التصفح للزوار محدود

رسائل إلى أبطال الحياة ( من وحي تجربتي )

ميسون قصاص

Well-known member

إخوتي .. أخواتي ... السّلام عليكم ....​

* رسائل إلى أبطال الحياة *​

إخوتي .. أخواتي : السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
فإنني أحببت أن أتوجّه إليكم برسائل وجّهتها لنفسي قبل أن أوجّهها إليكم من خلال تجربتي التي دامت 35 سنة في مشكلة مرضيّة نادرة الظّهور في مجتمعاتنا فأنا أعاني من اضطراب حركي في سائر الجسد بسبب حمى أصابتني حينما كنت في منتصف الثّالثة من عمري أقعدتني لسنتين قبل أن أعاود المشي ، وحين كبرت كنت أظنّ نفسي أنّني الوحيدة في مجتمعي التي أعاني من هذه المشكلة حتّى جاءني من يقول لي : لست الوحيدة التي تعاني من هذا العَرَض لكنّك ربّما كنت الوحيدة التي تخرج من بيتها وتمارس أعمالها وتظهر أمام النّاس بمشكلتها هذه دون حرج ، فتعجّبتُ حينها وقلت له : ذلك الفضل من الله ثمّ من أمّي رحمها الله وأكرم مثواها، فبفضل احتوائها وحنانها وذكائها الأموميّ الفطري والّذي لم أر له فيمن حولي مثيلاً إلى الآن، أجل .. إلى الآن ، استطاعت أن تجعل من طفلتها المريضة طفلة متميّزة بين أقرانها ، في محيط عائلتها ومدرستها ، وما كانت تلقّبني إلّا بالبطلة ، ولذلك فإنّ لأمّي رحمها الله نصيب في الاسم الّذي أحببته لي ولكم كواحدة منكم وهو ( أبطال الحياة ) .
وكما كان لأمّي دورها المعنويّ فإنّ والدي رحمه الله لم يأل جهداً في محاولة علاجي ومساعدتي على تجاوز مشكلتي وقد سافر بي لهذه الغاية إلى خارج سوريا ، وحيث كنّا نسافر كان يعرضني على أطبّاء ذلك البلد .
ويؤسفني أن أقول أنّي وجدت حالات معاكسة تماماً لأمّهات وآباء حوّلوا أطفالهم الأصحّاء إلى معاقين نفسيّاً واجتماعيّاً وبالتّالي ذهنياً بسبب كثرة الإهمال وعدم الشّعور بالمسؤولية أو كثرة الدّلال وسوء التّربية .
وما زال ينمو في نفسي ما غرسه والداي في داخلي منذ سنين من معاني الإيمان والإرادة والأمل ومحبّة النّاس والخير . رغم أنّي فارقتهما رحمهما الله تباعاً في سنّ الخامسة عشر ممّا جعل حالتي الجسديّة تنتكس بعد كنت أتماثل للشّفاء كما أخبرنا بعض الأطبّاء .
لكنّ الله لا ينسى عباده ، فهناك من أهل الإيمان والخير من كان يثبّت أركاني ويدعمني في المواقف الحرجة من حياتي ، فاستمرّت بسقياهم غراس والدتي رحمها الله بالنّموّ بل وازدادت عطاء وخيراً ، وجاء اليوم الذي افتتحت فيه ساحة ( أبطال الحياة ) في موقع الأخ الكريم الأستاذ (عمرو خالد ) ليمنحني مزيداً من الدّعم المعنويّ من خلال تواصلي مع الجميع أبطالاً وصنّاعاً للحياة في محاولة لصنع غد أفضل لنا جميعاً بإذن الله ، ولله الحمد والمنّة من قبل ومن بعد .
إخوتي ، أخواتي : إنّ تجربتي وبرغم مرارتها كانت من أكبر الدّوافع لي على النّجاح والتّميّز والإبداع ، ولأنّنا ربما نكون أصحاب احتياج أكثر من غيرنا ( من حيث القدرات الجسديّة ) فلا بدّ أن نكون أكثر استخداماً لقدراتنا الفكريّة كبديل عن ما فقدنا من قدرات جسديّة ، لنغدو بذلك من المبدعين ، فكما يقال: الحاجة أمّ الاختراع . وقد أثارتني جملة قالها شابٌّ غربيّ من ( أبطال الحياة ) ـ مبتور الأطراف الأربعة ـ جملة جعلها عنواناً لكتابه بل ولحياته كلّها الحافلة بالإنجازات والإبداعات ، جملة تقول : ( لا عذر لإنسان يعقل) ولا مانع يا إخوتي وأخواتي أن نستفيد من تجربة هذا الشابّ وإن كان غربيّاً ما دام يقدّم لنا تجربة إنسانيّة فريدة ومفيدة لنا ولمجتمعاتنا .
ومن خلال تجربتي أتيت عبر هذا الموقع المتميّز أحمل رسالة أسأل الله أن تكون متميّزة لأناس متميّزين إن شاء الله ، وأرجو الله أن ينفع بها أبطال الحياة وغيرهم من أصحّاء الأبدان والقلوب بإذن الله .

