التصفح للزوار محدود

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة

ســاتيدمــا

Well-known member
رحمة النبي صلى الله عليه وسلمبذوي الاحتياجات الخاصة
أخيرًا التفتالعالم المتحضر في هذا القرن إلى ذوي الاحتياجات الخاصة!! بعدما نحّى جانبًا نظرياتعنصرية، فاسدة، تدعو إلى إهمالهم، بزعم أن هؤلاء -أمثال الصم والبكم والعميوالمعاقين ذهنيًّا- لا فائدة منهم ترتجى للمجتمع.. ولقد قدرت منظمة العمل الدوليةفي تقرير لها عام (2000م) عدد ذوي الاحتياجات الخاصة بأكثر من (610) ملايين نسمة،منهم (400) مليون نسمة في الدول النامية، وفي تقرير للبنك الدولي، تمثل هذه الفئة 15% تقريبًا من نسبة السكان في كل دولة من دول العالم.
الفئات الخاصة في المجتمعات السابقةوإذا نظرنا -سريعًا- إلى تاريخ الغرب مع ذوي الاحتياجات الخاصة، نجد مجتمعات أوروبا القديمة، كروماوإسبرطا قد شهدت إهمالاً واضطهادًا صارخًا لهذه الفئة من البشر، فلقد كانت هذهالمجتمعات -حكامًا وشعوبًا- تقضي بإهمال أصحاب الإعاقات، وإعدام الأطفالالمعاقين.
وكانت المعتقدات الخاطئة والخرافات هي السبب الرئيسي في هذهالانتكاسة، فكانوا يعتقدون أن المعاقين عقليًّا هم أفراد تقمصتهم الشياطين والأرواحالشــريرة. وتبنّى الفلاسفة والعلماء الغربيون هذه الخرافات، فكانت قوانين (ليكورجوس) الإسبرطي و(سولون) الأثيني تسمح بالتخلص ممن بهم إعاقة تمنعه عن العملوالحرب، وجاء الفيلسوف الشهير (أفلاطون) وأعلن أن ذوي الاحتياجات الخاصة فئة خبيثةوتشكل عبئًا على المجتمع، وتضر بفكرة الجمهورية.. أما (هيربرت سبنسر) فقد طالبالمجتمع بمنع شتى صور المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، بزعم أن هذه الفئة تثقلكاهل المجتمع بكثير من الأعباء دون فائدة.
بيد أن العرب -وإن كانوا يقتلونالبنات خشية العار- كانوا أخف وطأة وأكثر شفقة على أهل البلوى والزمنى، وإن كانوايتعففون عن مؤاكلة ذوي الاحتياجات الخاصة أو الجلوس معهم على مائدة طعام.
وفيالوقت الذي تخبط فيه العالم بين نظريات نادت بإعدام المتخلفين عقليًّا وأخرى نادتباستعمالهم في أعمال السخرة اهتدى الشرق والغرب أخيرًا إلى "فكرة" الرعايةالمتكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة.. في ظل هذا كله نرى رسولنا المربي المعلم صلىالله عليه وسلم كيف كانت رحمته لهذه الفئة من بني البشر، وهذا غيض من فيض رسول اللهصلى الله عليه وسلم نحو رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.
رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لذوي الاحتياجاتالخاصةفعن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسولالله إن لي إليك حاجة! فَقَالَ: "يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ،حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ"، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها[1]. وهذا من حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجاتالخاصة..
وفي هذا دلالة شرعية على وجوب تكفل الحاكم برعاية ذوي الاحتياجاتالخاصة، صحيًّا واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، ونفسيًّا، والعمل على قضاء حوائجهم، وسداحتياجاتهم.
ومن صور هذه الرعاية
-
العلاج والكشف الدوري لهم.
-
تأهيلهموتعليمهم بالقدر الذي تسمح به قدراتهم ومستوياتهم.
-
توظيف مَن يقوم على رعايتهموخدمتهم.
ولقد استجاب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لهذاالمنهج النبوي السمح، فأصدر قرارًا إلى الولايات:
"
أن ارفعوا إلىَّ كُلَّ أعمىفي الديوان أو مُقعَد أو مَن به فالج أو مَن به زمانة تحول بينه وبين القيام إلىالصلاة. فرفعوا إليه"، وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويرعاه، وأمر لكل اثنين من الزمنى -من ذوي الاحتياجات- بخادمٍ يخدمه ويرعاه[2] .
وعلى نفس الدرب سار الخليفةالأموي الوليد بن عبد الملك -رحمه الله تعالى-، فهو صاحب فكرة إنشاء معاهد أو مراكزرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة، فأنشأ [عام 707م - 88هـ] مؤسسة متخصصة في رعايتهم،وظّف فيها الأطباء والخدام وأجرى لهم الرواتب، ومنح راتبًا دوريًّا لذوي الاحتياجاتالخاصة، وقال لهم: "لا تسألوا الناس"، وبذلك أغناهم عن سؤال الناس، وعين موظفًالخدمة كل مقعد أو كسيح أو ضرير[3].
الأولوية لهم فيالرعاية وقضاء احتياجاتهموإذا كان الإسلام قد قرر الرعاية الكاملة لذويالاحتياجات الخاصة، والعمل على قضاء حوائجهم، فقد قرر أيضًا أولوية هذه الفئة فيالتمتع بكافة هذه الحقوق، فقضاء حوائجهم مقدم على قضاء حوائج الأصحاء، ورعايتهممقدمة على رعاية الأكفاء، ففي حادثة مشهورة أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبسفي وجه رجل أعمى -هو عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه- جاءه يسأله عن أمرٍ منأمور الشرع، وكان يجلس إلى رجالٍ من الوجهاء وعلية القوم، يستميلهم إلى الإسلام،ورغم أن الأعمى لم يرَ عبوسه، ولم يفطن إليه، فإن المولى تبارك وتعالى أبى إلا أنيضع الأمور في نصابها، والأولويات في محلها، فأنزل سبحانه آيات بينات تعاتب النبيالرحيم صلى الله عليه وسلم عتابًا شديدًا:
يقول الله فيها: ]عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُفَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى[ [عبس: الآيات 1 - 5]
يقول الباحث الإنجليزي "لايتنر" معلقًا على هذا الحادث:
"..
مرة، أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلموحيًا شديد المؤاخذة؛ لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذويالنفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان صلى الله عليه وسلم كما يقول أغبياء النصارىبحقه صلى الله عليه وسلم؛ لما كان لذاك الوحي من وجود!"[4]
وقد كان النبي صلىالله عليه وسلم -بعد ذلك- يقابل هذا الرجل الضرير، فيهش له ويبش، ويبسط له الفراش،ويقول له: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي!"[5]
ففي هذه القصة، نرى علّة المعاتبة؛لكونه صلى الله عليه وسلم انشغل بدعوة الوجهاء عن قضاء حاجة هذا الكفيف، وكانالأولى أن تُقضى حاجته، وتقدم على حاجات من سواه من الناس.
وفي هذه القصة دلالةشرعية على تقديم حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة على حاجات من سواهم.
عفوه صلى الله عليه وسلم عن سفهائهم وجهلائهم:وتجلت رحمةالحبيب صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة، في عفوه عن جاهلهم، وحلمه علىسفيههم، ففي معركة أحد [شوال 3هـ - إبريل 624م]، لما توجه الرسول صلى الله عليهوسلم بجيشه صوب أحد، وعزم على المرور بمزرعة لرجل منافق ضرير، أخذ هذا الأخير يسبالنبي صلى الله عليه وسلم وينال منه، وأخذ في يده حفنة من تراب وقال -في وقاحة- للنبي صلى الله عليه وسلم: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لرميتك بها! حَتىهمَّ أصحاب النبي بقتل هذا الأعمى المجرم، فأبي عليهم -نبي الرحمة- وقال: "دعوه!"[6].
ولم ينتهز رسول الله ضعف هذا الضرير، فلم يأمر بقتله أو حتى بأذيته،رغم أن الجيش الإسلامي في طريقه لقتال، والوضع متأزم، والأعصاب متوترة، ومع ذلك لماوقف هذا الضرير المنافق في طريق الجيش، وقال ما قال، وفعل وما فعل، أبى رسول اللهإلا العفو عنه، والصفح له، فليس من شيم المقاتلين المسلمين الاعتداء على أصحابالعاهات أو النيل من أصحاب الإعاقات، بل كانت سنته معهم؛ الرفق بهم، والاتعاظبحالهم، وسؤال الله أن يشفيهم ويعافينا مما ابتلاهم.

