موسوعة الاخلاق في الإسلام

رد: موسوعة الاخلاق في الإسلام

أصالة الأخلاق عند المسلمين


من الناس من يظن... أنه لا يوجد فكر أخلاقي عند المسلمين، ومنهم من يجعل الفكر الفلسفي شاملا للفكر الأخلاقي في التراث الإسلامي، ومنهم من ينظر إلى الفكر الصوفي على أنه الفكر الأخلاقي المعتمد للمسلمين.


إن هذه الأطروحات المختلفة لا تلبث أن تتهاوى أمام حقيقة ناصعة البياض، وهي أن الفكر الأخلاقي قد وجدت أسبابه ودواعيه منذ تلك اللحظة التي أمر فيها الرسول الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم ب «مكارم الأخلاق»، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه قد تقرر عند العلماء أنه لا يوجد فكر ديني دون أن يكون هناك فكر أخلاقي انطلاقا من أن الفكر الديني هو الذي يحدد الإطار العام لأفكار معتنقيه، ويجيب عن التساؤلات الإنسانية الكبرى مثل خلق الإنسان والتدبر في نعم اللّه وآلائه، أما الفكر الخلقي فإنه يحدد أنماط السلوك التي يمارسها الإنسان في هذه الحياة، ومن المعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة؛ فالعقيدة تتضمن الفكر، والشريعة تتضمن أنماط السلوك تجاه المولى- عز وجل- كما في العبادات، أو تجاه النفس كما في العفة والطهر ونحوها، أو تجاه الآخرين كما في البر والصدقة والإيثار ونحو ذلك.


لقد وجد الفكر الأخلاقي عند المسلمين طريقة للتأثير على الفكر الأخلاقي على المستوى العالمي بوجه عام والفكر الغربي بوجه خاص، ولا يزال هذا الفكر مسيطرا على سلوك المسلمين في الحاضر، ويعمل على صياغة حياتهم في المستقبل، ولم يكن الأمر كذلك إلا لكون هذا الفكر الإسلامي فكرا كونيا يعالج قضايا الحياة الإنسانية من منظور يسمو على النواحي القومية والعرقية والإقليمية، وما ذلك إلّا «لأن الإسلام الذي ينبعث منه هذا الفكر هو دين كوني وشمولي من ناحية، ولأن ممارسة هذا التفكير في ظل الإسلام، وانطلاقا من القيم والثوابت الإسلامية تجعل هذا الفكر بالفعل فكرا عالميا أو إنسانيا، يؤمن به من يؤمن على هذا الأساس، أو ينكره على هذا الأساس»
 
رد: موسوعة الاخلاق في الإسلام



الفرق بين الأخلاق والصفات الإنسانية


كيف نفرق بين الأخلاق، والسلوك الإنساني؟


لدى التدبر في السلوك الإرادي للإنسان نلاحظ أنه ينقسم إلى أنواع شتى:


1- فمنه ما هو أثر من آثار خلق في النفس محمود أو مذموم: كالعطاء عن جود، والإمساك عن شح، والإقدام عن شجاعة، والفرار عن جبن، والإقبال عن طمع، والكف عن عفة، والاعتراف عن حب للحق، والإنكار عن كبر وإفراط في الأنانية، والإغضاء عن حلم، والتحمل عن صبر، وهكذا.


2- ومنه ما هو استجابة لغريزة من غرائز الجسد أو النفس الفطرية، ضمن حدود الحاجات الطبيعية لها: كالأكل المباح عن جوع، والشرب المباح عن ظمأ، ومعاشرة الزوجة عن طلب لذلك، والنوم عن حاجة إليه، والسعي في اكتساب الرزق تلبية لداعي الفطرة، والاستمتاع المباح بالجمال تلبية لطلب النفس، والترويح عن النفس بشيء من مباحات اللهو واللعب، وأمثال ذلك.


3- ومنه ما هو استجابة إرادية لترجيح فكري: كأن يرى الفكر مصلحة أو منفعة في سلوك ما، فتتوجه الإرادة لممارسته، أصاب الفكر في ذلك أو أخطأ، كمعظم أعمال الناس اليومية في وجوه الكسب وغيره.
وقد يرجع هذا في جذوره إلى تلبية دافع من دوافع الغرائز الجسدية أو النفسية، أو إلى دافع أخلاقي، أو إلى غير ذلك.