يتبــــــــع بإذن الله​
 
إخوتي .. أخواتي .. أبطال الحياة .. ( المختلفون جسديّاً ـ المتميّزون وجدانياً ) حياكم الله :

عدت إليكم يا برسائلي التي وعدتكم بها وكنت قد وجّهتها إليكم بدافع من المحبة والغيرة والرغبة في تغيير واقعنا جميعاً إلى ما هو أفضل بإذن الله ..

إخوتي... أخواتي :

1) لنعلم جميعاً نحن (أبطال الحياة ) أنّ لدينا مشاكل صحّيّة ما قد تقيّدنا لكنّها حتماً لا تقلّل من كرامتنا الإنسانيّة ، بل على العكس تماماً ، إنّها تزيد من كرامتنا كلّما عملنا على تحدّيها والانتصار عليها بما نملك من إيمان بالله وإرادة وثبات، وكلّما حاولنا التّناغم مع الحياة بطاقات بديلة ، فلنمارس من الأعمال ما يتناسب مع معرفتنا لطاقاتنا الجسميّة والذّهنيّة ولنحاول أن نبدع في ما نجيد من الأعمال فنحن بإذن الله قادرون على ذلك ، ولنعلم أنّ إنكار الواقع أو محاولة إخفائه يرجع على النّفس بالشّقاء وخيبة الأمل ، شأنه شأن العيش في دوّامته .

2) لنستفد من جميع الإمكانيّات العلاجيّة المتاحة لنا ولنتابع مستجدّات العلم في كلّ ما يمكن أن يطوّر حالاتنا الجسديّة والنّفسيّة نحو الأفضل يحدونا في ذلك الأمل والرّجاء وحسن الظّنّ بالله ولنكثر من الدّعاء والتّضرع إلى الله وتلاوة القرآن والصّدقات بأنواعها وإن كان العلم لا يمنحنا الأمل في الشّفاء ، ولنعلم أنّ ما ذكرناه من الوسائل وإن لم ترفعالبلاء فإنّها تضعف سلطانه على أبداننا وأرواحنا ، وتمنحنا مزيداً من الثّواب المدّخر في الآخرة بإذن الله .




يتبع بإذن الله

__________________
 
3) لنكن واثقين من وعد الله لنا بالثّواب العظيم إذا صبرنا فإنّ ذلك يخفّف ما نعانيه من صعوبات وآلام فالله تعالى يقول : (( إنما يوفى الصّابرون أجرهم بغير حساب )) ويقول عزّ من قائل : ((ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين * الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )) وقال رسول الله ( صلّى الله عليه والسّلام ) : ( يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثّواب لو أنّ جلودهم كانت قرضت في الدّنيا بالمقاريض ) وقد سُئل رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم) : أيّ النّاس أشدّ بلاءً قال : (الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل : يبتلى الرّجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً اشتدّ بلاؤه ، وإن كان في دينه رقّة ابتلي على قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتّى يتركَه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ) .