تكريمه ومواساته صلى الله عليه وسلم لهمفعن عائشة رضيالله عنه أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل أوحىإليّ أنه من سلك مسلكًا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه [يعنيعينيه] أثَبْته عليهما الجنة..." [7]
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه، عنالنبي صلى الله عليه وسلم، عن رب العزة - قال: "إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهماضنين، لم أرضَ له ثوابًا دون الجنة، إذا حمدني عليهما"[8].
ويقول النبي صلى اللهعليه وسلم لكل أصحاب الإصابات والإعاقات: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةًفَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَاخَطِيئَةٌ"[9].
ففي مثل هذه النصوص النبوية والأحاديث القدسية، مواساة وبشارةلكل صاحب إعائقة؛ أن إذا صبر على مصيبته، راضيًا لله ببلوته، واحتسب على اللهإعاقته، فلا جزاء له عند الله إلا الجنة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولعن عمرو بن الجموح رضي الله عنه، تكريمًا وتشريفًا له: "سيدكم الأبيض الجعد عمرو بنالجموح" وكان أعرج، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: "كأني أنظر إليكتمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة"، وكان رضي الله عنه يُولِم على رسول الله صلى اللهعليه وسلم إذا تزوج[10].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى اللهعليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى[11] .
وعنعائشة رضي الله عنه أن ابن أم مكتوم كان مؤذنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهوأعمى[12].
وعن سعيد بن المسيب رحمه الله أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوازمناهم، وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوامما في بيوتنا[13] .
وعن الحسن بن محمد قال: دخلت على أبي زيد الأنصاري فأذنوأقام وهو جالس قال: وتقدم رجل فصلى بنا، وكان أعرج أصيبت رجله في سبيل اللهتعالى[14].
وهكذا كان المجتمع النبوي، يتضافر في مواساة ذوي الاحتياجات الخاصة،ويتعاون في تكريمهم، ويتحد في تشريفهم، وكل ذلك اقتداء بمنهج نبي الرحمة صلى اللهعليه وسلم مع ذوي الاحتياجات الخاصة.