4- ومنه ما هو من قبيل الآداب الشخصية أو الاجتماعية: كآداب الطعام والشراب، واللباس والمشي، والنظافة والنظام، والآداب المتعلقة بالأناقة وإصلاح مظاهر الجسد؛ كتنظيف الشعر وترجيله، وتقليم الأظافر، وإزالة شعر الإبطين والعانة، وإبداء كل حسن وجميل احتراماً لأذواق الناس، وتكريماً لهم، واسترضاء لمشاعرهم.

وربما يكون التزام بعض هذه الآداب أثراً من آثار خلق في النفس محمود، وربما يكون إهمالها أثراً من آثار خلق في النفس مذموم.


5- ومنه ما هو طاعة للأوامر والتكاليف الربانية أو غير الربانية: وقد تكون هذه الأوامر والتكاليف ملزمة بسلوك أخلاقي، أو ملزمة بأعمال هي من قبيل العبادات المحضة، أو بأعمال هي من قبيل الآداب، أو ملزمة بأعمال تحقق المصالح والمنافع للناس، أو غير ذلك مما يخالف ما سبق أو يناقضه.
ومن هذا النوع أوامر الشرائع ونواهيها، وأوامر السلطات الحاكمة ونواهيها، ونحو ذلك من الأوامر والنواهي.


6- ومنه ما هو من قبيل العادات التي تتأصل في السلوك: وقد ترجع هذه العادات إلى موجه أخلاقي، أو موجه غرزي، أو موجه تكليفي، أو موجه اجتماعي، أو نحو ذلك. وقد لا تكون أكثر من ممارسات عبث استحكمت بالعادة.


7- ومنه ما هو من قبيل التقاليد الاجتماعية، التي تسري في سلوك الأفراد بعامل التقليد المحض، أو بقوة التأثير الاجتماعي، وقد تكون هذه التقاليد حسنة، وقد تكون سيئة.


وحين تكون قوة التأثير الاجتماعي هي العامل في ممارسة السلوك؛ فإن السلوك حينئذ يرجع إلى نوع الطاعة للمجتمع، في أوامر وتكاليف غير منصوص عليها في العبارة.

وهكذا تبين لنا أن السلوك الإرادي الإنساني له أنواع شتى، فليس كل سلوك مظهراً من مظاهر الأخلاق في النفس الإنسانية.

يضاف إلى ذلك أنه ربما يكون المظهر السلوكي الواحد أثراً لموجه أخلاقي تارة، وأثراً لغير ذلك تارة أخرى.)
 
رد: موسوعة الاخلاق في الإسلام

اكتساب الأخلاق الإسلامية


الأخلاق فطرية ومكتسبة وحظوظ الناس من الطبائع النفسية التي فطروا عليها حظوظ متفاوتة؛ هذه حقيقة ملاحظة لدى كل من يتعامل مع الناس، وتكاد تكون من البديهيات. فالناس كما تتفاوت حظوظهم من الذكاء الفطري، وتتفاوت حظوظهم الجسدية قوة وضعفاً، وطولاً وقصراً، وبدانة ونحولاً، وصحة وسقماً، وجمالاً ودون ذلك، فإن حظوظهم من الطبائع النفسية الخلقية وغير الخلقية حظوظ متفاوتة بالفطرة.



إننا نجد مثلاً الخوف الفطري عند بعض الناس أشد منه عند فريق آخر، ونجد الطمع الفطري عند بعض الناس أشد منه عند فريق آخر، ونجد فريقاً من الناس مفطوراً على سرعة الغضب، بينما نجد فريقاً آخر مفطوراً على نسبة ما من الحلم والأناة وبطء الغضب، ونجد حب التملك الفطري عند بعض الناس أقوى منه عند بعض آخر.



هذه المتفاوتات نلاحظها حتى في الأطفال الصغار الذين لم تؤثر البيئة في تكوينهم النفسي بعد.


وقد جاء في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ما يثبت هذا التفاوت الفطري في الطباع الخلقية وغيرها.



منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي:((إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء، والسريع الغضب سريع الفيء، والبطيء الغضب بطيء الفيء، فتلك بتلك، ألا وإن منهم بطيء الفيء سريع الغضب، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء)) .



ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) .

ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود بإسناد صحيح عن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيب)) .



وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الناس معادن)) دليل على فروق الهبات الفطرية الخلقية، وفيه يثبت الرسول صلى الله عليه وسلم أن خيار الناس في التكوين الفطري هم أكرمهم خلقاً، وهذا التكوين الخلقي يرافق الإنسان ويصاحبه في كل أحواله. فإذا نظرنا إلى مجموعة من الناس غير متعلمة ولا مهذبة، أو في وسط مجتمع جاهلي، فإنه لابد أن يمتاز في نظرنا من بينهم أحاسنهم أخلاقاً، فهم خيرهم معدناً، وأفضلهم سلوكاً اجتماعياً، ثم إذا نقلنا هذه المجموعة كلها فعلمناها وهذبناها وأنقذناها من جاهليتها، ثم نظرنا إليها بعد ذلك نظرة عامة لنرى من هو أفضلهم، فلابد أن يمتاز في نظرنا من بينهم من كان قد امتاز سابقاً، لأن العلم والتهذيب والإيمان تمد من كان ذا خلق حسن في أصل فطرته، فتزيده حسن خلق واستقامة سلوك وتزيده فضلاً، ثم إذا جاء الفقه في الدين كان ارتقاء هؤلاء فيما فضلوا به ارتقاء يجعلهم هم السابقين على من سواهم لا محالة، وبذلك تكون فروق النسبة لصالحهم فضلاً وكرماً.



ومنها ما رواه الإمام أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم)).)​
 
رد: موسوعة الاخلاق في الإسلام


قابلية الناس لاكتساب الأخلاق


هل الناس لهم قابلية لاكتساب الأخلاق؟ هنا (يرد سؤالان: الأول: إذا كانت الأخلاق طباعاً فطرية، فلماذا وضع الإنسان تجاهها موضع الابتلاء والتكليف؟


الثاني: إذا كانت الطبائع الإنسانية هي المهيمنة على سلوك الإنسان الشامل للسلوك الأخلاقي وغيره، وهذه الطبائع ذات نسب فطرية متفاوتة، فما هي فائدة التربية الأخلاقية؟ وهل باستطاعة الإنسان أن يعدل من طبائعه الخلقية الفطرية، ويكتسب من الأخلاق ما ليس في فطرته؟



...في الإجابة على السؤالين:


لدينا حقيقة ثابتة لابد من ملاحظتها في مجال كل تكليف رباني: هي أن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، فمسؤولية الإنسان تنحصر في نطاق ما يدخل في وسعه، وما يستطيعه من عمل، أما ما هو خارج عن وسع الإنسان واستطاعته فليس عليه مسؤولية نحوه، يضاف إلى ذلك أن نسبة المسؤولية تتناسب طرداً وعكساً مع مقدار الاستطاعة.



فالقوي يأتي امتحانه على نسبة قوته، وكذلك الضعيف يأتي امتحانه على نسبة ضعفه، وامتحان الذكي على مقدار ما منحه الله من ذكاء، وامتحان الغبي على مقدار غبائه:



أما صور الامتحان فكثيرة مختلفة، فبعض الناس يمتحنه الله بالغنى، وبعضهم يمتحنه بالفقر، وبعضهم يمتحنه بأن يكون قائداً، وبعضهم يمتحنه بأن يكون جندياً، وبعضهم يمتحنه بكثرة البنين، وبعضهم يمتحنه بكثرة البنات، وبعضهم يمتحنه بالصنفين معاً، وبعضهم يمتحنه بالعقم، وهكذا إلى سائر الصور المشحونة بها ظروف الحياة الدنيا.


والله تعالى يمتحن كل إنسان بما يناسبه، وعلى مقدار ما منحه من هبات وعطايا، وعلى مقدار استطاعته الجسدية والنفسية، ثم تكون المحاسبة بعد ذلك على مقدار نسبة الامتحان، ويكون الجزاء العادل على مقدار الطاعة والجهد المبذول نفسياً وجسدياً، أو على مقدار المعصية والجهد الذي كان يمكن بذله في الطاعة.