4) لنتجاهل من يتجاهلنا أو ينفر من اختلافنا عنه ، ولنحاول أن لا نحزن من سخرية بعض مرضى القلوب، بل لنحزن على مثل هؤلاء ، لأنّهم أكثر ضعفاً من أن نحاسبهم على تجاهلهم إيّانا أو سخريتهم ، فهم عاجزون عن قبول قضاء الله فينا فكيف يكون حالهم لو نزل هذا القضاء فيهم ، وحينئذ سنعلم كم نفوقهم صبراً وقوّة ، وحبّذا لو استطعنا أن نواجه مزاح البعض وإن كان مزعجاً بروح الفكاهة ومشاعر المنتصر على محنته فإنّنا بذلك نساعدهم على أن ينظروا إلى أبعد من حدود العجز والإعاقة حتّى يتمكّنوا من معرفة ما لدينا من طاقات روحيّة وإبداعيّة ، وما نملك من قدرات وإنجازات لا يملكها كثير من الأصحّاء .
__________________​
 
5 ) لنعلم أنّ عدم قبول بعض النّاس لنا لا يلغي وجودنا فنحن موجودون برضائهم أو عدمه ، فلنخرج إلى الدّنيا ولا ننـزوي على أنفسنا فإنّ ما نتميّز به مدعاة للفخر منّا والاحترام من كثيرين ، ولا يمنعنا خوفنا من أذى البعض من مواجهة الكلّ لأنّنا في ذلك نحجب عن مجتمعاتنا فرصة التغيير نحو قبول الآخر والتّفاعل معه مهما كان الاختلاف ، وقد قال الإمام عليّ (كرّم الله وجهه ) : إذا خفت من شيء فقع فيه .

6) لنحاول أن نعتمد على أنفسنا ما استطعنا حتّى لا نستشعر أنّنا عالة على من حولنا . بل ولنحاول أن نكون إيجابيّين مع الآخرين أيضاً ومتفاعلين مع مشكلاتهم قدر استطاعتنا فإنّ ذلك ينسينا مشكلاتنا ويجعل لنا يداً عليا في مجتمعاتنا إلى جانب احتياجاتنا الّتي تشعرنا أحياناً بأن‍ّنا يدٌ سفلى ، وبذلك نتساوى مع أبناء المجتمع كلّهم فليس من أحد إلاّ وله يدٌ عليا في مواطن قوّته ويد سفلى في مواطن ضعفه.

7) لنأخذ المبادرة بإراحة الآخرين إذا ما شعرنا بأنّ الآخرين مضطربين أو متردّدين عند لحظة المواجهة فإنّ ذلك يزيدنا ثقةً بأنفسنا ، ولا بأس أن نفصح عن مشكلتنا إذا لزم الأمر لأنّ الإنسان بطبيعته يخاف ممّا لا يستطيع فهمه وبالتّالي فهو عدوّ ما يجهل . وقد يستفزّ البعض فضولهم لإثارة أسئلة محرجة قد لا نرتاح إليها فتأتي المبادرة منّا لتزيل الحواجز مع الآخرين ، وتكسر وهم المواجهة لدينا مرّة بعد مرّة .

يتبع بإذن الله ...

__________________
 

8) إذا سمعنا حديث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم ) : ( المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف ، وفي كلٍّ خير ) فلنعلم أنّنا من المعنيّين بالمؤمن القويّ ، فأشدّ النّاس بلاء هم الأشدّ قوّة وصبراً وإرادة وإيماناً لأنّ الله لا يكلّف نفساً إلّا وسعها ولولا علم الله بقوّتنا الرّوحيّة والإيمانيّة ما ابتلانا ليطهّرنا ويقرّبنا ويوفّينا أجورنا بغير حساب بإذن الله .