زيارته صلى اللهعليه وسلم لهموشرع الإسلام عيادة المرضى عامة، وأصحاب الإعاقات خاصة؛وذلك للتخفيف من معاناتهم.. فالشخص المعاق أقرب إلى الانطواء والعزلة والنظرةالتشائمية، وأقرب من الأمراض النفسية مقارنة بالصحيح، ومن الخطأ إهمال المعاقين فيالمناسابات الاجتماعية، كالزيارات والزواج..
وقد كان رسول الله صلى الله عليهوسلم يعود المرضى، فيدعو لهم، ويطيب خاطرهم، ويبث في نفوسهم الثقة، وينشر علىقلوبهم الفرح، ويرسم على وجوهه البهجة، وتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم في أطرافالمدينة، خصيصًا؛ ليقضي له حاجة بسيطة، أو أن يصلي ركعات في بيت المبتلى تلبيةلرغبته.. فهذا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه -وكان رجلاً كفيفًا من الأنصار- يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: وددتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتيفأتخذه مصلى.
فوعده صلى الله عليه وسلم بزيارة وصلاة في بيته قائًلا -في تواضعجم-: "سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"..
قال عتبان فغدا رسول الله صلى اللهعليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنتُله فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْبَيْتِكَ"، فأشرتُ له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبرفقمنا، فصفنا، فصلى ركعتين، ثم سلم[15] .

الدعاءلهموتتجلى -أيضًا- رحمة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بالفئات الخاصة -من ذوي الاحتياجات- عندما شرع الدعاء لهم، تثبيتًا لهم، وتحميسًا لهم على تحملالبلاء.. ليصنع الإرادة في نفوسهم، ويبني العزم في وجدانهم.. فذات مرة، جاء رجلضرير البصرِ إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.. فقَالَ الضرير: ادعُ اللَّهَ أنْيُعافيني..
قَالَ الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم: "إنْ شِئتَ دَعوتُ، وإنْشِئتَ صبرتَ فهوَ خيرٌ لك".
قَالَ: فادعُهْ. فأمرَهُ أنْ يتوضَّأ فيُحسنَوُضُوءَهُ ويدعو بهذا الدعاء: "الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَمُحَمَّد نبيِّ الرَّحمةِ إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي في حاجتي هذِهِ لتُقْضَىلي، الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ"[16] .
وأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمامرأة تُصرع، فقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَلِي!
فقَال النبيَ صلى الله عليه وسلم : "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِالْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ".
فقالت: أَصْبِرُ. ثم قالت: إِنِّي أَتَكَشَّفُ! فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَاأَتَكَشَّفَ.
فَدَعَا لَهَا صلى الله عليه وسلم [17] .
وهكذا المجتمعالإسلامي؛ يدعو -عن بكرة أبيه- لأصحاب الإعاقات والعاهات وما رأينا مجتمعًا على وجهالأرض يدعو بالشفاء والرحمة لأصحاب الاحتياجات الخاصة، غير مجتمع المسلمين، ممنتربوا على منهج نبي الإسلام!.

