التصفح للزوار محدود

أشياء تافهة ومثيرة !

تحديت البشر

Well-known member
أشعر أني في كثيرٍ من الأحيان أحتاج إلى الحزن , ليس تشاؤماً لا أبداً أبداً ولكنّه فخٌ جميلٌ أوقع فيه الحرف حتى يسرد ما لديه وتبدو كل الأشياء التي يضجّ بها رأسي عاريةً في منظرٍ شهيٍّ مثير .
وهذا الكلام أرجو أن يكون بيني وبينكم حتى لا يظن الحزن بأني مراوغٌ أو أني متملّقٌ أنال ما أريد بعكس ما أُضمر .
الأسباب لهذا كثيرةٌ ومثيرةٌ يسيل لها لعاب الأمنية وشهيةً للقدر الذي يمكنني معها الحديث طوال الليل عن أشياء مهمةٍ وتافهةٍ الأهم أن تجد طريقها إلى الورق أو الثرثرة أياً كان .
جهزّت كل شيءٍ واستعددت , قرأت قصائد حزينة استمعت إلى غناءٍ حزين , تذكّرت الحروب والكوارث الطبيعية منها وغير الطبيعية .
استنجدت بـ إبراهيم ناجي وابن زيدون وناظم الغزالي وصوت الأرض , ألفيتني عاشقاً مُفارقاً أو رحّالاً يقضي جلّ أيامه وحيداً سوى من حديث نفسه المزعج , تذكرّت مآسي لي وللآخرين .

الإحساس , الإحساس هو ما أحتاجه لأتجرّد منّي أنا بحقيقتي ساعةً من ليل , لأكتب في مسيرة الضوء دون أن يرتعش فمي بحكاياتٍ لا تعني هذا المقصد أبداً , لأكتب في مسيرة الضوء قوافل من نبضٍ منتعشٍ لذلك الشعور الجميل وحسبي أنّي أكون في عمق الوصف ولا أبارحه .
ما أحتاجه بضعٌ رشفاتٍ من الماء لأبقى على قيد الكتابة , لئلا يعتلّ قلمي ولئلا تنزاح عني نوازع هذه الرغبة , لئلا يعتريني الوهن وأركن إلى عدّ النجوم فقط ثم أسند رأسي إلى الجدار وأغفو أو أتابع أشياء خارجةً عن إطار المُراد كإعلانٍ انهزام يتحيّن الفرصة بأيٍ سببٍ كان .
مثل ذلك الشيء الذي يقبع في داخلي وداخلكم أحتاج النبض والأنفاس والأوراق والمحابر كلها فأنا مقبلٌ على قول أشياءٍ غير مهمةٍ , لا يكبح جماحها أي شيءٍ أي شيء حتى رقباء الموت ربما سيقفون منها موقف الإجلال والمهابة وربما سكبوا بعضاً من إحساسٍ لا يعتريهم سوى في ما يفوق ماهم مكلّفون به ! .

* خارج النص : مشهدٌ تافهٌ مملوءٌ بالأسئلة :

يقف في محطة البنزين بجوار سيارته المُجهدة التي ضاعت ملامحها بفعل عوامل الزمن والشقاء والقلّة : " صديق عبّي فل " .
يقف بجسدٍ نحيلٍ وملامح الكدح تخترق وجهه ويبدو أنها أصبحت جزءاً منه وكأني به لا ينام سوى ساعاتٍ قليلةً من يومه . ينظر إلى عداد البنزين وهو يمضي ببطء , من تصرفاته يبدو أنه خلق ليعمل , ليكدح , حياته عملٌ في عمل , النوم استعداداً للعمل , الأكل أثناء العمل , والموت في سبيل العمل والأوصاف هنا هي تجميلٌ لعبارة : " العمل حتى الموت " .
لا وقت للضحك أو عفواً هو من الكماليات التي يجدر به ألا يلتفت إليها فهو لا يملك حقّ هذه الضحكة وإن أراد عليه أن يتنازل عن قوت يومٍ مقابل أن يضحك , حتى البكاء أصبح شريداً في أراضي شعوره فهو لا يُشبعه بذلك القدر الذي يبقيه إنساناً يملك شعوراً ويعبّر عنه مثل غيره .
يخيل إليّ أن عضلات وجهه قد تحجّرت وأصابها الوهن ولو حاول فلربما لم يعرف كيف يبكي أو كيف يضحك أو ربما ضحك وقت البكاء وبكى وقت الضحك ليكون مجال تندّر أو استخفافٍ بعقله .

يمضي ببساطةٍ بدون تعقيدٍ كما جاء هنا بدون تعقيدٍ وبدون أن يكون حضوره شيئاً ذا بال .
مضى ومضيت وأنا تخترق رأسي المثقل الأسئلة كرصاصٍ لا يهدأ في حربٍ قُدر لها ألا تنتهي .

يا للإثارة .. أعتقد أنه مشهدٌ تافهٌ مهم ! , " وانا وش علي ؟! " يكفي أني مغمورٌ بحال امتنانٍ عظيمةٍ له ولكلّ أشكال الحزن الأخرى في الحياة .

,,

أشعر أني كنت غير موفقٍ في ذكر الأشياء التافهة التي لا تعنيكم بشكلٍ أفضل وسأكون أكثر دقةً هنا و أعلم أنّي حين أذكرها سأكون على مشارف أن أكون فيلسوفاً أو حكيماً أو حتى أديباً ينزع نظارته بعد كلّ عبارةٍ يلتقطها الحاضرون ويرى هو فيها نصراً ساحقاً وكأنه غير معالم الحياة أو أضاف لها شيئاً جديداً وخصوصاً أنّ دويّ التصفيق في أرجاء المكان سيكون مكافأة سريعةً مجزلةً بدليل أن شفتاه انفرجتا قليلاً أو أنّه راح يمعن في التجهّم وتقطيب الجبين كأنه معتادٌ على المثير فهو أمرٌ اعتياديٌ لا يجب أن يفرح به ويتبيّن الآخرون هذه السعادة .