وميزان الله تعالى لا يضيع منه مثقال ذرة، والعلم الإلهي لا يعزب عنه صغيرة ولا كبيرة من نية أو عمل، والقانون الذي يطبقه الله على المكلفين من عباده، هو المعلن بقوله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7-8]، والمعلن بقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا [الطلاق: 7] وقوله: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286].



فما كان من الطباع الفطرية قابلاً للتعديل والتبديل، ولو في حدود نسب جزئية، لدخوله تحت سلطان إدارة الإنسان وقدرته، كان خاضعاً للمسؤولية، وداخلاً في إطارها تجاه التكاليف الربانية، وما لم يكن قابلاً للتعديل والتبديل، لخروجه عن سلطان إرادة الإنسان وقدرته، فهو غير داخل في إطار المسؤولية تجاه التكاليف الربانية.



وبناء على ذلك فإننا نقول وفق المفاهيم الدينية: لو لم يكن لدى كل إنسان عاقل قدرة على اكتساب حد ما من الفضائل الأخلاقية، لما كلفه الله ذلك.


وليس أمر قدرة الإنسان على اكتساب حد ما من كل فضيلة خلقية بعيداً عن التصور والفهم، ولكنه بحاجة إلى مقدار مناسب من التأمل والتفكير.



أليست استعدادات الناس لأنواع العلوم المختلفة متفاوتة، فبعضهم أقدر على تعلم الفنون الجميلة من بعض، وبعضهم أقدر على تعلم العلوم العقلية من بعض، وبعضهم أقدر على حفظ التواريخ والحوادث أو حفظ النصوص من بعض؟



إنه مع وجود التفاوت الواسع في هذا بين الناس، نلاحظ أن حداً ما من الاستعداد لتعلم كل أنواع العلوم موجود عند كل أقسام الناس المتفاوتين في قدراتهم واستعداداتهم، وفي حدود استطاعة كل منهم يمكن توجيه التكليف، ويمكن الاستفادة من نسبة الاستعداد، فالاستعداد الضعيف بقدره، والاستعداد القوي بقدره.



ونظير هذا الذي نشاهده في الاستعداد للتعلم، نشاهد في الاستعداد الإنساني لاكتساب الأخلاق، فما من إنسان عاقل إلا ولديه قدرة على اكتساب مقدار ما من فضائل الأخلاق، وفي حدود هذا المقدار الذي يستطيعه يكون تكليفه، وتكون مسؤوليته، ثم في حدوده تكون محاسبته ومجازاته.



إن أسرع الناس استجابة لانفعال الغضب، يستطيع بوسائل التربية أن يكتسب مقداراً ما من خلق الحلم، ومتى صمم بإرادته أن يكتسب ذلك فإنه يستطيعه، لذلك فهو مسؤول عن اكتساب ما يستطيعه منه، فإذا هو أهمل تربية نفسه، وتركها من غير تهذيب تنمو نمو أشواك الغاب، فإنه سيحاسب على إهماله، وسيجني ثمرات تقصيره.



وإن أشد الناس بخلاً وأنانية وحباً للتملك، يستطيع بوسائل التربية أن يكتسب مقداراً ما من خلق حب العطاء، ومتى صمم بإرادته أن يكتسب ذلك فإنه يستطيعه، لذلك فهو مسؤول عن اكتساب القدر الواجب شرعاً منه، فإذا هو أهمل تربية نفسه، وتركها من غير تهذيب فإنه سيحاسب على إهماله، وسيجني ثمرات تقصيره.



والمفطور على نسبة كبيرة من الجبن، يستطيع أن يكتسب بالتربية المقترنة بالإرادة والتصميم مقداراً ما من خلق الشجاعة، قد لا يبلغ به مبلغ المفطور على نسبة عالية من الشجاعة، ولكنه مقدار يكفيه لتحقيق ما يجب عليه فيه أن يكون شجاعاً، وضمن الحدود التي هو مسؤول فيها.



وأشد الناس أنانية في تكوينه الفطري، يستطيع أن يكتسب بالتربية المقترنة بالإرادة والتصميم مقداراً ما من الغيرية والإيثار، قد لا يبلغ فيه مبلغ المفطور على محبة الآخرين، والرغبة بأن يؤثرهم على نفسه، ولكنه مقدار يكفيه لتأدية الحقوق الواجبة عليه تجاه الآخرين.



