التصفح للزوار محدود

«المعاقون».. من عدالة التشريع الى ظلم «التهميش»

دمشقي

Well-known member
«المعاقون».. من عدالة التشريع الى ظلم «التهميش»

عندما يتعلق الامر بواجبات المعاق وحقوقه الشرعية والاجتماعية يتقرر في الاذهان عظيم الآيات وكريم الواجبات التي قررها رب الارباب وارشد اليها الرسول صلى الله عليه وسلم بوجوب الاعتراف بالمعاق وترسيخ دوره الاجتماعي وعدم اقتصائه خلف ردهات الزمن وعظم الألم فجسارته لكي يشعر هو بالثقة ويسعى الى اسماع صوته والتغلب على اعاقته ويؤمن بانه جزء لايتجزأ من الحياة الاجتماعية ومدى فاعليته فيها.
ملحق الدين والحياة كان له هذا النقاش العلمي المتصل بالجانب الشرعي في كيفية تقرير الاسلام لحقوق المعاق وشروط الوقاية منها فكان هذا النقاش مع عدد من المختصين في هذا المجال.
عبدالعزيز الزهراني وجه اعلامي واحد المكفوفين والعاملين بمعهد النور بمكة المكرمة اوضح ان كيفية حفظ الاسلام «للمعاق» يتضح من خلال ما يعلمه الكثير بأن الله تعالى «عاتب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في شخص معاق وهو ابن ام مكتوم متمنيا على الكثير قراءة هذه السورة وتفسيرها كذلك ابن الجموح فقد قاتل يوم احد بعرجته لهذا فهناك الكثير من المعاقين كان لهم بصمة جيدة في الحديث الشريف كالترميذي مثلا والاعمش والاخفاشة الاربعة فهؤلاء كلهم قمة في العطاء والتضحية من اجل المجتمع «مضيفا الى ان من اشكال رعاية الاسلام للمعاق» حثه على عدم كسر نفس المعاق او اهانته او التحقير من شأنه فمن المهم والضروري جدا ان يحس المعاق انه احد افراد هذا المجتمع وان المجتمع لايستغني عنهم بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث ابن ام مكتوم على ضرورة الصلاة مع الجماعة وهذا اكبر دليل على ان المعاق ينبغي الا يحجب عن المجتمع بأي حال من الاحوال ويشاركه في ذلك سعيد غانم القحطاني بمعهد النور بالمنطقة الشرقية بقوله ان الاسلام راعى المعاق كما هو مقرر في الاية الكريمة «ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج».
مؤكدا اهمية تفعيل هذه التطبيقات فالاسلام صالح لكل زمان ومكان مشيرا الى مثالية الوليد بن عبدالملك في خدمة المعاق حيث لم يقدمها احد في العصور الاسلامية فكان قد اقر على اعطاء كل كفيف قائد يقوده فهذه خدمة جليلة.
وفيما يتعلق بكيفية نهوض المجتمع الاسلامي نحو المعاقين يؤكد عبدالعزيز صالح الزهراني ان هناك امورا لابد ان يشار اليها واذا اردنا نهوضا عمليا فيجب التركيز على جوانب مهمة منها اولا:
- التعليم فلماذا لاتطرح كتب القراءة العربية مواضيع وقصص عن المعاقين تبيض صفحتنا في عيون الاخرين.
- الدين فلماذا لانطرح ايضا الثقافة الاسلامية مواضيع الحديث الشريف احاديث عامة تتحدث عن حرص الاسلام للمعاق وحق المعاق على المجتمع الاسلامي.
- والتاريخ نتمنى منه ان يشير الى بعض الاسماء التي واكبت بعض الخلفاء او بعض الناس بالاشارة اليهم كونهم اناس معاقين وحتى وان كانت تلك الاشارة عارضة.
- الخطابة والخطباء والوعاظ فهناك بعض الخطباء والوعاظ يعرضون قضية المعاق كما لو كان انسانا ينبغي الاعتبارية وكأننا اناس وقع علينا عذاب من الله عز وجل فبدل ان يتمنوا على الناس ان يدعوا لنا بالشفاء نتمنى ان يقوموا بحقنا على ما ينبغي وان وان يقدموا الخدمة لنا بصورة ليس فيها منه من احد كما انهم يتحدثون عنا وكأننا واد للعذاب او منطقة نزل فيها بلاء على قوم عصوا الله عز وجل.
وفيما يخص الصدود الاجتماعي لدى المعاق يؤكد سعيد القحطاني ان المعاق هو الذي يفرض نفسه قائلا انه فرض نفسه على المجتمع الى حدٍ ما ولكن قد لايستطيع المعاق في ظل الامور الحياتية والعصر الذي اصبح الانسان يتسابق فيه ليحصل على نصيب الاسد ليؤكد انه اذا لم يسع المعاق لبناء نفسه لاصبح مهمشا ليتساءل لماذا نحن مهمشون ليجيب ان النظرة المجتمعية هي السبب في ذلك فيما يرى عبدالعزيز الزهراني ان الصدود الاجتماعي له اشكال منها: النظرة للمعاق بنظرة الشفقة اضافة الى العزوف عن مساعدته وعدم فهم نفسيته كونه يحتاج بل يسعى ان يكون احد افراد المجتمع كذلك عدم قبوله كزوج او كزوجة بل ان بعض الاسر تستحي وتخجل ان تقول لدينا معاق لأسباب منها:
- الاعلام الذي لم يفلح في ايصال صوتنا كما ينبغي.
- المدارس التي تعرض المعاق كأنه انسان شحات.
- التعليم فمناهجنا لايوجد بها اشارة واضحة على ضرورة عرض صورة ناصعة البياض وتؤكد ان المعاق احد افراد المجتمع.
ويضيف «سعيد القحطاني» «ان اصواتنا لم تسمع» لدى المجتمع معللا ذلك بقوله «قد يكون المعاق بمثابة الدعاية للتبرع اضافة الى ان الاجهزة التي تختص بالمعاقين اسعارها باهظة وغالية الثمن لذلك نطالب بتوفير موارد مالية تصرف لنا بانتظام وبقدر كاف حيث الذي يصلنا لايكفي ولايفي بمتطلباتنا الضرورية فيما يقترح عبدالعزيز الزهراني ان يوضع لنا يوم من الايام ويخصص لنا فرصة في امارات المناطق بالاستضافة حتى لو مرة كل شهرين لنعرض اشكالاتنا التي نعاني منها سواء كانت على الصعيد الثقافي او البلدي او الاعلامي متمنيا ان يصبح في ذلك توجيه كريم يحقق لنا هذا المطلب.
مشيرا الى تفعيل دور لجنة العرائض بمجلس الشورى يعرض اي عريضة تصلهم من اي معاق وتطرح هما عاما ان تجد طريقا مباشرا من حيث الاولوية في مجلس الشورى ومناقشتها منتقدا البرامج الاعلامية التي تطرحها وسائل الاعلام في هذا الجانب بأنها ليست ذات جودة اضافة الى تحدثها عن المعاق في قضيتين اما ان يكون طالب شفقة او انه رجل خارق للعادة متمنيا من الاعلام ان يتبنى قضايا مهمة وان يعرض المعاق فرد عادي من المجتمع وتقريبه من المجتمع حتى يتمكن من العمل والزواج والسكن بالشكل الذي يكون فيه كرامة ملمحا الى ان الصحافة مقصرة كثيرا في نشر مقالاتنا التي تجسد ادوارها فيما يأمل «سعيد القحطاني» بأن تغطي وزارة الثقافة والاعلام الفرصة لهم بالاستضافة والمشاركة في الاعداد وتقديم البرامج الاعلامية لكون الاعلام همهم الاكبر وامنيتهم الوحيدة التي اعتبرها الكثير حاجزا لنا عن ممارسة ادوارنا الاعلامية. وعن دور الجمعيات الخاصة بخدمة المعاقين فيؤكد سعيد القحطاني ان هذه الجمعيات بعيدة كل البعد عن المعاقين ونتيجة ذلك ترى الاتهامات من الطرفين المعاقون يقولون ان الجمعية مقصرة والجمعية ترد بأن المعاقين يريدون اشياء لاطاقة لنا بها مقترحا ان يكون العاملون بالجمعية من «المتطوعين» لا الموظفين الرسميين لان التطوع هو افضل في تقديم الخدمة لذلك انادي بدخول المتطوعين لهذا المجال اضافة الى وجود البيروقراطية الزائدة في الأنظمة بالجمعيات فهي عائق امام ابداعاتنا وتقديم خدماتنا.
بينما عبدالعزيز الزهراني يطالب بأن يرأس هذه الجمعيات اناس اعتباريون يكون لهم مناصب في الدولة حتى تصل اصواتنا كما ينبغي ولكن يبدو ان هناك خلافا تحت الرماد حول من يترأس هذه الجمعية الذي جعلها مختفية عن ادوارها.
ومن جانب المنهج العلمي والشرعي وربطه بالواقع الذي يتعلق بحفظ الاسلام للمعاق في كتاب الله تعالى وكيفية تقريره الالهي يؤكد لنا الشيخ موسى بن حسن ميان عضو الدعوة والارشاد بالمدينة المنورة ان الاسلام كان له صورة من التعامل من حيث قضاء حاجاتهم وخدمتهم لذلك فقد اهتم الاسلام اهتماما كبيرا بكل فئات المجتمع وحرص المسلمون على الرعاية الكاملة للضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة فلو افترضنا ان في المجتمع فئة قليلة من الناس ذوي احتياجات خاصة تكاد لاتذكر فان هذه القلة تحت نظام الاسلام وحمايته ستجد من يقف جانبها ويساعدها وعليها جاءت الايات الكريمة في كتاب الله تعالى لتؤكد للجميع ان الله تعالى يحث على نصرة الضعيف واعانته قدر الاستطاعة.
مضيفا الى ان المتأمل في آيات الله تعالى يجد نفسه امام آيات كثيرة توحي بهذا المعنى قال تعالى «ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لايجدون ما ينفقون حرج اذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم» بمعنى عدم الحرج في مسألة الاكل والشرب في بيوت الاقارب.