9) لنعلم أنّ ليس كلّ مصاب هو عقوبة وتعجيل ، وليس كلّ عطاء مكافأة وتفضيل، ولنحاول إبعاد هذه الفكرة عن أذهان أهلنا وذوينا، فكثيراً ما تسيطر هذه الفكرة على عقول المصابين وذويهم في مجتمعاتنا وإذا أردنا أن نؤكّد لهم عدم صحّة فكرتهم فعلينا بالرّضى فإن لم يكن فبالصّبر فإن لم يكن فبالتّصبّر ، فبهذه الخصال تصير المحنة منحة وقرباً ، وبدونها تصير المحنة عقوبة وغضباً . وبهذه الخصال نعين ذوينا على تحسين ظنّهم بربّهم ، وبدل أن نكون بالسّخط في نظرهم ونظر من حولنا عبرة ونكالاً ، نغدو بالرّضى والصّبر آيةً تزداد رونقاً وجمالا ، فلنعمل على إشاعة الفرح والسّرور فيمن حولنا ما استطعنا بدءًا من الابتسامة العذبة والكلمة الطّيّبة فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : ( المؤمن حزنه في قلبه وبشره في وجهه) .

10) لنتأمّل في سورة الكهف في قصّة السّفينة التي ركبها موسى عليه السلام مع الخضر فخرقها الخضر ، ولمّا سأله موسى عليه السّلام عن سبب خرقه لها أجابه : (( أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها ، وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا )) والحقيقة أنّنا كلّنا مساكين وفقراء إلى الله، وأنّ حالنا نحن أبطال الحياة حال أهل هذه السّفينة التي خُرقت ، أعيـبت سفينتا وهي أجسادنا لحكمة قد ندركها أو لا ندركها ، ولا شكّ أنّ حال الدّنيا والهوى والشّيطان وبعض شرار النّاس كحال هذا الملك الغاصب يجرون وراءنا ليغتصبوا إيماننا وأخلاقنا وديننا بإغراءاتهم الكثيرة ، فتأتي حكمة الله لتختار من تبتليه في بدنه ودنياه بينما تبتلي غيره في روحه ودينه ، والحمد لله الّذي جعل مصيبتنا في دنيانا ولم يجعلها في ديننا . فكم من عافية لم تقابل بشكر ساقت صاحبها إلى النّار ، وكم من بلاء قابله صبر ساق صاحبه إلى الجنّة بغير حساب . والله تعالى يقول : (( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ، وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرّ لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) ويقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم ) : ( لا خير في خير بعده النّار ، ولا شرّ في شرّ بعده الجنّة ) فلنصبر إخوتي ولنحتسب ، وما عند الله خير وأبقى .​
 