تحريم السخريةمنهمكان ذوو الاحتياجات الخاصة، في المجتمعات الأوروبية الجاهلية، مادةللسخرية، والتسلية والفكاهة، فيجد المعاق نفسه بين نارين، نار الإقصاء والإبعاد،ونار السخرية والشماتة، ومن ثَم يتحول المجتمع -في وجدان أصحاب الإعاقات- إلى دارغربة، واضهاد وفرقة.. فجاء الشرع الإسلامي السمح؛ ليحرّم السخرية من الناس عامة،ومن أصحاب البلوى خاصة، ورفع شعار "لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك". وأنزل الله تعالى آيات بينات تؤكد تحريم هذه الخصلة الجاهلية، فقال:
{
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواخَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّوَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُالْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُالظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكِبْر بطر الحق وغَمْط الناس"[18] .."وغمط الناس": احتقارهم والاستخفاف بهم،وهذا حرام، فإنه قد يكون المبتلى أعظم قدرًا عند الله، أو أكبر فضلاً على الناس،علمًا وجهادًا، وتقوى وعفة وأدبًا.. ناهيك عن القاعدة النبوية العامة، الفاصلة: "فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْوَأَعْرَاضَكُمْ"[19].
ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، من تضليلالكفيف عن طريقه، أو إيذائه، عبسًا وسخرية، فقال:
"
مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَأَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ"[20]
فهذا وعيد شديد، لمن اتخذ العيوب الخلقية سببًاللتندر أو التلهي أو السخرية، أو التقليل من شأن أصحابها، فصحاب الإعاقة هو أخ أوأب أو ابن امتحنه الله؛ ليكون فينا واعظًا، وشاهدًا على قدرة الله، لا أن نجعلهمادة للتلهي أو التسلي.

رفع العزلة والمقاطعة عنهم:
فقد كان المجتمعالجاهلي القديم، يقاطع ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعزلهم، ويمنعهم من ممارسة حياتهمالطبيعية، كحقهم في الزواج، والاختلاط بالناس.
فقد كان أهل المدينة قبل أن يبعثالنبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعرج ولا أعمى ولا مريض، وكان الناسيظنون بهم التقذّر والتقزّز. فأنزل الله تعالى:
{
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌوَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىأَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِأُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْبُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْبُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَعَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمبُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةًطَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [النور: 61] [21].
أي ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والأعمى والأعرج، فهؤلاءبشر مثلكم، لهم كافة الحقوق مثلكم، فلا تقاطعوهم ولا تعزلوهم ولا تهجروهم، فأكرمكمعند الله أتقاكم، "والله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم، ولكن ينظر إلىقلوبكم".
وهكذا نزل القرآن، رحمة لذوي الاحتياجات الخاصة، يواسيهم، ويساندهمنفسيًّا، ويخفف عنهم. وينقذهم من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب المعاقين، جراءعزلتهم أو فصلهم عن الحياة الاجتماعية.
وبعكس ما فعلت الأمم الجاهلية، فلقد أحلالإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة الزواج، فهم -والله- أصحاب قلوب مرهفة، ومشاعرجياشة، وأحاسيس نبيلة، فأقر لهم الحق في الزواج، ما داموا قادرين، وجعل لهم حقوقًا،وعليهم واجبات، ولم يستغل المسلمون ضعف ذوي الاحتياجات، فلم يأكلوا لهم حقًّا، ولميمنعوا عنهم مالاً، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
"
أَيُّمَا رَجُلٍتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ؛ فَمَسَّهَا فَلَهَاصَدَاقُهَا كَامِلاً..."[22].