أفكار سوداء :

يا لهذا الليل الذي لا ينزاح عن ناظري
يا لهذه الأفكار التي تلتف في مدار فكري
كعاصفةٍ هوجاء لا تحلّ إلا ساحقةً ماحقة
يا لهذه الأصوات الحزينة التي تعبث في داخلي
كأنّات شعبٍ جائعٍ عارٍ حزين
نساه الزمان وغُضّت عنه عيون الطامعين

أعلم مذ فارقتِني أنّ هذا الليل سيعربد في صدري
وأنّ هذا المأسور في رأسي يجد منه لقمةً سائغةً ينهش منها
حتى الشبعة !
وأنا في غيابكِ أشلاءٌ تُعاضِد بعضها في ليلٍ يسحق كلّ مبادرات الحياة
في سكونه الموحش الكئيب يُسلمني لعالمٍ مجنونٍ
وأغدو كشيخٍ كسيرٍ هزّته رياح السنين فتعثّر
ينتظر فرصة بكاء
مضى في طريقٍ غريبٍ يعرفه
وعنّ له بيتٌ قديمٌ أصبح مزار أشباح
أسهب في البكاء
بكى وبكى كطفلٍ صغيرٍ
بكى بمعدّل السنين
التي هجرها البكاء
فاغتالته الذكرى بجرم الحزن !




أذكر أني في سنين مضت فكرت كثيراً في أشياء كثيرة , تافهةٍ ومهمة , أشياء كبيرةٍ وصغيرةٍ , وجلّ الأشياء التي فكّرت فيها صنعت لها في داخلي محفّزاتٍ وظننت أني بذلك أرتقي في سلم العقل درجاتٍ أو أني سأكون مثل أولئك الذين في نهاية أعمارهم يغيرون في حقائق العالم أو أقلّها يشاركون في فرض حقيقةٍ جديدةٍ حتى يُكرموا ولو بعد الموت .
كنت أصحو في الصباح الباكر حينما كنت معتاداً أن أصحو في مثل هذا الوقت وحين كنت في خلافٍ مع الليل دائم . أحتفي بهذه اللحظة وأبارك العاملين في مثل هذا الوقت وأشاركهم لحظات غدوهم بتفاصيلها .
أسرد قصصاً تافهةًً لنفسي أراها مثيرةً ولا أضحك لأني أراني في عمق الجدية حينها , كنت ولا زلت أهوى قصص التاريخ والسياسة والحروب والدم وكنت كلما أوغلت القصة في الموت والدم أنتشيت ثم أضحك ملء شدقي سعادةً ! نعم أضحك بكل ما للغرابة من حضورٍ هنا , ثم بتسللٍ ذكيٍّ أنسلّ إلى وجهٍ جميلٍ آخر اعتقاداً مني أني في يومٍ ما سأكون شاعراً فذاً أو قاصاً يعرف كيف يدغدغ بكلماته قلوب الناس وأرواحهم خصوصاً البنات , اوووه البنات ذلك الجنس اللطيف الذي بمجرد حلول ذكره تشعر أن قوافل من ياسمين هبّت في ذاكرتك والمكان من حولك فتعدل من هندامك وتحفّز قلمك ربما أنّ إحداهنّ في الجانب الآخر وقد استعار الصباح أنفاسها وراح ينشرها في الأرجاء تستيقظ من نومها لتحتفي بكِ و بابتسامةٍ تشرق لها أسارير روحك وتضحك لها حروفك .

هكذا أنا مجنونٌ أتعاطى الحرية مع كلّ شيءٍ وتبدو لي الدنيا شيئاً تافهاً مثيراً بين يدي ! .


أنتِ منتهى إحساسي
ما كان للإحساس بقية
أنتِ شيءٌ من الماضي متعلّقٌ بمستقبلي
أنتِ من ذكرى تخترق أيامي وأحلامي
أنتِ في عمق الأمنية تكمنين
وأنا البحار والأمطار
أنا كلّ شيءٍ يعطي ولا يأخذ
يُبهج ولا يحزن
ما أشكال الفرح عندكِ ؟
ما مقاييسها ؟
ضعيها في كفّةٍ وضعيني في الأخرى !


,,


جربت مرةً أن أحزن فقلت شيئاً مفرحاً , مضحكاً
جربت مرةً أن أحزن فخطر في بالي أن أكافح لأمرٍ قد هجرته .
جربت مرةً أن أحزن فكافأني الحزن أن أهداني فرحةً طويلة الأمد .
فلذلك أنا ممتنٌ لك سيدي الحزن وأحبّ أن أعبّر لك عن عظيم امتناني وتقديري بأن أهديك هذا النص الذي يحتفي بك والذي لا يزيد مستوى تفاهته وإثارته عن مستوى تفاهتك وإثارتك سيدي وعساني أن أنال رضاك دوماً .
 
رد: أشياء تافهة ومثيرة !

الكاتب اديب محترف
ربنا يرزقه السعادة بطاعته و ينفع بقلمه
وتطرق لمواقف بنشوفها كلنا بشكل يومي لكن وقف عندها

مشكورة اختي على النقل الجميل
 
رد: أشياء تافهة ومثيرة !

موضوع في قمة الطرح استفدت منه كثيرا
جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الطيب
وتقبل تحيااتي وسلامي لك
 
رد: أشياء تافهة ومثيرة !

فعلا هذه الاشياء قد تكون تافهة
ولكنها لحظات من الواقع
يعطيك العافية
 

عودة
أعلى