11) لنذكر أنّ لنا سلفاً صالحاً من أبطال الحياة وعلى رأسهم الأنبياء ، فأيّوب نبيّ الله ابتلي بلاء عظيماً في جسده فكان مثالاً للصّبر يذكره النّاس إلى الآن حين تعرض لهم مشكلة فيقولون : اللّهمّ ألهمنا صبر أيّوب . وما كان يزيد عن قوله : (( ربّ إنّي مسّنيَ الضّرُّ وأنت أرحم الرّاحمين )) فينسب الضّر إلى الضّر نفسه وإلى الشّيطان في آية أخرى أدباً مع الله : (( ربّ إنّي مسّنيَ الشّيطان بنصب وعذاب )) فامتدحه الله تعالى فقال : ((إنّا وجدناه صابراً ، نعم العبد إنّه أوّاب)) وقد تعرّض عليه السّلام إلى سخرية النّاس وتضجّر الزّوجة فلم يقعده ذلك عن دعوة النّاس إلى الله والعمل بما أمره الله ، فشفاه الله وعافاه بصبره ورضاه.
وموسى عليه السّلام والذي كان لا يحسن النّطق حتّى دعا ربّه (( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي )) . وكان فرعون يعيّره وهو من آذاه بتركه يحرق لسانه وهو يضع الجمر في فمه حين كان طفلاً في المهد فيقول : ((أهذا الذي هو مَهين ولا يكاد يُبين)) فصبر على البلاء وعلى أذى فرعون وغيره ممّن سخروا منه ، فاصطفاه الله برسالاته وكلامه وقال تعالى: ((وكلّم الله موسى تكليما)) لذلك سمّي موسى عليه السّلام : (كليم الله) فجاء العطاء من جنس الأخذ ولكن شتّان بين أن يكلّم الله عبده ، وبين أن يكلّمه النّاس ،ورغم أنّ سيّدنا هارون كان هو الأكبر سنّاً والأفصح لساناً إلّا أنّ اصطفاء الله بالنّبوّة جاء لسيّدنا موسى (عليه السّلام ) وإنّما جاءت نبوّة هارون عليه السّلام بدعوة من أخيه موسى : ((واجعل لي وزيراً من أهلي ، هارون أخي )) . ولعلّ أهمّ ما يحتاجه الدّاعية من الأسباب المادّيّة هو فصاحة اللّسان إلّا أنّ مقاييس الله ربّ العباد تختلف عن مقاييس العباد .
وخير الخلق وحبيب الله نبيّنا محمّد ( صلّى الله عليه وسلّم ) والّذي نسعى أن نسير على خطاه كان أعظم النّاس صبراً ورضًى وكانت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا تحدّثت عن مرضه لأصحابه تقول: ( كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوعك ( يتوجّع ) كما يوعك الرّجلان الشّديدان منكم وذلك أنّ له أجران ) وكانت تقول: ( تعلّمت الطّب من جسد رسول الله ) . فهل بعد حبيب الله حبيب ومع ذلك فقد ابتلي في جسده وولده وأصحابه وماله ونفسه .
ولنا أسوة في أبطال الحياة من أصحاب رسول الله كـ ( عمرو بن الجموح ) والّذي لم يقعده عرجه عن الجهاد في سبيل الله وهو المعذور بل كان يقول لكل من أراد أن يثنيه عن الجهاد : ( سأدخل بعرجتي هذه إلى الجنّة ) وقد أشار الرّسول الكريم إلى ذلك بعد استشهاد عمرو بن الجموح (رضي الله عنه ) .
وكذلك لنا أسوة في ( ابن أمّ مكتوم ) مؤذّن الرّسول الّذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول له كلّما لقيه
frown.gif
أهلاً بمن عاتبني فيه ربّي ) .
وأسماء بنت أبي بكر حين عميت وكذلك جابر بن الله وسعد بن أبي وقّاص ، ومع أنّ سعداً كان مجاب الدعوة إلّا أنّه لم يشأ أن يدعو لنفسه بالشفاء وكان يقول : لقضاء الله فــيّ أحبّ إليّ من ردّ بصري .
ونماذج من كبار التّابعين كـ ( عطاء بن رباح ) والذي انتهت إليه فتوى أهل مكّة وكان أسود ، أعور ، أفطس ، أشلّ ، أعرج ، قطعت يده ثمّ عمي ، وكان يجتمع في مجلسه المئات . وفي ذلك حجّة على داعية قرأت له كتاباً يقول فيه : (( لا بدّ للدّاعية أن يكون سليماً من العاهات حتّى لا ينفّر النّاس )) أتراه كان يقول هذا الكلام لو كانت لديه عاهة كما يسمّيها ؟! أم أنّه لم يسمع بعطاء بن رباح رضي الله عنه .
وأمثلة أبطال الحياة من العلماء والحكماء والمبدعين في ماضينا وحاضرنا أكثر من أن تحصى، فما زالت هذه الأمّة .. أمّة الحبيب محمّد تلد همماً جبّارة في أصحّائها والمبتلين ، وكم رأينا أعمًى يقود مبصرا، ومشلولاً يحرّك ويحمّس سالماً ، ولله في خلقه شؤون .
__________________