وهكذا نستطيع أن نقول: إن أية فضيلة خلقية، باستطاعة أي إنسان عاقل، أن يكتسب منها بالتربية المقترنة بالإرادة والتصميم، المقدار الذي يكفيه لتأدية واجب السلوك الأخلاقي.



والناس من بعد ذلك يتفاوتون بمدى سبقهم وارتقائهم في سلم الفضائل.


كما أن كل إنسان عاقل، يستطيع بما وهبه الله من استعداد عام، أن يتعلم نسبة ما من أي علم من العلوم وأي فن من الفنون، وأن يكتسب مقداراً ما من أية مهارة عملية من المهارات.


وتفاوت الاستعدادات والطبائع، لا ينافي وجود استعداد عام صالح لاكتساب مقدار ما من أي فرع من فروع الاختصاص، سواء أكان ذلك من قبيل العلوم، أو من قبيل الفنون، أو من قبيل المهارات، أو من قبيل الأخلاق.



وفي حدود هذا الاستعداد العام، وردت التكاليف الشرعية الربانية العامة، ثم ترتقي من بعده مسؤوليات الأفراد بحسب ما وهب الله كلا منهم من فطر، وبحسب ما وهب كلا منهم من استعدادات خاصة، زائدة على نسبة الاستعداد العام.



ولو أن بعض الناس كان محروماً من أدنى حدود الاستعداد العام الذي هو مناط التكليف، فإن التكليف لا يتوجه إليه أصلاً، ومن سلب منه هذا الاستعداد بسبب ما ارتفع عنه التكليف، ضرورة اقتران التكليف بالاستطاعة، كما أوضحت ذلك نصوص الشريعة الإسلامية.



ووفق هذا الأساس، جاءت التكاليف الشرعية بالتزام فضائل الأخلاق واجتناب رذائلها.
ووفق هذا الأساس، وضع الإسلام الخطط التربوية التي تنفع في التربية على الأخلاق الفاضلة، فالاستعداد لذلك موجود في الواقع الإنساني، وإن اختلفت نسبة هذا الاستعداد من شخص إلى آخر. وفي الإصلاح التربوي قد يقبل بعض الناس بعض فضائل الأخلاق بسهولة، ولا يقبل بعضها الآخر إلا بصعوبة ومعالجة طويلة المدى، وقد تقل نسبة استجابته.



فالأخلاق إذن تنقسم إلى قسمين:



الأول: الأخلاق الفطرية.

الثاني: الأخلاق المكتسبة.


فبعض أخلاق الناس أخلاق فطرية، تظهر فيهم منذ أول حياتهم، ومنذ بداية نشأتهم. وبعض أخلاق الناس أخلاق مكتسبة من البيئة الطبيعية، أو من البيئة الاجتماعية، أو من توالي الخبرات والتجارب ونحو ذلك.



ولكن لابد لاكتساب الأخلاق من وجود الاستعداد الفطري لاكتسابها، وشأن الأخلاق في هذا كشأن المهارات الحركية والعضلية، فالعضو الذي لديه استعداد وقابلية فطرية لاكتساب مهارة من المهارات، يمكن أن يغدو بالتدريب والتعليم مكتسباً لهذه المهارة، أما العضو الذي ليس لديه هذا الاستعداد فإنه من المتعذر تدريبه وتعليمه حتى يكتسب هذه المهارة، وكذلك اكتساب الأخلاق.



إن اليد تملك القابلية الفطرية لاكتساب صناعة الكتابة، والمهارات الصناعية والفنية المختلفة، فتدريبها يجدي في تحقيق نسبة من الاكتساب المطلوب، لكن الأذن لا تستطيع أن تكتسب شيئاً من ذلك، لأنها لا تملك الاستعداد الفطري لاكتسابها.



والأرنب مفطور على خلق الجبن والخور، وليس لديه استعداد فطري للتدرب على شجاعة مقاربة من شجاعة الهر، فتدريبه على الشجاعة لا يجدي في اكتسابه خلق الشجاعة.


وكذلك الأفراد من الناس، فمن لا يملك الاستعداد الفطري لاكتساب خلق من الأخلاق، فمن المتعذر أن يكتسبه بأية وسيلة من الوسائل.



