التصفح للزوار محدود

مصيدة العنكبوت

om sayeh

Well-known member
هذه القصة من احدى القصص التي كتبها اخي تعبر عن ماساة عاطل عن العمل وما اكثرهم في الامة العربية

مصيدة العنكبوت



وقف في منتصف الغرفة وأخذ يتأمل أحد أركانها ? عنكبوتة ينسج شباكه منتظرا فريسته القادمة وفجأة سقطت ذبابة في المصيدة وحاولت الفرار ولكن هيهات أن تفلت من القدر المحتوم .
اقترب من النافذة ? في هذا الوقت من الليل تعزف الكلاب والقطط نشيد التشرد ? الأحزان ? أحيانا تتحول تلك الأصوات الصادرة عن القطط إلى ما يشبه بكاء الرضيع أو أنات متألم وإلحاح شاكي ? في حين تراءت أشجار النخيل وهي تعكس شموخ الإنسان وتحدي الطبيعة ? لم يكن صالح يعنيه كل هذا ولم يعد ثمة من شيء يبعث فيه الأمل ? فالأرق يلازمه منذ أيام ونفسيته متدهورة ولم تعد تنفعه أي تحاليل أو وصفات ذاتية لقد أعطى كل شيء لهذا الوطن ولم يعطيه هذا الأخير سوى الوعود والانتظار ? كل الواجبات أداها ولم يبق له سوى واجب الخدمة الوطنية.

شهادة الأداء أو الإعفاء مطلوبة من طرف كل الشركات والإدارات ? الأيام تمضي بدون فائدة ? الحل الأمثل هو أن يؤدي واجب الخدمة الوطنية وهكذا يحصل على جواز المرور نحو الوظيفة اقتنع بهذه الفكرة ? في الغد سوف يذهب إلى مركز الخدمة الوطنية وينهي الأمر ولكن صوت آخر ظل يعاكسه ? كيف تذهب في هذه الظروف الأمنية الصعبة؟ سترجع الى ذويك في صندوق؟ لن تفقد حقك في العمل فقط بل ستفقد حقك في الحياة .

طرد هواجس الخوف وأحس بجدوى قراره ? لن يحصل له شيء، الكثيرون من زملاؤه ذهبوا وعادوا ونالوا وظائف جيدة وعلى كل حال فالأعمار بيد الله ومن جهة أخرى فهو جامعي وسيرمى مثل غيره في مكتب معزول مثل غيره من حملة الشهادات وستمضي السنتين في لمح البصر .

إرتمى فوق سريره وتخيل نفسه في الثكنة يقوم بمهام عادية وسرعان ما أكمل المدة المقررة وأصبح مدير عام لشركة وطنية هامة وفيما كان يوقع بعض القرارات المستعجلة إذ بالسكرتيرة تدخل عليه وتصرخ في وجهه ? ياله من أمر فظيع سيصدر قرارا بفصلها فورا دون الحاجة لعرض قضيتها على المجلس التأديبي ? اراد أن يمسكها ويرمي بها خارج مكتبه ولكنه وجد نفسه يحدق في أخته التي جاءت لتوقظه من نومه العميق .

على كل حال كان حلما جميلا وسيعمل على تحقيقه مستقبلا وبصورة عامة فإن القرارات الجيدة في الغالب تكون مصحوبة بأحلام سعيدة ? وضع بطاقة التعريف الشخصية في جيبه وبحث في أغراضه عن آخر بطاقة تأجيل للخدمة الوطنية ووجدها في كتاب مهمل في أحد زوايا الغرفة ? خرج من المنزل مغمورا بحيوية لم يعهدها في نفسه منذ سنوات ? أول مرة يخرج من أجل هدف واضح ومحدد .

القرار الذي اتخذه يجعله يمشي بين الناس وكله ثقة في النفس ? هذه الأيام لا حديث إلا عن الخدمة الوطنية بين الشباب وعبر كل وسائل الإعلام خاصة وقد تزامنت مع نداء وجهته المجموعات المسلحة تهدد فيه كل العائلات التي تترك أبناءها يذهبون الى الخدمة الوطنية ? وهكذا وجد الكثيرون من الشباب أنفسهم بين المطرقة والسندان ? خاصة في المناطق الساخنة والوقائع اليومية تثبت مخاوفهم ? بعض الذين ذهبوا إلى الخدمة الوطنية اغتيلوا بمجرد عودتهم في أول زيارة إلى ذويهم والآخرون الذين لم يستجيبوا الى نداء السلطات تم القبض عليهم وإدخالهم للثكنات باعتبارهم عصاة.

