والعبوث .
آه .... كل يوم ٌيقتل المسلمين والكل صامت وعندما وقعت بغداد ويليه سقوط لكثيرين كيل الحزن فاض فلم يعد مكان للفرح أو حتى الابتسامة التى من القلب انظر حولك هل تجد أحد من هؤلاء يضحك ضحكة صافية إنها كلها ضحكات شئ لزوم الشئ .
اقترب كوب الشاى من نهايته وهى لم تتكلم تقدم لزبائنها الطلبات فى صمت تزرع الموقف ذهاباً وإياباً .
عاد إلى الرصيف من جديد ليتزاحم بين الأكتاف المتراصة يبحث عن الأتوبيس مثل الجميع لم يلتفت للندائات المتتابعة من الموقف أو خارجه .
هل يمكن للحياة أن تغلق بابها الحديدى ولا يستطيع احد الإفلات من قبضاتها ... رفع معصمه إلى عينيه ليرى ساعته ....لقد بعثت العقارب فى نفسه بعض الارتباك خوفا من مضى الأتوبيس وتركه يقاسى ما يقاسيه الكثيرين فى الأتوبيسات العامة وانحشاره بداخلها دون رحمة ...استيقظ من شروده على صبيين يهرولان وراء كلب بالقرب من شاطئ الترعة أحدهما يتودد إليه بأيد والأخرى تحمل حبل معقود كى لا يستطيع الإفلات بعد السيطرة عليه بعد لحظات من التودد كان الحبل بعنق الكلب وانهال الآخر عليه ضرباً بعصاته والكلب يتشبث بالأرض محاولا الفكاك من الحبل ...ما كان منه إلا أن يصدر صوت أنات متواصلة وينظر إلى المارة كى يفك وثاقه أى مار ولكن دون جدوى ...وسار معهم منكس الرأس ليٌرحم من الضربات المتواصلة .
ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة وهو يدلف إلى الأتوبيس ليقله إلى أسوار يوم جديد .
انتهت
قصة قصيرة
رمضان السيد احمد محمد
الشهير برمضان الشرقاوى
 
يسلموووووووووووووووو قصة فيها كثير من المعاني الرائعة
بالفعل الابتسامه اصبحت مصتنعة على وجوه الجميع وهناك اسباب عديده قد جعلت المرء عايش ومو عايش
الله يوقف مع جميع المسلمين وينصر الفلسطينية والعراقية على من عداهم
احترامي
بنت التحدي
 
يسسلموو ..

كلمات معبره .. وتساؤلات عميقه ..

يعطيك ربي العافيه ..








.......................................
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
 
[glint]
[glow=cc00ff]
يسلمووووووووووووووو
ويا سلاااااااااااااااااااام
القصة الرااااااائعة
والله ينور عليك
تحياتي
عاشقة
[/glow]
[/glint]
 

عودة
أعلى