والأخلاق الفطرية قابلة للتنمية والتوجيه والتعديل، لأن وجود الخلق بصفة فطرية يدل على وجود الاستعداد الفطري لتنميته بالتدريب والتعليم وتكرر الخبرات، كما أنه يدل على وجود الاستعداد الفطري لتقويمه وتعديله وتهذيبه، بالتدريب والتعليم وتكرر الخبرات، وتشهد لهذه القابلية التجارب التربوية على الإنسان، والملاحظات المتكررة على أفراد الناس من مختلف البيئات الإنسانية.​
 
رد: موسوعة الاخلاق في الإسلام

وسائل اكتساب الأخلاق


1- تصحيح العقيدة:.

2- العبادات:.

3- قراءة القرآن:.

4- التدريب العملي والرياضة النفسية:.

5- التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق:.

6- النظر في عواقب سوء الخلق:.

7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق:.

8- علو الهمة:.

9- الصبر:.

10- الموعظة والنصح:.

11- التواصي بحسن الخلق:.

12- أن يتخذ الناس مرآة لنفسه:.

13- القدوة الحسنة:.

14- مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة:.

15- الغمس في البيئات الصالحة:.

16- الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات:.

17- الضغط الاجتماعي من قبل المجتمع الإسلامي:.

18- إدامة النظر في السيرة النبوية:.

19- النظر في سير الصحابة الكرام وأهل الفضل والحلم:.

20- سلطان الدولة الإسلامية:.​
 
رد: موسوعة الاخلاق في الإسلام

1- تصحيح العقيدة:

العقيدة الصحيحة هي التي تصحح الأخلاق، وتحمي الإنسان من الانزلاق، وليس ذلك إلا في عقيدة السلف أهل السنة والجماعة أصحاب الحديث.


فالسلوك ثمرة لما يحمله الإنسان من معتقد، وما يدين به من دين، والانحراف في السلوك ناتج عن خلل في المعتقد، فالعقيدة هي السنة، وهي الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبما يتفرع عن هذه الأصول ويلحق بها مما هو من أصول الإيمان، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً؛ فإذا صحت العقيدة، حسنت الأخلاق تبعاً لذلك؛ فالعقيدة الصحيحة (عقيدة السلف) عقيدة أهل السنة والجماعة التي تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، وتردعه عن مساوئها.


كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا)) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم)) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة))


2- العبادات:



العبادات هي الأسلوب العملي والوسيلة الأولى في التربية (أي عبادة الله حق العبادة) إلا أن العبادات ليس من وسائل التربية الروحية فقط، ولكنها من وسائل تربية الإنسان المسلم ككل، ففي العبادات تربية جسمية وتربية اجتماعية وتربية خلقية وتربية جمالية وكذلك تربية عقلية...


 
رد: موسوعة الاخلاق في الإسلام

3- قراءة القرآن:


قال الله عز وجل: إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء: 9].


وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى: 52].


وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57].


قال الحافظ ابن كثير: (موعظة أي: زاجر عن الفواحش، (وشفاء لما في الصدور)، أي: من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، (وهدى ورحمة)، أي: محصل لها الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقون الموقنين) .


وقال – جل ثناؤه -: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89].


قال العلامة السعدي:(يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم ) .


وقال العلامة الأمين الشنقيطي: ("هذه الآية الكريمة أجمل الله – جل وعلا – فيها جميع ما في القرآن من الهدي إلى خير طريق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خير الدنيا والآخرة) .


وكم في هذا الكتاب العظيم من توجيه وهداية، فقال سبحانه: وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ [البقرة: 231].


فالقرآن الكريم اشتمل على الأمثال والقصص والعبر هداية لخيري الدنيا والآخرة.



أ- الأمثال القرآنية:



الأمثال القرآنية من أفضل الوسائل لغرس القيم الإسلامية وتهذيب النفوس والأفكار، وتغيير السلوك والاعتبار، ومن خلالها يعيد المرء ترتيب نفسه بالتفكير والإمعان، والعمل على إصلاح النفس وتربيتها...