 
12) وأخيراً أقول : لندرك جميعاً( أصحّاء ومرضى ) أنّ ما تستخدمه مجتمعاتنا من مصطلحات تصفنا بها كـ (عاجز ) ، ( معاق ) ، (معوّق) جميعها غريبة على ثقافتنا جاءتنا من الغرب قبل أن يتحضّر ويسمّينا ( ذوو الاحتياجات الخاصّة ) وكأنّ باقي النّاس في منأى عن العوز والاحتياج من أيّ نوع كان ، وفي الحالين قبل وبعد قمنا بالنّسخ وألصقنا وكلّ مجتمع من مجتمعاتنا انتقى ما يحلو له من المسمّيّات لنا دون أدنى اعتبار لوجودنا ، ودون وعي أو فهم بأنّ تلك المصطلحات لا تمتّ إلينا بأي صلة منطقيّة أو لغويّة أو شرعيّة ، فكلّنا يعلم بالمنطق أنّ كلّ إنسان منّا يعجز عن شيء ويقدر على شيء آخر .. وحتّى القدرات ليست مطلقة وهي تتفاوت من شخص لآخر.. فهل معنى ذلك أنّنا جميعاً نسمّى : عاجزون.. هذا هو المعنى الّذي تصف به مجتمعاتنا نفسها حينما تصفنا به دون أن تدري.. والعجز في اللّغة هو الضّعف أيّاً كان : جسديّاً أو نفسيّاً أو ذهنيّاً أو روحيّاً أو اجتماعيّا أو مادّيّاً أو معرفيّاً .. فلماذا يتّصف به ضعفاء الجسد دون سواهم .. ألضعفٍ في أجسادهم يراه النّاس فيهم بينما يغفلون عن رؤية ما هم فيه أيضاً من العجز والضّعف في أشياء أخرى عديدة ؟!…
وأمّا في ثقافتنا الإسلاميّة فمعنى العجز هو ما جاء على لسان النّبيّ ( صلّى الله عليه وسلّم) حين قال: (والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنّى على الله الأماني ) فهل كان هذا الوصف النّبويّ البليغ يعنينا نحن ضعفاء الأجساد أم أنّه كان وما زال يعني ضعفاء النّفوس ومرضى القلوب والأرواح . بل إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم ) لم يرض من أصحابه أن يقولوا عن رجل ضعيف الذّهن مرّوا به أنّه (مجنون).. بل قال لهم ( لا تقولوا مجنون وقولوا مريض ، المجنون من عصى الله ) فأين مجتمعاتنا اليوم من تلك المعايير النّبويّة الرّبّانيّة .
وكذلك الحال بالنّسبة لمصطلحي ( معاق ) و ( معوّق ) ، فالمعاق هو من يُعاق عن أداء أمر بعائق سواء كان العائق جسديّاً أو غيره … فهل نقول أنّنا جميعاً معاقون .. وهل ترضى مجتمعاتنا أن توصف بذلك رغم أنّ حالها أسوأ بكثير من هذا الوصف للأسف ؟!
وأساساً ليس في ثقافتنا ما يسمّى إعاقة في وصف حالاتنا الجسديّة تحديداً سيما إذا ما تجاوزناها وإن صحّ المصطلح لغة فإنّه لا يجوز أدباً مع الله ، فالله لا يضع العوائق أيّاً كانت أمام النّاس لينهزموا أمامها وهو القائل : ((وما ربّك بظلّام للعبيد )) وإنّما يبلوهم في أنفسهم وأموالهم وذويهم ليتجاوزوا البلاء بنجاح بما منحهم من إيمان وصّبر وإرادة وحين ذلك تنتفي المشكلة بتجاوزها أيّا كانت ، وينال صاحبها الأجر العظيم، وقد قال الله تعالى : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين من قبلكم ، مسّتهم البأساء والضّرّاء وزُلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا متى نصر الله ؟ ألا إنّ نصر الله قريب )) وقد قال رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) : ( الأجر على قدر المشقّة)
فوصف ( الإعاقة ) الذي يطلقه البعض علينا هو في ثقافتنا الإسلاميّة (البلاء) والبلاء هو الامتحان ، سواء كان الامتحان للمريض المصاب أو لذويه ، وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان والله تعالى يقول : (( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم )) ولم يقل : أقواكم أو أذكاكم أو أغناكم.. حاش لله . ولا شكّ أنّ الرّضى والصّبر والاحتساب من علامات التّقوى .