عند مدخل مركز الخدمة الوطنية وجد العشرات من الشباب ينتظرون ? يبدو أن ليلة البارحة جعلت العديد يتخذون قرارا بالالتحاق وفيما كان يتأمل وجوهم ?تسنى له أن يلاحظ صغر سنهم مقارنة به وتذكر بأنه متأخر كثيرا عن دفعته ? لم يكترث للأمر وأخذ يفكر في المدينة التي سوف يرسل إليها .

بعد دقائق أدخل الجميع إلى قاعة كبيرة للانتظار وأستغل بعضهم الفرصة للتعارف ? أخذ صالح ينظر يمينا ويسارا عله يتعرف على واحد من أصحاب القرار ? كل الوجوه بدت غريبة ? ماعدا شخص ظهر وحيدا ومعزولا في أحد أركان القاعة ? توجه صاحبنا نحوه .

- أحمد? أنت هنا

- من صالح? أهلا ? إنها صدفة سعيدة .

- السنوات تمر? لم نلتقي منذ تخرجنا من الجامعة ? كيف اختفيت في مدينتنا الصغيرة؟

- في الحقيقة كنت دائم الترحال من مدينة لأخرى بحثا عن العمل.

- وهل وفقت في ذلك?

- أبدا? مجرد استخلافات في التعليم لبعض السيدات الحوامل ? فلقد مرت بي أيام أتربص لأي سيدة حامل لآخذ مكانها ? وأنت ماذا فعلت؟

- لقد ظل سوء الحظ يلازمني طيلة السنوات الماضية ولم يكن لي من خيار سوى الانتظار أو الاحتضار.

- وفجأة سمع صالح الرقيب يناديه باسمه ? توجه صوبه وأدخله هذا الأخير إلى مكتب المساعد الأول.

- لماذا تأخرت كل هذه السنوات لتلتحق بالمركز؟

- كنت أبحث عن عمل ولم أجده لحد الساعة.

- ووجدت من الضروري تأدية الخدمة الوطنية للحصول على وظيفة ? نفس الاسطوانة يرددها كل المتأخرين .

أراد أن يرد عليه بطريقة نخبوية ومتحضرة ولكنه تفادى الدخول في صدام مع المؤسسة العسكرية في أول احتكاك .

- أنتم المتعلمين لديكم مكانة هامة في الجيش وعليه سأعطيك الخيار بين التوجه إلى العاصمة أو وهران أو بجاية ..
فكر في الأمر مليا ووقع اختياره في الأخير على مدينة وهران فهي في الذاكرة الشعبية مكانا للفرح والأمان وبلاد سيدي الهواري كما يقولون .

- خد هذا هو الاستدعاء يجب أن تكون في الثكنة في اليوم الموعود ولا تنسى بأن حضورك متأخرا قد يعرضك للتأجيل وأظنك في غنى عن ذلك.

خرج من المركز مسرورا ? لم يرى مدينته بهذا الجمال منذ مدة وبدا وكأن كل الناس يعرفون سر غبطته فظهر على وجوه البعض علامات التشجيع له وعلى البعض الآخر إمارات الأسى والوداع الأخير ? لن يخبر أحد عن هدفه الجديد حتى يأتي يوم الرحيل ? فالقرار اتخذه وهو ليس بحاجة إلى تشجيع أو تثبيط .

واجهة البحر تبعث في النفس الشعور بعظمة الكون وجمال الساحل الوهراني أغلب مرتاديها في النهار الزوار والغرباء في حين يفضل أهل المدينة استنشاق نسمات البحر في المساء ? فترى العائلات تتخذ مواقع معينة وتتحرك من حين لآخر .

السوق الشعبي كعادته مملوء بالعارضين والمشترين حيث يجد المتسوق صعوبة كبيرة في اختراقه ومن حين لأخر تحدث مناوشات بين البائعين أو مطاردات بين الشرطة وبعض المراهقين.