ب- القصص القرآني:



للقصص القرآني أثر بالغ في نفس القارئ والسامع، تهفو لها النفوس، وتطمئن بها القلوب، وتسمو بها الأرواح، فيها من السحر الأخاذ للسمع والفؤاد، وفيها من الفوائد والعبر والدروس والإرشاد والدلالات لمن أمعن النظر، وألقى السمع وهو شهيد.



قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف: 2-3].
 
رد: موسوعة الاخلاق في الإسلام

4- التدريب العملي والرياضة النفسية:





إن التدريب العملي والممارسة التطبيقية ولو مع التكلف في أول الأمر، وقسر النفس على غير ما تهوى، من الأمور التي تكسب النفس الإنسانية العادة السلوكية، طال الزمن أو قصر.



والعادة لها تغلغل في النفس يجعلها أمراً محبباً، وحين تتمكن في النفس تكون بمثابة الخلق الفطري، وحين تصل العادة إلى هذه المرحلة تكون خلقاً مكتسباً، ولو لم تكن في الأصل الفطري أمراً موجوداً.



وقد عرفنا أن في النفس الإنسانية استعداداً فطرياً لاكتساب مقدار ما من كل فضيلة خلقية، وبمقدار ما لدى الإنسان من هذا الاستعداد تكون مسؤوليته، ولو لم يكن لدى النفوس الإنسانية هذا الاستعداد لكان من العبث اتخاذ أية محاولة لتقويم أخلاق الناس. والقواعد التربوية المستمدة من الواقع التجريبي تثبت وجود هذا الاستعداد، واعتماداً عليه يعمل المربون على تهذيب أخلاق الأجيال التي يشرفون على تربيتها، وقد ورد في الأثر: (العلم بالتعلم والحلم بالتحلم).



وثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله))


روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده:


((ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر))



وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً دل فيه على أن التدريب العملي ولو مع التكلف يكسب العادة الخلقية، حتى يصير الإنسان معطاء غير بخيل ولو لم يكن كذلك أول الأمر.



روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما.
فأنا المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده، حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره.
وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع))



جنتان من حديد: أي درعان.

تراقيهما: التراقي جمع ترقوة، والترقوتان هما العظمان المشرفان بين ثغرة النحر والعاتق. تكون للناس وغيرهم.
فدل هذا الحديث على أن المنفق والبخيل كانا في أول الأمر متساويين في مقدار الدرعين.

أما المنفق فقد ربت درعه بالإنفاق حتى غطت جسمه كله، بخلاف البخيل الذي لم يدرب نفسه على الإنفاق، فإن نفسه تكز، والله يضيق عليه من وراء ذلك، فيكون البخل خلقاً متمكناً من نفسه مسيطراً عليها.


ومن ذلك نفهم أمرين: فطرية الخلق، وقابليته للتعديل بالممارسة والتدريب العملي. إن المنفق كان أول الأمر كالبخيل يشبهان لابسي درعين من حديد متساويين ويبدو أن الدرع مثال لما يضغط على الصدر عند إرادة النفقة، فمن يتدرب على البذل تنفتح نفسه كما يتسع الدرع فلا يكون له ضغط، وأما من يعتاد الإمساك فيشتد ضاغط البخل على صدره، فهو يحس بالضيق الشديد كلما أراد البذل، ومع مرور الزمن يتصلب هذا الضاغط.


واعتماداً على وجود الاستعداد الفطري لاكتساب الخلق، وردت الأوامر الدينية بفضائل الأخلاق، ووردت النواهي الدينية عن رذائل الأخلاق.


ولكن من الملاحظ أنه قد يبدأ التخلق بخلق ما عملاً شاقاً على النفس، إذا لم يكن في أصل طبيعتها الفطرية، ولكنه بتدريب النفس عليه، وبالتمرس والمران، يصبح سجية ثابتة، يندفع الإنسان إلى ممارسة ظواهرها اندفاعاً ذاتياً، دون أن يجد أية مشقة أو معارضة أو عقبة من داخل نفسه، ولئن وجد شيئاً من ذلك فإن دافع الخلق المكتسب يظل هو الدافع الأغلب، بشرط أن يكون التخلق قد تحول فعلاً إلى خلق مكتسب.


وليس التدريب النفسي ببعيد الشبه عن التدريب الجسدي، الذي يكتسب به المهارات العملية الجسدية.
 

عودة
أعلى