أمّا كلمة ( المعوّق ) فهي الكلمة الأسوأ في حقّ مجتمعاتنا قبل أن تكون الأسوأ في حقّنا ، فالمعوّق هو المثبَّط ، المبالَغ في إعاقته بفعل فاعل .. ولا يعني مجرّد وجود مشكلة قدريّة أنّنا مثبّطون .. بل إنّ مثل تلك المشاكل غالباً ما تكون دافعاً لنا للنّجاح أكثر ، ولا يكلّف الله نفساً إلّا وسعها .
وبهذا فإنّ مجتمعاتنا تشير بأصابع الاتّهام نحوها من خلال ما تصفنا به من التعوّق .. وتلك حقيقة لا يمكنها إنكارها فهناك فئة جاهلة أو متجاهلة من أفراد مجتمعاتنا الذين يبالغون في وضع العوائق والأذى في طريقنا وأحياناً يكونون هم الأذى بعينه بدل أن يعينونا ويميطواعن طريقنا أذى اليأس والإحباط والخوف الّذي يمكن أن يعترينا بين الحين والآخر كأيّ إنسان تعرض له مشكلات وصعوبات ، غافلين عن قول رسولنا الكريم : (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) . ونحن لا نطلب العون من أمثال هؤلاء وإنّما نسألهم أن يكفّوا أذاهم عنّا " فإنّها صدقة منهم على أنفسهم " وهذا المعنى جاء في حديث لرسول الله عدّد فيه أبواباً للخير وكان كلّما ذكر باباً قال له أحد الصّحابة : ( أرأيت إن لم أستطع ) حتّى انتهى الأمر برسول الله أن قال له : " أمسك عن الشّرّ فإنّها صدقة منك على نفسك "
وما ذكرته سالفاً إنّما هو توضيح لنا جميعاً أنّ تلك المسمّيات مسمّيات لا تمتّ إلى الإنسانيّة والمنطق والأخلاق والأديان بصلة.. وهي عبارة عن رسائل سلبيّة مؤذية رفض استخدامها رسولنا الكريم منذ (14) قرن إلّا بحقّها فيمن يستحقّها من ضعفاء الإيمان لا الأجساد . بل إنّه عليه الصّلاة والسّلام كان يختار من الأسماء والصّفات أجملها ، ويغيّر ما كان قبيحاً منها ليبثّ من خلالها رسائل إيجابيّة تمنح النّفوس الأمل والقدرة على التّغيير ، ومن هنا أحببنا أن نتأسّى بنبيّنا وحبيبنا وطبيبنا ( صلّى الله عليه وسلّم ) الّذي سعينا أن نسير على هديه وخطاه في اختيارنا لاسم ( أبطال الحياة ) والّذي نرجو من خلاله أن نبثّ في نفوسنا ونفوس ذوينا ومجتمعاتنا رسائل إيجابيّة تحمل كلّ معاني الأمل والرّجاء وعلوّ الهمّة والبطولة وحبّ الحياة لصنع الحياة ، فلنتجاهل كلّ رسالة سلبيّة مؤذية تأتينا ولنرفضها ولتبق في بريدها حتّى تعود من حيث أتتأو يفنيها الزّمن .. ولنحاول بكلّ ما نملك من إيمان وإرادة وعزيمة أن نتجاوز ما يعيقنا في مجتمعاتنا إذا أردنا أن لا نسمّى ( معاقون ) .. ومن المعلوم أنّ العدّاء الأمهر هو الّذي يقفز فوق الحواجز وإن علت وتعدّدت ، إلّا أنّنا سنغيّر من قوانين السّباق المعروفة .. فكلّما قفزنا عن حاجز سنسعى لإسقاطه لأجل أن نهيّء المضمار لوصول أسرع لمن سيأتي بعدنا ودون عوائق تذكر ، فليس لنا من عذر .. ما دام الله قد وهبنا نعمة الفكر ، ولتحقيق ذلك لا بدّ أن نقرّر ـ من الآن ـ أن نأخذ بزمام المبادرة لتغيير نظرة مجتمعنا إلينا من خلال شعارنا : ( إيمان ، إرادة ، نجاح ) .. كي نفوز في سباقنا سباق الحواجز عن جدارة ونكون بحقّ (أبطال الحياة) الّذين يشاركون في صنع حياة أفضل وغد أجمل للجميع بإذن الله، والله من وراء القصد .

