التصفح للزوار محدود

الكنـز العظيم

82.gif


الكنـز العظيم
---------------

وما أجمل النداء من الرحمن الرحيم – سبحانه وتعالى - الذي ينادي به أهل الإيمان بقوله : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) , ووعد الصابرين بالفضل العظيم بقوله : ((أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)) , وجعل ملائكته الكرام يستقبلون الصابرين بالتحية والسلام بقوله : ((وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)).

فمنزلة الصبر في الدين بمكان الرأس من البدن فلا إيمان لمن لا صبر له , ومن يتصبَّر يُصبِّره الله , وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ,

وقد جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده – رضي الله تعالى عنهم أجمعين - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا جمع اللهُ الخلائق نادى منادٍ : أين أهل الصبر ؟ قال : فيقوم ناسٌ وهم يسير فينطلقون سِراعاً إلى الجنة فيلقاهم الملائكة فيقولون : إنا نراكم سِراعاً إلى الجنة فمن أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل الصبر فيقولون : وما كان صبركم ؟ فيقولون : كنا نصبر على طاعة الله وكنا نصبر عن معاصي الله فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجرُ العاملين)) ,

وتأمل هذا الحديث العظيم فعن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله تعالى عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال : ((فإن من ورائكم أيام الصبر فيه مثل القبض على الجمر للعامل فيهم أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله)) قالوا : يا رسول الله أجر خمسين منهم قال : ((أجر خمسين منكم)) , وجاء في الخبر كما صح عن سيِّد البشر صلى الله عليه وسلم بقوله : ((الصبر ضياء)) وهذا التشبيه البليغ جعل الصبر كالسِّراج يحترق من داخله ويضيء من خارجه , والصبر في حقيقته كالدواء لكل داء , والعلاج طعمهُ لا يُقبل ولكن نهايته شفاء بإذن الله تعالى.

وخرجت أقوال السلف الصالح من مشكاة النبوة كقول عبدالله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - : (الإيمان نصفان : نصف صبر ونصف شكر) , وقول سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - : (يحتاج المؤمن إلى الصبر كما يحتاج إلى الطعام والشراب) , وقول سليمان بن القاسم - رحمه الله تعالى - : (كلُّ عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر : ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب)) فقال : كالماء المنهمر) , وكان صالح المرِّي - رحمه الله تعالى – يقول : (اللهم ارزقنا صبراً على طاعتك وارزقنا صبراً عن معصيتك وارزقنا صبراً على ما نكره وارزقنا صبراً عند عزائم الأمور).

والمؤمن بالقضاء والقدر ليس له إلا الإيمان والراحة والاطمئنان والأمن في الدنيا والآخرة ومصداق هذا قوله تعالى : ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) , وقوله تعالى : ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)) , وقوله تعالى : ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ)).

وتقاس قوة الإيمان في القلب عند حلول المصيبة فقد جاء في الحديث عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال لها : ((اتقي الله واصبري)) قالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت إليه فقالت : لم أعرفك فقال : ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)).

ونصيحتي إلى كل مهموم ومغموم ومُبتلاً في دينه ودنياه أن يذكر هذا الحديث العظيم الذي هو في الحقيقة عزاء لأهل البلاء فعن عبدالله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب)).

والمصائب والبلايا تحل على الناس - خاصة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام - ليمحص الله – تعالى - إيمانهم فعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - قال : قلت يا رسول الله : أي الناس أشدُّ بلاءً ؟ قال : ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل الرجلُ على حسب دينه فإن كان في دينه صُلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)).




 
رد: الكنـز العظيم

بارك الله فيك
وجزيت خيرا
أختي الفاضلة​
 

عودة
أعلى