مؤكدا ان المتأمل في القرآن الكريم يجد امامه مثلا ايجابيا من امثلة الاهتمام والرعاية وهذا المثل القائم والخالد بخلود كتاب الله تعالى وهو عتاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في قصة عبدالله بن ام مكتوم ذلك الاعمى الذي حضر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم فراغه وانشغاله يدعوه كفار مكة وسادتها ومحاولة جذبهم الى توحيد الله وادار وجهه عنه والتفت اليهم وبالطبع لم ير ابن ام مكتوم ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لانه اعمى فجاء في كتاب الله «عبس وتولى ان جاءه الاعمى» الايات..مؤكدا بأن الله تعالى اوضح لنبيه ولامته ان المؤمن الضرير الكفيف هو اطيب عند الله من هؤلاء الصناديد الكفرة فكان صلى الله عليه وسلم كلما رآه هش له ورحب وقال «اهلا بمن عاتبني فيه ربي» وعلى الرغم من فقر ابن ام مكتوم وثراء هؤلاء القوم الا انه عند الله اثقل ميزانا واحسن حالا وافضل معاقا وربما يكون ابن ام مكتوم نبراسا لهؤلاء الضعفاء وكذلك الاغنياء كما اننا لا نبالغ بقولنا ان الخليفة عمر بن عبدالعزيز حث على احصاء عدد المعوقين في الدولة الاسلامية ووضع الامام ابو ضيفة تشريعا يقضي بأن بيت مال المسلمين مسؤول عن النفقة على المعوقين والوليد بن عبدالملك بنى مستشفى للمجذومين عام 88هـ واعطى كل مقعد خادما وكل اعمى قائدا بل ان من كتب من علماء المسلمين عن المعاقين الرازي الذي صنف درجات فقدان السمع وشرح ابن سينا اسباب حدوث الصمم بل وان من علماء المسلمين من كان يعاني من اعاقة ومع هذا لم يؤثر ذلك عليهم امثال عثمان محمد بن سيرين، ودعبل الخزاعي، وفي هذا الزمان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى مع انه كان فاقدا للبصر الا انه كان اماما زاهدا ورعا ناصرا للدين.
اما ما يتعلق بدمج المعاق وكيف قرره القرآن الكريم والسنة المطهرة فقد اعطى الاسلام لهؤلاء المعاقين حقوقهم فحرص على دمجهم في المجتمعات ويظهر ذلك في توليه النبي صلى الله عليه وسلم لابن مكتوم للمدينة عندما خرج لاحدى غزواته صلى الله عليه وسلم اضافة الى اتجاه الاسلام الى المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه المعاق فيعلمهم ويربيهم على السلوك الذي يجب عليهم ان يسلكوه في معاملتهم لاخوانهم واهليهم من ذوي العاهات فهو يعلن بصريح الجنازة ان ما حل باخوانهم في بلاد لاينقص قدرهم ولاينال من قيمتهم في المجتمع فهم جميعا سواء لاتفاضل بينهم الا بالتقوى فقد يكون صاحب العاهة افضل واكرم عند الله من الف صحيح معافى كما قال تعالى «ان اكرمكم عند الله اتقاكم» فالميزان الحقيقي هو التقوى وليس المال او الجاه او الصحة او الصورة الخارجية او غير ذلك لانه لايمكن ان تتحقق الغاية السابقة من هذه الحياة الا اذا تحقق ميزان التقوى وهذا ما اكده الرسول الكريم في اكثر من حديث كما في حديث حجة الوداع كما ان من حقوقهم عدم السخرية منهم كما قال تعالى «يا ايها الذين امنوا لايسخر قوم من قوم» فالمجتمع الذي يزدري الاصحاء فيها اهل البلاء يكون مصدر شقاء والم لهؤلاء قد يفوق الم المصيبة وربما فاقها فعلا فكم من ذوي البلاء من حمل عاهته ورضي بواقعه الا انه لايمكن ان ينسى نظرة احتقار من احد الناس بل اننا جميعا قد ننسى كل متاعب الحياة ومصاعبها ولاننسى بسمة سخرية او كلمة استخفاف تلقيناها من الاخرين كما ان لاهل البلاء مكانة في المجتمع بمساهمتهم في خيره واسعاده وفي مقابل ذلك يتوجه الاسلام الى خير علاج واصلحه لنفس المعاق ليجتث منه القلق والشعور بالنقص ويحل مكانه الرضى والثقة والسعادة حيث يرشده الى ما يعانيه من شدة العاهة لاينتقص من كرامته كما لايحط من قيمته في الحياة لان العاهة الحقيقية هي تلك التي تصيب الدين والخلق للمسلم وبمعادلة بسيطة يقارن الانسان بين فقد البصر مثلا وفقد الشرف ويقارن بين بتر اليد والرجل وبتر الكرامة والاخلاق وتشوه الدين والضمير.

منقول عن عكاظ
 
بارك الله فيك
 

عودة
أعلى