التيسير عليهم ورفع الحرجعنهومن الرحمة بذوي الاحتياجات الخاصة مراعاة الشريعة لهم في كثيرٍ منالأحكام التكليفية، والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: "لا يستوي القاعدون من المؤمنينوالمجاهدون في سبيل الله". قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها "علي" رضي الله عنه (لتدوينها)، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلاً أعمى، قالزيد بن ثابت: فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفخذه علىفخذي، فثقلت عليّ حتى خفت أن ترض فخذي [من ثقل الوحي]، ثم سُرّي عنه، فأنزل الله عزوجل: ]‏غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ[ [23] .
وقال تعالى -مخففًا عن ذوي الاحتياجاتالخاصة-: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَاعَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍتَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباًأَلِيماً} [الفتح: 17 ]
فرفع عنهم فريضة الجهاد في ساح القتال، فلم يكلفهم بحملسلاح أو الخروج إلى نفير في سبيل الله، إلا إن كان تطوعًا.. ومثال ذلك، قصة عمرو بنالجموح رضي الله عنه في معركة أحد، فقد كان رضوان الله عليه رجلاً أعرج شديد العرج،وكان له بنون أربعة، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يومأحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك! فأتى رسول الله صلى الله عليهوسلم فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه. فوالله إنيلأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة! فقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: "أما أنتفقد عذرك الله فلا جهاد عليك"، ثم قال لبنيه: "ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أنيرزقه الشهادة"، فخرج مع الجيش فقتل يوم أحد [24].
بيد أن هذا التخفيف الذييتمتع به المعاق في الشرع الإسلامي، يتسم بالتوازن والاعتدال، فخفف عن كل صاحبإعاقة قدر إعاقته، وكلفه قدر استطاعته، يقول القرطبي:
"
إن الله رفع الحرج عنالأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيالتكليف به من المشي، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثرالمرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك"[25].
ومثالذلك الكفيف والمجنون، فالأول مكلف بجلّ التكاليف الشرعية باستثناء بعض الواجباتوالفرائض كالجهاد.. أما الثاني فقد رفع عنه الشارع السمح كل التكاليف، فعن عائشةرضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّىيَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ" [26].
فمهما أخطأ المجنون أوارتكب من الجرائم، فلا حد ولا حكم عليه، فعن ابن عباس قال: أتي عمر بمجنونة قد زنتفاستشار فيها أناسًا فأمر بها عمر أن ترجم، فمرّ بها على علي بن أبي طالب رضوانالله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم. فقال: ارجعوا بها! ثم أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين! أما علمت أن القلم قد رفع عنثلاثة، عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى. قال: فما بال هذه ترجم؟! قال: لا شيء. قال علي: فَأَرْسِلْهَا. فَأَرْسَلَهَا. فجعلعمر يُكَبِّرُ [27].
هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع ذوي الاحتياجاتالخاصة، في وقت لم تعرف فيه الشعوب ولا الأنظمة حقًّا لهذه الفئة، فقرر -الشرعالإسلامي- الرعاية الكاملة والشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، وجعلهم في سلم أولوياتالمجتمع الإسلامي، وشرع العفو عن سفيههم وجاهلهم. وتكريم أصحاب البلاء منهم، لاسيما من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة ناجحة، وحث على عيادتهم وزيارتهم،ورغب في الدعاء لهم، وحرّم السخرية منهم، ورفع العزلة والمقاطعة عنهم، ويسّر عليهمفي الأحكام ورفع عنهم الحرج. فالله في شريعة الإسلام ونبي الإسلام!.
 
موضوع منتهى الروعة تتجلى فيه عظمة هذا الدين ورحمة الرسول صلى الله عليه وسلم
بهذه الفئة

الحمد لله رب العالمين
 
ce54779375.gif
 
عزيزاتي :
شفاه الصمت , المحبة لدينها , دمعة عمر...
حياكن الله ,
وبارك لي فيكن ,
سررت بمروركن وتعليقاتكن...
دمتن بخير...
 
الإسلام أوجب رعاية ذوي الأحتياجات الخاصة
وتوفير سبل الراحة لهم وأعطائهم الحقوق التي
تكفل لهم حياة شريفة ومريحة ..

بارك الله لك وفيك



أخيك في الله

آلم الأمل
 
أهلاً بك أخي :
ألم الأمل..
حياك الله و بارك فيك...
 
جزاك خيرا ودين مواكب لكل الأحتياجات الزمانيه والمكانيه والبشريه
ودمتم بخير
 
يا اهلاً بكِ غاليتي :
أم الحسن...
دمتِ بسلام..
 
غاليتيَّ :
حنان , امال ...
سلمتما لي ....
 

عودة
أعلى