----------------------------------------------------------

أختكم من ( أبطال الحياة ) ميسون قصّاص / سوريا / العمر : 39/ مجازة في القراءات العشر والحديث الشريف والأدب الإنكليزي / كاتبة وشاعرة متخصّصة بأدب الطّفولة / عاملة في المجال الخيري التّطوّعي / عضوة ناشطة في عدد من المواقع الإسلامية .ولله الحمد والمنّة
__________________

 
لا أملك إلا أن أهنيئك يا أختي الحبيبه على هده العقليه و الفكر المميز
رحم الله والدتك و أدخلها فسيح جنانه لأنها كانت سبب لتكوين شخصك المتميز و جعلتك فعلا بطله من أبطال الحياه و ليست كلمه نطقت بها رحمها الله فقط
ياريت كل الأمهات اللواتي رزقهن الله بطفل معاق يتخدن أمك الغاليه مثال نصب أعيونهن
كم أعجبني أسلوبك و كلامك الدي أشعرني أن المعاق ما هو إلا انسان كسائر الناس و لو استخدم فكره ووجد من يعينه على الدرب و السير في الحياه يكون بطل من الابطال
تحيه لكِ ولوالدك و رحم الله الوالده
تحياتي لكِ و تقديري لشخصك الرائع
 
سعداء جداء بإنضماك لنا اختي ميسون فأنت نموذج للتحدي والكفاح وقلم متميز سيثرى منتدانا
اشكرك اختي الكريمه على هذه الرسائل القيمه
نحن في شوق لقرأة المزيد من مواضيعك القيمه
 
اهلا و سهلا بك أختي ميسون في منتدانا الغالي


موضوعك مميز و هده بداية موفقه



اتمنى ان تتحفينا بمواضيعك الرائعه
 
050.gif

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كم اسعدنى تفائلك وثقتك بنفسك اختى الغاليه وكم اسعدنى
اسلوب امك الله يرحمها ويرحم جميع الامهات المسلمين ويرحم امى
ويجعل ماواهم الفردوس الاعلى ان شاء الله رب العالمين
اتمنى لك المزيد من التقدم والثبات اختى الغاليه
من اختك التائبه لله تقبل فائق احترام وتقديري لك
401.jpg
 
أشكركم إخوتي وأخواتي على كلماتكم الطيبة وأنا سعيدة بالمصادفة التي جمعتني بمنتداكم الكريم وإن شاء الله سأعلن عنه في كل موقع أكتب فيه من المواقع الهامة ...
وأحيي بشكل خاص المدير العام وأهنئه على إيجابيته وصبره وإرادته .. ما شاء الله ...
وجزاكم الله جميعاً كل خير .. ومع رسائل جديدة بإذن الله ...
 
أختي الكريمة ميسون كلامك فوق الممتاز
بارك الله فيك ونور طريقك..
ما شاء الله عليك أبدعت في تعبيرك..
رحم الله والداك وجميع موتى المسلمين، وغفر لهم..
نسأل الله الصبر والثبات وراحة البال..
 
هلا وسهلا اختى فيكي

بدايه جميله


كتير اعجبني روح التحدي فيكي والامل


الله يوفقك ويسعدك


يسلمووووووووووووووو على الموضوع الاكثر من رائع


تقبلى منى كل التقدير والاحترام
 
الحمد لله في السراء والضراء
لقد فتحت عقولنا وانرت بصائرنا بمقالتك هذه
اسال الله ان يخفف بها كرب مكروب وييسر بها المعسر
اشكرك اختي الكريمه على ما خطته يداك
واني ادعو كل من عنده مبتلى ان ينسخ هذه المقاله ويعطيها اياه
ولكم في رسول الله اسوه حسنه فقد استهزئ به وقالوا انه ساحر وكاهن ومجنون ولكنه صبر ( هذه للذين يضايقهم استهزاء الناس بهم بسبب ابتلاء الله لهم في اجسادهم
ملاحظه
الايه هي ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) وليس يوم يوفى في النقطه الثالثه
 
ميسون قصاص
شكرا لك على رسائلك التي يعجز اللسان عن وصفها
أتمنى من كل مختلف جسديا ومتميز وجدانيا أن يطلع على هذه الرسائل
 
أخواي الكريمان : طبيعي ، الصقر العماني ...
أشكر لكما كلماتكما الطيبة ودعوتكما لنشر هذه المقالة ... وشكراً لتصحيح الخطأ الكتابي في الآية الكريمة أخي ( طبيعي ) ... وجزاكما الله خيراً ..
 

عودة
أعلى