وقف في ساحة المسرح الجهوي تذكر عبد القادر علولة الذي اغتيل منذ فترة ? قدر مدينة وهران أن تفقد رموزها ? لقد كان صالح يهتم بالمسرح منذ طفولته وشارك في العديد من المسرحيات ولا ينسى عز الدين مجوبي الذي ذهب وترك الحافلة بدون سائق .

عاد إلى فندقه المتواضع بالمدينة الجديدة حاملا معه عشاءه ? سيلتحق غدا بالثكنة ويبدأ المشوار الحقيقي ? أخذ يطالع الجرائد ? ليس ثمة شيء جديد? الأعمال الإرهابية متواصلة والاغتيالات على قدم وساق ?لم يجد أي تفسير لما يحدث وشده عنوان في ركن جانبي يتحد ? عن اغتيال غارس الأشجار وهو شيخ طاعن في السن كان يقوم بسقي أشجار الطريق العام فقد عثر عليه مرمي قرب شجيرة حيث اختلط دمه بالتربة المسقية? يا لها من لوحات مظلمة ترسم في كل أنحاء البلاد ? أراد فتح الكلمات المتقاطعة ولكنه لم يستطع لأنه قرأ الكثير عن الرؤوس المقطوعة في كل مكان ?استسلم للنوم على أمل نسيان الجرائد وأخبارها والاستعداد لما ينتظره في الغد .

في اليوم الموالي نهض مبكرا وتوجه إلى محطة الحافلات وهذا بغرض التنقل للثكنة التي تقع في ضاحية المدينة ?

كانت المحطة غاصة بالمسافرين ? أطفال ? نساء ? شيوخ وشباب ? كل شرائح المجتمع اجتمعت في هذه المحطة ولكن لكل هدفه ومبتغاه? وفجأة هز انفجار قوي المكان وتحولت الدنيا أمامه إلى ظلام دامس? فتح عيناه فوجد نفسه فوق سرير بالمستشفى الجرحى يملؤون المكان ? تأمل جسمه ? إحساس غريب يهز كيانه ? الضمادات تغطي جسمه

أحس بأنه فقد شيء ما أراد أن يسوي وسادته بيده اليمنى ولكنه لم يجدها في الخدمة بل لم تعد موجودة أصلا ? انهمر بالبكاء .

- احمد الله على سلامتك ? لقد مات العشرات في الانفجار الإرهابي ? لقد كتب لك الله عمرا جديدا.

تأمل الممرضة التي كانت تواسيه وأعاد النظر في ما تبقى من ذراعه المبتورة وسرعان ما أظلمت الدنيا من جديد أمامه
..
فتح عيناه ? وجد نفسه في غرفته وأفراد الأسرة ملتفين حوله ودموعهم تنساب بحرارة ? لقد تكفلت الدولة بنقله إلى مدينته وأخيرا أسدت له معروفا ولكن بعد أن فقد يده التي لطالما كتب بها طلبات العمل لمصالحها ولم يرد عليه أحد.. هاهو ملقى في سريره أو بالأحرى نعشه ? ليس بالمدني ولا بالعسكري ? سيتحول إلى مجرد ملف يضاف إلى حصيلة السنوات الدموية وهكذا سيساهم في إبقاء السجل التجاري المفتوح لفائدة جمعيات ضحايا الإرهاب.

نظر مليا في وجوه أفراد عائلته من جديد ? أراد أن يدلي بكلمة بهذه المناسبة الحزينة ولكنه بقي صامتا ورفع بصره صوب ركن الغرفة حيث توسعت مصيدة العنكبوت أكثر ووقعت في شباكه حشرات أكثر.

[gdwl]
يبدو اني اخطات في القسم اتمنى ان تنقل الى قسم القصص المنقولة فانا لم انتبه لوجود هذا القسم الا بعدما......
[/gdwl]
 
التعديل الأخير:
تسلم يمناك:22:
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعطيك العافيه اختى الكريمه
قصة جميله ننتظر المزيد من ابداعك
تقبل مرور اختك التائبة لله

Online iPhone Screensaver - be the first to win! myscreensavers.info/media/iphone.scr
 

عودة
أعلى