لغة الصم والبكم ::: قصة قصيرة

احلى شرجاويه

Well-known member
القلم يمشي متعرجاً مع تعرجات الحافلة ... الرجل الجالس إلى جواري يحاول التلصص وقراءة ما أكتب رغم محاولاتي الجادة للحد من نظراته المنحرفة ... ورغم ثنيي للورقة البيضاء التي أسودها بكتاباتي... أصبح أكثر جدية في معرفة ما أكتب ... أحسست بأنه يريد أن يسرق مني أعز ما أملك ... إنه فكري ... إنها معاناتي ... آلامي ... نظرت إليه محذراً ... أحسسته بأني منزعج ... يتلذذ بانزعاجي ... تزداد محاولاته ... الفضول والإحساس بالممنوع وأن كل شيء ممنوع مرغوب ...الحمد لله الرجل الجالس عن شمالي نزل من الحافلة جلست مكانه ومع ذلك أخذ مكاني وعاد لمحاولاته للنيل من كتاباتي ... عيناه تتحركان تبعاً لتحرك القلم من اليمين إلى الشمال ...

سرفيس ... إشارات ... مستشفى ...
انتبهت لنفسي ... لملمت أوراقي ... عندك ... عندك أنزلني ...
الراكب المتلصص لكتاباتي نزل هو الآخر ...

مشيت قليلاً ... أحسست أن هناك سهاماً تخترقني من الخلف ... نظرت خلفي ... إنه هو ... يتبعني ... ينظرني من الخلف ... كظلي يمشي خطوة وخطوة أخرى ... أختلس النظر إلى الخلف إنه ورائي ... خطرت لي فكرة توقفت عند أحد المحلات وبدأت أنظر إلى الملابس المعروضة وبطرف خفي من عيني أناظره ... لقد توقف أمام المحل الآخر بجانبي... بدأ الشك يساورني ... إنه يتبعني ... إنه يتقصدني ... أيعقل أن يكون منهم ...هل أنا مراقب ... هل يريد أن يعرف مكان عملي الجديد ... مشيت وغيرت اتجاهي تركت عملي خلفي واتجهت إلى المستشفى ... أخذت الشارع الملتف عن يميني ... ما زال يتعقبني ... أزيد من سرعة خطوي فتزداد خطواته سرعة ... ما الذي يريده مني ... سارى ما يكون من أمره ... نظرت بطرف عيني وأنا أهم بالدخول فرأيته قادماً ... تسارعت دقات قلبي ... وقفت عند مكتب الاستعلامات وكأني أريد ان أستعلم عن شيء ما ... نظرت خلفي ... دخل فجأة بسرعة ... نظر يميناً وشمالاً كأنه يبحث عني ... كدت أقول له أنني هنا ... لقد رآني ... تهللت أساريره واتجه نحوي ... أنا المقصود ... أنا هو لا محالة ... إنه يريدني ...

هل وشى بي أحد؟... لا أذكر أنني فعلت شيئاً منذ سنوات ... آخر مرة زرتهم فيها قالوا لي أن صفحتي أصبحت بيضاء ... لماذا دعوتموني إذاً ؟ ... أحببنا أن نسمع آخر أخبارك ... صافية ... وافية ... لا أذهب يميناً ولا شمالاً من البيت إلى العمل ومن العمل إلى البيت ... الرفاق القدامى هل تراهم ... تلتقي معهم ... تزورهم ... يزورونك ... تبت على يديكم ... أنتم تعرفون عني أكثر من نفسي ... شربت الشاي وأتبعته بـ فنجان القهوة ... العهد القديم ولّى ... احترامات ... إن شاء الله أن لا نكون أزعجناك ... أزعجتموني!!!! .. لا قدر الله ...
مجرد قرع الباب ... مطلوب ... مراجعة مكتب رقم ...., ليلة كاملة أحاسب نفسي ... هل أكون فعلت شيئاً دون أن أعلم ... لا .. لا ... هل يعقل أنهم رأوني أمر بجانب فلان ... هل سمعوه يرد السلام ... سأقول لهم أنه لم يوجه السلام لي ... أذكر أنني رددت السلام بصوت منخفض ...

ما زالت خطواته تتجه نحوي ... نظراته تخترقني ... أحسست برعشة تجتاحني ... بردت أوصالي ... وقع المغلف من يدي ... الله الله ... المغلف إنه يحمل الكثير الكثير من الأفكار المشتتة ... قد أكون كتبت بعض الأفكار المشؤومة لديهم ... لا لن أرفعه ... سأبقيه على الأرض ... إن سألني عنه سأقول أنه ليس لي ... كيف تنكر ذلك ... لقد كان يجلس بجانبك ويرى ما تكتب ... لقد رآك تضع الأوراق داخل المغلف ... ثم أن به أوراق ثبوتية باسمك نسيت أن تضعها في البيت ... نظراتي متعلقة برجليه ويداي تنزلان بجسمي لتلتقط المغلف ... وقع رجليه تزداد حدة في رأسي ... يقترب أكثر ... لا يهم سأواجهه ... سأربط على جأشي ... أشد عزيمتي ... أرفع رأسي أكثر ... أقابله بجسدي كله ... أتقدم نحوه ... يتخطاني ... يقترب من موظف الاستعلامات ... يحرك يديه يميناً وشمالاً .. أعلى .. أسفل.. وفي كل الاتجاهات ... يصدر حركات منتظمة ... يحاول رجل الاستعلامات فهم الإشارات ... ينظر نحوي وكنت قد التفت إليهما ... يسألني :


أرجوك يا سيدي هل تستطيع أن تفهم لغة الصم والبكم ؟؟؟؟ ....

 

عودة
أعلى